يفرض التغيير المؤسسي على القادة ضرورة التركيز على الأولويات الجديدة وتفويض مرؤوسيهم بتولي شأن الأولويات القديمة وتغيير أسلوب تفاعلهم مع فرقهم؛ لكنني وجدتُ بحكم خبرتي على مدار الأعوام الثلاثين الماضية في تقديم الخدمات الاستشارية والتدريس والتدريب أن القادة لا يولون عملية تطوير السلوكيات المطلوبة لقيادة التغيير المؤسسي سوى القليل من الاهتمام في أغلب الأحيان، ما قد يؤدي إلى عرقلة المبادرات الجديدة.

من المنطقي أن يعتمد القادة في المقام الأول على السلوكيات التي أوصلتهم إلى المكانة التي يتبوؤونها حالياً؛ ولكن لكي ينجحوا في قيادة التغيير، عليهم أن يدركوا أن الظروف قد تملي عليهم أحياناً ضرورة تطوير سلوكياتهم وأن يتصرفوا استناداً إلى هذه الحقيقة.

فقد عدنان وظيفته التي كان يشغل خلالها منصب الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات؛ لأن مشروع التحوّل الذي كان يقوده لم يحقق النتائج المرجوة. ولم تنل سلمى الترقية التي كانت تريدها؛ لأن محاولاتها لتغيير ثقافة شركتها الجديدة استغرقت وقتاً أطول من المتوقع. وكاد يوسف أن يترك الشركة التي عمل بها طوال حياته المهنية بسبب ما اعتبره اختلالاً في القيم.

أوضح كل منهم أسباب فشل تجربته من زاوية مختلفة. قال عدنان إن ظروف السوق السيئة في بلاده جعلت أرقام الإيرادات المتوقعة في الشركة غير منطقية. واعتقدت سلمى أن نشاط سوق العمل في بلدها تسبب في ارتفاع معدل دوران الموظفين في فريقها إلى مستويات أعلى من المتوقع، ما أدى إلى تباطؤ التغيير الثقافي. وألقى يوسف باللوم على القيم الأخلاقية لدى المنتمين إلى الأجيال الشابة من القادة الذين عمل معهم وأسلوبهم في التعامل ما تسبب في عدم قدرته على التأقلم.

لكن الثلاثة لم يدركوا كيف أسهموا هم أنفسهم في تفاقم مشاكلهم تلك.

لتحقيق النجاح، كان على عدنان أن يركّز فقط على الحد من أوجه القصور المؤسسية ويترك مسألة الإيرادات لقائد إدارة المبيعات في مؤسسته. نجح هذا التقسيم الجديد للعمل حتى خسروا صفقة كبيرة. دفع ذلك عدنان إلى التدخل في المبيعات من جديد، ما أدى إلى تقليل اهتمامه بأوجه القصور، وفشلت المؤسسة في تحقيق مستهدفات المبيعات ورفع مستوى الكفاءة.

عُينت سلمى لتحويل ثقافة فريقها الجديد من العقلية البيروقراطية التي لا تهتم بشيء سوى تسلّم الطلبيات وتسليمها إلى عقلية الاستجابة للعملاء بمرونة. أدركت أنها لا تستطيع تحقيق هذه الغاية إلا من خلال الاستماع إلى مخاوف فريقها بشأن التغييرات وتهدئتها. ومع ذلك، وفي مواجهة ارتفاع معدل دوران الموظفين، بدأ صبرها ينفد وعادت إلى الإكثار من الاعتماد على القيادة التوجيهية، ما تسبب في ارتفاع معدل دوران الموظفين أكثر وأكثر.

تولى يوسف منصب المدير الإقليمي بشركته لكي يعيش بالقرب من أسرته الممتدة. كان قد شغل سابقاً منصباً أعلى في الشركة على المستوى العالمي. لم يمانع في الحصول على تعويضات أقل، بل إنه شعر بالامتنان لأن الشركة سمحت له بالمرونة. ومع ذلك، لم يتوقف عن التفكير في كيفية التصرف مع رؤسائه الجدد الذين كانوا أصغر منه سناً وأقل منه خبرة.

تغيير السلوك عملية واضحة المعالم

فشل كلٌّ من عدنان وسلمى ويوسف في إدراك حاجتهم إلى تغيير سلوكهم. كان عدنان وسلمى بحاجة إلى التغيُّر من أجل تنفيذ مشاريع التحول بنجاح، وكان يوسف بحاجة إلى التكيُّف مع منصبه الجديد.

قد يكون تغيير السلوك أمراً صعباً، وهو ما يقرُّ به أي شخص جرّبه من قبل. تسلّط هذه المقالة الضوء على عملية من 4 خطوات لمساعدتك على تغيير سلوكك عند الحاجة. وقد استخدمتها بنجاح مع كلٍّ من القادة والفِرق في ممارساتي الخاصة وفي العديد من البرامج التنفيذية.

الخطوة الأولى: زيادة وعيك الذاتي

لا يستطيع القادة تغيير سلوكهم إلا عندما يكونون على دراية تامة برأي الآخرين فيهم وبحقيقة الأفكار والمشاعر التي يواجهونها في أثناء محاولتهم تنفيذ التغيير.

لم يكن عدنان يعي أن مجلس إدارة مؤسسته كان يرى أن عليه التركيز على فاعلية التكاليف لأنهم رأوا أنه يمثل عنق الزجاجة في عملية المبيعات. ولو كان يعي هذه الحقيقة، لفكّر مرتين قبل معاودة التدخل في إدارة المبيعات.

صُدم عدنان بفقدان وظيفته، حتى إنه قال لي وهو يفكر في فرص العمل المستقبلية: “لا أريد أن يتكرر معي ذلك مجدداً. عندما كانت الأحوال جيدة وكانت الأمور تسير على خير ما يُرام، كنت أطلب من فريقي تقييم سلوكي. وعندما أمست الأمور صعبة، توقفت عن هذا المطلب. قلت لنفسي إنني مشغول جداً. ربما لم أرغب في سماع ما كنت أعلم لا شعورياً أنهم سيقولونه لي”.

قدّم عدنان ملاحظتين مهمتين حول الوعي الذاتي. أولاً: يجب على القادة أن يبحثوا بانتظام عن رأي الآخرين في سلوكهم، وعدم ترك الأمر للمصادفات والظروف الخارجية. ثانياً: عليهم أن يتوخوا الحذر من الأفكار والمشاعر التي تشير إلى أن الآراء التقييمية إما غير ضرورية أو غير مناسبة. ملاحظة مثل هذه الأفكار هي الخطوة الأولى للتغلب عليها.

الخطوة الثانية: تقديم الالتزامات

في حين أن الوعي بسلوكنا في نظر الآخرين قد يكون في حد ذاته حافزاً للتغيير (ومن هنا جاءت مقولة: “المرآة هي أقوى حافز للتغيير”)، فإن تقديم الالتزامات للآخرين يُزيد من احتمالات النجاح.

وجدت سلمى نفسها أمام خيار مصيري عندما علمت أنها لن تحصل على الترقية. يمكنها أن تبحث عن وظيفة أخرى أو البقاء في وظيفتها مع تحسين أدائها في قيادة التغيير الثقافي على أمل الحصول على الترقية في المستقبل. وفي النهاية حسمت أمرها لصالح الخيار الثاني.

شعرت سلمى بأنها كانت تقفز إلى الحلول دون الاستماع بعناية بسبب خوفها المفرط من “إضاعة الوقت”. كانت بحاجة إلى مساعدة للاستماع أكثر. لذا قطعت على نفسها التزاماً أمام مرؤوسيها المباشرين. قالت لهم: “أعدكم أن أستمع أكثر. أعتقد أن هذا سيساعدنا على إجراء التغييرات بدرجة أكثر فعالية؛ لكنني أحتاج إلى مساعدتكم”. وطلبت من أعضاء فريقها أن ينبهوها عندما لا تستمع إليهم.

وفي الأسابيع التالية كانت ذكرى التزامها تقيّدها كثيراً كلما شعرت بالحاجة إلى العودة إلى فكرة حلّ المشاكل بنفسها. وعندما طرحت حلاً عن غير قصد، رد أعضاء فريقها بالابتسام قائلين: “لقد قلتِ إنكِ ستستمعين!”

الخطوة الثالثة: التغلب على التداخل

على الرغم من النوايا الصادقة للتغيير، قد يعاني القادة عندما يواجهون أفكاراً تعرقل نواياهم.

كان منصب يوسف الجديد مديراً إقليمياً أقل بدرجتين وظيفيتين من منصبه السابق في إدارة التسويق على المستوى العالمي. استعد لأداء مهام منصبه الجديد بعقد اجتماع ثنائي مع مديره الجديد ومناقشة كيفية العمل معاً؛ لكنه لم يتوقع ردود فعله على تعليقات زملائه الجدد التي انتقدت السياسات التي أسهم فيها سابقاً.

انتقد مديره الجديد سياسة الشركة التي تطلب من المناطق الإقليمية كلها بيع المنتجات الجديدة، قائلاً إن هذه السياسة لا تراعي واقع منطقتهم. اتخذ يوسف موقفاً دفاعياً؛ لأنه سبق له أن شجع اعتماد هذه السياسة. أجاب: “يتفهم المسؤولون في المقر الرئيسي للشركة الاختلافات بين المناطق الإقليمية، لكنهم لا يزالون بحاجة إلى تحفيز مبيعات المنتجات الجديدة. وما لم يتخذوا هذا القرار، فقد لا يكلّف مسؤولو الفروع الإقليمية أنفسهم عناء بذل الجهد الكافي لبيع هذه المنتجات التي قد تكون ذات قيمة كبيرة”.

شعر مدير يوسف الجديد وزملاؤه بأنه يتحدث إليهم بنبرة متعالية. كانوا يجدون صعوبة بالغة في بيع المنتجات الجديدة الباهظة الثمن في منطقتهم الشديدة الحساسية للأسعار، وشعروا بأن يوسف كان يُفترَض به أن يتخذ موقفاً داعماً لهم أكثر من هذا.

لكن رد فعل يوسف كان متأثراً بأفكار لم يلاحظها، حتى إنه قال لهم ذات مرة: “لقد عملت في المقر الرئيسي للشركة وأفهم استراتيجيتها أكثر منكم”. وتساءل في مرة أخرى مستنكراً: “كيف تجرؤون على التلميح بأن سياساتنا كانت طائشة؟” كانت هذه الأفكار الواقعة تحت سطح وعيه تتداخل مع رغبته في دعم زملائه وأثارت ردود فعل دفاعية هدّامة.

وصفتُ ليوسف العلاج بالقبول والالتزام، وهو علاج معرفي يعتمد على اليقظة الذهنية، وأوضحت له كيف “ينزع فتيل” أفكاره القابلة للانفجار في أي لحظة. تتمثل إحدى الطرق البسيطة لفعل ذلك في إغلاق عينيك وتخيل أنك تنظر إلى الفكرة كما لو أنها تظهر على الشاشة أمامك. وكانت الفكرة التي يبدو أنها تثير حفيظة يوسف أكثر من غيرها هي “أنا أفهم قِيَم هذه الشركة أفضل منكم جميعاً”.

من خلال نزع فتيل هذه الفكرة والأفكار ذات الصلة، استطاع يوسف الفصل بين التعليقات التي تستفزه وتثير رد فعله، ما أدى إلى إجراء محادثات إيجابية أكثر. وبعد أن أوشك يوسف على تقديم استقالته، وجد نفسه يطور شخصيته بدلاً من ذلك ليتحول إلى موجه لزملائه الأصغر منه سناً الذين أرادوا التعلم من تجربته في المقر الرئيسي للشركة، كل ذلك بفضل التخفيف من حدة آثار الأفكار التي لم يكن يلاحظها من قبل.

الخطوة الرابعة: الممارسة

من النادر أن يجد القادة أن بإمكانهم إجراء تغيير على المستوى الشخصي واختيار مسار محدَّد وتنفيذه دون أي مشاكل؛ إذ ينشأ التغيير الناجح عادة من التجربة والخطأ، وهو ما يتطلب ممارسة مدروسة. يتحسن مستوى أداء القادة عندما يمارسون التغييرات الصغيرة المطلوبة بأسلوب مدروس ويتعلمون من التجربة، بدلاً من محاولة إحداث دويّ كبير بإجراء التغييرات المطلوبة كلها دفعة واحدة.

عرفت سلمى أن الاستماع إلى فريقها كان مجرد سلوك واحد من عدة سلوكيات جديدة كان عليها أن تتبناها، كما كانت بحاجة إلى التوقف عن الإدارة التفصيلية، والإكثار من تفويض المهام لمرؤوسيها ومنح فريقها قدراً أكبر من الصلاحيات. أدركت أنها ستجد هذه السلوكيات صعبة، لذا أجرت تغييرات صغيرة بصفة دورية.

كانت تبدأ اجتماع الفريق بجولة سريعة تستعرض خلالها المشاكل التي يرغب أعضاء الفريق في طرحها على الطاولة، أو تطلب من أحد أعضاء الفريق قيادة الاجتماع بدلاً منها. أتاحت لها هذه التغييرات البسيطة فرصاً لتعلم ليس فقط كيفية عمل الفريق، ولكن أيضاً للتعرُّف على رد فعلها. وبمرور الوقت، توصلت سلمى وفريقها إلى نمط عمل أكثر ملاءمة للتغييرات الثقافية التي أرادت شركتها إرساءها.

لا شك في أن تغيير السلوك أمرٌ صعبٌ، لكن على القادة أن يواصلوا التطوُّر إذا أرادوا تحقيق النجاح في خضمّ هذا الكم الهائل من التغيير المؤسسي الذي لا يكاد يتوقف لحظة واحدة. وبمقدور القادة زيادة فرص نجاح مبادرات التغيير المكلَّفين بقيادتها من خلال زيادة وعيهم الذاتي والالتزام بالتغيير والتغلب على الأفكار الهدامة وممارسة سلوكيات جديدة مدروسة بعناية.