متى يجب أن أثق بك؟

3 دقائق
الثقة في علاقات العمل
shutterstock.com/Aifatko

إذا ما سألت أحدهم عن ثقته بشخص آخر؛ فغالباً ستكون إجابته بأنه يثق به، أو لا يثق به، أو يثق به إلى حدٍ ما.

نتعامل في حياتنا اليومية مع الثقة بهذه البساطة، ولكن عند تناول الثقة في المجالات المهنية وقطاعات الأعمال، تتحول هذه البساطة إلى تعقيد، وتنقلب هذه التلقائية إلى الكثير من التناقض والضبابية.

يجهد القادة والمؤسسات على حد سواء لكسب ثقة الأطراف صاحبة العلاقة، وذلك لأن العديد من الأبحاث قد ربطت بين وجود الثقة وزيادة الرضا والولاء والتعلم ومشاركة المعرفة، وتعزيو الإنتاجية والربحية والأداء بشكل عام.

من الخصائص المميزة للثقة أنها تتطلب جهداً كبيراً لكسبها، وجهداً أقل للحفاظ عليها، ولا تتطلب جهداً على الإطلاق لتدميرها، فقد يكفي لخسارة كم كبير من الثقة مكالمة هاتفية قصيرة، أو بريد إلكتروني مختصر.

على الرغم من المنافع الجمّة لحضور الثقة في علاقات العمل، فإنها لا تزال معضلة في كثير من المؤسسات، وعقدة من العداء على مكاتب العديد من المدراء. يعود ذلك إلى عدة أسباب؛ منها اعتبار أن توفر الثقة هو أمر مفروغ منه في العمل ولا يتطلب جهداً للوصول إليه، فنرى البعض يتحدث عن أهمية الثقة ووجوب توافرها، دون أن يبذل الجهد المطلوب لبنائها واكتسابها. كذلك تضفي الضبابية على مفهوم الثقة صعوبة قياسها، وذلك لعدم وجود مقاييس دقيقة لهذا الغرض، وإنما تتوفر بعض الاستبيانات التي تعطي لمحة عن مناخ الثقة عموماً. وهذا ما دفع كبريات شركات الاستشارات إلى إطلاق مبادرات لتعريف الثقة في علاقات العمل والثقة المهنية ومحاولة ترجمتها إلى مفاهيم قابلة للحصر والقياس، كمبادرة "مستقبل الثقة" التي أطلقتها شركة ديلويت في عام 2019، وقدمتها مقالة في فورتشن العربية.

من التحديات التي ترافق الثقة أيضاً، النظر إليها من منظور واحد، بينما هي في الحقيقة متعددة الأبعاد:

  • فنرى الثقة التي تقوم على الصفات، وترتسم من خلال المشاعر والملاحظة، ونضعها في الأشخاص الذين يتصرفون بمسؤولية وولاء.
  • وهناك الثقة المنطقية التي تتجرد من المشاعر وتقوم على الجانب المالي، وعلى حساب الإيجابيات والسلبيات.
  • وهناك الثقة المؤسسية، وتتصف بالتحكّم وتقوم على الصلاحيات والقوانين والعقود، حيث يتم حبس الثقة بين بنود بوالص التأمين، وضمانات البنوك، وعقود العمل.
  • وهناك الثقة الاستباقية التي تُبنى على التوقعات، فعندما تثق في شخص ما، تتوقع أن يقوم بالوثوق بك أيضاً، وهي من الأنواع التي تعرضنا للخيبات المهنية في كثير من الأحيان.
  • كذلك توجد الثقة المتجاوبة، وتكون عندما تضع ثقتك في أحدهم، فيجد الطرف الثاني نفسه تحت ضغط هذه الثقة لمبادلة المثل بالمثل، ولكن ليس عن قناعة أو رغبة متأصلة فيه.

ليس من اليسير على القادة دائماً معرفة نوع الثقة الأفضل لاعتماده، ومتى يجب التخلي عن نوع لصالح نوع آخر، أو متى يجب المزج بين أكثر من ممارسة من ممارسات الثقة.

على الرغم من أن ما ذُكر أعلاه يكفي لعرض معضلة الثقة، فإنه يوجد جانب آخر على قدر كبير من الأهمية، وهو أن الثقة تختلف باختلاف الثقافة. ونقصد هنا بالثقافة طريقة التفكير والتصرف التي يشترك فيها مجموعة من الناس، فيتقاسمون اعتقادات وطباع مشتركة.

لذلك نرى ثقافات مختلفة بين الدول، وكذلك بين المؤسسات، والمهن أيضاً. فنرى مزاولي مهنة معينة يميلون إلى التصرف والتفكير بطريقة محددة تكاد تميزهم. هذا الاختلاف يجعل بناء الثقة يختلف من مؤسسة إلى أخرى ومن قطاع إلى آخر ومن دولة إلى أخرى، كذلك يجعل بناء الثقة أسهل في البيئات ذات الثقافة الواحدة.

أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت في عدة دول، أن العلاقات المهنية في دولة مثل الولايات المتحدة تتم سريعاً ويكون هناك مجال لاحقاً لبناء الثقة، بينما في دول أخرى في أميركا الجنوبية مثل المكسيك، وبعض الدول العربية ودول آسيوية مثل الصين، فإن العلاقات المهنية الناجحة بحاجة إلى تواصل وتعارف، أي ثقة مسبقة. قد يأخذ ذلك شكل دردشات غير رسمية في مواضيع غير مهنية مثل العائلة والرياضة والسياسة، أو دعوات لتناول الطعام والتعارف قبل أن تبدأ العلاقات المهنية بشكل ناجح. بينما أضاءت دراسة أخرى ظهرت نتائجها في مقال نشر في هارفارد بزنس ريفيو وشملت 400 مدير وتنفيذي، أنه في بعض الثقافات يتم بناء الثقة على أساس النتائج المحققة، وفي ثقافات أخرى اعتماداً على المعرفة الشخصية.

هل هناك وصفة يمكن اتباعها لبناء الثقة في بيئة العمل؟ قد يكون من الصعب كتابة وصفة محددة، ولكن هناك نصائح تجعل بناء الثقة أسرع وأسهل:

  • التواصل بفعالية مع من حولك، وخلق جو من الإيجابية والتعاون يلفّ علاقاتك مع الآخرين سواء أكانوا رؤساء، أم مرؤوسين، أم متعاملين، أم غيرهم.
  • بناء الذخيرة المعرفية التي تجعل منك مصدراً للآراء السديدة والمعلومات المفيدة في مجال الاختصاص.
  • قم بالوفاء بما تقطعه من وعود، وأظهر الاستعداد للذهاب خطوة أبعد مما هو مطلوب.
  • وأخيراً، مجموعة من البكتريا المهنية النافعة كالمشاركة في اتخاذ القرار، التمكين، وبناء عقود نفسية صحية مع الموظفين.

ربما يهمّك أيضاً أن تعرف أن الثقة تنتقل بالعدوى، فإذا ما توفرت الثقة في بيئة العمل، فإنها تنتقل إلى الآخرين بقليل من الجهد، بينما انعدام الثقة بين مجموعة من الموظفين سيؤدي إلى تراجعها في مجموعات أخرى أيضاً.

إن النظر بتمعّن إلى لوحة الثقة المهنية، يجعلنا نكتشف أنها مزدحمة بباقات من الأسئلة، ومبقّعة برشقات من نقاط التعجب. ولكن الأمل أن تنجح في رسم قصة نجاح عليها، لتلهمك وتلهم الآخرين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي