ما هي مخاطر تقديم بعض السلع والخدمات مجاناً؟

5 دقيقة
فرض الرسوم
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو/ أولينا كوليسنيك/غيتي إميدجيز

تقع المؤسسات في فخ التسعير في الكثير من الأحيان؛ إذ تقدم منتجاتها أو خدماتها مجاناً لإثبات شهرتها أو تعزيز تبني هذه المنتجات والخدمات أو تشجيع المستهلكين على تجربتها. لكن الأبحاث في مجال علم النفس الاستهلاكي والاقتصاد السلوكي تبين أن تقديم المنتجات والخدمات مجاناً له تكاليف باهظة وخفية. بمجرد أن تترسخ لدى المستهلكين فكرة أن السعر المرجعي للمنتج أو الخدمة معدوم، يصبح فرض الرسوم لاحقاً صعباً، وفي بعض الأحيان مستحيلاً. الأسوأ من ذلك هو أن المستهلكين يقللون تقدير قيمة العروض المجانية أو يفرطون في الاستفادة منها أو يسيئون استخدامها. يولد تقديم المنتجات والخدمات مجاناً توقعات يصعب التخلص منها، وهي تقوض الاستدامة الطويلة المدى.

لحسن الحظ، تقدم الأبحاث نفسها استراتيجيات للحصول على فوائد تقديم المنتجات والخدمات مجاناً دون إضعاف قيمتها المدركة.

فرض الرسوم أفضل من عدمه

يعتقد المستهلكون أن السعر يدل على قيمة المنتج أو الخدمة. عندما تفرض الرسوم على المنتجات أو الخدمات، حتى لو كانت رمزية، فإنك تشجع المستهلكين على إدراك قيمتها واستخدامها بمسؤولية وبمزيد من الحرص.

توضح حالة متنزهين معروفين في مصر هذه الفكرة؛ إذ إنه عندما افتتحت محافظة القاهرة متنزه الأزهر عام 2005، اعترض النقاد على فكرة فرض الرسوم للدخول. في نهاية المطاف، ما الذي يبرر أن يدفع السكان المال مقابل قضاء الوقت في متنزه عام؟ مع ذلك، أسهمت رسوم الدخول إلى هذا المتنزه المنخفضة في توليد شعور المسؤولية المدنية لدى الزوار؛ إذ إنهم كانوا أكثر ميلاً إلى التخلص من النفايات على النحو السليم والتعامل مع المكان باحترام. وفر فرض الرسوم أيضاً تمويلاً منتظماً لأعمال الصيانة وأتاح للقائمين على المتنزه تشغيله دون الاعتماد على الدعم الحكومي أو دعم الجهات المانحة. بعد عقدين من الزمن، لا يزال المتنزه واحة حضرية مزدهرة، وهو يقع على بعد بضعة كيلومترات من متنزه حدائق الفسطاط، الذي كان ذات يوم مشروعاً طموحاً على نحو مشابه. يعاني المتنزه الثاني اليوم حالة من التلف والإهمال والتراجع البيئي، وأصبح متهالكاً لدرجة أن الحكومة ستنفق 120 مليون دولار أخرى لترميمه.

لنأخذ مثالاً آخر، وهو أكياس البقالة البلاستيكية المجانية أو المنتجات الممنوحة مجاناً. يقل احتمال إعادة استخدام هذه المواد أو تقديرها من قبل المستهلكين لأنها مجانية. يؤدي فرض الرسوم إلى تغير كبير في السلوك، حتى لو كانت منخفضة.

رسخ القيمة حتى لو لم تفرض الرسوم بعد

أحد أشهر الأمثلة على سوء الإدارة في تقديم المنتجات والخدمات مجاناً هو شركة نتفليكس؛ إذ حاولت الشركة عام 2011 فصل خطط أقراص الفيديو الرقمية وخدمات البث المباشر عبر الإنترنت إلى خدمتين كلفت كل منهما 7.99 دولارات. مع ذلك، لطالما اعتبر العملاء البث المباشر عبر الإنترنت إضافة مجانية لخطة أقراص الفيديو الرقمية التي تكلف 9.99 دولارات، ورفضوا عندما طلبت الشركة منهم الدفع مقابل هذه الخدمة على نحو منفصل. خسرت نتفليكس مئات الآلاف من المشتركين وشهدت أسهمها انخفاضاً بنسبة 35% في يوم واحد.

الدرس المستفاد من هذه الحالة هو أنه حتى إذا لم تفرض مؤسستك الرسوم، يجب عليك توضيح القيمة النقدية لما تقدمه. وهناك عدة طرق لفعل ذلك:

تسعير الشطب

يدفع عرض السعر الأصلي، حتى لو يكن معمولاً به بعد الآن، العملاء للاعتقاد أن المسعر يقدم لهم صفقة. على سبيل المثال، غالباً ما تروج شركة أدوبي لأدوات كرييتف كلاود للطلاب بعرض عبارة "عادة ما يكون السعر 59.00 دولاراً شهرياً، لكنه الآن 19.99 دولاراً شهرياً"، التي تبين أن المنتج قيم جداً دون أن تطلب من العميل أن يدفع المال فورياً.

تقديم المنتج في حزمة

يتضمن اشتراك أمازون برايم مجموعة من الخدمات بسعر واحد، مثل البث المباشرة عبر الإنترنت والتخزين السحابي والتسليم الأسرع. حتى لو لم يستخدم العملاء الميزات جميعها، فهم يعلمون أن لكل منها قيمة، ما يسهم في تبرير سعر الاشتراك ويعزز الولاء للشركة.

شرائح مجانية مع إمكانات الترقية الواضحة

تقدم منصتا سبوتيفاي ولينكد إن إصدارات مجانية جذابة من خدماتهما، ولكنهما تذكران المستخدمين باستمرار بالمزايا غير المتاحة لهم، مثل الاستماع إلى الموسيقى دون عرض الإعلانات أو الحصول على تحليلات التشبيك المحوسبة. تساعد هذه المنبهات التحفيزية على توضيح قيمة الوصول الكامل.

السر هو توضيح قيمة العرض، حتى لو كان السعر غير معروض مؤقتاً. إذا اعتقد العملاء أن خدمة أو منتجاً ما كان مجانياً دائماً، فإنهم سيعترضون على دفع المال مقابله لاحقاً. لكن إذا اعتقدوا أنهم يتلقون منتجاً قيماً أو خدمة قيمة مجاناً، فسيكونون أكثر استعداداً للدفع عندما يحين الوقت.

توقيت التسعير على نحو استراتيجي

يمكن أن يكون لتوقيت تغيير التسعير، أو حتى الإعلان عن القيمة، أثر كبير. تبين الأبحاث السلوكية أن الناس يتقبلون الأسعار المرتفعة أكثر عندما تفصل مدة طويلة بين تلقي العرض وإجراء عملية الشراء.

إذا أعلنت عن التغييرات في الأسعار قبل وقت طويل، فسيركز العملاء على الفوائد أكثر من التكلفة. وضح جوانب التسعير الثلاثة التالية قبل تقديم أي سعر: المستوى (التكلفة الفعلية)، والقيمة (لماذا يستحق المنتج أو الخدمة هذا المبلغ)، والجدول الزمني (متى سيسري هذا التسعير وإلى متى سيظل سارياً).

لنأخذ على سبيل المثال شركة افتراضية للبرمجيات كخدمة قدمت منذ فترة طويلة لوحة تحكم وقياس أساسية للتحليلات المحوسبة مجاناً للمؤسسات ضمن عملية التنفيذ. بمرور الوقت، تطورت اللوحة إلى أداة عرض مرئي فعالة للبيانات تتمتع بميزات تعلم الآلة. بدلاً من البدء بفرض الرسوم مباشرة، اتخذت الشركة الإجراءات التالية قبل 6 أشهر:

  • إرسال تقارير الاستخدام إلى المؤسسات العميلة توضح مقدار الوقت الذي توفره الأداة على فرق العمل.
  • تسليط الضوء على المعايير التي تبين تأثير الأداة في سرعة عملية صناعة القرار ودقتها.
  • توضيح أنه بدءاً من السنة المالية المقبلة، سيصبح سعر الأداة 9,000 دولار سنوياً، مع تقديم تخفيض للمؤسسات التي تجدد الاشتراك مبكراً.

يمنح هذا المدى الطويل لفريق المشتريات الداخلية الوقت الكافي لوضع الميزانية، ويمنح داعمي الأداة داخل المؤسسة الوقت الكافي لإقناع الإدارة بأهمية تبنيها، كما أنه يمنح المدراء التنفيذيين الوقت الكافي لربط الأداة بالقيمة التجارية بدلاً من أن تكون مجرد إضافة مجانية.

ينطبق المبدأ نفسه على سياقات أخرى؛ فزيادات الأسعار المطروحة بهدوء في نهاية العقد، أو الرسوم المضافة إلى الخدمات المقدمة سابقاً في الحزم، تبدو أنها عقابية. لكن إذا طرحتها الشركات في الوقت المناسب ووضحت قيمتها فسيزداد احتمال قبولها والترحيب بها على أنها استثمارات لا خسائر.

بالمثل، قد يؤثر كل من التوقيت الموسمي وقنوات التواصل في استجابة العملاء للتغيرات في الأسعار. يؤدي طرح الرسوم الجديدة خلال الفترات الهادئة (أي خارج فترات ذروة الاستخدام أو العطلات الرئيسية على سبيل المثال) وتوفير تفسير منطقي واضح إلى بناء الثقة وتخفيض خطر ردود الفعل السلبية.

الاستفادة من الندرة لتعزيز القيمة

عند تقديم منتج أو خدمة ما مجاناً، إذا كان لا بد من ذلك، احرص على أن يكون العرض محدوداً. تبين العروض المحدودة زمنياً والعروض المشروطة بالشراء وإمكانية الوصول المقيد أن المنتج له قيمة حقيقية. قد تبدو عبارة "مجاني دائماً" سخية، لكنها تخفض القيمة المتصورة للمنتج أو الخدمة لدى العملاء.

تقدم الخدمات، مثل منصة هيد سبيس للصحة النفسية وصحيفة نيويورك تايمز، عرضاً تجريبياً مجانياً مدته 30 يوماً مع رسائل واضحة مثل "عرض بقيمة ـ 12 دولاراً شهرياً نقدمه لك مجاناً مدة شهر واحد". يحدد ذلك سعراً مرجعياً يجعل الرسوم النهائية تبدو وكأنها استمرار لشيء يستحق تكلفته، وليس طلباً جديداً. تساعد أساليب التأطير هذه العملاء على ربط القيمة بالسلعة حتى لو لم يدفعوا ثمنها بعد.

سواء كنت تدير متنزهاً أو تطرح منتجاً أو تقدم خدمات عامة، فإن عدم تلقي الرسوم مكلف غالباً؛ إذ إنه يحدد التوقعات لدى العملاء ويؤثر في سلوكهم، كما أن التخلي عنه يصبح صعباً بمجرد ترسخه. يدرك قادة المؤسسات الأذكياء أن التسعير ليس قراراً مالياً فحسب، بل هو قرار استراتيجي. التوقيت الأنسب لترسيخ القيمة المتصورة لدى العملاء هو قبل أن يصبح ما تقدمه اعتياداً، وثاني أنسب توقيت هو الآن.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي