محبّو مادة الرياضيات الاجتماعيون هم الأكثر دخلاً اليوم

3 دقائق

لا شك أن الآباء الذين يقضون قسطاً كبيراً من وقتهم خلال الأسبوع في نقل أطفالهم ما بين تدريبات كرة القدم ونادي المسرح، قد يشعرون ببعض الارتياح إذا ما علموا النتائج التي توصلت إليها الأبحاث الجديدة التي تشير إلى أن هذه الجهود لا تذهب سدىً –ما دام أطفالهم جيدين في مادة الرياضيات أيضاً.

فقد وجدت ورقة بحثية من "جامعة كاليفورنيا" (University of California)، في سانتا باربارة مؤخراً، أن المكاسب التي يحققها المرء من تفوقه في مادة الرياضيات عادت للارتفاع في العقود القليلة الماضية، تماماً كما حصلت زيادة في المكاسب التي يحققها المرء من تفوقه في المهارات الاجتماعية (وهي مزيج ما بين القيادة والتواصل وغير ذلك من المهارات الشخصية). لكن الورقة تقول أيضاً: "إن المكاسب التي يحققها المرء من تفوقه في هاتين المهارتين معاً نمت بوتيرة أسرع".

فما علاقة كل ذلك بالتدرب على كرة القدم؟ لقد لجأت الدراسة البحثية إلى المقارنة بين مجموعتين من طلاب البكالوريا البيض الذكور الأميركيين (خريجي دفعتي 1972 و1992) –لرؤية مدى تغيّر الدخل المقترن بالمهارات الاجتماعية ومهارات مادة الرياضيات مع مرور الوقت. وبالاستناد إلى مسحين أجراهما "المركز الوطني لإحصائيات التعليم" (National Center for Education Statistics)، راجعت الدراسة علامات طلاب البكالوريا في الاختبارات القياسية الموحدة في مادة الرياضيات، والأسئلة المطروحة حول مشاركتهم في النشاطات اللاصفية والأدوار القيادية، والدخل الشخصي بعد مرور سبع سنوات على التخرج في المدرسة الثانوية. كانت النتائج متوافقة مع التعداد العام للسكان وبيانات "مكتب الإحصاء الوطني" (National Statistics Office).

لقد وجد التحليل بأنه في الوقت الذي كانت فيه علامات مادة الرياضيات، والرياضة، والأدوار القيادية، والتعليم الجامعي مرتبطة كلها بتحقيق دخل أعلى خلال الفترة الواقعة بين 1979 و1999، كان التوجّه السائد مع مرور الوقت لزيادة الدخل أقوى بين صفوف الأشخاص الذين كانوا جيدين في مادة الرياضيات وانخرطوا في الوقت ذاته في نشاطات رياضية أو قيادية في المرحلة الثانوية. بعبارة أخرى، أن يكون المرء متفوقاً في الرياضيات وشخصاً اجتماعياً اليوم هو أمر مربح أكثر ممّا كان عليه الحال قبل 30 عاماً.

قد يشكك بعض الناس بأن تكون المشاركة في النشاطات الرياضية في المرحلة الثانوية أو تولي أدوار قيادية في النوادي المدرسية (حيث تشمل الدراسة أيضاً مجموعات المطبوعات والنشر والفنون الأدائية) مؤشرات دقيقة على "المهارات الاجتماعية" –وربما هم محقّون في ذلك. بيد أن هذه النشاطات اللاصفية، التي تشمل عادة العمل الجماعي، والتواصل، والتفاعل العام مع الآخرين، اقترنت دائماً بتطوير المهارات الاجتماعية.

التبرير الآخر لاستعمال الرياضات والنوادي كمؤشر مساعد على المهارات الاجتماعية ارتبط بالمنهجية. فبغية قياس كيفية تغيّر سعر المهارات الاجتماعية مع مرور الوقت، كان هناك حاجة إلى مقاييس متقاربة. قد لا تخلو هذه المؤشرات من العيوب، لكنها ظلت متاحة ومتسقة مع مرور الوقت.

واقتصر التحليل على الذكور ذوي البشرة البيضاء للسبب ذاته – حيث إن مستويات علاماتهم الامتحانية ونشاطهم ظلّت هي ذاتها، بينما تغيرت أشياء كثيرة لدى المجموعات الأخرى. وبحسب الورقة "استقرت علامات مادة الرياضيات بين الأقران من الذكور ذوي البشرة البيضاء، ولكن لم تكن كذلك بين صفوف الطلاب ذوي البشرة السوداء –بينما سجلت مشاركة النساء في الأدوار والنشاطات في المرحلة الثانوية تغيراً هائلاً على مدار هذه السنوات".

لماذا تتنامى علاقة قيّمة بين هاتين المهارتين؟ تقول المؤلفة كاثي واينبيرغر (Cathy Weinberger): "تحتاج الإجابة عن هذا السؤال إلى المزيد من الأبحاث". لكن آخرين درسوا كيفية تأثير الابتكارات التكنولوجية على الاشتراطات المطلوبة من القوى العاملة في مجال المهارات. واستشهدت واينبيرغر بدراسة تؤكد أن تبنّي التكنولوجيا الجديدة لم ينجم عنه تغيّر في التدريب التقني للعاملين فحسب، وإنما أيضاً في التدريب الرامي إلى تطوير مهارات التواصل المعقدة لديهم وكذلك عملهم الجماعي كفريق واحد. وبالتالي فإن ارتفاع الطلب على المهارات الاجتماعية، مقترناً بزيادة الطلب على مهارات مادة الرياضيات، قد يكون نتيجة للتقدم التكنولوجي.

تظهر البيانات أن الاقتصاد اليوم يكافئ التوازن ما بين المهارات الكمية والاجتماعية أكثر من أي وقت مضى. وهذا الأمر له تبعاته على الطريقة التي ندرّس بها أطفالنا، لأنه يلقي بظلال الشك على التركيز العالي من قبل المدارس على الاختبارات الامتحانية القياسية الموحدة في مقابل نظرة أوسع إلى تطوير المهارات، إضافة إلى التبعات التي سيتركها على حياتنا المهنية. وفي حقبة تتميّز بالابتكار التكنولوجي السريع، هناك توقعات متنامية بأن يكون لدينا المزيد من الذكاء التكنولوجي ومهارات التواصل الشخصي.

صحيح أن الطلب على التفكير الكمي مرتفع لأسباب مفهومة، ولكن هناك طلباً كبيراً على المهارات التي يتعلّمها المرء في الملاعب الرياضية أيضاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي