قصة تطور كريم من نقل الأشخاص إلى نقل مفاتيح البيت وإلى شراء أضحية العيد.
كيف تتحقق كريم من السجلات الجنائية للسائقين وكيف تتعامل مع الشكاوى.
خصوصية المرأة في المنطقة العربية ولدت أفكاراً لحمايتها من الإزعاج.
ولدت فكرة "كريم" من تحديين تكاملا في ذهني وذهن شريكي السويدي ماغنوس أولسون. التقيت مع ماغنوس في شركة ماكنزي العالمية حيث كنّا نعمل مستشارين، أنا في مكتبها في باكستان وهو في السويد، وكان ما يجمعنا دوماً هو السفر المستمر لمنطقة الشرق الأوسط بحكم عملنا، وكذلك الرغبة بتأسيس مشروع في المنطقة يكون له أثر مجتمعي مميّز ونجاح تجاري ضخم. وقبل أن تلمع فكرة "كريم" في أذهاننا في مطار الرياض عام 2011، كان ثمة أفكاراً تراود كل واحد منا بمفرده.
ففي بداية تلك السنة تعرض ماغنوس لطارئ صحي أدى إلى تدهور حاد في حالته، ووصل إلى مرحلة أخبره فيها الأطباء أن نسبة نجاح أي عملية لإنقاذه لا تتجاوز 50%. وقد كانت تلك المرحلة مفصلية في حياته، حيث وعد نفسه بأنه إذا استطاع البقاء على قيد الحياة فسيسمّي نفسه "ماغنوس 2.0" أي النسخة الجديدة والمطورة من ماغنوس، واعداً نفسه بأنه سيؤسس مشروعاً ملهماً سيكون بمثابة إرثه الذي سيتركه للعالَم، دون أن تكون لديه أية فكرة عن طبيعة هذا المشروع.
محطات من حياة مدثر شيخة
في مكان آخر من العالم، كنت أعيش حلماً سيلتقى يوماً مع عزيمة ماغنوس. فقد كنّا في عام 2011 نقوم باختيار مقر جديد لمكتب ماكنزي في مدينة كراتشي في الباكستان، وكنا ندرس نوعية عملائنا من الشركات الذين يمكننا أن نقدم خدماتنا لهم. يومها أدركنا أنه توجد شركة باكستانية واحدة فقط في ذلك الوقت تُقدر قيمتها بمليار دولار هي شركة إنغرو (Engro)، طبعاً باستثناء شركات النفط والغاز. كانت تلك الحقيقة صادمة ومحفزة لي في ذات الوقت، فقبل عملي مع ماكنزي كنت قد أمضيت عدة أعوام في وادي السليكون في أميركا، حيث يمكنك أن تجد في كل 100 متر شركة تُقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات، أما في السويد حيث يقيم ماغنوس فهناك العديد من الشركات المليارية الضخمة مثل آيكيا وإريكسون التي يشار إليها بالبنان. أدهشني أنّ بلداً مثل باكستان يعيش فيه 200 مليون شخص ويقع في منطقة واسعة تتوافر فيها الموارد البشرية والمادية، يعجز عن تأسيس شركات محلية ضخمة ناجحة.
في هذا الجوّ المحفزّ والمولد للأفكار اجتمعنا أنا وماغنوس في إحدى رحلاتنا، وسألنا بعضنا: ماذا سنفعل؟ بدأنا بالتفكير في المشاكل التي يمكننا حلها، منطلقين من قاعدة أن "كل مشكلة هي فرصة"، وأنه كلما كبرت المشكلة كبرت معها الفرصة. وخلال نقاشنا استرجعنا يوم وصولنا لمطار الرياض في إحدى رحلات العمل، واستذكرنا كيف كان تأمين المواصلات إلى المدينة أمراً متعباً. فبعد أن تهبط طائرتك وتخرج من المطار، فقد لا تجد السائق هناك ينتظرك، وإن وجدته فقد لا يعلم السائق الاتجاهات والطرقات لكي يوصلك لوجهتك. مشكلة العناوين كانت طبعاً مشكلة عامة في منطقة الشرق الأوسط. وكانت المعاناة تزداد مع سائقي سيارات الأجرة، حينما تجد نفسك مضطراً لأن تدفع لهم بالعملة المحلية، وهم لا يقبلون بطاقات الدفع، ما يعني أنك بحاجة للذهاب إلى الصراف الآلي لسحب مبلغ نقدي قبل أن تركب مع سيارة الأجرة وهكذا. لقد كانت فعلاً عملية مزعجة وغير مبررة بالمطلق. من هنا انطلقنا، وبنينا على خبرتنا كمستشارين في إجراء بعض التحليلات لسوق المواصلات في المنطقة، وأدركنا بسرعة أن سوق المواصلات في المنطقة كبير جداً، وأنه يدرسنوياً مئات مليارات الدولارات. هنا ولدت فكرة مشروعنا، لمساعدة الراكب على طلب سيارة أجرة موثوقة وبأسعار معقولة، وفي الوقت المناسب الذي يرغب به الآن أو لاحقاً.
بالإضافة إلى غايتنا الشخصية وأحلامنا المليارية، فقد كان لدي ولدى ماغنوس رغبة حقيقية في ترك أثر إيجابي في مجتمعنا، وسألنا أنفسنا بتردد إن كانت هذه الفكرة ستحقق ذلك الأثر. سأكون صادقاً وأقول أن هذا الأمر لم يكن واضحاً في البداية. لم يتضح لنا الأمر إلى أن تحدثنا إلى العديد من السائقين في دبي، حينما قررنا أن تكون هذه المدينة المزدهرة الجاذبة للأفكار المبدعة مقراً لانطلاق مشروعنا. أدركنا أن حياة هؤلاء السائقين - ومعظمهم قادمون من الباكستان - مليئة بالتحديات. فقد أتوا إلى هنا واضطروا إلى اقتراض المال من أصدقائهم أو من أشخاص آخرين للحصول على الفيزا والقدوم للعمل في دبي، ليواجههم تحد آخر وهو شراء سيارة، وهذا أمر مكلف جداً، لاسيما وأنهم يرسلون أكثر من 80% مما يكسبونه شهرياً لدعم عائلاتهم في موطنهم وتعليم أبنائهم وتسديد ديونهم. وبهذا، فإن حياتهم مليئة بالصعوبات، ويعيشون حالة دائمة من التوتر انتظاراً للعمل، فأعداد الركاب قد تزداد في بعض الأحيان وتنقص في أحيان أخرى. أمّا الأمر الآخر الذي لم ينتبه إليه الكثيرون، هو أنه لم تكن هناك طريقة للتمايز بين السائقين، فلم يكن هناك حافز للجديين منهم والذين يتعاملون بلباقة تميزهم عن غيرهم من السائقين المهملين الذين لا يهتمون بحالة سياراتهم، ولا يعاملون الركاب بلباقة. هذا ما دار في ذهننا وقتها، ولم يخطر ببالنا أبداً أنه سيأتي يوم بعد خمس سنوات من انطلاقتنا نوفر فيه 300 ألف فرصة عمل في المنطقة كما هو الحال اليوم.
رمضان كريم
وهكذا ولدت فكرة كريم، وأطلقنا عليها هذا الاسم خلال شهر رمضان ومن وحيه. وخلافاً لما قد يظن البعض، فقد كانت الفكرة بعيدة عند التأسيس عن نموذج العمل الذي قامت عليه شركة أوبر. فعندما أطلقنا خدماتنا في عام 2012 لم يكن لدينا تطبيق ولم يكن لدينا نموذج الخدمات عند الطلب، فقد اعتمدنا بداية على الاتصال الهاتفي والتسجيل عبر موقعنا على الإنترنت مستهدفين الشركات التي نعرف معاناتها كما ذكرت سابقاً، بهدف حجز سيارة قبل وقت محدد وليس في الوقت الآني، وهذا ما كان مفيداً لمن يحتاج إلى حجز سيارة في ساعة محددة لتوصله إلى المطار مثلاً. وكانت طريقة الدفع في البداية عن طريق البطاقة الائتمانية أو بطاقات الشحن. أول الأمور التي كان على كريم تلبيتها هي تقديم خدمة الحجز المسبق للسيارات، وقد كان علينا كسب ثقة الزبائن والسائقين من خلال ترسيخ مبدأ المصداقية في العمل وتأمين السيارة التي قد تطلبها قبل ساعة أو قبل ثلاث أو أربع دقائق على حد سواء وبذات الدقة. كنا نعلم أن ذلك سيكون صعباً، لكن إذا كان هذا الأمر قابلاً للتطبيق في العالم، فلم لا يكون قابلاً للتطبيق في منطقتنا؟
انتشرت خدمة "كريم" بشكل أوسع بين الشركات وبدأوا باستخدامها على نطاق أوسع، وعند انتشار الهواتف الذكية، بدأ زبائننا يسألوننا إن كان بإمكاننا تطوير تطبيق هاتفي يتيح لهم تتبع الرحلات لحظة قدوم السائق والاستمرار بذلك خلال الرحلة، واقترحوا إضافة خيار قبول البطاقات الائتمانية من خلال التطبيق، وإدخال خدمات إضافية كالطلب المسبق للرحلة. وهذا ما فعلناه. ومع ازدياد عدد المستخدمين فقد وجدنا أن عدم امتلاك الكثيرين للبطاقات الائتمانية في المنطقة أمر يحدّ من إمكانيات نموّنا، مما دفعنا لإطلاق خيار الدفع نقداً، وهو خيار استخدمه 90% من حوالي 12 مليون شخص ركبوا مع "كريم" على مدار خمس سنوات. ورغم أن خدمة الدفع النقدي قد تبدو بسيطة، إلا أن ما يحدث خلف الكواليس لدعم هذه الخدمة يعتبر مهمة معقدة وفيها الكثير من المحاذير.
ولا شك أن تطبيق "كريم" مواكب لكلّ التطورات التقنية من ناحية سهولة الاستخدام وسرعة الاستجابة والدقة في المعلومة عن الموقع بالنسبة للراكب والسائق، مما جعله المنصة المفضلة لفئات زبائننا المتنوعة في المنطقة. إلا أن هنالك العديدين الذين لا يرتاحون لاستخدام التطبيقات أو التكنولوجيا في منطقتنا، لذا أنشأنا مراكز اتصال لمن يود طلب "كريم" عن طريق الهاتف عوضاً عن استخدام التطبيق. كما تفهمنا خصوصية رقم الهاتف بالنسبة لبعض الزبائن في المنطقة، فأضفنا مؤخراً خدمة حجب الرقم، تتيح للزبون خياراً في التطبيق يسمح له الاتصال بالكابتن (وهو الاسم الذي نطلقه على السائق) دون كشف الرقم له، وهذه ميزة مهمة مع الأخذ بعين الاعتبار أن أكثر من 70% من مستخدمي كريم في السعودية هم نساء يفضلن عدم مشاركة أرقامهن إلا مع معارفهن وأقاربهن.
لو نظرتَ إلى تاريخ الميزات والخدمات التي أطلقناها، لوجدت أننا كنا نركز دائماً على الاحتياجات والتحديات والمشاكل المحلية، ومن ثم نعمل على حلّها. فهم الثقافة الخاصة بكل بلد كان أمراً محورياً في مسيرة "كريم" والتي أصبحت واحدة من أسرع الشركات التقنية نمواً في المنطقة. هذه الشركة المحلية التي أسسها محليّون، وطورت بفضل الاستجابة لحاجات زبائنها المحليين امتدّ انتشارها بعد مرور 5 أعوام إلى أكثر من 80 مدينة في 13 دولة في المنطقة.
2014
سنة 2014 كان فيها بدايات جديدة عديدة، ولذا فإنني أسميها "نقطة التحول"، فقد كنّا نعمل بشكل حثيث على جمع استثمار يمكنّنا من تطوير التكنولوجيا التي نستخدمها، وكسب زبائن جدد، والتوسع إلى أسواق جديدة. وحصلنا على أول تمويل بحجم 10 ملايين دولار أميركي خلال جولة قادتها مجموعة الطيار للسفر و إس تي سي فنتشرز الاستثمارية التابعة لمؤسسة الاتصالات السعودية. أعطتنا هذه السيولة النقدية الجديدة إمكانية لتوسيع أعمالنا نحو أسواق جديدة وتطوير منصتنا التكنولوجية.
وأول شريك لي ولماغنوس كان عبدالله إلياس من السعودية الذي عمل مثلنا على حلّ مشكلة محلية. كان عبدالله قد أطلق تطبيقاً خاصاً به باسم "عنواني" يحفظ موقع المستخدم ومشاركته بسهولة مع مقدمي خدمات التوصيل للمنازل أو المكاتب ومواقع التجارة الإلكترونية. وجدنا عند عبدالله بيانات ومنصة قوية وفريقاً موهوباً، وبدأنا عام 2013 بالحديث معه عن دمج الشركتين، وخلال أشهر استحوذنا على "عنواني" وانضم عبدالله إلى "كريم" كشريك مؤسس، وهو من القيادات الرئيسية في الشركة اليوم.
تطبيق هاتفي غيّر ثقافة مجتمعات وسياسة حكومات
ثم تابعنا الاستحواذ على العديد من الشركات بما في ذلك الشركة المغربية تاكسي (TAXIII) لحجز السيارات عام 2015، والشركة الباكستانية الناشئة سفاري (Savaree) عام 2016. ومؤخراً استثمرنا نحو 500 ألف دولار في شركة طلب الباصات المصرية "سويفل" Swvl، والتي تأسست قبل ثلاثة أشهر فقط على أيدي محمود نوح، وأحمد صبّاح، ومصطفى قنديل، الذي كان سابقاً جزءاً من فريق "كريم" كمختص في إطلاق خدماتنا في أسواق جديدة.
وقد أثبتت عمليات الاستحواذ والاستثمار فائدتها في تسريع نموّ الشركة وزيادة أرباحها وتوسعها في السوق، وزادت من راغبي الاستثمار في كريم من شركات عريقة توافقت رؤيتها مع المهمة الريادية والهادفة لشركتنا. وقد حققت "كريم" مؤخراً جولتها التمويلية الخامسة والتي جمعت فيها 500 مليون دولار أميركي على دفعتين. نُفّذت الدفعة الأولى بالاشتراك ما بين عملاق التجارة الإلكترونية اليابانية راكوتن (Rakuten) وشركة الاتصالات السعودية. بينما كانت الدفعة الثانية بقيادة شركة المملكة القابضة، وهي شركة استثمارية مقرّها السعودية، بالتعاون مع شركة "دايملر" (Daimler AG)، وهي شركة متعددة الجنسيات لتمويل المركبات المتحركة ومزوّدة لخدمات التنقل. وهكذا، أصبحنا من أوائل شركات التكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط بقيمة تتجاوز المليار دولار.
خدمات جديدة
أدخلت "كريم" تغييراً مرجواً ساهم في تنظيم هذا القطاع الضخم، وهو الذي كان يعاني من فوضى وعدم تنظيم في المنطقة، واستطعنا تحقيق تغيير ثقافي بإخضاع الواقع للتكنولوجيا، فبينما كان الناس يقومون بتحديد الأماكن بمعالم محددة أو بالإشارة إلى السوبر ماركت الفلاني، فقد سمحنا للزبون بإدخال هذه الأماكن إلى خريطة التطبيق على هاتفه الذكي، للمساعدة في تحديد موقعه الذي يريد الانطلاق منه أو الوصول إليه. إلّا أنه يأتي وقت تصبح فيه هذه الأمور من المسلمات البديهية، وعليك دائماً أن تبتكر وتطور خدمات يحتاجها الناس مستفيداً من تلك المنصة الهائلة التي تضم ملايين المستخدمين وقدرات تقنية كبيرة ونمو يبلغ 30% شهرياً.
فواحدة من التجارب التي قمنا بها في السعودية قبل عامين، حيث بادرنا لتسهيل فرصة الحصول على "أضحية العيد" في جدة، فبدل أن تذهب بنفسك إلى المزرعة، بسّطنا الأمر، فقد أصبح بإمكانك الضغط على الزر ليذهب الكابتن إلى المزرعة، ويختار الخروف ويجلبه لك مقطعاً ومقسماً بثلاثة صناديق واحد لك وآخر لجيرانك وآخر لجمعية خيرية. ثم في العام الذي يليه وصلتنا بعض المقترحات بأن يتم توصيل الخروف إلى منازل الزبائن ليلعب أولادهم معه، وبهذا بات بإمكانك أن تشتريَ خروف العيد من "كريم".
أما آخر الخدمات المبتكرة فهي لحلّ مشاكل الأشخاص اليومية في إرسال الطرود الصغيرة من أوراق مهمة وغير ذلك. أطلقنا خدمة أسميناها "صندوق كريم " (Careem Box)، وهي خدمة توصيل جديدة تمكن الزبائن، مقابل 5,5 دولار أميركي، من الحصول مثلاً على مفاتيحهم التي نسوها في مكان ما، وتتبّع واستلام الطرود أو البضائع الصغيرة. كما طرحنا نسخة تجريبية من "كريم غو" (CareemGo) لمجموعة من الزبائن والتي تندرج أسعار رحلاتها تحت فئة الخدمة الاقتصادية لدينا، وتُعتبر الخيار الأكثر توفيراً حتى الآن.
ولأن المستقبل يكاد يتماهى مع الحاضر في هذا الزمن، فقد لذلك أطلقنا خدمة السيارة الإلكترونية الصغيرة (pods) التي تعمل من دون كابتن في معرض جيتيكس (GITEX) خلال عام 2016 بالشراكة مع شركة إيطالية متخصصة بهذا النوع من السيارات هي نيكست فيوتشر (NEXT Future Transportation Inc). ونتوقع أن تنطلق هذه السيارات الإلكترونية العام القادم في شوارع دبي، والتي ستكون بمثابة سوق تجريبية قبل أن نستعدّ لإطلاقها في مدن أُخرى في المنطقة.
كما شجعنا النساء على القيام بدور سائق الأجرة، وهي تجربة نجحنا بتطبيقها في الأردن والباكستان. فقدمنا للنساء عروضاً وعوائد مشجعة، كما دخلت معنا بعض البنوك في الباكستان على سبيل المثال لتقديم قروض الحصول على السيارة للنساء الراغبات بالعمل مع كريم. وفي إطار مسؤوليتنا الاجتماعية، أعلنّا مؤخراً شراكة مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، حيث خصصنا نوعاً معيناً من السيارات يحوّل رحلة الراكب معنا إلى عملية إحسان. إذ من خلال حجز هذا النوع من السيارات، يُضاف مبلغ صغير إلى أجرة ركوب العميل ليتم التبرع به إلى مفوضية اللاجئين للتخفيف من الظروف القاسية التي تواجه اللاجئين في منطقتنا. حيث تقوم بجمع هذه التبرعات وتقديمها للمفوضية بالنيابة عن الركاب الذين تبرعوا بها.
تحديات
ولكن نجاحنا هذا لا يأتي دون تحديات. وأول هذه التحديات: أنّ السوق الذي تعمل فيه "كريم" شديد التنظيم، وهذا يطرح تحديات عند تقديم منتجات أو خدمات جديدة. ولحسن الحظ لا يُعتبر هذا عائقاً رئيسياً لأننا نعتقد تماماً أنّ الامتثال للأنظمة يوفر للناس خدمة تنقّل آمنة وموثوقة. لذلك نعتبر أنفسنا شركاء للحكومات والسلطات المحلية بتأكيد امتثالنا للأنظمة والعمل معاً على تطوير منظومة نقل يستفيد منها جميع الأطراف.
وفي الحالات التي نري فيها أن منتجاتنا وأفكارنا الريادية تسبق التشريعات في بعض الدول، فإننا نعول على الواقع الذي تقدم فيه كريم نفسها كمبتكر لفرص العمل على نطاق واسع، ففي السعودية مثلاً عدد فرص العمل التي نوفرها للسعوديين هي أكثر مما توفره شركة أرامكو السعودية، أما في الباكستان، نحن ملتزمون بتوفير 100 ألف وظيفة خلال العام القادم، وستصل إلى مليون وظيفة بحلول عام 2020. ولأننا ندرك أن خلق فرص ووظائف هو جزء مهم من أجندة الحكومات في المنطقة، فإنني أعتقد أن الحكومات تدرك ضرورة تقديم التسهيلات لشركات الاقتصاد التشاركي وخاصة المحلية منها مثل "كريم"، تشجيعاً منها للشركات الناشئة والريادية الأخرى التي تتطلع لنا وتحذو في مسيرتها نحونا. والعامل الثاني الذي نعول عليه هو اهتمام الحكومات بخدماتنا للنقل في ظل عدم توفر البنية التحتية الصالحة للمواصلات وعدم توفر وسائل النقل المناسبة والكافية مثل القطارات والمترو، وحتى سيارات الأجرة، فنسبتها ما زالت قليلة قياساً بعدد السكان. في الولايات المتحدة تذكر الإحصائيات أن لكل ألف شخص توجد 800 سيارة، بينما في السعودية لكل ألف شخص تتوفر 350 سيارة، أما بالنسبة لمصر فالنسبة أقل من ذلك بكثير.
وخلال عملنا، فإن رسالتنا للحكومات وصناع القرار تتلخص بأنه لدينا طريقة فعالة لبناء منظومة نقل لم يتم التداول بها سابقاً، وأنها تغني عن الكثير من الأساليب القديمة في الحصول على سيارة أجرة. وبحكم أننا لا نمتلك قطارات داخلية في معظم مدن المنطقة، فإننا مع انتشار الهواتف الذكية والخرائط وغيرها من التقنيات الحديثة، أثبتت تجربة "كريم" أنه بإمكاننا المساهمة في تأسيس بنية تحتية تخدم المزيد من المتنقلين اليوميين بالإضافة للأجانب والزوار.
وعلى سبيل المثال، فقد طرحنا في أحد اجتماعاتنا مع وزارة النقل والمشرعين في إحدى المدن، حلاً آخر لخطتهم التي طرحوها لإنشاء مترو بتكلفة 700 مليون دولار، بهدف نقل 200 ألف شخص يومياً. إذ أكّدنا لهم أنه باستثمارهم هذا المبلغ في مجال النقل عبر التطبيقات الذكية أو الاقتصاد التشاركي، فبإمكاننا زيادة عدد الأشخاص المستفيدين وتوسيع نطاق عمل كريم في هذه المدينة ليشمل نقل 1,5 مليون شخص يومياً. وكان ذلك عن طريق شراء الحكومة نحو 50 ألف سيارة بمبلغ 700 مليون دولار يمكن أن تعمل على فترتين، وتخلق 100 ألف وظيفة لهؤلاء الـ 100 ألف شخص الذين سينقلون الـ 1,5 مليون شخص يومياً.
كابتن كريم
وبسبب نموّنا بمعدّل سريع جداً، كنا بحاجة إلى توسيع نطاق قدراتنا البرمجية والتقنية لنتمكّن من مواجهة التحديات الإقليمية المتعلقة بالمواصلات. ولكن للأسف، لم يكن من السهل إيجاد أفضل المواهب التقنية في المنطقة، لذلك بحثنا خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعملنا على توظيف أشخاص من آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، ضمن خطة لتأهيل كوادر مستقبلية من المنطقة ذاتها، وهذا يعني أنه علينا التركيز على حاجتنا إلى إنشاء برامج تثقيفية وإدخال مناهج عملية في البلدان التي نعمل فيها، بحيث تكون المهارات التي نبحث عنها متوفرة في سبيل الحصول على مواهب تقنية مستقبلية تحاكي التطور الذي نشهده بالدقائق في العالم ومنطقتنا.
أما ما نعمل عليه دون هوادة فهو ضمان جودة عمل "الكباتن" أي السائقين، والذين يشكلون المرآة التي تعطي الانطباع الأول عن الشركة والطاقم الذي يعمل خلف الكواليس. فعلى قائمة أولوياتنا ضمان حصولهم جميعاً على التدريب والتأهيل، مما يساهم في تعزيز المبادئ الأخلاقية واللباقة لدى الكباتن قبل وأثناء وبعد الرحلة.
ومن أهم القيم التي نقيّمها عند اختيار الكابتن هي القدرة على التفاعل مع الناس، حيث أنّ احترام خصوصية عملائنا وحمايتها يُعدّ أمراً أساسياً بالنسبة لنا، فيُطلب من كل كابتن تقديم معلومات مفصلة عن سيرته الذاتية، وسجله العدلي وبصمته قبل البدء بالعمل. وخلال مرحلة تدريب الكابتن، يُخوّل المدرّبون باستبعاد أي شخص يُظهر تصرفات لا تتماشى مع مواصفات ذلك الكابتن الذي نريده أن ينقل أحباءنا وممتلكاتنا الثمينة. كما نستمر بجمع البيانات الشخصية بشكل دوري وتحديثها للمحافظة على معايير عالية الجودة لهم وللسيارات. وإذا وجدنا أي كابتن خارج عن نطاق هذه المتطلبات الرئيسية، سياستنا تسمح لنا بحجب حسابه ومنعه من استقبال أي طلبات أُخرى لحتى تصويب وضعه وذلك حسب نوع المخالفة.
يأتي السائقون، أو الكباتن كما اعتدنا أن نسميهم، من خلفيات اجتماعية متنوعة، ومن ظروف حياتية تختلف بالصعوبة من كابتن لكابتن، لذلك نشعر بأننا محظوظون جداً لنحظى بهذه الفرصة لتغيير ظروفهم بأي طريقة وتوفير منصة لهم ليتألّقوا كأفراد. كما نعتقد أنه إذا كان الكابتن مدرباً جيداً وحظي بالعناية والاحترام، فسيعتزّ بعمله وسيقدّم خدمة عالية الجودة أكثر مما كان سيفعله لو لم يحصل على هذا الدعم. ويمكننا القول أنّ جميع السائقين لدينا مدربون وأصحاب خبرة ويستفيدون من برامج تدريب وتثقيف السائقين المستمرة. ونعاملهم كأفراد من العائلة ونتأكد من توفير الفرص لهم من أجل التطور المهني والشخصي.
وحينما تستعرض دور "كريم" في الدول التي عملت فيها على مدى السنوات الخمس الماضية، فإنك تدرك دورها في تصويب وضع وإصلاح جيل كامل من السائقين كانوا يعملون في بعض الدول دون ميثاق أخلاقي أو طريقة تحفزهم للمحافظة على السلوك الحسن للإبقاء على لقمة عيشهم. فقد عملنا في بلدان كانت فيها صورة السائق مشوبة بممارسات خاطئة مثل الخطف وتجارة المخدرات والتحرش بالركاب، الأمر الذي شوه صورة الكثيرين الذين لا علاقة لهم بهذه الممارسات. من خلال عملنا معهم، استطعنا تدريجياً وعبر برامج وشروط خاصة بكل بلد أن نحافظ على السائقين الجديين المنضبطين، أو الذين استجابوا لبرامجنا في التأهيل والتطوير بعد أن كانوا يسيرون عبثاً، يصرفون ليترات زائدة من البنزين في سبيل الحصول على ذات الراكب الذي يطلبهم اليوم عن طريق التطبيق.
كما اعتمدنا على تقييم الزبائن لمراقبة سلوك السائقين، ففي كل مرة تعطي الكابتن تقييماً من خلال التطبيق بثلاث نجمات أو أقل، نتواصل مباشرة مع ذلك الكابتن للتحقق وأخذ الإجراء اللازم حسب القواعد والأصول. كما نتيح عبر التطبيق للزبون أن يتصل بنا للشكوى أو إبداء الاقتراحات بشكل مباشر للمحافظة على مستوى أداء الخدمة المقدمة، حيث يرى المشتكي بنفسه تعاملنا الذي لا يتهاون في الشكاوى، وخاصة في حال تعلقت بالتحرش أو المخدرات أو غيرها من الممارسات الخاطئة التي قد تمس بعادات وتقاليد منطقتنا. فهي قضايا لا تسامح فيها مطلقاً نتخذ بها إجراءات صارمة تصل لأن نعمم أسماء السائقين المخالفين والمطرودين عبر قناة اتصال خاصة تصلنا بجميع السائقين العاملين مع التطبيقات الذكية في كل بلد.
كما أننا ندرك أن العمل في منطقتنا يعد تحدياً بحد ذاته خاصة من الناحية الأمنية، حيث تختلف كل منطقة عن الأخرى وكل سوق عن الآخر. وهناك أمور نطّبقها في جميع الأسواق مثل التحقق من السجلات الإجرامية وخلفية كل كابتن. وفي الأسواق التي تكثر فيها الجرائم نقوم بفحوصات أمنية متعددة للسائقين، من السؤال عن الشخص بين معارفه وعن طبيعة سلوكياته. وهذا بهدف جعل الخدمة أكثر أماناً لأن زبائننا يثقون ثقة تامة بأن كريم قامت بكل هذه المهمة للتحقق، وتقديم سيارة وسائق يقدم الخدمة بكل أمان.
لقد خضتُ ( أنا مدثر شيخة) مع ماغنوس وعبدالله وفريقنا وممولينا تجربة رائعة في تأسيس "كريم" وتحولها من فكرة بسبب معاناتنا في المطارات إلى خدمة ولّدت مئات آلاف الوظائف، ويستخدمها مئات الآلاف يومياً في منطقتنا، وإلى شركة وصلت إلى قيمة سوقية استثنائية في وقت قصير. ومع كل ما تحمله منطقتنا من فرص، وبكل ما فيها من تحديات، وبقدر ما نريد أن نحقق الأثر الإيجابي في بلادنا الذي يحفزنا كل يوم لنقوم بالمزيد، فما زلت أشعر أننا في البدايات.
اقرأ أيضاً: