تقرير خاص

تجربة مدارس التربية الإسلامية في توفير بيئة تعليمية آمنة لبناء جيل من صنّاع القرار

6 دقيقة

في الوقت الذي يبدو فيه أكثر من نصف الطلاب غير واثقين من مسارهم المهني الذي يريدونه حتى بعد التحاقهم بالجامعة، بدأت سارة الحزيمي، طالبة الصف الحادي عشر في مدارس التربية الإسلامية، التخطيط لمستقبلها المهني في مجال علوم الحاسب، حيث تعرفت على هذا المجال وتعمّقت فيه، وتلقت تدريبات وأنشطة متخصصة ساعدتها على فهم أساسيات علوم الحوسبة وتطبيقاتها المتعددة. وقد وفّرت المدرسة لسارة بيئة تعليمية آمنة مكّنتها من التعمق في مجالات متعددة إلى جانب المناهج الدراسية.

وتوفر البيئة التعليمية الآمنة لجميع الطلاب والمعلمين والموظفين الشعور بالأمان والتشجيع والتحفيز للتعلم والتطور، وتمنحهم الفرصة لتحقيق النمو الشخصي، وتعزز شعورهم بالانتماء والرغبة في المشاركة في المزيد من الأنشطة، وتبني السلوكيات الإيجابية مثل الاحترام والثقة والأمانة، وترفض السلوكيات السلبية مثل التنمر والتمييز.

وتدعم البيئة التعليمية الآمنة نمو الطلاب في جميع مسارات النمو الجسدية والنفسية والمعرفية والاجتماعية والعاطفية، كما تؤثر بشكل عام على تحسين التحصيل الأكاديمي ورفع مشاركة الطلاب، وتقليل المشاعر السلبية مثل الخوف من الفشل والقلق والشك في الذات، لأنها تؤثر في قدرة الدماغ على معالجة المعلومات والتعلم.

ووفقاً للدراسات، فإن متوسط مستوى التوتر بين المراهقين يبلغ 5.8 (على مقياس مكون من 10 نقاط)؛ وهو أعلى بكثير من الحد الأقصى لمستوى التوتر الصحي للبالغين الذي يصل إلى 3.9، لذلك أدركت مدارس كثيرة مدى أهمية خلق بيئة تعليمية آمنة وإيجابية، ومنها مدارس التربية الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، وهي مدارس أهلية أسّستها الأميرة سارة بنت فيصل بن عبد العزيز عام 1964 في الرياض، ثم انتقلت ملكيتها عام 2006 إلى وزير التربية والتعليم السابق، الدكتور محمد بن أحمد الرشيد، رحمه الله.

ركزت مدارس التربية الإسلامية بقيادة الرئيس التنفيذي للمدارس، أسماء خالد القاضي، على خلق بيئة آمنة تتيح للطلاب التفوق الدراسي، واكتساب مهارات وسلوكيات جديدة، وتشجعهم على النمو الشخصي، واعتمدت في ذلك على نهج فعّال مكون من 6 مبادئ:

1. دعم تحسين التحصيل الدراسي للطلاب

لا يقتصر تحقيق نسب عالية من النجاح في نهاية كل عام فقط على المعادلة التعليمية التقليدية: (مدرس جيد + طالب مجتهد = طالب ناجح)، بل يتطلب أيضاً تفاعلات مهمة أخرى، مثل تعزيز التواصل، وتقديم المناهج بأسلوب جذاب، وتحفيز الطلاب بأساليب مبتكرة على التفوق والمبادرات التفاعلية لضمان فهمهم للمقررات وإدراكهم كيفية الاستفادة منها وتطبيقها عملياً.

وعن ذلك، تقول الطالبة جود المعيقيل، وهي في الصف الثاني الثانوي بمدارس التربية الإسلامية: "إن منسوبي المدرسة يقدمون جميع ما نحتاج إليه للتفوق مثل خدمات التعليم التفاعلي على منصة كلاسيرا، ويدعمونا في فهم النقاط الصعبة، ويعدّوننا جيداً للاختبارات من خلال تقديم نصائح للمذاكرة، ونصائح ما قبل الاختبار وخلاله، كما تحرص المدارس على متابعة درجات تقدم الطلاب في جميع المواد، لمساعدتنا على سد الثغرات التي قد تعرقل مسيرتنا الدراسية، إضافة إلى ذلك، تحتفي المدارس بالمتفوقين دراسياً، والملتزمين بالحضور وبالزي الرسمي، والحريصين على اتباع القيم، ما يجعلنا نشعر بالفخر والإنجاز ويحفزنا للمحافظة على مستوانا".

وتشاركها طالبة برنامج الدبلوم الأميركي في الصف العاشر، جود السعيد، الرأي بأن المدرسة تشجعها على التفوق في الدراسة من خلال توفير بيئة تعليمية مناسبة ومحفزة، عبر تقديم مواد دراسية جذابة ومناسبة لمستوى الطلاب، وتوفير دعم فردي وتشجيعهم على تحقيق النجاح، بالإضافة إلى تقديم تحديات وفرص للتطوير الشخصي وكذلك الأكاديمي.

2. تشجيع الطلاب على اكتشاف قدراتهم وتعزيزها 

تؤثر مرحلة التعليم الأساسي على توجهات الطلاب وسلوكهم في المرحلة الجامعية. وعندما توفر المدارس بيئة إيجابية للطلاب يخوضون خلالها تجارب متعددة ويكتسبون معارف أخرى بجانب المناهج المقررة، فإن ذلك سينعكس على تطوير شخصياتهم وتحفيزهم على اكتشاف مواهبهم وقدراتهم وشغفهم.

وتهتم مدارس التربية الإسلامية بتشجيع الطلاب على ممارسة أنشطة متنوعة، وتنظيم برامج الأندية المسائية مثل أندية الدراما والصحافة والخطابة والذكاء الاصطناعي والبرمجة والروبوت والعلوم والإلكترونيات والتصوير وغيرها، كما تدعم الطلاب للمشاركة في مسابقات خارجية مثل تحدي القراءة العربي، ومسابقة "موهوب"، التي تهدف إلى اكتشاف الطلاب المتميزين في العلوم والرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء والفلك والفضاء، لإلحاقهم بالبرامج التدريبية المتخصصة. وقد شارك 68 من الطلاب في المسابقة وتأهل طالبان متميزان للمرحلة الثالثة في برنامج "موهبة" في الأولمبيادات الدولية في تخصص الفيزياء.

كما تأهل 13 من الطلبة في برنامج "مسك" الخاص بالإعداد لنخبة الجامعات العالمية، وفاز 3 طلاب بالميدالية الذهبية بمسابقة "فارس الإلقاء"، وطالبان بالميدالية الفضية، وطالب بالميدالية البرونزية. وشارك أكثر من 70 طالباً في الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي، وفاز 13 طالباً بميداليات مسابقة "بيبراس موهبة"، وهي مبادرة دولية تهدف إلى تعزيز المعلوماتية والتفكير الحسابي بين طلاب المدارس.

وتؤكد الطالبة جود الميعيقل أن المدرسة تحرص على تنمية مهارات الطالب من الرياضيات إلى الفنون المختلفة، من خلال تفعيل أندية مسائية لجميع المراحل في أوقات مناسبة خارج ساعات الدوام، وترشيح الطلاب والطالبات للمشاركة في فعاليات عديدة متعلقة بهذه المجالات مثل تعزيز مهارات الإلقاء واللغة على خشبة المسرح، والمشاركة في المنافسات الرياضية المختلفة، وتفعيل "معرض الفنون" لعرض أعمال الطلاب الإبداعية.

ويقول الطالب في الصف الثالث الثانوي، أحمد إحسان مخدوم: "إن المدرسة تحفز الطلاب من خلال المشاركة في مسابقات دولية مثل كنجارو، وهي من أكبر المسابقات الرياضية التي تقام في أكثر من 70 دولة حول العالم لقرابة 6 ملايين طالب، إضافة إلى دورات في مجالات مختلفة مثل السباحة والكاراتيه وكرة القدم وتنس الطاولة".

إضافة إلى ذلك، وفي سبيل صقل مهارات الطلاب، تنظم المدارس رحلات دولية مثل رحلاتها إلى دولة اليابان ودولة سويسرا، حيث يتم اختيار الطلاب لمثل هذه الرحلات بعناية بعد موافقة أولياء أمورهم، ليكتسبوا مهارات أكاديمية مثل اللغات المختلفة، ومهارات شخصية مثل الاعتماد على النفس والتعرف على حضارات مختلفة.

3. تجهيز الطلاب للمستقبل 

في ظل المتغيرات التكنولوجية والتغير السريع في المهارات المطلوبة في سوق العمل، تشعر الأجيال الجديدة بالتوتر أكثر بشأن تخصصاتها بعد إكمال المرحلة التعليمية الأساسية، فقد كشف استطلاع للرأي، أن 51% من الطلاب ليسوا واثقين من مسارهم المهني عند الالتحاق بالجامعة، وأفاد 18% من المشاركين في الاستطلاع بأن مدارسهم لم تقدم لهم التوجيه اللازم لاختيار التخصصات. لذلك، من الضروري على المؤسسات التعليمية أن تجعل مساعدة الطلاب على الاستعداد لسوق العمل من ضمن أولوياتها؛ أي استكشاف قدراتهم في المقام الأول، وتطوير مهاراتهم الأساسية للنجاح المهني.

فقد اكتشفت سارة الحزيمي شغفها بعلوم الحاسب لأنها كانت تتلقى توجيهاً مباشراً وتدريباً متخصصاً ساعداها على فهم أساسيات عالم الحوسبة وتطبيقاته المتعددة، كما أتاحت لها الفصول الدراسية والمختبرات العملية فرصة لتطبيق المفاهيم النظرية في بيئة تعليمية منظمة وداعمة، فبدأت باستكشاف الأمر بنفسها عبر الإنترنت، قائلة: "أصبحت لدي رغبة شديدة في فهم كيفية عمل الأنظمة والتطبيقات التي نستخدمها في حياتنا اليومية، ما دفعني للتعمق أكثر في عالم الحوسبة والتعلم المستمر. لذا، أحببت المجال لأنه يمنحني الفرصة للتحدي والإبداع والتعلم المستمر، ويسمح لي بتحويل أفكاري إلى واقع ملموس يسهم في تطوير المجتمع وتحسين حياة الناس". كما اكتشف أحمد البكر، وهو طالب في الصف الثالث الثانوي، شغفه بهندسة الطيران، وقد منحته المدرسة فرصة المشاركة في أنشطة مختلفة مثل ندوة تعليمية تخص المجال، وحضور فعاليات في شركة طيران "إيرباص".

وتهتم المدارس أيضاً بتعليم المهارات الحياتية التي تساعد الطلاب على فهم ذواتهم وتوجهاتهم في الحياة، كما تعمل على تحسين أدائهم الأكاديمي. فتتبع مدارس التربية الإسلامية في نُهجها أساليب تعليم هذه المهارات التي تمكّنهم من اتخاذ القرارات الأفضل، وقد تناول مقال منشور بعنوان "استراتيجيات فعّالة لتطوير قطاع التعليم بما يتوافق مع فنون الحياة: تجربة مدارس التربية الإسلامية" هذه النقطة باستفاضة أكثر.

4. تقديم الدعم الفردي

تدرك مدارس التربية الإسلامية أن طريقة واحدة لن تناسب الجميع، خاصة فيما يتعلق بالتعليم، لذلك تتبع نهجاً يراعي احتياجات الطلاب المختلفة، ويظهر ذلك في خطط النمو الفردية التي يعدّها المعلمون وفقاً لاحتياجات كل طالب وقدراته. كما تخصص قسماً يُعنى بالطلاب الذين يواجهون تحديات إنمائية وإدراكية تؤدي إلى تدني التحصيل العلمي لديهم، فيبدأ القسم بتشخيص الحالات التي تعاني ضعفاً دراسياً، وتقديم العلاج المناسب لها، وإشراك أولياء الأمور ما يمكنّهم من فهم قدرات الطلاب والصعوبات التي يواجهونها.

5. تعزيز السلوكيات الإيجابية 

تهدف المؤسسات التعليمية إلى تعزيز السلوكيات الإيجابية بين الطلاب، لكن ذلك لا يمكن تحقيقه من خلال النصح أو الإيعاز وحدهما، بل إن الأمر يتطلب مبادرات توعوية وتحفيزية كتلك التي تطلقها مدارس التربية الإسلامية، مثل مبادرة "نجمة الانضباط" التي يجري من خلالها اختيار الطالبات الأكثر انضباطاً من حيث الالتزام بالمواعيد وعدم الغياب أو التأخير، وتكريمهن أمام زميلاتهن، ومبادرة "أنا إيجابية" التي تترشح خلالها الطالبات اللواتي يتمتعن بصفات حسنة مثل التعاون وتقديم المساعدة والمشاركة والمبادرة والتفاؤل والعطاء والتعاطف والتهذيب.

وتشجع مدارس التربية الإسلامية أيضاً على تعزيز السلوكيات الإيجابية الجماعية. على سبيل المثال، هناك مسابقة "الفصل المثالي"، وتترشح لها الفصول الملتزمة من ناحية الانضباط في الحضور اليومي وعدم الغياب، أو التأخر الصباحي، والالتزام بالقوانين المدرسية داخل الفصول وخارجها، ثم يتم التصويت لأفضل فصل يحقق المعايير المحددة للمسابقة.

وفي المقابل، تحرص المدارس على نبذ سلوكيات مثل التنمر، فعلى سبيل المثال، أُطلقت حملات توعوية لمناهضة التنمر، ولا سيما أن التنمر يرتبط بضعف الأداء الدراسي، وضعف الثقة بالنفس، ما يهدد مستقبل الطلاب.

6. الاهتمام بالصحة الجسدية والصحة النفسية للطلاب 

تشير الأبحاث إلى أن برامج الصحة المدرسية المصممة والمنفذة جيداً، يمكن أن تؤثر على جوانب صحية متعددة، بما في ذلك الحد من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر مثل الإدمان، فضلاً عن تحسين الأداء الأكاديمي.

وتطلق مدارس التربية الإسلامية حملات توعوية وتشاركية في المدارس من خلال برنامج حياة للإرشاد النفسي الذي يهدف الى إعداد جيل يتمتع بالصحة النفسية والقدرة على اتخاذ القرارات ومواجهة متطلبات العصر، وغرس القيم العاطفية والاجتماعية والدينية القوية في الطلاب، بالإضافة إلى تهيئة بيئة مدرسية آمنه يشعر خلالها الطالب وأولياء الأمور بالأمان النفسي والعاطفي والاجتماعي من خلال بناء علاقات مع أصدقائهم ومعلميهم والتعرف على مفاهيم الوعي الصحي والتركيز على مهارات التواصل مع الآخر وتعلم إدارة الذات.

إن تركيز المؤسسات التعليمية على خلق بيئة إيجابية آمنة، تسمح للطلاب باكتشاف قدراتهم الإبداعية ومواهبهم والانفتاح على معارف وتجارب مختلفة، يمكنه الإسهام في بناء أجيال أكثر وعياً بأنفسهم ومجتمعهم ما يجعلهم قادرين على إحداث تأثير إيجابي حقيقي في العالم حولهم، وهو ما تراهن عليه مدارس التربية الإسلامية التي تنظر إلى التعليم باعتباره رسالة، وهو ما أرساه وزير التعليم السابق ومالك المدارس الراحل الدكتور محمد الرشيد في مقولة شهيرة له: "أهم عامل لنجاح تعليمنا هو أن يكون المعلم موقناً بأن التعليم رسالة".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .