بعد التزام مارك زوكربيرغ المُعلن بتحسين إجراءات تحمّل المسؤولية العامة لشركته منذ ما يقرب من عام، أعلنت شركة "فيسبوك" عن وضع خطط تفصيلية لمسؤوليات مجلس رقابة فيسبوك الجديد في سبتمبر/ أيلول. وأفادت الشركة أن الهيئة ستتألف من 40 خبيراً مستقلاً سيعملون لمدة 3 سنوات، ووصف الكثيرون الهيئة أنها المحكمة العليا الخاصة بمنصة "فيسبوك"، إذ تنطوي مهمتها على البت في قضايا تتعلق بسياسة المحتوى على منصات الشركة. ويتمتّع المجلس باستقلال ملحوظ، ويمتلك حق نقض أي قرار يصدره زوكربيرغ نفسه.
ويمثّل مجلس رقابة فيسبوك ظاهرياً إجابة رائعة عن مشكلة جديدة في الواقع، فقد شهدت الشركة التي تتمتع بامتلاكها أكثر من ملياري مستخدم في جميع أنحاء العالم مجموعة واسعة من المشكلات الخطيرة المتعلقة بالنشر واسع النطاق ودون احتكاك للمحتوى الذي يمثّل خدمة مستهلكي الشركة الأساسية. إذ لا يُنشر على منصات "إنستغرام" و"واتساب" والمنصة الرئيسة "فيسبوك" مقاطع فيديو عن القطط والصور الفوتوغرافية للأطفال فحسب، بل تجاوز النشر ذلك ليشمل نشر محتوى يتضمن السلوك البغيض، وتحريض الإرهابيين في المناطق التي تشهد اضطرابات سياسية، ونشر المعلومات المضللة، والترسيخ المنهجي للتحيز الخوارزمي، وهو ما يبرر القلق العام الشديد فيما يتعلق بهذه القضايا. وبناء على ذلك، تنطوي واجبات المجلس على الاستماع إلى شكاوى المستخدمين التي تتعلق بهذه القضايا وتحديد وقت معاقبة المستخدمين المسيئين أو المنشورات المخالفة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل مجلس رقابة فيسبوك مهيأ للنجاح بالفعل؟
أود أن أزعم أنه غير مُعد للنجاح، إذ لا يعود سبب المشاكل العامة التي تواجهها الشركة في الإشراف على المحتوى إلى قصورها في تنفيذ هذه الإجراءات، وإنما إلى نموذج العمل الكامن وراء منصات الشركة نفسها.
اقرأ أيضاً: ما الذي يميز الرؤساء التنفيذيين الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي؟.
حيث يعتمد هذا النموذج على شبكة إنترنت المستهلكين بشكل عام، ويستند إلى زيادة مشاركات المستهلكين وضخ الإعلانات خلال تجاربهم الرقمية. كما يعتمد على جمع البيانات الشخصية والخوارزميات المعقدة التي تنظم الأخبار الاجتماعية وتوجه تلك الإعلانات. وبالنظر إلى عدم وجود اعتبار جاد لما يرغب المستهلكون في رؤيته أو ما يجب عليهم رؤيته في هذه المعادلة، تُمطرهم المنصة بوابل من الإعلانات بهدف زيادة الأرباح. وتسفر هذه الممارسات بدورها عن توليد عوامل خارجية سلبية، والتي يُعتبر التضليل أحدها.
تأمل هذا المثال، عندما حاول النشطاء السياسيون الروس إفساد الانتخابات في الولايات المتحدة، لجؤوا إلى منصات الإنترنت. وقد شهدنا ذلك خلال انتخابات عام 2016 بأشكال عديدة، بما في ذلك المنشورات على منصتي "تويتر" و"فيسبوك" التي أججت التوترات العرقية وانطوى هدفها على قمع التصويت في مجتمعات معينة في الولايات المتحدة. وقد اعتمدت هذه الجهود على تقنيات تجزئة الجمهور والاستهداف التي تتيح للمنصة زيادة عدد المستخدمين وإيرادات الإعلانات. ويقوم "مكتب التحقيقات الفيدرالي" و"وزارة الأمن الداخلي" بالفعل بإبلاغ مسؤولي الانتخابات بأن عملاء الحكومة الروسية "قد يسعون إلى تثبيط الناخبين الأميركيين أو قمعهم سراً عن المشاركة في انتخابات العام المقبل"، وذلك باستخدام الأدوات ذاتها التي صممتها هذه المنصات. وبعبارة أخرى، تحدد الجهات الفاعلة سيئة النوايا مكامن الضعف في المجتمع الأميركي وتمطرها بوابل من الأكاذيب، إلى حين يبدأ نسيجنا السياسي في التفكك.
وبالتالي، سيحتاج مجلس الرقابة إلى صلاحيات قضائية للحكم على المنشورات الشخصية والإعلانات السياسية على حد سواء حتى يتمكن من معالجة هذه القضايا. علاوة على ذلك، من الضروري أن يكون قادراً على حذف أجزاء معينة من المحتوى، وإيقاف تدفق بيانات المستهلكين الأميركيين إلى العملاء الروس، وتغيير الطرق التي تميز بها الخوارزميات المحتوى المثير للجدل. وتمثّل هذه الخطوات تحدياً أكبر لشركة تعتمد على هذه الآليات باعتبارها المصدر الرئيس للدخل. وبغض النظر عن الحدود التي يفرضها المجلس، ستضطر شركة "فيسبوك" إلى تجاوز هذه الحدود دائماً، ذلك أن الشركة لا تعرف طريقة أخرى للحفاظ على هوامش ربحها.
وبالتالي، لا يمكن لمجلس الرقابة في وضعه الحالي، معالجة المشاكل التي تُرتكب وتتزايد عبر منصة "فيسبوك".
علاوة على ذلك، قد تُلحق معالجة هذه القضايا المزيد من الضرر بدلاً من النفع. وتحاول شركات الإنترنت الأخرى أيضاً التخفيف من هذه المشكلات، على الرغم من أن جهودها المبكرة لم تثبت فاعليتها بعد. وتنطوي الأمثلة الأخيرة على إزالة كلمات الكراهية في موقع "يوتيوب" وتحديث قواعد التشغيل في موقع "تويتر" لمواجهة المحتوى غير الإنساني الذي يستهدف المجموعات الدينية. وفي ضوء ذلك، أعتقد أن مجلس رقابة "فسيبوك" أصبح أداة تجارية لخدمة مصالح الشركة، سواء باسمه أو وظيفته، إذ إنه يعطي انطباعاً بتوفير رقابة حقيقة عن طريق تحمّل مسؤولية تحديد ما قد يُشكل خطاباً يحضّ على الكراهية لطرف خارجي يتمتع بمصداقية عامة، وهو ما يسمح للشركة بتجاهل تهديد سياسة تنظيمية أكثر صرامة قد تنشأ عن هيئات تشريعية جدّية هدفها استهداف نموذج أعمال الشركة نفسه.
ولمعالجة هذه القضايا، ربما ينبغي توسيع سلطة مجلس رقابة فيسبوك من عمليات حذف المحتوى إلى الشواغل الأساسية في قلب الشركة نفسها. ومن الضروري الإشراف على ممارسات بيانات الشركة بهدف تعزيز خصوصية المستهلك والمواطن، والإشراف على عمليات الاستحواذ الاستراتيجية للشركة وحوكمتها للبيانات بهدف توفير الحماية من الممارسات المانعة للمنافسة، والإشراف على إجراءات الشركة فيما يخص اتخاذ القرارات الخوارزمية للحماية من التحيز. ويوجد العديد من الطرق التي يمكننا من خلالها تفعيل هذه الرقابة، والتي تتمثّل في سلطة المساهمين، أو الرقابة الحكومية، أو تدقيق أطراف ثالثة، أو التنظيم الصناعي أو توسيع سلطة المجلس.
يمارس موقع "فيسبوك" تأثيراً هائلاً على إنشاء محتوى الوسائط ونشرها في الولايات المتحدة ومواقع أخرى حول العالم إلى درجة أن غالبية المستخدمين في دول معينة يعتقدون أن "فيسبوك" هو الإنترنت نفسه. لكن عندما نتغلب على سيطرة الشركة واسعة النطاق على المشهد الإعلامي والعلاقات التي تمارسها في العالم السياسي، تتوضح أهمية توفير نوع من الرقابة العامة على الممارسات التجارية التي تسبب هذه المشاكل، بالإشارة إلى أن الروس والجهات الفاعلة سيئة النية الأخرى، الأجنبية والمحلية على حد سواء، قد تراقب الانتخابات الأميركية وغيرها من الانتخابات الديمقراطية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لوكلاء التوظيف المحافظة على أهميتهم في عصر لينكد إن؟.