إن وظيفتك بصفتك عضواً في مجلس الإدارة مهمة صعبة وليست سهلة، ويمكنك أن تسأل عن ذلك أي شخص سبق له أن شغل هذا المنصب. إذ يتعين على مدراء الشركات فهم طبيعة العمل، ومراجعة المستندات، والمشاركة في محادثات مهمة وهادفة مع الرؤساء التنفيذيين، وتقديم آراء تقييمية، مع المحافظة في الوقت ذاته على علاقات إيجابية مع الإدارة. وكل هذه أشياء يصعب الموازنة بينها. ولكن، عادة ما تكون مجالس الإدارة غير مضطرة للمشاركة في المشاريع التشغيلية الفردية، وخصوصاً التقنية منها. وفي الواقع، إن معظم مجالس الإدارة لا تضم إلا عدداً قليلاً جداً من الأعضاء الذين يرتاحون إلى التكنولوجيا المتقدمة، ويكون لذلك عموماً أثر محدود على الشركة ككل.
ولكن هذا يوشك أن يتغير بفضل تقنيات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي.
ففي استبيان "غارتنر" للرؤساء التحفيزيين لعام 2019، أعرب أكثر من نصف المسؤولين التنفيذيين العاملين في مجال التكنولوجيا عن رغبتهم في توظيف الذكاء الاصطناعي قبل نهاية عام 2020، بزيادة قدرها 14% على ما هي عليه اليوم. إذا كنت تتحرك ببطء شديد، يمكن لأحد المنافسين استخدام الذكاء الاصطناعي لإخراجك من السوق. وبالمقابل إذا تحركت بسرعة كبيرة أكثر مما ينبغي، فإنك تخاطر باتباع نهج لا تعرف الشركة حقاً كيفية إدارته. وبيّن تقرير صدر مؤخراً عن "نيو فينتدج بارتنرز" (NewVantage Partners) أن 75% من الشركات أشارت إلى أن الخوف من الزعزعة التي يقوم بها المنافسون الرقميون الذين يستندون إلى البيانات كان السبب الأهم الذي دفعهم إلى الاستثمار.
ستبدو الأسئلة التي ستضطر مجالس الإدارة إلى طرحها على نفسها شبيهة بتلك التي ستطرحها في مواجهة أي استثمار في الفرص الكبيرة: لماذا ننفق كل هذا المال؟ ما هي المنافع الاقتصادية؟ كيف يؤثر ذلك على موظفينا وقدرتنا التنافسية على المدى البعيد؟.
تتطلب الإجابة عن هذه الأسئلة خبرة في التكنولوجيا. ولكن لا يمكنك أن تضم خبيراً في التكنولوجيا إلى المجلس، وتعتمد عليه أو عليها لإطلاع بقية أعضاء المجلس على المستجدات السريعة ومواكبة التطورات. وبصفتي شغلت ذلك المنصب من قبل، وجدت أن ذلك الإجراء يمكن اعتباره في أفضل حالاته نصف خطوة مفيدة. إن الاعتماد على شخص واحد مهتم بالتكنولوجيا لا يغني عن وجود مجلس إدارة كامل لديه -على الأقل- فهم أساسي لتقنيات الذكاء الاصطناعي وإمكاناتها التخريبية المزعزعة.
سيختلف مستوى الارتياح لدى كل مجلس تبعاً للقطاع الذي يعمل فيه. ويدرك المصنِّعون كيف يمكن للروبوتات أن تمنح الموظفين وقتاً للقيام بالأعمال الأهم من خلال إنجازها للوظائف المتكررة والمحفوفة بالمخاطر. كما بدأت المستشفيات وشركات التأمين الصحي باعتماد الذكاء الاصطناعي على نحو واسع، ولكن النجاحات الكبيرة بالنسبة لها لا تزال بعيدة المنال. وعلى العكس من ذلك، تهيأت الظروف لأن يُحدث الذكاء الاصطناعي زعزعة واضطراباً في أعمال الخدمات المالية. إذ تمتلك جهات الإقراض كميات ضخمة من البيانات والإمكانات لزيادة التدفقات النقدية، من خلال إيجاد كفاءات جديدة عبر تطبيقاتها التي ستساعد أصحاب البنوك- على سبيل المثال- في اتخاذ قرارات إقراض أكثر ذكاءً، وخلق فرص ربح جديدة من خلال تقديم منتجات أفضل وأكثر ملاءمة للزبائن.
ومع ذلك، هناك 4 نقاط يمكن لأي عضو مجلس إدارة في أي قطاع الاسترشاد بها عندما يبدأ بالسير في هذا الاتجاه:
هذه مسائل حسابية، وليست ضرباً من السحر. يتعين على مجالس الإدارة عدم الخوف من الذكاء الاصطناعي. ولا يحتاج الأعضاء إلى الحصول على شهادات في هندسة الكمبيوتر ليتمكنوا من فهم التكنولوجيا التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي، ولا يحتاجون أن يكونوا محاسبين قانونيين معتمَدين لفهم الميزانية العمومية للشركة. وسيشكل أي استخدام جيد لتعلم الآلة أو الذكاء الاصطناعي تطوراً في العمل الذي تقوم به شركتك الآن، لكن لا يجب اعتبارهما ذلك النوع من تقنيات الذكاء العالمية الخارقة التي تحيط علماً بكل شيء. إن أخذ هذا المنظور في الاعتبار واكتساب فهم بسيط لتقنيات الذكاء الاصطناعي يساعد مجالس الإدارة على اتخاذ قرارات أفضل فيما يتعلق بتوجيه استخدام الذكاء الاصطناعي.
يجب أن تكون مشاريع الذكاء الاصطناعي المُدارة جيداً سهلة للفهم. ويتعين على مجالس الإدارة امتلاك الثقة الكافية للتصريح عندما يكون هناك شيء ما غير مفهوم، عند تقييم ما إذا كان مشروع معين مناسباً لشركتهم. ويجب أن تكون مشاريع الذكاء الاصطناعي المدارة على نحو جيد قابلة للتفسير بلغة بسيطة وواضحة. يجب أيضاً أن تكون الطريقة التي ستتأثر بها المجموعات الفعلية من الأشخاص واضحة، سواء كانوا موظفين أو زبائن أو إدارة. وإذا لم يستطع أحد المتعهدين أو أعضاء الفريق الداخلي شرح الكيفية التي يعمل بها مشروع قائم على الذكاء الاصطناعي، فقد لا يكون ذلك المشروع مناسباً لشركتك. لا يقتصر الأمر على تعلم الآلة فحسب، حيث كان ذلك ينطبق على عمليات تخطيط موارد المؤسسة، ولكن تعلم الآلة يتقدم بوتيرة أسرع في عالم الشركات مقارنة بعمليات تخطيط موارد المؤسسة. على سبيل المثال، عندما قدمت مشروع تمويل تعلم الآلة إلى مجلس الإدارة في إحدى كبرى الشركات المُصدرة لبطاقات الائتمان، بدأت بتأثيره الاقتصادي على عملهم، والإطار الزمني للتسليم، ونوع العقبات التي من المحتمل أن تواجه الذكاء الاصطناعي والامتثال، والجهات التي يجب أن تشارك في ذلك.
ليس عليك فعل أي شيء غريب حتى تتمكن من استخراج القيمة من البيانات. تفترض الشركات في أحوال كثيرة أنه يجب عليها أن تكون مثل "فيسبوك" أو "جوجل"، وتُدخل جميع البيانات التي تستطيع إيجادها، من أجل أن تُحسن استغلال الذكاء الاصطناعي. ولكن ذلك من الممكن أن يتحول بسرعة إلى أمر غريب ومخيف، ففي العادة لا تكون ثمة حاجة إلى ذلك القدر الكبير من البيانات. لقد أظهر عملنا في تطوير نماذج تمويل ائتماني قائمة على تعلم الآلة مع البنوك وجهات الإقراض أن بيانات وسائل التواصل الاجتماعي لا تقدم إشارات بتلك القوة على أي حال. وتقبع معظم الشركات بالفعل فوق أطنان من البيانات العادية المملوءة بإشارات ورؤى يمكن الكشف عنها باستخدام تعلم الآلة.
تعلم الآلة هو جزء من التكاليف التشغيلية، وليس استثماراً لرأس المال. إذا كانت خطة الإدارة في الحصول على تقنيات الذكاء الاصطناعي تتمحور حول استثمار كبير لمرة واحدة، فعلى الأرجح أنها تفهم الأمر بطريقة خاطئة. إذ يمتلك الذكاء الاصطناعي الإمكانية لزيادة صافي المبيعات من خلال زيادة الإيرادات وخفض التكاليف، ولكن يجب تخصيص ميزانية لضمان عمل الخوارزميات والنماذج على نحو سليم، وإعادة بنائها أو تجهيزها عندما تتغير العوامل الكلية وتبرز مصادر جديدة للبيانات. فكر في الذكاء الاصطناعي كما لو كان سيارة سباق من نوع فورمولا ون، التي تقدم أفضل أداء عندما يمتلك فريق دعمها رؤية فورية لصحة وسلامة السيارة أثناء اندفاعها في المسار.
لا يزال الاعتماد الواسع على الذكاء الاصطناعي في الأعمال في بداياته. ولكن مجالس الإدارة التي تفشل في مواكبة هذه الموجة وتقدمها ستدفع الثمن.