ما هي مخاطر التشتت وكيف تعالج هذه المشكلة؟ خبيرة تجيب

6 دقيقة
تعدد المهام
shutterstock.com/Berit Kessler

أجرت ماغي مقابلة مع محررة هارفارد بزنس ريفيو، كريستينا بيلاسكا دوفيرناي، لمناقشة كتابها وآثاره على المدراء والموظفين الذين يعانون ضيق الوقت والانشغال الدائم بسبب التشتت.

كريستينا: يستفيد المدير الناجح الذي يتميز بأدائه العالي في عصرنا الحالي من قدرته على تنفيذ مهام متعددة باستخدام التكنولوجيا لتحقيق أقصى قدر من الإنتاجية؛ إذ يستخدم مجموعة من الأجهزة في آن معاً، مثل الهاتف المحمول وشاشة الكمبيوتر المحمول التي تضم عدة نوافذ مفتوحة. على الأقل، هذا هو الاعتقاد السائد، لكنّك تمتلكين وجهة نظر مختلفة؛ إذ تذكرينَ في كتابك أن تعدد المهام يعوق تحقيق الإنتاجية.

ماغي: يعتقد الناس أن تعدد المهام يؤدي إلى تحقيق أقصى درجات الكفاءة، فمن المفترض أنه يسمح لنا بأداء عدة مهام في وقت واحد. على الرغم من ذلك، فإن تعدد المهام يعني غالباً مجرد التنقل بين المهام بسرعة دون إيلاء اهتمام عميق وتركيز كامل لأي منها. يتسم تعدد المهام بالمقاطعات المتكررة، ما يجعله غير فعال في تحقيق الأهداف. عندما نتعرض للمقاطعة، سواء بسبب عوامل خارجية أو داخلية، فإننا نحتاج إلى وقت لاستعادة تركيزنا والعودة إلى النقطة التي توقفنا عندها في المشروع الذي نعمل عليه.

لا شك في أننا نحتاج أحياناً إلى تنفيذ مهام متعددة في وقت واحد في العصر الرقمي الحالي. لكن علينا أيضاً إعادة تقييم مهارات التركيز العميق. ما أقصده هو أننا نحتاج إلى تحقيق نوع من التوازن. يجب علينا استخدام مهارات الانتباه والتركيز بالكامل وبطريقة فعالة؛ إذ يجب علينا أن نكون قادرين على إجراء استعراض سريع للبيانات الهائلة التي تحيط بنا، والتركيز العميق على هذه البيانات في بعض الأحيان لفهمها على نحو أفضل.

كريستينا: ما هي عواقب هذه المقاطعات المستمرة؟

ماغي: تؤدي إلى إنشاء ثقافة تتسم بفقدان التركيز وعدم القدرة على متابعة الأفكار بطريقة متسلسلة والتفكير المحدود والتوتر. عندما نتعرض لفقدان التركيز على المهام التي نحاول تنفيذها باستمرار، فإنه يصبح من الصعب تحديد أهدافنا والسعي إلى تحقيقها. بالإضافة إلى أننا نفقد القدرة على متابعة الأفكار الجديدة، فننساها، وبالتالي، تفقد فرصتها في التطور والنمو.

عندما نكون مشغولين جداً ونتنقل بسرعة بين المهام، لا تكون لدينا فرصة للتأمل أو العثور على أفكار جديدة وملهمة؛ وبالتالي، لا تتوافر البيئة المناسبة للإبداع ولا الوقت الكافي للنمو والتطور. استعرضت مقالة نشرتها مجلة هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "الإبداع تحت الضغط" (Creativity Under the Gun)، نتائج دراسة شملت 9,000 عامل في مجال المعرفة؛ إذ احتفظ هؤلاء بمذكرات يسجلون فيها تأثيرات المقاطعات والمشتّتات على عملهم؛ وقد أظهرت النتائج أنهم شعروا بالقدرة على الإبداع فقط عندما تمكّنوا من العمل دون مقاطعات.

يتأثر الإبداع وغيره من الأنشطة العقلية سلباً في بيئة تتسم بزيادة عبء المعلومات والمقاطعات المستمرة. وجدت دراسة أخرى أن ثلث العاملين في مجال المعرفة يقولون إنهم لا يمتلكون الوقت الكافي للتفكير في أعمالهم وتحليل أخطائهم ودراسة كيفية تحسين أدائهم وزيادة فعاليتهم. يشير عدم القدرة على التفكير العميق في العمل في سياق ما يسميه الخبراء "اقتصاد المعرفة" (Knowledge Economy)، إلى خسارة كبيرة ويمثّل علامة تحذيرية على وجود مشكلة خطيرة.

لكنّ الأهم من ذلك كله هو تقلّص التفاوت في مستويات المعرفة، بحيث أصبحت المعلومات السطحية مساوية في الأهمية للمعلومات العميقة والمهمة. فعندما تؤثر آخر رسالة إلكترونية نتلقاها على ما نركز عليه أو نهتم به، فإننا نعطي القدر نفسه من الاهتمام للأمور التافهة والأمور المهمة.

كريستينا: كيف يؤثر انتباهنا المجزّأ والمشتّت، على حد تعبيرك، على علاقاتنا المهنية والشخصية؟

ماغي: نمتلك قدرة محدودة على توجيه الانتباه نحو الأفكار والأشخاص. سواء كنا نحاول متابعة عدد كبير جداً من مصادر المعلومات أو البقاء على تواصل مع مئات أو حتى آلاف الأصدقاء على منصة فيسبوك، فإن قدرتنا على توزيع التركيز والانتباه محدودة جداً، والزيادة الكبيرة في عدد المصادر أو العلاقات تضعفها بسبب توزيع الانتباه والاهتمام على عدة جهات. يؤدي ذلك إلى استنزاف الوقت والطاقة المتاحَين للتفكير العميق والمدروس أو لبناء علاقات متينة وعميقة.

كريستينا: تذكرين في كتابك أيضاً أن حالة التشتّت التي نعيشها ليست جديدة، وليست ناتجة من ظهور الرسائل الإلكترونية والرسائل الفورية، بل إنها مشكلة بدأت منذ فترة طويلة وتطورت مع مرور الوقت

ماغي: لم تبدأ التحديات التي نواجهها اليوم مع ظهور الهواتف المحمولة؛ بل تعود إلى الاختراعات التي حدثت قبل 150-200 عام، والتي غيرت طريقة تفكيرنا حول الزمان والمكان، مثل وسائل النقل والتلغراف.

لطالما أثارت فكرة تنفيذ مهام متعددة في وقت واحد اهتمامنا. إذ يرتبط إعجابنا بالسرعة والقدرة على التنقل ارتباطاً مباشراً بإحساسنا الحالي بأن التنقل السريع بين الأماكن والأفكار هو أمر جيد؛ أما البقاء ثابتاً في مكان ما والتفكير العميق في فكرة معينة فهو ليس كذلك. لهذا، لا يمكننا أن نحمّل التكنولوجيا الحديثة وحدها مسؤولية حالة التشتّت التي نواجهها حالياً والتقدير المبالغ فيه لفكرة تعدد المهام. لكن تتمثل إحدى المشكلات في أننا نخلط بين المهارة في استخدام التكنولوجيا والقدرة على توليد المعرفة.

كريستينا: ما هي اقتراحاتك لتجنب مشتّتات الانتباه؟

ماغي: نظراً لطبيعتنا البيولوجية التي تجعلنا دائماً في حالة تأهب للتغيرات في بيئتنا، فمن الطبيعي أن نتفاعل مع كل إشعار يصلنا على أجهزتنا، وكل مقاطعة تأتي من بيئتنا المحيطة. نحن في الأساس مخلوقات تتأثر بالمقاطعات والمشتّتات وتستجيب لها. لكن إذا كنا دائماً نستجيب لهذه المقاطعات في بيئتنا المحيطة، فسنصبح مشغولين بالتفاصيل الصغيرة وغير المهمة. في النهاية، سنكون قد قضينا وقتنا في حل المشكلات العاجلة دون تحقيق أي تقدم كبير أو إنجازات ذات قيمة.

لتجنب المشتّتات وتحسين التركيز، يجب علينا اتخاذ خطوتين أساسيتين. أولاً، تطوير مهارات الانتباه. ثمة 3 أنواع من الانتباه: الوعي، والتركيز، والتخطيط و القدرة على التمييز. ركز على كيفية توجيه انتباهك. كن مدركاً لطريقة استخدام هذه المهارات والمكان الذي تستخدمها فيه، وأوقات استخدامها. هل تتفاعل مع كل إشعار وتقوّض بذلك قدرتك على التركيز؟ عندما يتطلب موقف ما تركيزاً شديداً، مثل العروض التقديمية، هل تسمح لذهنك بالتشتّت؟ إذا كنت قادراً على التحكم في مهارات الانتباه لديك، فستتمكن من السعي لتحقيق أهدافك والتفكير بعمق والبقاء على اطلاع بالتغيرات السريعة في بيئتك والتعامل معها. يتطلب الأمر تحقيق التوازن بين هذه المهارات المتنوعة.

ثانياً، إلى جانب تعزيز قدرتك على الانتباه، احرص على إعداد بيئة تساعدك على التركيز والانتباه. استخدم التكنولوجيا بوعي أكبر وبطريقة مدروسة، حتى لا تصبح مصدر تشتيت يتسبب في مقاطعة وقتك المخصص للتركيز والتفكير العميق. احرص على تقليل المشتّتات البصرية في محيط عملك عندما تحاول حل المشكلات. احرص على إعادة التفكير في قيمة الهدوء والتأمل والتفكير العميق مقارنة بإنجاز المهام بسرعة وتشتت التركيز والانشغال المستمر بأمور متعددة في وقت واحد. لقد أصبحتُ أكثر حرصاً على تخصيص الوقت الكافي والمساحة المناسبة للتفكير العميق في حياتي.

كريستينا: ماذا يمكن أن يفعل القادة والشركات لدعم موظفيهم في الحفاظ على تركيزهم؟

ماغي: أسمع العاملين في مجال المعرفة دائماً يقولون: "يجب عليّ العمل من المنزل لإنجاز المهام بفعالية". يوضح ذلك وجود مشكلة حقيقية في بيئات العمل الحالية.

لإنشاء بيئة أكثر إنتاجية، يجب على القادة طرح موضوع الانتباه للنقاش. يجب أن يسألوا أنفسهم:

  • "هل يجب علينا الاعتماد على ثقافة تعدد المهام والمقاطعات المستمرة في مؤسستنا للتعامل مع التحديات الخطيرة التي تواجهنا في ظل الركود الاقتصادي الحالي؟".
  • "كيف يمكننا التأكد من أننا نخصص الوقت اللازم للتفكير العميق وحل المشكلات والابتكار؟".
  • "ما هي العناصر الأساسية لعقد اجتماع ناجح؟". "كيف يمكننا تشجيع المشاركين على الانتباه والتركيز على مجريات الاجتماع بدلاً من التشتّت أو الانشغال بأمور أخرى؟".

باختصار، يجب على قادة الشركات والمدراء تحديد المعايير السلوكية المتعلقة بالتركيز وتعدد المهام التي ستساعد في تحقيق أكبر قيمة ممكنة.

يجب علينا أن نناقش جميعاً هذا الموضوع على مستوى المجتمع كله. إذا كنا قادرين على إنشاء مجتمع خالٍ من التدخين في غضون بضعة عقود فقط، فيمكننا أيضاً البدء بتعديل ثقافة تشتّت الانتباه، والبدء بتغيير العادات والسلوكيات التي تقلل من قيمة الانتباه.

من الأمور الأخرى التي يمكن أن يفعلها قادة الشركات هو أن يكونوا قدوة من خلال إظهار تركيزهم وانتباههم الكامل في التفاعلات والأنشطة المختلفة. عندما تكون في اجتماع وتستمر في استخدام هاتفك المحمول، فإنك ترسل رسالة إلى المتحدث مفادها أنك لا تهتم بما يقول وأنه لا يستحق أن تعطيه انتباهك ووقتك. بالإضافة إلى أنك ترسل الرسالة نفسها أيضاً إلى المشاركين الآخرين في الاجتماع. يؤدي تحويل انتباهك إلى أمور أخرى في أثناء الاجتماع إلى فقدان فرصة إنشاء تواصل فعّال أو ما يسميه الخبراء "اللقاء الفكري" (A Meeting of Minds). وبالتالي، فإنك تصبح مثالاً سيئاً لكل من يشاهد سلوكك.

يمكن أن تتخذ الشركات أيضاً خطوات معينة لتقليل تشتّت الانتباه. لطالما شجعت وكالات الإعلان الأشخاص على إنشاء "مساحة بيضاء"؛ أي تحديد وقت في جدول المواعيد للتفكير المركّز والعميق أو جلسات العصف الذهني بعيداً عن التكنولوجيا أو المشتّتات الأخرى. أنشأت وكالة إعلانات في ولاية تكساس "غرفة الإلهام" (A Womb Room) لتوليد الأفكار وتنميتها، وتخصص شركة آي بي إم (IBM) أيام الجمعة لتشجيع الموظفين على التفكير الإبداعي، وتسميها "ثينك فرايديز" (Think Fridays). ابتكر هذه المبادرة الفردية قسم هندسة البرمجيات، ثم انتشرت في نهاية المطاف في أنحاء المؤسسة كافة.

ستكون إدارة الانتباه وتخصيصه وتوجيهه التحدي الرئيسي الذي سيواجه المدراء والعاملين الآخرين في مجال المعرفة في القرن الحادي والعشرين.

ماغي جاكسون (Maggie Jackson): مؤلفة كتاب "مشتَّت الانتباه: تدهور الانتباه والعصر المظلم القادم" (Distracted: The Erosion of Attention and the Coming Dark Age)، وهي أيضاً مؤلفة كتاب "ماذا يحدث للمنزل؟ تحقيق التوازن بين العمل والحياة والمأوى في عصر المعلومات" (What’s Happening to Home? Balancing Work, Life and Refuge in the Information Age).

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي