سمعة مدراء الإدارة الوسطى سيئة، فهم متهمون بعرقلة العمل وتطالهم انتقادات لاذعة على اعتبارهم بيروقراطيين ومنخفضي الفعالية، كما يعتبرهم الآخرون المدراء السيئين الذين ينفّرون الموهوبين الجدد، وهم يتحملون غالباً الانتقادات القاسية والأفكار الخاطئة حولهم. مع ذلك، أنا أنظر إلى مدراء الإدارة الوسطى بطريقة مختلفة، فبعد ساعات عديدة من المحادثات مع طلاب ماجستير إدارة الأعمال حول القيادة الأخلاقية، يتبين أن هؤلاء هم مجموعة واسعة ومتماسكة من الأبطال المجهولين الذين يدفعون فِرقهم ومؤسساتهم لاتباع طرق أخلاقية في صناعة القرار واتباع الخيارات السليمة لا الملائمة فقط.
أصبحت الإدارة الوسطى الكفؤة أهم من أي وقت مضى، خاصة في الوقت الذي يتزايد فيه التركيز على القيادة على المستويات جميعها. يتمتع مدراء الإدارة الوسطى في عملهم اليومي بفرصة إنشاء المنظومة الأخلاقية والمعنوية لمؤسساتهم، وقد ظهر ذلك باستمرار في استقصاء أجريته بين عامي 2023 و2024 شمل 198 طالباً وخريجاً في برنامج ماجستير إدارة الأعمال من الذين حضروا محاضراتي حول مقرر التعقيد الأخلاقي في القيادة. عندما طلبت منهم ذكر أمثلة عن القيادة الأخلاقية في الشركات، وصف العديد منهم رؤساء تنفيذيين معروفين من الذين يمكننا بالتأكيد أن نتعلم الدروس من إنجازاتهم الاستثنائية (مثل إيفون شوينارد من شركة باتاغونيا وراتان تاتا من مجموعة تاتا). ولكن شارك المستجيبون في الكثير من الأحيان ذكريات عن رؤسائهم من مدراء الإدارة الوسطى (الحاليين والسابقين) وكيف أحدثوا فرقاً حقيقياً في حياة فِرقهم وصانوا البوصلة الأخلاقية لمؤسساتهم.
سلط طلاب ماجستير إدارة الأعمال الضوء في إجاباتهم على لحظات قصيرة تكررت مرات عديدة مثل "اللفتات العرضية اللطيفة واللبقة والمجاملات البسيطة"، بحسب تعبير كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز، ديفيد بروكس، في وصفه لمدراء الإدارة الوسطى. بالإضافة إلى ذلك، ذكر الطلاب التزام هؤلاء المدراء تجاه فِرقهم بأكملها واستعدادهم للدفاع عنها بطريقة مبتكرة أو التوصل إلى منظور جديد لمعالجة المشكلات حتى في مواجهة الضغوط المتزايدة من المؤسسات أو العملاء. عندما نتخيل هذه اللحظات الصغيرة التي يخلقها آلاف مدراء الإدارة الوسطى، نلاحظ أنهم يتمتعون بالقدرة على تعزيز المنظومة الأخلاقية في المجتمع.
سمة بارزة: الالتزام بالفريق
بالنسبة للقادة الشباب الذين شملهم الاستقصاء، يُظهِر القادة الأخلاقيون التزاماً كبيراً تجاه مرؤوسيهم المباشرين، فردياً أو جماعياً، وكانت هذه هي السمة الأبرز التي تحدث عنها المشاركون في الاستقصاء. تضمنت غالبية التعبيرات وضوحاً عن هذا الالتزام بالتصرفات التي تظهر الاهتمام؛ إذ أشار العديد من المشاركين إلى التأثير الإيجابي للمساندة التي قدمها المدير لهم أو للموظفين الآخرين الذين يمرّون بفترة حداد أو المرضى أو العاجزين. ولكن من السلوكيات الأخرى التي تبيّن الالتزام لاحظنا توخي الحذر في قطع الوعود، والأهم من ذلك الالتزام بها، ودعم الآخرين وتقدمهم، والإنصات باهتمام لمخاوف الموظفين، والحرص على طلب المشورة من مجموعة من الأشخاص في مختلف أنحاء المؤسسة (بغض النظر عن الرتبة) عندما يشكّون بنقص وجهات نظرهم الخاصة.
خلّفت هذه السلوكيات البسيطة نسبياً تأثيراً كبيراً في حياة أعضاء الفريق يتجاوز بكثير مجرد تأثير حادثة واحدة. على سبيل المثال، حظيت إحدى المديرات بالثناء لحرصها على تحديد وتيرة العمل وتوزيعه على الفريق بعناية وإنصاف. بسبب اهتمام هذه المديرة، تطوع الفريق للمساعدة عندما تطلبت مشكلة أو مشروع ساعات عمل إضافية على نحو فوري وعاجل. قال أحد المشاركين في الاستقصاء: "كنت سأتبعها إلى الهاوية، لأن العمل كان أكثر من مجرد نتائج بالنسبة لها، وكانت لطيفة وصادقة ومتفهمة".
سمة بارزة: المواجهة التزاماً بقيم عليا
يتعرض مدراء الإدارة الوسطى غالباً إلى ضغوط شديدة عندما يخضعون للمحاسبة بشأن فعالية فريقهم أو ربحية مشروع أو منتج ما وترشيد تكاليفه. عندما يلتزم هؤلاء بقيمهم ومعاييرهم، حتى بينما يعالجون هذه المخاوف، يلاحظ المرؤوسون المباشرون ذلك ويتعلمون منه كيفية احترام القيم عند السعي إلى التميز. ذكر بعض المستجيبين الشعور بالارتياح الذي حفّزه وضوح المدراء بشأن الالتزام بالنزاهة، سواء بالإصرار على ذكر الحقيقة على الرغم من أنها قد لا تروق للعميل أو بتأكيد أن الفشل الوحيد المرفوض في عالم الأعمال هو الفشل على مستوى الأخلاق والنزاهة.
ذكر بعض المشاركين في الاستقصاء حالات فردية شهدوا فيها المدراء يتخذون موقفاً وتعلّموا منها أنهم قادرون على فعل ذلك أيضاً. على سبيل المثال، وصف أحد المهنيين كيف دُفع زملاؤه إلى "الموافقة ببساطة" عندما طُلب منهم تقديم رأي بسرعة عن تغييرات كبيرة في التقارير المالية، في حين رفض أحد قادة الفريق فعل ذلك، قائلاً بوضوح إن التغييرات المقترحة "معقدة للغاية ولا يمكن تحليلها في يوم واحد"، ما أكسبه احترام الفريق وضَمن أن يتمكن الجميع من النظر في الأمر بعناية أكبر من خلال الإصرار على توفير المزيد من الوقت. من الأمثلة الأخرى رفض إقناع العميل بعمل غير ضروري أو غير مفيد أو ترويجه، إذ يعلم الفريق أن هذا العمل لن يكون قيّماً بالنسبة للعميل على المدى الطويل على الرغم من أنه قد يكون مربحاً للشركة. اكتسب هذا المدير سمعة طيبة باعتباره تاجراً منصفاً، وأصبح نموذجاً يحتذى به في الدفاع عن مصلحة العميل وتبنّي منظور طويل الأمد حول بناء العلاقات.
حظي المدراء باحترام كبير بسبب حمايتهم لثقافة فريقهم من خلال معالجة المشكلات على الفور قبل أن تتسبب بتراجع تماسك الفريق. انتقد هؤلاء الجهات الخبيثة التي هددت سلوكياتها سمعة أصحاب المصلحة وعرّضتهم للمخاطر المالية، وضبطوا سلوك الأفراد الذين كانوا يحجبون المعلومات أو البيانات أو الأفكار المهمة عن أعضاء الفريق الآخرين ليتقدموا أو يحققوا مكاسب شخصية. على الرغم من أن السيناريوهات المذكورة قد تبدو ظرفية، فإن الإجراءات المعنية كانت قابلة للرصد والتكرار، وتدل على سمات مثل الصدق والشفافية والاستعداد للمواجهة لأجل الصالح العام.
كيف تصبح مديراً يحترمه الفريق؟
توفر نتائج الاستقصاء العديد من الأمثلة على مدراء الإدارة الوسطى الذين يتسمون بالسلوكيات الأخلاقية في مسؤولياتهم وتفاعلاتهم اليومية والمدراء الذين يلهمون المدراء الآخرين الذين يرغبون في تحسين أدائهم. تحدّث الكثيرون عن صقل المهارات التي ترتقي بمستوى المدراء وأدائهم في القيادة، خاصة في مجالات مثل صناعة القرار وتحديد الأهداف وتفويض المهام للآخرين وإشراك أعضاء الفريق وتقديم التقييمات وتلقيها، ورفع مستوى الوعي وتعزيز القدرة على التأمل الذاتي.
إن التحول إلى مدير يحظى باحترام الآخرين وإعجابهم ويرونه قدوة أخلاقية يتطلب جهداً مكثفاً. هناك ناحيتان مهمتان على وجه الخصوص: إجراء تقييم ذاتي منتظم لتحديد المكانة الحالية، والعزم على تصحيح العادات والسلوكيات ثم مراقبتها باستمرار.
التقييم: ذاتياً وعلى مستوى الفريق
أولاً، ابدأ بطرح الأسئلة الرئيسية على نفسك حول المخاوف الأخلاقية.
- ما هو التزامي تجاه فريقي بأكمله وكيف أُظهره؟
- هل أظهرت خلال الأشهر الستة الماضية التزاماً واضحاً بقيمة عليا في مواجهة ضغوط العمل اليومية؟
ابحث عن حالات أظهرت فيها بوضوح التزامك بقول الحقيقة والنزاهة واتباع السلوك الأخلاقي في مؤسستك. على سبيل المثال، أثنى أحد المشاركين في الاستقصاء على مدير إدارة وسطى صريح تحدى كبار القادة لوضع سياسات واضحة للبيانات والخصوصية للفريق بأكمله، وأشاد أيضاً بإصرار المدير على اتباع هذه السياسات لحماية العملاء، حتى إذا تطلب ذلك تقديم بعض التنازلات فيما يتعلق بسرعة العمل وتعقيده. يضمن كل من تحديد هذه السلوكيات الأخلاقية ومراجعتها كل ربع سنة أنك تراقب دورك في الحفاظ على الالتزامات الأساسية للفريق وحماية قيمه السامية.
ثانياً، قيّم آليات الموازنة بين الضغوط التي تتعرض لها من كبار القادة من جهة (على سبيل المثال، فيما يتعلق بخفض التكاليف أو تحسين الإنتاجية أو زيادة الإيرادات من خلال إقناع العملاء بشراء منتجات أكثر تقدماً) ودعم فريقك للسعي إلى النجاح والحفاظ عليه بطرق يفخر بها من جهة أخرى (على سبيل المثال، من خلال الوقاية من الاحتراق الوظيفي والحفاظ على المعايير الأخلاقية التي تركز على العملاء). تأمل في الأمثلة التي تبين طريقة مواجهتك لهذه الضغوط وتعاملك معها. هل تتذكر حالة خضت فيها مواجهة ما نيابة عن فريقك أو لصالح العملاء تحت الضغوط الزمنية أو السياسية، من أجل الحفاظ على التميز في الخدمات التي تقدمها؟
على سبيل المثال، وصف مشارك في الاستقصاء يعمل في مجال الخدمات المالية تعامل مديرته المثمر معه عندما طرح سؤالاً بعد تلقيه طلباً بدا غير أخلاقي من أحد زملائه. شكرت المديرة الموظف على إثارة المسألة، و بدلاً من معاقبة الشخص الذي قدم الطلب المشكوك فيه افترضت أن السبب هو نقص التدريب، وعملت على حل المشكلة وقالت للفريق إن النزاهة في العمل هي الأهم، وعززت هذا الاعتقاد علناً وعلى نحو متكرر منذ ذلك الوقت.
اسأل نفسك: ما هي السلوكيات التي يمكنني اتباعها لإظهار الالتزام تجاه فريقي وقيمي العليا؟
اعمل على تحسين نفسك (وفريقك) في المجالات التي تعاني فيها ضعفاً
ستكون محظوظاً إذا كنت تعمل في شركة يحرص فيها زملاؤك باستمرار على إظهار التزامهم بقيم واضحة تركز على اتباع السلوكيات الأخلاقية في أثناء سعيهم إلى تحقيق نتائج جيدة. إذا كان الأمر كذلك، يمكنك البدء بتطوير نفسك وفريقك من خلال البحث عن أمثلة على السلوكيات المرغوبة لدى الآخرين، ثم تحليل الطرق التي اتبعوها للالتزام بهذه السلوكيات.
إذا لم يكن لديك زملاء يمكن الاقتداء بهم، فقد تحتاج إلى العمل بجد لتحديد المبادئ الأخلاقية وآليات صناعة القرار الأخلاقية والتدرب على الالتزام بها. قد تواجه مسائل واضحة تتعلق بالصواب والخطأ، ما يعني أن التحدي، بحسب تعبير ماري جنتيلي، هو التعبير عن قيمك والدفاع عنها علناً بهدف "دفع زملائك إلى التزام النزاهة".
لكن في أغلبية الحالات، من المرجح أن تضطر إلى التوصل إلى طريقة للموازنة بين الالتزامات الأخلاقية المتنافسة، حيث تكون الخيارات كلها صحيحة ولكنها ليست متوافقة. يصف راشوورث كيدر 4 معضلات أخلاقية يمكن التنبؤ بها في كتابه "كيف يتخذ الأشخاص الأخلاقيون القرارات الصعبة؟" (How Good People Make Tough Choices): وهي الفرد مقابل المجتمع، والتركيز على المدى الطويل مقابل التركيز على المدى القصير، والولاء مقابل الحقيقة، والعدالة مقابل الرحمة. كيف تحدد نوع المواقف التي تواجهها في أغلب الأحيان؟ اسأل نفسك: هل تظهر أي من معضلات كيدر في مؤسستي؟ كيف لي أن أساعد فريقي على حل مثل هذه المشكلات؟ هل هناك قيم أخرى تتضارب في المؤسسة وتجعل اتخاذ القرار صعباً؟ كيف يمكنني التعبير عنها للفريق حتى نتمكن من التعامل معها على نحو مثمر؟
تساعد نماذج صناعة القرار مدراء الإدارة الوسطى على تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتحسين أدائهم، وقد أثبت نموذجان فعاليتهما بمرور الزمن وقدرتهما على مساعدة أغلبية المدراء في اتخاذ قرارات أكثر أخلاقية. طوّر النموذج الأول المؤلف وأستاذ أخلاقيات العمل في كلية هارفارد للأعمال، جوزيف باداراكو، الذي قدّم النصح حول اتخاذ أصعب القرارات التي يصعب التمييز فيها بين الصواب والخطأ ويكون رأي القائد الشخصي مهماً جداً. أما النموذج الثاني فهو مبدأ "الأخلاق بمعزل عن الوعظ" الذي طورته لورا ناش، ويركّز على المحادثات التي قد يحتاج المرء إلى إجرائها مع الفريق لتحديد الخطوة التالية. لا يساعد النموذجان المدراء على شحذ مهاراتهم في صنع القرارات الأخلاقية والدفاع عنها فسحب، بل أيضاً ترسيخ ضرورة صنعها بالتعاون مع الفريق. هذا هو أفضل مجال يمكنك فيه البدء ببناء الوعي والدافع الأخلاقيين في القيادة. على سبيل المثال، يمكنك تحفيز التأمل الذاتي، كما ينص النموذجان، من خلال طرح الأسئلة: من نحن (بصفتنا مؤسسة/فريقاً)؟ لمن أعطي ولائي ولماذا؟ ما هي المعايير الأخلاقية التي لا أقبل تجاوزها؟
كما بيّنت نتائج الاستقصاء، الأشخاص الذين يعدّهم طلاب ماجستير إدارة الأعمال قدوات ليسوا من الشخصيات المرموقة التي حققت إنجازات استثنائية فقط، بل هم أبطال مجهولون يعزمون على حمل مسؤولية القرارات الصعبة ويصرّون على تصحيح سلوكيات الآخرين عند الحاجة والتسامح عند الضرورة ويتصرفون بناءً على أن اتباع السلوكيات الأخلاقية هو واجب. شجعنا فريد روجرز أولاً على "البحث عن الأشخاص الداعمين" في فترات القلق والاضطراب المتزايدين، وهذه النصيحة صالحة لكل زمان، وهناك مدراء يُظهرون في أدوارهم ومسؤولياتهم اليومية هذه الشجاعة الأخلاقية التي تثري حياة موظفيهم ومؤسساتهم، حتى تحت الضغط. يستطيع مدراء الإدارة الوسطى أن يحولوا أنفسهم إلى أشخاص مستعدين لاتخاذ القرارات الصعبة مع الحفاظ على قيمهم وقيم مؤسساتهم من خلال دراسة سلوكيات المدراء الأخلاقيين ومحاكاة أفعالهم وتعزيز الوعي بسلوكياتهم وتعاملهم مع الآخرين.