يميل القادة إلى التركيز بقدر أكبر على المستجدات المتصلة بوضع الشركة منه على التخطيط لحالات الطوارئ. وهم يصرفون قدراً أكبر بكثير من الوقت على العمليات التنفيذية الداخلية ومخاطر المنافسة، مقارنة بالوقت الذي يُصرف على المخاطر الخارجية التي يمكن أن تحدث تغييراً في السوق. هذا يعني أنّ العديد من مخاطر الأسواق الناشئة لا تُدرج على جدول أعمال كبار القادة.
لاحظنا في العام الماضي في فرونتير استراتيجي غروب (Frontier Strategy Group) أنّ المدراء التنفيذيين ومجالس الإدارة تولي معظم اهتمامها إلى المخاطر التي تستأثر باهتمام وسائل الإعلام مثل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (brexit)، وسياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التجارية، والأمن المعلوماتي، ومؤخراً، كوريا الشمالية. لم يصرفوا قدراً مماثلاً من الوقت على التفكير في الأحداث المحلية التي من شأنها أن تترك تداعيات على عملياتهم في الأسواق الناشئة.
اقرأ أيضاً: مدى فاعلية حكومة الهند مقارنة بحكومات الأسواق الناشئة الأخرى
تجري فرونتير استراتيجي غروب كل عام معاينة لأكثر من 100 سيناريو من شأنها أن تؤثر على توقعاتنا الاقتصادية في 73 بلداً. ولقد حددنا ثلاثة مخاطر ذات صلة بالأسواق الناشئة يتعين على كبار قادة الشركات متعددة الجنسيات أن يولوها مزيداً من الاهتمام هذا العام:
- فوز الشعبويين في انتخابات البرازيل والمكسيك، الذي سيزيد كلفة ممارسة الأعمال التجارية.
- تجدد أزمة الهجرة في أوروبا، بسبب النزاعات في الشرق الأوسط أو أفريقيا.
- تعطيل الطرق التجارية في حال نشوب مواجهة بحرية بين الصين وجاراتها.
أبرز مخاطر الأسواق الناشئة
في حال وقوعها، ستؤدي هذه الأحداث إلى زعزعة استراتيجيات السوق لدى الشركات متعددة الجنسيات وسلاسل التوريد والإمدادات والتوقعات المبنية على أسعار الصرف لديها.
أميركا اللاتينية: احتمال عودة الشعبويين في المكسيك والبرازيل من خلال الانتخابات
طُلب من فروع الشركات في أميركا اللاتينية أن تحقق عمليات بيع أكثر جرأة وزيادة أهدافها الربحية في العام 2018، في ضوء معدل نمو حقيقي يصل إلى 2.7 في المئة من إجمالي ناتج المنطقة الداخلي الفعلي، ولكن المخاطر على الأعمال أكبر مما يتوقع كثيرون.
تمثل المكسيك والبرازيل وحدهما أكثر من 60 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي في أميركا اللاتينية والقسم الأكبر من الإيرادات التي تحققها الشركات متعددة الجنسية في المنطقة. وينظم البلدان في العام 2018 انتخابات رئاسية يطغى فيها الخطاب الشعبوي-القومي على برامج أبرز المرشحين، الأمر الذي من شأنه تقويض ثقة المستثمرين وإضعاف استقرار السوق المالي.
اقرأ أيضاً: بحث: المنافسة مفيدة في الأسواق الناشئة
عندما يتعلق الأمر بالمخاطر في المكسيك، تولي الشركات اهتماماً بمفاوضات اتفاق التبادل الحر في أميركا الشمالية "نافتا" المشحونة وليس بالسياسات الداخلية التي من شأنها أن تخلّف أضراراً أسرع بكثير على خطط الأعمال التجارية من أي تعديلات تطرأ على اتفاقية "نافتا". ويتصدر المرشح الرئاسي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور استطلاعات الرأي متقدماً بأشواط على باقي المرشحين. وهو الذي تعهد بقلب التعديلات التي أدخلت تحسيناً على مرونة سوق العمل ومشاركة القطاع الخاص في قطاعات اقتصادية كانت سابقاً مغلقة أمامه مثل قطاع الطاقة. هذا من شأنه أن يزيد تكلفة ممارسة الأعمال التجارية، وخاصة تكلفة الإنتاج المحلي، في حين ستؤدي زيادات النفقات الحكومية على حساب الخلل في الميزانية إلى تقويض ثقة قطاع الأعمال على المدى البعيد على الرغم من الحوافز قصيرة الأجل. نحن نعتقد أنّ أمام المرشحين الذين تحظى برامجهم بثقة قطاع الأعمال فرصة للفوز، لكن على الشركات أن تحرص على ضمان عائد مناسب من استثماراتها في المكسيك حتى في حال تحقق السيناريو الشعبوي.
أما في البرازيل فيسجل الاقتصاد نمواً ملحوظاً. وفي مسحنا الذي شمل 30 مديراً برازيلي لشركات متعددة الجنسيات في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، قال 20 منهم: إنّ شركاتهم حققت زيادة في نمو الإيرادات على الرغم من الفضائح التي تخيم على المشهد السياسي وتعيق عمل المؤسسات السياسية. ويتوقع للأسف أن يطرأ تغيير على مستقبل الأعمال التجارية في حال فوز الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا وتنفيذه وعوده بإلغاء الإصلاح المتصل بالمعاشات التقاعدية وتدابير التقشف في الميزانية. ولكن دا سيلفا قد يُحرم من الترشح نظراً لإدانته في قضية فساد على الرغم من أنّ استطلاعات الرأي تضعه في موقع قوي في صدارة المتنافسين، يليه مرشح اليمين المتطرف جايير بولسونارو. ويخشى في حال فوز أي من المرشحين أن تجد الشركات البرازيلية نفسها أمام حالة من الغموض تكفي لتجميد خطط الاستثمار.
وفي كل من المكسيك والبرازيل، تجد الشركات التي تبيع منتجات إلى شركات القطاع الخاص والقطاع العام – من الرعاية الصحية إلى البناء وخدمات تكنولوجيا المعلومات – نفسها في موقف ضعيف بصورة خاصة، إذ أنّ فوز الشعبويين في الانتخابات قد يتسبب على الأرجح في وقف طلبيات الشراء. ويتعين على الشركات أن تستعد لإعادة تخصيص كبيرة في أهداف المبيعات عبر قطاعات المستهلكين مع اتضاح برامج الحكومة الجديدة.
الشرق الأوسط وأفريقيا: عودة ظهور أزمة الهجرة قد تقوي جذور الشعبوية في أوروبا
تشكل أزمة الهجرة في أوروبا مثالاً على التداعيات التي تخلفها التطورات في الدول النامية على بيئة الأعمال على المستوى العالمي. لقد هرب الملايين في الشرق الأوسط وأفريقيا الوسطى من النزاعات والجفاف والركود الاقتصادي، وأحدث وصولهم إلى أوروبا تحولاً في سياسات الدول الغربية. لقد أصبحت شوكة الحركات السياسية المعادية للهجرة أقوى من ذي قبل، الأمر الذي ساهم في دفع بريطانيا إلى الانسحاب خارج الاتحاد الأوروبي وحمل التيارات اليمينية الشعبوية إلى السلطة في وسط أوروبا. واليوم، تباطأ تدفق المهاجرين ولكن هذا عائد إلى حد كبير إلى الوعود التي قدمها الاتحاد الأوروبي إلى تركيا بتخصيص مساعدات من 6 مليارات يورو لمنع 3.6 ملايين طالب لجوء معظمهم من السوريين من التوجه إلى اليونان ومنها إلى داخل أوروبا. لكن العلاقات بين الجانبين تدهورت خلال العام الماضي بسبب التوتر بين الحكومة التركية الساعية إلى تعزيز سلطاتها والحكومات الأوروبية التي تدعم حقوق الإنسان والديموقراطية في تركيا. وفي حال قرر الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال وقف صرف هذه المساعدات أو فرض عقوبات على شركات تركية أو أفراد، قد ترد تركيا عبر إلغاء اتفاق الهجرة. وقد يحدث هذا في فترة حساسة بالنسبة للاقتصاد الأوروبي ويزيد من صعوبة جهود القادة في تشكيل ائتلافات تدعم الإصلاحات الأوروبية المعقدة التي من شأنها تصحيح الميزانية الأوروبية وبنائها على أسس سليمة على المدى البعيد.
قد تصبح إيطاليا مركزاً للتقلبات في حال شهدت ارتفاعاً مفاجئاً في أعداد المهاجرين العرب أو الأفارقة، إذ دخلت الآن بسبب مشكلة المهاجرين في مرحلة من الغموض مع تحقيق الشعبويين واليمين المتطرف تقدماً كبيراً في انتخابات 4 مارس/آذار وتراجع الحزب الديموقراطي الممثل ليسار الوسط ورفضه الائتلاف مع حزب 5 نجوم المعارض للمؤسسات الذي حل في الطليعة من دون غالبية كافية تتيح له الحكم بمفرده. ولا شك أنّ تشكيل حكومة إيطالية معادية للهجرة ومشككة في جدوى البناء الأوروبي من شأنه ترويع المستثمرين وخفض أسهم المصارف الإيطالية المثقلة بالديون الهالكة، وإضعاف ديون الدولة السيادية. وقد يدفع أي من هذه النتائج السياسية بسعر صرف اليورو إلى ما دون المعدلات التي بنيت عليها ميزانيات الشركات وستؤدي إلى تقليص الانتعاش الاقتصادي الأوروبي الذي ساهم في زيادة إيرادات العديد من الشركات. وبالتالي، على الشركات متعددة الجنسيات أن تجري اختبار ضغط لأهداف مبيعات العام 2018 وتحوطات العملة تحسباً لمثل هذا السيناريو.
آسيا-المحيط الهادئ: بؤر التوتر في بحر الصين قد تعرقل سلسلة التوريد العالمية
في حين تتصدر كوريا الشمالية ما يدرجه المراقبون على لائحة المخاطر في آسيا، تمهد الأعمال التي تقوم بها الصين الطريق لمواجهة محتملة بين القوى العظمى في بحر الصين الجنوبي. في العام 2017، بنت الصين 290,000 متر مربع من المنشآت ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري فوق جزر باراسيل التي تعلن كذلك أحقيتها بها كل من ماليزيا والفيليبين وتايوان وفيتنام.
إنّ ما يبدو أنه نزاع محلي على مناطق الصيد وحقول النفط له في الواقع تداعيات أوسع بكثير. ففي كل عام، تمر بضائع بقيمة 5 تريليونات دولار – أي قرابة ثلث التجارة العالمية – عبر بحر الصين الجنوبي. وتتيح التعزيزات العسكرية الصينية لها اليوم عرض قوتها عبر هذه الخطوط البحرية متحدية حرية الملاحة التي تضمنها سفن البحرية الأميركية منذ قرابة قرن.
اقرأ أيضاً: كيف استطاعت مسرعات الأعمال أن تنجح في الأسواق الناشئة؟
لا يمكن للصين أن تسيطر منفردة على هذه الطرق التجارية المهمة اليوم، ولكن توسيع حركة القطع الحربية يزيد فرص المواجهة غير المقصودة التي من شأنها أن تزعزع إلى حد كبير حركة التجارة. إنّ حوادث مثل الاصطدامات، سواء بين سفن الصيد أو الطائرات الحربية، قد تؤدي إلى رفع منسوب المواجهات قومية النزعة. وقد تتعرض البحرية الأميركية لضغوط لتقديم الدعم لحلفائها في جنوب شرق آسيا والحفاظ على مبدأ حرية الملاحة التجارية. وفي غياب الاتفاق على مدونة سلوك أو آلية راسخة من أجل خفض التصعيد، فإنّ صليل السيوف في بحر الصين الجنوبي أو قرع طبول الحرب بين اليابان والصين بشأن جزر سنكاكو/دياو في شرق بحر الصين قد يتطور إلى حرب شاملة. وقد يزيد التوتر في شبه الجزيرة الكورية، وذاك المتصل بالتجارة من صعوبة احتواء التصعيد في حال وقوع حادث غير متعمد.
ما الذي يمكن أن تكون عليه الآثار الفعلية لمثل هذا السيناريو على الأعمال التجارية؟ إنّ أية مواجهة واسعة النطاق بين الجيشين الصيني والأميركي ستؤدي على الفور إلى زعزعة سلسلة الإمدادات العالمية التي تتوقف عليها القطاعات الصناعية الحديثة، ما سيسبب نقصاً في إمدادات شركات كثيرة. ويمكن في مثل هذا السيناريو أن يصاب الطلب الاستهلاكي وطلب الشركات في الأسواق الآسيوية بصدمة في مثل عمق أو حتى أعمق من الأزمة المالية التي شهدتها آسيا في العام 1997، الأمر الذي سينجم عنه تقلبات ممتدة محتومة في العملات وأسواق المال.
وعلى المدى الأبعد، قد يلحق الجمود بجهود الصين للاندماج الإقليمي من خلال اتفاق التجارة الحرة المقترح والمعروف باسم "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" (Regional Comprehensive Economic Partnership) ومبادرة "طريق الحرير الجديد" (ويُسمى حرفياً: حزام واحد وطريق واحد - The Belt and Road) ما يثبط الاستثمارات ونمو الإنتاجية. وللتخفيف من هذه المخاطر، على الشركات أن تختبر مستوى مقاومة سلاسل الإمدادات الآسيوية التابعة لها، والمخزونات والتوزيع في حال تعرضت لخلل مفاجئ وطويل الأمد. ويتعين على القادة أن يتخذوا إجراءات للحد من المخاطر المتأتية من طرف ثالث من خلال تقييم سلاسل القيم بالنسبة للتبعية المفرطة بشكل خاص لشركاء يعانون من الضعف في بلدان مطلة على بحر الصين الجنوبي.
الأسواق الناشئة تستوجب قانوناً لموازنة المخاطر والمكاسب
نتوقع أن تعمد الشركات متعددة الجنسيات إلى زيادة استثماراتها في الاقتصادات الناشئة مع تسارع إنفاق المستهلكين والشركات والحكومات، وتسارع نمو إجمالي الناتج الداخلي الفعلي إلى 4.9 في المئة في المجمل. ولكن لا ينبغي أن تشجع هذه التوقعات على التهاون مع المخاطر. إنّ وقوع أحداث كتلك التي تطرقنا إليها سابقاً يعجّل في إصابة سوق صرف العملات والأنظمة المالية والسلع بصدمات شاملة تتسبب بخلل جدي في خطط الشركات التجارية.
لقد بينت أبحاثنا أنّ قلة من الشركات متعددة الجنسيات تقوم باستعراض منهجي للظروف الاقتصادية المحلية بين دورات التخطيط السنوية لدرء مخاطر الأسواق الناشئة. ولضمان تجاوز نتائج العام 2018 التوقعات بغض النظر عن المفاجآت المحلية، يتعين على قادة الشركات أن يعملوا مع الفرق الإقليمية بهدف تتبع وتقييم هذه المخاطر ووضع واعتماد خطط للطوارئ.