أظهرت البحوث بانتظام أنّ شعور الموظفين بـالتمكين في العمل يرتبط بمستويات أقوى من الأداء الوظيفي، والرضا الوظيفي، والالتزام تجاه المؤسسة.
ويحاول العديد من القادة اليوم في كثير من الأحيان تمكين موظفيهم من خلال إعطاء الصلاحيات لهم وتمكينهم من اتخاذ القرارات، ومشاركتهم المعلومات، وطلب مدخلاتهم. لكن بحثنا الأخير وجد أنّ أسلوب القيادة هذا يعمل بشكل أفضل في تحفيز أنواع معينة من الأداء وأنواع معينة من الموظفين. فالقادة "الممكّنون" يجب أن يعرفوا متى يجب عليهم أن يكونوا أكثر فعالية.
أجرينا تحليلاً تفصيلياً لكل التجارب الميدانية المتوفرة حول القادة الذين يمكّنون المرؤوسين - فتفحصنا نتائج 105 دراسات، شملت بيانات من أكثر من 30,000 موظف من 30 بلداً. ونُشرت ورقتنا في "مجلة السلوك التنظيمي". ونظرنا في ما إذا كان أسلوب القيادة الممكّنة مرتبطاً بتحسين الأداء الوظيفي، واختبرنا ما إذا كان هذا ينطبق على أنواع مختلفة من الأداء، مثل أداء المهام الروتينية، وسلوك المواطنة التنظيمية (organizational citizenship behavior)، والإبداع. كذلك اختبرنا العديد من الآليات التي قد تفسر كيف أنّ هذا النوع من القيادة سيحسّن الأداء الوظيفي. على سبيل المثال، هل نتجت هذه الآثار عن زيادة الشعور بالتمكين، أم من خلال زيادة الثقة في القائد الخاص بالفرد المعني؟ وأخيراً، استكشفنا ما إذا كان القادة الذين ركزوا على تمكين الموظفين قد أثّروا في الأداء الوظيفي للموظفين بالتساوي في مختلف الثقافات الوطنية، والقطاعات، ومستويات خبرات الموظفين.
وأسفر تحليلنا عن بعض النتائج الرئيسية: أولاً، يكون القادة الممكّنون أكثر فعالية في التأثير على الإبداع وسلوك المواطنة التنظيمية (أي السلوك غير المعترف به أو الذي تتم مكافأته رسمياً مثل مساعدة زملاء العمل أو حضور وظائف العمل غير الإلزامية) لدى الموظف، بينما يمكن أن يكونوا أقل فعالية في ما يخص أداء الموظف للمهام الروتينية. ثانياً، من خلال تمكين موظفيهم، من المرجح أيضاً أن ينال هؤلاء القادة ثقة مرؤوسيهم، مقارنة بالقادة الذين لا يمكّنون موظفيهم. ثالثاً، كان القادة الذين مكّنوا الموظفين أكثر فعالية في التأثير على أداء الموظفين ذوي الثقافات الشرقية، مقارنة بذوي الثقافات الغربية، وكان لديهم أثر أكثر إيجابية على الموظفين الذين لديهم خبرة أقل في العمل ضمن مؤسساتهم.
وتحقق للقادة الممكّنين ميل أكبر إلى الإبداع والمساعدة لدى موظفيهم.
وقد قارن تحليلنا التجميعي آثار القادة الذين صنفهم مرؤوسوهم المباشرون بأنهم أكثر تمكيناً بأولئك الذين صُنّفوا بأنهم أقل تمكيناً. وكان القادة الذين يُنظر إليهم على أنهم أكثر تمكيناً أكثر ميلاً لتفويض موظفيهم صلاحيات، وطلب مدخلاتهم، وتشجيع الاتخاذ المستقل للقرار. وكانوا أكثر ميلاً للحصول على موظفين جرى تقييمهم، إما من قبل قائدهم أو زملائهم، باعتبارهم من ذوي الإبداع العالي وسلوك المواطنة التنظيمية الحسن. وعلى وجه التحديد، يبدو أنّ هذا النوع من القيادة يشجع الموظفين على توليد أفكار جديدة والتفكير في طرق جديدة للقيام بالأعمال، ومساعدة الآخرين في مكان العمل، والتطوع للقيام بمهام إضافية، والاستعداد لدعم مؤسساتهم خارج نطاق الصفة الرسمية.
ووجدنا أنّ هذه الآثار حدثت من خلال عمليتين نفسيتين متميزتين. أولاً، من المرجح أنّ الموظفين الذين اعتقدوا أنّ قادتهم أكثر تمكيناً شعروا أنهم يتمتعون بالقدرة على العمل - هم شعروا بقدر أعظم من الاستقلالية أو السيطرة في عملهم، وشعروا بأنّ وظيفتهم لها معنى وتتماشى مع قيمهم، وأنهم كانوا أكفاء في قدراتهم، وأنهم قادرين على إحداث فرق. وساعدت مشاعر التمكين هذه على تفسير آثار قادة كهؤلاء على كل من إبداع الموظفين وسلوك المواطنة التنظيمية لديهم. ومن الأرجح أن يكون الموظفون الممكَّنون من الأفراد الأقوياء والواثقين الذين يلتزمون بأهداف ذات معنى ويظهرون المبادرة والإبداع لتحقيقها. وتكون لديهم عادة الحرية لتوليد أفكار جديدة والثقة بأنّ هذه الأفكار ستحظى بالتقدير.
ثانياً، كان من المرجح أن يثق الموظفون بالقادة الذين ينظرون إليهم على أنهم أكثر تمكيناً. وكانت لديهم ثقة أكبر في قادتهم وكانوا أكثر ميلاً إلى بذل جهد من دون الشعور بأنهم قد يتعرضون للاستغلال. وهذه ليست بديهية كما قد يظن المرء. فعندما يحاول أحد القادة تمكين الموظفين، يطلب منهم أن يتحملوا تحديات إضافية ومسئولية إضافية في العمل. ويمكن للموظفين تفسير هذا التفويض كمحاولة من القائد لتجنب القيام بالعمل بنفسه. لكننا وجدنا أنّ تمكين القيادة، حين يتعلق أيضاً بتوجيه الموظفين ودعم تطورهم، يمكن أن يخلق علاقة ثقة. ففي مجال التمكين النفسي، وجدنا أنّ هذا الشعور بالثقة ساعد على تفسير آثار تمكين القيادة على كل من الإبداع وسلوك المواطنة التنظيمية. وذلك لأن الثقة تقلل من عدم اليقين في البيئة من خلال غرس شعور بالسلامة، يمكّن الموظفين من تحمل مزيد من المخاطر من دون الشعور بالضعف.
لكن الشعور بالتمكين لا يؤدي دائماً إلى تعزيز أداء المهام الروتينية.
ووجدنا أنّ القادة الممكّنين كانوا مرتبطين بالأداء الجيد للموظفين في المهام الوظيفية الأساسية الروتينية - لكنهم لم يكونوا مختلفين كثيراً عن القادة غير الممكّنين. وبرز أيضاً قدر كبير من التباين: في بعض الأحيان انتهى الأمر بقادة حاولوا تمكين موظفيهم بضرر أكثر من نفع. على سبيل المثال، وجدت دراسة واحدة في تحليلنا أنّ القادة الممكّنين، من خلال محاولة تزويد الموظفين بمسؤوليات وتحديات إضافية في العمل، أثقلوا موظفيهم وزادوا مستوى ضغط العمل لديهم. وكان القادة الممكّنون الذين رأوا أداء أفضل في المهام الروتينية هم الذين طوروا علاقات جيدة مع موظفيهم وحظوا بثقة أكبر.
وأظهرت نتائجنا مرة أخرى أنّ آثار القيادة عن طريق تمكين الآخرين تُحدّد من خلال كيفية إدراك الموظفين لسلوك قائدهم. وقد يرى التابعون في قدر أكبر من الاستقلالية أو اتخاذ مشترك للقرارات إشارة إلى أنّ القائد يثق بهم ويمنحهم فرصاً للتطوير الذاتي والنمو - أو قد يرون ذلك دليلاً على أنّ القائد لا يمكنه القيادة ويحاول تجنب اتخاذ قرارات صعبة. وفي المثال الأخير، قد يصبح الموظفون محبطين وغير متأكدين من دورهم، ما يؤدي إلى أداء أسوأ في المهام الروتينية. لذلك فمن المهم عند محاولة القادة تمكين موظفيهم، ألا يضيفوا كثيراً من الضغط أو يخلقوا حالة من عدم اليقين.
والأساس هو فهم توقعات الموظفين. فقد أثبتت البحوث الحديثة أنّ الموظفين لديهم توقعاتهم الخاصة حول مقدار التمكين الذي يجب أن يحاول القادة إعطاءه لهم. وعندما لا يتوافق نُهج تمكين القادة مع توقعات المرؤوسين - على سبيل المثال، إذا منحوهم من الاستقلالية أو المسؤوليات في اتخاذ القرارات أكثر من اللازم أو أقل من اللازم - قد ينظر المرؤوسون إلى هذا السلوك بشكل سلبي.
ويستجيب بعض الموظفين للقيادة الممكّنة أكثر من غيرهم.
وللتوصل إلى مزيد من الفهم حول السبب الذي يجعل القيادة الممكّنة تعزز بعض الوظائف الوظيفية الروتينية لموظفين دون غيرهم، حللنا العوامل الأخرى التي قد تؤدي دوراً، مثل الموقع الثقافي، والقطاع، وتجربة الموظف.
هناك بعض النقاشات حول ما إذا كان تمكين الموظفين هو مبدأ إداري "غربي"، مبدأ قد لا يُترجم إلى الثقافات "الشرقية" مثل الصين. وقمنا بمقارنة آثار تمكين القيادة على أداء مهام الموظف في الثقافات الغربية والشرقية. ولدهشتنا، وجدنا أنّ القادة الذين كان يُنظر إليهم كممكّنين من قبل الموظفين في الشركات الموجودة في الثقافات الشرقية (مثل الصين) كان لهم أثر أكبر على الأداء الروتيني مقارنة بالقادة في الثقافات الغربية (مثل الولايات المتحدة). بعبارة أخرى، فإنّ تمكين السلوكيات القيادية (على سبيل المثال، تفويض الصلاحيات وتوفير مسؤولية إضافية) كان مرتبطاً بأداء وظيفي روتيني أفضل بين الموظفين في الثقافات الشرقية مقارنة بالثقافات الغربية. ويمكن تفسير هذه النتيجة بحقيقة أنّ في المجتمعات الشرقية، مثل الصين والهند وجمهورية كوريا، من المتوقع أن يساعد شاغلو المناصب الأقوى شاغلي المناصب الأدنى ويدعموهم، في حين يُتوقع من المرؤوسين أن يكونوا مخلصين وأن يطيعوا قائدهم. ويجب أن تعزز هذه القاعدة الاجتماعية قبول تمكين القيادة بين الموظفين بل وتضخيم آثارها.
لكن في المجتمعات الغربية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، قد يفضل الموظفون استقلالاً أكبر ويتوقعونه من قائدهم. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار الرعاية والقلق المكثفين اللذين يظهرهما القائد الممكّن بمثابة تدخل أو محاولة لسيطرة غير رسمية. وقد يفسر هذا السبب أننا وجدنا آثاراً أضعف في الثقافات الغربية، حيث يبدو أنّ القيادة الممكّنة غير مرحب بها دائماً.
ونظرنا أيضاً إلى ما إذا كانت القيادة الممكّنة أكثر فعالية في الأعمال الكثيفة العمالة (مثل الضيافة، والبناء، والتعليم، والرعاية الطبية)، حيث يكون الأفراد عنصراً أساسياً للفعالية التنظيمية، مقارنة بالأعمال الكثيفة الأصول (على سبيل المثال، الطاقة والاتصالات السلكية واللاسلكية والنقل)، التي تتطلب استثمارات كبيرة في الأصول المادية أو المالية. ولدهشتنا، لم نجد أنّ الأمر كذلك. وافترضنا أنّ القيادة الممكّنة قد تكون أكثر تقييداً في الأعمال ذات الأصول المكثفة بسبب الأتمتة وعمليات العمل العالية التنظيم، لكن اكتشافنا يشير إلى أنّ القيادة الممكّنة مفيدة في مختلف القطاعات.
أخيراً، استكشفنا أي الموظفين قد يستفيدون أكثر من قائد يسعى إلى تمكينهم. ونظرنا تحديداً في فترة توظيف الموظفين داخل الشركة لأن هذه المعلومات متوفرة عادة في معظم الدراسات وهي بمثابة واسطة جيدة لفهم مستوى خبرة الموظفين داخل المؤسسة. ووجدنا أنّ القيادة الممكّنة امتلكت أثراً إيجابياً أقوى على الأداء اليومي للموظفين الذين لديهم خبرة أقل في المؤسسة مقارنة بالموظفين الذين كانوا في وظائفهم لفترة أطول. بعبارة أخرى، شهد القادة الممكّنين تحسينات أكبر في الأداء الوظيفي بين الموظفين الأقل خبرة مقارنة بالموظفين الأكثر خبرة. وفاجأنا ذلك أيضاً لأننا اعتقدنا أنّ الموظفين الذين لديهم خبرة أقل ومعرفة أقل بالعمل سيكونون أقل قدرة على اغتنام الفرص التي يمنحها لهم المدراء. ومع ذلك، فمن المحتمل أيضاً أن يكون الموظفون الجدد حريصين على الاستفادة من الفرص وخلق انطباع أول جيد. وبالتالي، قد تكون إتاحة الفرصة للموظفين الجدد لتولي زمام دورهم أداة قيادة فعالة بشكل خاص.
يتعلق التمكين بدعم الموظفين.
وعلى الرغم من أنّ التحليل التجميعي أظهر رؤى جديدة حول القادة الممكّنين، كانت الدراسات المتوفرة للتحليل قليلة نسبياً في بعض المجالات. على سبيل المثال، كانت الدراسات الطولية نادرة للغاية، وبالتالي لم نتمكن من تحديد السببية - لا تؤكد الارتباطات التي توصلنا إليها ما إذا كان تمكين القيادة قد تسبب في زيادة في أداء الموظف أو ما إذا كان الموظفون أصحاب الأداء الأفضل ينالون على الأرجح مسؤولية إضافية وتمكيناً من قادتهم. وقد استخدمت بعض الدراسات بيانات الأداء الموضوعي (مثل بيانات المبيعات)؛ فقد اعتمدت معظم الدراسات على تقديرات القادة لأداء الموظفين، والتي قد تكون متحيزة.
عموماً، تشير نتائجنا إلى أنّ القيادة الممكّنة يمكن أن تحفز الموظفين وتزيد من إبداعهم، لكنها قد تؤدي أيضاً إلى خلق أعباء إضافية وإجهاد قد يضر بأدائهم الروتيني. ومن الضروري أن يفهم المدراء أنّ للقيادة الممكّنة حدوداً وأنّ مجموعة عوامل مثل الثقة والخبرة تؤثر على كيفية فهم سلوكياتهم.