محرك الاقتصاد السعودي بدأ يدور دون نفط فما وقوده؟

7 دقائق
محرك الاقتصاد
shutterstock.com/afotostock

في مارس/آذار الماضي، أكد وزير المالية السعودي محمد الجدعان، ثبات خُطى السعودية نحو تنمية القطاع غير النفطي وتعظيم دوره باعتباره محركاً رئيسياً في الاقتصاد على الرغم من المطبات الاقتصادية التي مرَّ بها العالم. قال الجدعان في مؤتمر القطاع المالي: "هدفنا خلال هذه الفترة حتى 2030 أن نصل إلى مرحلة لا ننظر فيها حتى إلى أسعار النفط". 

لا يُنكر الجدعان أهمية النفط في اقتصاد المملكة، لكنه يؤكد أن عائداته مُهمة حالياً لاستثمارها في تحقيق رؤية 2030. منذ إطلاق الرؤية زادت مساهمة الإيرادات غير النفطية لتغطي أكثر من ثلث إنفاق الميزانية، مقارنة بـ 10% سابقاً بحسب الجدعان. المملكة شرّعت أبوابها على الاستثمارات والأعمال منذ ذلك الوقت، وعملت على تحسين بيئة الأعمال لجذب الشركات ورجال الأعمال إليها، كما عملت على إعادة هيكلة المدن الاقتصادية، وإنشاء مناطق خاصة، وتنمية القطاع الخاص ودعمه ليكون شريكاً في التحول، مع السعي للاستثمار في الكثير من القطاعات الاقتصادية المختلفة الجديدة.

رئيس المركز السعودي للحوكمة، ناصر السهلي، أكد ذلك في حديث لصحيفة الشرق الأوسط في يناير/كانون الثاني الماضي، بقوله: "إن الحكومة السعودية (..) استمرت في عملية تحفيز القطاع الخاص لتنمية الصادرات الوطنية، إلى جانب التشريعات والتنظيمات التي أسهمت إسهاماً كبيراً في دخول الشركات والمؤسسات سواء المحلية أو الأجنبية إلى السوق السعودية"، مشيراً إلى أن ارتفاع القطاع غير النفطي الذي سجّل نمواً بنسبة 6.2% في الربع الأخير من 2022، يؤكد قوة الاقتصاد السعودي واستدامته.

في الشهر نفسه الذي تحدَّث فيه الجدعان، أُعلن عن أعلى ارتفاع في نشاط قطاع الأعمال الخاص غير النفطي منذ 8 سنوات (قبل عام من إطلاق رؤية 2030)، إذ قفز مؤشر مدراء المشتريات لبنك الرياض المعدَّل موسمياً إلى 59.8 في فبراير/شباط من 58.2 في يناير/كانون الثاني في أسرع معدل زيادة منذ مارس/آذار 2015.

قد يصعب حصر كل الخُطى المتسارعة التي عملت عليها السعودية في توجهها نحو الاقتصاد غير النفطي، ومن غير السهل أن يتم ذكر منهجية كل جهة من الجهات الحكومية وإنجازاتها في سبيل ذلك، لكن قد يتجلى شيء مهم عبر نظرة سريعة على استثمارات صندوق الاستثمارات العامة السعودي ونشاطاته سواء بالرياضة أو السياحة والترفيه أو صناعة السيارات أو الطيران أو البناء والتشييد أو التكنولوجيا، إضافة إلى الخروج للاستثمار في شركات عالمية وإقليمية أو تأسيس شركات بمجالات مختلفة.

بالنظر إلى بعض الأرقام، استطاعت السعودية جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة تصل إلى 8 مليارات دولار في 2022 وتستهدف 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في 2030، بحسب وكيل وزارة الاستثمار، سعد الشهراني، خلال مقابلة مع العربية، إذ أجرت أكثر من 700 تغيير تنظيمي مع سعيها لجذب المستثمرين، وستصدر خلال العام الجاري قانوناً جديداً للاستثمار "سيكون ضمن الأفضل من نوعه عالمياً"، بحسب وزير الاستثمار، خالد الفالح.

النهضة الصناعية

حددت السعودية رؤيتها تجاه القطاع الصناعي، وأعلنت عن عدد من المستهدفات يأتي في مقدمتها تحقيق نسبة 84% من النمو للقطاعات غير النفطية، و55% للمحتوى المحلي في التصنيع، وتوفير 230 ألف فرصة عمل. مثلاً، من المتوقع نمو سوق الصناعات الغذائية من 41 مليار دولار عام 2019 إلى 57 مليار دولار بحلول عام 2030، بحسب وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر بن إبراهيم الخريف؛ أما قطاع التعدين وهو الركيزة الثالثة بعد النفط والبتروكيماويات للاقتصاد السعودي، والقائد لنمو القطاع الصناعي، فتهدف المملكة إلى رفع إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي من 17 مليار دولار، إلى 64 مليار دولار بحلول عام 2030.

دفعَ نمو الإنتاج في نشاط التعدين واستغلال المحاجر والصناعة التحويلية وإمدادات الكهرباء والغاز، وأغلبها أنشطة غير نفطية، الرقم القياسي للإنتاج الصناعي في السعودية للارتفاع بنسبة 3.2% في أبريل/نيسان الماضي مقارنةً بالشهر المماثل من العام 2022. وأظهرت نتائج نشرة الإنتاج الصناعي المنشورة في موقع الهيئة العامة للإحصاء ارتفاعاً في مؤشر الرقم القياسي الفرعي لنشاط التعدين واستغلال المحاجر في أبريل/نيسان 0.2% مقارنة بالشهر المماثل من 2022، كما ارتفع الرقم القياسي الفرعي لنشاط الصناعة التحويلية بنسبة 10.5%، وحقق الرقم القياسي الفرعي لنشاط إمدادات الكهرباء والغاز ارتفاعاً بنسبة 25.5%. 

في شهر مارس/آذار، كشف تقرير الهيئة ارتفاعاً في الرقم القياسي للإنتاج الصناعي أيضاً بنسبة 4.1% مقارنةً بمارس/آذار 2022 مدفوعاً بقيادة التعدين أيضاً، وكذلك الأمر في فبراير/شباط بنسبة 6% ويناير/كانون الثاني 6.8%.

مستهدفات الصناعة 2023

ليس فقط الصناعات الغذائية والتعدين، بل هناك الكثير من الصناعات الأخرى التي تعمل المملكة على النهوض بها مثل السيارات والفضاء والأدوية وغيرها. ففي خطتها لهذا العام، تهدف المملكة إلى توطين صناعات نوعية في 10 قطاعات، منها صناعة السيارات، والصناعات البحرية، والصناعات الطبية والدوائية، من خلال تفعيل الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي أُطلقت العام الماضي، واستقطاب استثمارات صناعية نوعية إلى مدن الهيئة الملكية للجبيل وينبع بحجم 24.8 مليار ريال وتوفير ما يقارب 7,200 فرصة عمل، وتطوير مواقع صناعية للهيئة الملكية بمساحة تبلغ 8 ملايين متر مربع لاستقطاب الاستثمارات الصناعية.

وقال ولي العهد، محمد بن سلمان، عند إطلاق الاستراتيجية: "لدينا جميع الممكّنات للوصول إلى اقتصاد صناعي تنافسي ومستدام، من مواهب شابة طموحة، وموقع جغرافي متميز، وموارد طبيعية غنية، وشركات صناعية وطنية رائدة، ومن خلال الاستراتيجية الوطنية للصناعة وبالشراكة مع القطاع الخاص ستصبح المملكة قوة صناعية رائدة تسهم في تأمين سلاسل الإمداد العالمية، وتصدير المنتجات العالية التقنية إلى العالم".

وفي الصناعة أيضاً، تهدف المملكة إلى إنشاء 105 مصانع جاهـزة بكل من مدينة جازان الصناعية، وواحة القصيم الصناعية، والدمام الثانية الصناعية، وتطوير 44 فرصة استثمارية في قطاع الآلات والمعدَّات، لزيادة حجم الصناعة المحلية وتقليل حجم الواردات.

تهدف السعودية ضمن خطة هذا العام، إلى دعم سلاسل الإمداد الأساسية لصناعة الطيران مـن خلال تطوير 10 فرص استثمارية للنهوض بالصناعات المتقدمة جـداً، ونقل المعرفة في صناعة الطيران إلى المملكة.

النهوض بالسياحة

وكما أن الصناعة محرك مهم للاقتصاد غير النفطي، تهتم السعودية بالسياحة، إذ تستهدف الاستثمار بـ 800 مليار دولار خلال 10 سنوات بهذا القطاع، وأن تضيف السياحة نحو 70 إلى 80 مليار دولار للاقتصاد السعودي بحلول عام 2030، بحسب وزير السياحة، أحمد الخطيب.

في قطاع السياحة، تهدف خطة السعودية هذا العام، إلى تحقيق 834 ألف وظيفة من خلال تمكين نمو السياحة الموجّهة إلى كل من السائح المحلي والدولي لخفض البطالة وخلق مسارات ومهـن وظيفية جديــدة. وتعتزم السعودية هذا العام تحقيق مساهمة قطاع السياحة بنسبة 5.2% في الناتج المحلي الإجمالي.

دور القطاع غير النفطي بسد العجز

بشكل عام، نما إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 4.8% في 2022، بحسب بيان لخبراء صندوق النقد الدولي عقب ختام بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2023 في السعودية، الذي توقع أن يتجاوز النمو غير النفطي 5% في النصف الأول من عام 2023.

وأظهرت نتائج تقرير الناتج المحلي الإجمالي ومؤشرات الحسابات القومية للربع الأول من عام 2023، أن الأنشطة غير النفطية نمت بنسبة 5.4% خلال الربع الأول من العام مقارنة بما كانت عليه في الفترة المماثلة من 2022، مقابل 1.4% فقط لنمو الأنشطة النفطية.

بحسب بيان خبراء الصندوق، فإن المحركات الأساسية للنمو غير النفطي كانت تجارة الجملة والتجزئة وقطاع البناء وقطاع النقل والاستثمارات الخاصة غير النفطية والمشاريع العملاقة بهذا الصدد، والإنفاق الاستهلاكي القوي، وبالفعل بلغت أنشطة النقل والتخزين والاتصالات أعلى معدلات النمو في الأنشطة غير النفطية بمقدار 9.1% تليها أنشطة الصناعات التحويلية ما عدا تكرير الزيت بنسبة 7.7% في 2022، بحسب الهيئة العامة للإحصاء.

جاءت الأرقام أعلاه فيما يتعلق بنمو القطاع غير النفطي ثمرة توجه حكومي سعودي بدأ عام 2016 بإطلاق رؤية 2030 التي تركّز على تنويع الاقتصاد بعد اعتماده على الريع بالنفط لعقود مضت. أدى الاعتماد على الإيرادات من النفط لتغطية النفقات في السابق إلى عجز في الميزانية السعودية؛ بينما شهدت السنوات الخمس الماضية إصلاحات هيكلية كبيرة تم خلالها التحول من العجز في الميزانية إلى الفائض، بحسب حديث وزير المالية محمد الجدعان نهاية 2022، الذي أشار إلى أن الإيرادات غير النفطية أصبحت تُغطي 40% من الإنفاق بنهاية عام 2021، بعدما كانت تُغطي 10% في السابق فقط.

وبالفعل، استطاعت السعودية لأول مرة منذ نحو 9 سنوات تحقيق فائض في الميزانية خلال عام 2022، بقيمة بلغت 103.9 مليار ريال (27.7 مليار دولار)، وأُقرّت الميزانية العامة لعام 2023 بفائض مقدّر بنحو 16 مليار ريال (4.27 مليار دولار).

يؤيد أهمية ما تقوم به المملكة من تعظيم دور القطاع غير النفطي في الناتج المحلي بيان خبراء صندوق النقد، الذي يرى أن تراجع الإيرادات النفطية نتيجة سياسة خفض الإنتاج قد يحوِّل المالية العامة من الفائض إلى العجز، لكن من شأن قوة الإيرادات غير النفطية وتراجع الإنفاق -نتيجة خفض المصروفات الاستثنائية– تحسين العجز، مؤكداً أنه ينبغي مواصلة إيلاء الأولوية لجمع الإيرادات غير النفطية.

مشاريع ضخمة تشكِّل نقطة تحول

 هناك بعض المشاريع الضخمة التي تستند إليها السعودية في تحوّل اقتصادها نحو التنوع وهي كثيرة، وقد يكون أهمها:

1. مشروع نيوم: الذي يضع أهدافاً له في مقدمتها تنمية الاقتصاد السعودي وتنويع مصادره، ثم التحول لوجهة جديدة للحياة والعمل واستقطاب أكثر من مليون شخص من حول العالم، وتقديم نماذج جديدة للاستدامة الحضرية وحماية البيئة والاستخدام الأمثل للتقنية بفعالية وإنتاجية. 

من المخطط لنيوم كمدينة أن تكون مركزاً عالمياً ومستقبلياً للتجارة والابتكار ومحركاً لنمو الشركات عبر استخدام كامل للطاقة النظيفة. تقع المدينة شمال غرب المملكة وتعني كلمة نيوم "المستقبل الجديد".

2. مشروع البحر الأحمر: لأن السياحة تُعد إحدى أهم ركائز التنوع الاقتصادي للمملكة، أُطلق مشروع البحر الأحمر عام 2017 ليكون وجهة سياحية عالمية تضم منتجعات فاخرة ووحدات سكنية، ومرافق ترفيهية وتجارية، وستعتمد بالكامل على الطاقة المتجددة. ويمتد المشروع على أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي أملج والوجه، وبالقرب من إحدى المحميات الطبيعية في المملكة والبراكين الخاملة في منطقة حرة الرهاة، وإلى جانب المشروع، تقع آثار مدائن صالح التاريخية.

3. مشروع القدية: دُشّن المشروع عام 2017، وهو مشروع للعاصمة المستقبلية للترفيه والرياضة والثقافة والفنون ليس فقط على مستوى المملكة بل على المستوى العالمي. تقع عاصمة الترفيه بالقرب من العاصمة الرياض وتقوم على 5 محاور هي: الحدائق والمعالم السياحية، والرياضة، والثقافة والفنون، والطبيعة والبيئة، والحركة والتنقل. وتسعى القدية إلى تحقيق هدف اقتصادي واجتماعي مزدوج، يتمثل في دفع مسيرة التنوع الاقتصادي في المملكة. 

4. مشروع الرياض الخضراء: لأن رؤية 2030 تهدف إلى رفع تصنيف الرياض بين مدن العالم، ولأنه يُنتظر من الرياض أن تكون عاصمة جاذبة في قطاع الأعمال، كان من المهم تطوير بيئتها لتطوير جودة الحياة فيها ورفع كفاءتها الاقتصادية عبر إطلاق مشروع الرياض الخضراء عام 2019.

يزيد المشروع من نصيب الفرد من المساحة الخضراء عبر زيادة المساحات الخضراء الإجمالية بنشر التشجير وتكثيفه، مع الاستغلال الأمثل للمياه المعالجَة في الري، ما يساعد في تحسين جودة الهواء وخفض درجات الحرارة وتشجيع السكان على ممارسة نمط حياة أكثر نشاطاً.

من المتوقع أن يحقق المشروع عائداً اقتصادياً للمدينة بنحو 71 مليار ريال (نحو 19 مليار دولار) عام 2030، عبر تقليص نفقات الرعاية الصحية واستهلاك الكهرباء وترشيد هدر مياه الشرب في الري واستبدال كل ذلك بإنشاء شبكات للمياه المعالجة، وأيضاً من المخطط أن يوفر المشروع فرصاً استثمارية جديدة أمام القطاع الخاص في أعمال المشاتل والبستنة والتشجير وتصميم الحدائق وتنسيقها وأعمال الري.

تؤكد الحكومة السعودية أنها ستواصل جهودها في رفع كفاءة الإنفاق والضبط المالي، إذ تستهدف تطوير القطاعات الواعدة التي تسهم في تحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية على المديين المتوسط والطويل، بحسب ما جاء في ميزانية 2023.

جهود السعودية بالتحول الاقتصادي نحو التنوع تُثمر بالفعل، فقد أكدت وكالة التصنيف الائتماني موديز مؤخراً، تصنيفها عند A1 مع تعديل النظرة المستقبلية من مستقرة إلى إيجابية، نتيجة جهود المملكة في تطوير السياسة المالية وإجراء الإصلاحات الهيكلية التنظيمية والاقتصادية الشاملة "التي ستدعم استدامة التنوّع الاقتصادي على المديين المتوسط والطويل"، مشيرة إلى أهمية دور مشاريع التنوّع الاقتصادي الحكومية المدعومة باستثمار القطاع الخاص، وتأثيرها الإيجابي في النمو الاقتصادي وتحسين النظرة المستقبلية. 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي