ملخص: تمثل البيانات الجيدة والموثوقة في أغلب الأحيان مفتاح نجاح المشاريع المرنة. لكن مدراء المشاريع كثيراً ما يواجهون صعوبة في الحصول على البيانات التي يحتاجون إليها، أو العثور عليها وسط الكثير من البيانات غير ذات الصلة. وقد نفّذت شركة "هانيويل" (Honeywell) مشروعاً عالج هذه المشكلة، ويمكن اعتباره نموذجاً تحتذي به الشركات التي تواجه صعوبة في إنشاء لوحات متابعة مفيدة يمكن أن تساعد مدراء المشاريع على اتخاذ القرارات السليمة. حيث استعانوا برؤى أصحاب المصلحة وأفكارهم في مختلف أفرع المؤسسة، وهو ما عزز نجاحهم في تلبية احتياجات مدراء مشاريعهم من خلال اتباع بعض مبادئ التصميم: 1) البدء برؤى المستخدمين وأفكارهم، 2) هندسة المرئيات والبيانات المطلوبة بطريقة بسيطة، 3) التركيز على جعل الواجهة البينية النهائية سهلة الاستخدام، 4) إنشاء وثائق رسمية سهلة الاستخدام والتدرب عليها.
تتعرض المؤسسات اليوم إلى ضغوط مكثفة لتكييف بنيتها التحتية وعملياتها مع سوق أكثر ديناميكية وأكثر اعتماداً على التقنيات الرقمية. وحتى تستطيع الحفاظ على قدرتها التنافسية، تزايد اعتماد الشركات على أُطر العمل المرنة في إدارة المشاريع، وبات الوصول إلى المعلومات ذات الصلة في حينه أهم من أي وقت مضى. ومن هذا المنطلق، يتزايد اعتماد مدراء المشاريع على لوحات المتابعة القائمة على الأنشطة لإيصال المعلومات في الوقت المناسب وبطريقة ميسورة، ومن ثم إيصالها إلى أصحاب المصلحة المعنيين بالمشروع الذين يريدون فهم كيفية تأثير أنشطة المشروع على أهداف الأداء المؤقتة.
لوحات المتابعة
وتتميز لوحات المتابعة بجاذبيتها التي لا يمكن إنكارها. فهي توفر تقارير رقمية ومرئية في حينه وبطريقة سهلة الفهم لمؤشرات الأداء الرئيسية ذات الصلة بأنشطة المشروع، ما يوفر لأصحاب المصلحة رؤية ناصعة للمقاييس الأساسية التي توضح لهم حالة الأداء في المشروع. وهكذا يسهُل على مدراء المشاريع رؤية التباين بين المقاييس الفعلية والمتوقعة التي تشير إلى مواطن الخلل في العملية، ما يسمح لهم باتخاذ الإجراءات اللازمة بسرعة أكبر للحفاظ على سير العمل بالمشروع. وقد شهدت المكونات الأساسية للوحات المتابعة (مثل مصادر البيانات والتحليلات المحوسبة والقدرة الوظيفية) تطوراً ملموساً أيضاً، إذ أسهم العصر الرقمي في إنتاج مصادر بيانات وصفية إضافية وملخصات بيانات مُعَزّزة في الوقت الحقيقي ومواد مرئية واقعية، وكلها تجعلها مفيدة لشريحة أوسع وأكبر من الجمهور.
لكن، وعلى الرغم من مزاياها الهائلة، فغالباً ما يكتنف لوحات المتابعة بعض المعوقات. فقد تتضمن كماً عظيماً من البيانات، ما يؤدي إلى ظهور معلومات زائدة على الحد ويجعل دعم عملية اتخاذ القرار أمراً صعباً. علاوة على ذلك، فإن تقارير لوحات المتابعة توفر المعلومات بأثر رجعي؛ أي إن المعلومات المتاحة توفر ببساطة تحديثاً للوضع الراهن أو لما حدث في أحد مؤشرات الأداء الرئيسية. وقد يسأل المستخدمون: "لماذا تقع مؤشرات الأداء الرئيسية الخاصة بي في منطقة الخطر؟" أو "ما السبب في هذا التباين الرهيب بين مستوى أدائنا وتقديراتنا؟" لكن الوصول إلى البيانات الأساسية لا يشكّل عادةً جزءاً من القدرة الوظيفية للوحة المتابعة. فقد أثبت بحث أُجري مؤخراً، أن المدراء والمسؤولين التنفيذيين يواجهون صعوبة في استنطاق كافة الدلالات التي تشي بها المعلومات المتوافرة في لوحات المتابعة. ويجد قادة الشركات صعوبة في خلق التوازن المطلوب بين لوحات المتابعة التي تلتقط هذا الكم الكبير لصور المؤشرات التشغيلية أو المالية وتلك المليئة بمؤشرات الأداء الرئيسية التفصيلية أو الحافلة بالتركيز الشديد على مؤشرات معينة.
وعلى الرغم من تزايد الاعتماد على لوحات المتابعة في إدارة المشاريع، فقد لاحظنا أن معظم مدراء المشاريع يشعرون بأن المنصات التحليلية لا تمدهم بالدعم الكافي في عملية صناعة القرار بطريقة تمكنهم من إدارة المشاريع بفاعلية. وقد أجرينا استقصاء للتعرّف عن قرب على أهمية التحليلات المحوسبة في إدارة المشاريع، حصلنا من خلاله على آراء 25 مديراً للمشاريع في عدد من القطاعات، منها قطاعات الأدوية والتصنيع، والتقنيات التكنولوجية، والتكنولوجيا الصحية. حيث أشارت ردودهم إلى أنهم كانوا يعتمدون بشدة على منصات إعداد التقارير هذه، حتى إن معظمهم كان يحرص على استخدامها يومياً تقريباً، وعلى الرغم من ذلك، فقد شعر ثلاثة أرباعهم تقريباً أن لوحات المتابعة المستخدمة لديهم تفتقد الأدوات التي يحتاجون إليها للنجاح.
كانت هذه المشكلة معتادة. وقد عانى أحدنا (دكروز) منها مؤخراً بصفته مديراً أول للتحليلات المحوسبة في شركة "هانيويل". حيث تولى هناك قيادة مبادرة لإعادة تصميم لوحات المتابعة بالشركة لمنح مدراء المشاريع إمكانية الوصول ليس فقط إلى مؤشرات الأداء الرئيسية، وإنما إلى البيانات الوصفية الأكثر تفصيلاً التي تكمن وراءها أيضاً. ومن خلال توفير هذه المعلومات التفصيلية في حينه وبطريقة ميسورة، وجد أن مدراء المشاريع كانوا أكثر قدرة على فهم دلالات مؤشرات الأداء الرئيسية المستخدمة لديهم واستطاعوا وضع توقّعات أكثر دقة للميزانية وإدارة الأداء المستمر لمشاريعهم. ويبدو أن المشاركين شعروا بأن هذه هي الأداة التي يفتقدونها. وإليك ما فعلته الشركة للوصول إلى هذه النتيجة:
إنشاء لوحة متابعة أفضل في "هانيويل"
طوّرت شركة "هانيويل" هذه العملية استجابةً لمشاكل أحد الفرق. إذ كانت تكاليف إحدى مبادرات المشروع تتباين بصورة حادة مع التكاليف المتوقعة. وسرعان ما أدى هذا التباين إلى تدخل قسم الماليات في الشركة بسبب الحاجة إلى تعديل متطلبات رأس المال، ما أدى بدوره إلى بعض التأخير.
بدأت الجهود المبذولة لإصلاح هذا الوضع مع فريق الماليات الذي لاحظ وجود تباين حاد في تقديرات ميزانية المشروع المقترحة. إذ كان مدراء المشاريع يبالغون في توقعاتهم إما بالزيادة أو النقصان، ما أدى إلى ظهور مشكلتين: 1) سببت التوقعات المبالغ فيها بالزيادة سوء توزيع المخصصات الرأسمالية وحرمان الاستثمارات الأخرى من الحصول على التمويل اللازم، 2) أحدثت التوقعات المبالغ فيها بالنقصان، إلى تغيير الطلب على الميزانيات، ما أدى إلى تباطؤ الوقت اللازم لطرح الخدمة.
وقد استطاع فريق البيانات والتحليلات المحوسبة في شركة "هانيويل" تكييف القدرة الوظيفية للوحة المتابعة من أجل دعم صناعة القرار بطريقة فاعلة، وذلك من خلال إشراك أصحاب المصلحة في عمليات التصميم والتنفيذ. فمن خلال توفير لوحة متابعة تفاعلية مصممة بطريقة محددة، أي لوحة متابعة تمكّن المستخدمين من الوصول إلى البيانات ذات الصلة في الوقت الحقيقي تقريباً، يستطيع أصحاب المصلحة الحصول على ما يحتاجون إليه من معلومات تفصيلية في حينه، وذلك لفهم دلالات تباين مؤشرات الأداء الرئيسية، وتمكينهم من إدارة الموارد على نحو أفضل في مختلف جوانب المشروع.
مرحلة التصميم
قرر الفريق إصلاح مشكلة توقّع التكلفة، وذلك من خلال إنشاء لوحة متابعة ذات واجهة أمامية تسمح لمدراء المشاريع بالوصول إلى تفاصيل الحقائق المالية في الواجهة البينية على الفور وبشكل أسرع بكثير من أي وقت مضى. كانت فكرة هذه اللوحة تتمثل في أن إطار العمل المرن الممزوج بالأولويات والمتطلبات المتغيرة يوجب على مدراء المشاريع التحلي بالقدرة والمرونة اللازمتين لفهم كيفية تطور مشاريعهم ومصروفاتها. ومن هذا المنطلق، كان لا بد من تغيير الطريقة التي ينظر بها مدراء المشاريع إلى الموارد المالية للمشاريع ويخططون لها.
البدء برؤى وأفكار المستخدمين:
تمثلت الخطوة الأولى نحو تصميم إطار العمل التحليلي في الفهم الواضح للبيانات الواردة وكيفية اعتماد مدراء المشاريع على هذه البيانات ووصولهم إليها. وكانت المصادر الأساسية للبيانات مستمدة من الإنفاق الداخلي على الموارد والإنفاق الخارجي (مصروفات الشركاء أو المورِّدين، ممثلة في العمالة والتكنولوجيا.. إلخ). وتم سحبها إلى قاعدة بيانات مركزية. وتمثلت الخطوة التالية في تحديد قائمة مؤشرات الأداء الرئيسية أو المقاييس التي يمكن أن يستفيد منها أصحاب المصلحة. تضمَّن ذلك التواصل مع فريق إدارة المشروع لتحديد كيفية تسلسل هذه الخطوات.
الاستفادة من هندسة البيانات:
يتم بعد ذلك تحميل البيانات التي يتم إدخالها في أنظمة المصدر في مستودع بيانات، وهو ما يتطلب تنفيذ عملية الاستخراج والتحويل والتحميل (ETL). وقد استخدم الفريق الهندسي متطلبات التسلسل الإداري التي حددها مدراء المشاريع لإنشاء جداول وروابط ومرشِّحات مختلفة في قاعدة البيانات، وذلك من أجل تغذية لوحة المتابعة بالمواد المرئية. سمح ذلك لطبقة المواد المرئية بالاتصال ببيانات المصدر، ما أتاح القدرة على التفاعل وعرض المعلومات المطلوبة وإنشاء مواد مرئية للمقاييس المطلوبة بصورة أكثر سلاسة.
جعل الواجهة البينية سهلة الاستخدام:
تم دمج علامات التبويب، وهو ما وفّر للمستخدمين دليلاً توجيهياً مكّنهم من التنقل بسهولة، وهكذا استطاع مدراء المشاريع الوصول إلى السمات التفصيلية للعناصر المؤثرة في تكلفة القيادة أو عدد ساعات العمل، إضافة إلى عرض العناصر المؤثرة في التكلفة بمرور الوقت. وتم تحديث مقاييس نشاط المشروع فور حدوثها، ما منح المستخدمين الأدوات اللازمة لدعم صناعة القرار في الوقت الحقيقي تقريباً. وتعمل لوحة المتابعة التفاعلية على ربط مدراء المشاريع بمجموعة متنوعة من البيانات التفصيلية، مثل:
- تحديد ساعات العمل الداخلية المخصصة لمختلف الأنشطة وفقاً للمجال الوظيفي (وصولاً إلى مستوى كل موظف على حدة).
- تكاليف المورّدين أو الشركاء الخارجيين عند حدوثها حسب نوعها (مثل فواتير البرمجيات أو ساعات العمل.. إلخ).
- العناصر المؤثرة في تكلفة موارد المشروع وتباينها مقارنة بالتوقعات المتصوَّرة على أساس يومي وعلى مدار الوقت.
إنشاء الوثائق سهلة الاستخدام والتدرب عليها:
أراد الفريق التحليلي تعزيز استخدام المنصة، ما حدا بأعضائه إلى تقديم الدعم المتواصل لأصحاب المصلحة المعنيين بالمشروع حول كيفية الوصول إلى البيانات عبر لوحة المتابعة وشمل التوثيق الإرشادي للخدمة الذاتية ومحتوى الفيديو الذي يستطيع المستخدمون الوصول إليه بسرعة من أجل الإسراع بكيفية تحديد البيانات التي يحتاجون إليها لفهم استهلاك الموارد.
النتائج
تتمثل أهمية التحليلات المحوسبة عند محاولة طرح لوحة المتابعة في توفير العناصر اللازمة لدعم صناعة القرار، أو ببساطة توفير المعلومات ذات الصلة في حينه حتى يتمكن المستخدمون من فهم المهمات التي يديرونها بدقة. وقد حقق السيناريو الموضح في هذا المشروع هدفه على عدة أصعدة. وحرص فريق التحليلات المحوسبة على مراقبة استخدام لوحة المتابعة بعد نشرها، ولاحظ أن غالبية مدراء المشاريع قد سجلوا الدخول إلى النظام بانتظام، ما يعالج إحدى العقبات الرئيسية أمام نشر الأنظمة (مثل اعتماد المستخدم).
ولاحظ الفريق بمرور الوقت أيضاً تحسُّن مستوى دقة التوقّعات في المشاريع، ما قلل من الارتباك في المشاريع أو توقفها لفترات طويلة والآثار المترتبة على الأنشطة الموازية. وتمثلت أهم النتائج في التخصيص الأمثل للموارد الرأسمالية على مستوى المؤسسة حيث كان مدراء المشاريع مسلحين بالأدوات اللازمة لطلب تمويل إضافي اعتماداً على النطاق الإضافي، ما ساعد على تجنب الإفراط في الميزانية لتغطية التغييرات المحتملة في النطاق ضمن إطار عمل مرن. وقد تم إنجاز ذلك من خلال الوصول إلى معلومات أكثر تفصيلاً عن العناصر المؤثرة في التكلفة بمجرد ظهورها، ما مكّن مدراء المشاريع من الحفاظ على الهيكل الرئيسي للمشاريع المرنة. وكان مدراء المشاريع قادرين في بعض الحالات على تقليص الميزانيات من رأس المال الفائض وغير المُستغَل.
ونظراً لتزايد اعتماد الشركات على الأساليب المرنة، فإن امتلاك البيانات الصحيحة في متناول اليد لاتخاذ القرارات المصيرية يغدو أكثر أهمية. وقد تكون لوحات المتابعة أدوات رائعة لتوجيه مدراء المشاريع على طول الطريق، لكن من الواضح أن الكثير من المدراء يشعرون في الوقت الحالي أنهم لا يملكون كل الأدوات التي يحتاجون إليها. ومع ذلك، ينبغي ألا نطالب هؤلاء الموظفين بالاستجابة لمعلومات غير كاملة في مثل هذه المهمة الحيوية. إذ لا بد من منحهم الأدوات التي يحتاجون إليها للنجاح لأن هذا سيفيد الجميع.