متى يجب عليك نشر مذكراتك الشخصية؟

4 دقائق
shutterstock.com/vetkit

يخوض قادة الأعمال والشخصيات العامة تجارب ثرية في مسيرتهم العملية وربما الشخصية، ما يجعلها مادة دسمة للتوثيق التاريخي أو على الأقل مادة لإشباع الفضول العام. وبطبيعة الحال، يواجه قرار توثيق المذكرات الشخصية (على شكل كتاب تحديداً) تردداً لما فيه من جهد، وتردداً أكثر إن كان صاحب الشأن سيكشف أسراراً أو موضوعات كانت لفترة طويلة محدودة الانتشار. من هنا ينبغي أن نعرف متى يكون من حق الناس الاطلاع على الجانب المخفي من حياة هذه الشخصيات العامة؟

بداية، من يتقلّد منصباً عاماً يتولى فيه شؤون الناس ينبغي عليه التفكير جدياً في توثيق تجربته حال إتمامها. ويشرح هذا المفهوم بشكل جلي، نائب رئيس الوزراء الصيني الأسبق لي لانكينغ بقوله: "أرى من الواجب أن أذكر الظروف التي أحاطت بالمدة التي كُتبت فيها هذه الوثائق (يقصد الخطابات والتقارير وغيرها من مستندات حكومية)، ولاسيما وأني شغلت على مدى سنوات منصباً رفيعاً في مجلس الدولة وبتكليف من الحزب والشعب". يؤكد هنا لانكينغ على وجوب توثيق ونشر المذكرات الشخصية من منطلق وطني وأخلاقي مستنداً على تجربته الثرية في إصلاح التعليم ببلاده، والتي لخصها في كتاب مذكراته "توفير التعليم لمليار و300 مليون إنسان" (Education for 1.3 Billion). وعلى الجانب الآخر من العالم، جرت الأعراف والتقاليد الرئاسية في الإدارة الأميركية على نشر كل رئيس تجربته في سدة الحكم بعد انقضائها. بل ويحظى مؤلفيها بإيرادات مليونية من عوائد حقوق النشر والبيع. فعلى سبيل المثال، نجح الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في حصد ما يتجاوز الـ 38 مليون دولار أميركي على مدار 15 عاماً مقابل بيع مذكراته الشخصية المعنونة بـ "My Life" بعد فترة الخدمة الرئاسية، وفق تقرير خاص لمجلة فوربس الأميركية.

وقد تبدو فكرة المذكرات الشخصية بسيطة للوهلة الأولى، على اعتبار أنها سرد للذكريات الذاتية، إلا أنها عملياً على النقيض من ذلك تماماً. فكتابة المذكرات الشخصية عملية إبداعية أشبه ما تكون بإخراج فيلم وثائقي على شكل نص مكتوب. وعالمياً، تحتفي المحافل الثقافية بهذا المنتج الابداعي بوصفه منتجاً له جدوى أدبية وإنسانية بل واقتصادية كذلك. ولعل من أبرز التجارب العالمية المرموقة، جوائز بوليتزر الأميركية التي تمنح ضمن فئاتها تقديراً لمؤلفات السيرة الشخصية التي أثرت الساحة الثقافية الأميركية منذ أكثر من 100 عام.

وينسحب موضوع نشر المذكرات الشخصية على قادة الأعمال والمشاهير، إلا أن دوافع نشرها هنا مختلفة، لأنها تتمحور حول إلهام الناس بالأفكار والخبرات والمعتقدات التي تعتنقها الشخصية العامة. إلى جانب الكشف عن جوانب الحياة الخاصة التي تشبع فضول المهتمين، وتقرّبهم أكثر من شخصية مؤلفها، وتعزز من صورته الذهنية لديهم.

فعلى سبيل المثال، في عام 2011 نُشرت المذكرات الشخصية لستيف جوبز مؤسس شركة "آبل" بعد وفاته بـ 19 يوماً فقط، متناولة دروساً ملهمة في الابتكار والقيم والشخصية القيادية التي كان يتحلى بها. وقد استغرق العمل على إعداد هذه المذكرات قرابة العامين من واقع 40 مقابلة شخصية مع جوبز نفسه، ومئات المقابلات مع المقربين منه وزملائه بل وحتى منافسيه. اللافت، أن جوبز شخصياً لم يتدخّل في صياغة المحتوى أو حتى التمكن من قراءته قبل النشر! وبطبيعة الحال، فقد لاقت هذه المذكرات انتشاراً واسعاً لتوقيت نشرها وشهرة صاحبها فضلاً عن أسلوب كاتبها وهو الدكتور والتر آيزاكسون، مؤلف المذكرات الشخصية لعدد من الشخصيات الشهيرة مثل آينشتاين وفرانكلين وكيسنجر وغيرهم.

لمن تكتب؟ 

هذا السؤال حري بكل قائد أعمال أن يفكر فيه ملياً. فليس كل إنسان مستعد لأن يكشف مكنونات نفسه للعالم، ولا أن تكون حياته الخاصة كتاباً مفتوحاً للعامة، ولا كل إنسان يجد الراحة في استخدام ضمير "الأنا" وأخواتها. وهنا يعالج أدب السير الشخصية هذه المسائل بأساليب كتابية متعددة تفي بالغرض الخاص بالنشر. فهناك من يختار رواية قصته بلسانه (Autobiography)، في حين هناك من يفضل نقل قصته على لسان غيره سواء بعلمه أو من دون ذلك (Non/or authorized biography)، أو ببساطة هناك من يود نقل أحداث مختارة، وحقبة محددة من مسيرته العملية أو الشخصية (Memoir).

واختيار أسلوب الكتابة يعود قراره إلى شخصية المؤلف بالمقام الأول، وثانياً الهدف المرجو من النشر، فمن يكتب مذكراته يكتب أولاً لذاته ليروي شريط حياته بقلم الحكمة التي اكتسبها من معترك الحياة. ويكتب ثانياً، ليشارك الناس ما كان في عقله وقلبه حين اتخذ القرارات التي قرأوها يومياً عبر صفحات الجرائد. ويكتب ثالثاً، ليُثري المكتبة العربية بشهادة عيان لأحداث تاريخية طوتها الأيام. ورابعاً -إن شاء-  ليبني علامة شخصية أو يجني ثمرة مسيرته صيتاً ومالاً.

ولا يخلو عالمنا العربي من تجارب نشر المذكرات الشخصية، وإن كانت متواضعة نسبياً. فمنهم من يتناولها بنمط فكري وصريح كتجربة المثقف الفلسطيني إدوارد سعيد في "خارج المكان"، أو بأسلوب تحفيزي مثل تجربة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد في "قصتي"، أو بأسلوب حواري كتجربة الأمير الوليد بن طلال مع الإعلامي ريز خان في كتاب "الوليد". وأخيراً، كأحداث وفترات مختارة مثل مذكرات الأديب السعودي غازي القصيبي في "حياة في الإدارة" أو "الوزير المرافق" وغيرها. وجميع هذه التجارب لاقت نصيبها من الانتشار على اعتبار أنها علامات فارقة في أسلوبها من جانب، وشعبية شخصياتها من جانب آخر.

النصائح السبعة لنشر المذكرات الشخصية

إن كنت قائد أعمال أو شخصية عامة تشغل بالك مهمة توثيق تجربتك الشخصية، فإليك بعض النصائح لتجعل مهمتك أكثر بساطة ومتعة وسهولة:

1- الأرشفة: حافظ على رصد ما يتناوله الإعلام عنك في ملف خاص كقصاصات الصحف والمقالات ومقاطع المقابلات، والشيء ذاته للصور. وهي مهمة يمكن توكيلها للمساعد الإداري لتستفيد منها في وقت لاحق.

2- التدوين: قد تكون أسهل بداية بالتدوين العشوائي لليوميات، وإن كنت لا تقوى على الكتابة - إما كسلاً او عجزاً-  فلا مانع من التسجيل الصوتي أو المرئي. يذكر كلينتون أنه استهلك أكثر من 16 كراسة لكتابة مذكراته بنفسه يدوياً!

3- الكتابة: لا تحمل عبء الكتابة لأنها مسألة تستلهم الوقت وتحتاج مهارات إبداعية خاصة، وادخر إمكاناتك ووقتك للمراجعة والتعديل. ولكن، احرص على لقاء الكاتب مرة أسبوعياً على الأقل ليفهم أسلوب حديثك، ويترجمه لنص مكتوب وشائق.

4- المحتوى: تذكر أنك لست ملزماً بنشر كل ما تعرف أو تود، ولكن من الضروري أن تكون متوازناً في طرحك بشكل تُظهر فيه التحديات (وأحياناً الانكسارات) التي واجهتها لتبدو القصة أكثر واقعية وتقبلاً. فالمذكرات الشخصية في نهاية المطاف قصص إنسانية حقيقية وليست مواد بروباغندا أو روايات خيالية.

5- التوقيت: نجاح الكتاب لا يقتصر على محتواه فحسب وإنما بتوقيته المناسب، وهذا ما يحرص القادة على فعله فور تركهم مسؤولياتهم، وقبل أن يخبو بريقهم.

6- الإخراج: إن طرق الإخراج والنشر متنوعة، قد تكون في أبسط أحوالها بالمدونات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي التي باتت منصات حية لذكرياتنا المبعثرة. كما يمكن أن يرافق الكتاب، مشاركة في برامج وثائقية مصورة مثل "اللقاء من الصفر" للإعلامي السعودي مفيد النويصر، أو "الصندوق الأسود" للإعلامي الكويتي عمار تقي.

7- الإطلاق الرسمي: قد تعتبر معارض الكتاب منصة مثالية للنشر وحفلات التوقيع لكنها – من منظور تسويقي على الأقل- ليست الأنسب للإطلاق الرسمي، حيث يتشتت زخم العمل بين زحام الأحداث المصاحبة وصخب الناس، وبالتالي من الأفضل الإطلاق قبل المعرض من خلال حدث خاص وحملة تسويقية ثم توفير النسخ للبيع والتوقيع خلال المعرض.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي