متى عليك أن تبتكر ومتى يجب أن تقلد؟

6 دقيقة
السعي للابتكار
إيفجيني/غيتي إميدجيز

الابتكار هو غالباً المعيار الذهبي للشركات التي تتطلع إلى زيادة الربحية وتحقيق الريادة في قطاعاتها. لكن بالنظر إلى التكلفة الباهظة للفشل، هل من الحكمة أن تسعى الشركات للابتكار دائماً، أم أن هناك بعض الحالات التي قد يمثل فيها التقليد استراتيجية أفضل لتحسين الأداء؟

يشرح ال…

نثمن غالباً الشركات التي تحاول الابتكار في قطاعاتها لأنها توسع حدود ما يمكن تحقيقه، ما يجعلها تحقق مكاسب كبيرة مقابل مساعيها. ليس غريباً أن الأغلبية العظمى من الشركات التي تتمتع بالأداء الأعلى تصنف الابتكار على أنه من أولوياتها الثلاث الأولى. مع ذلك، لا تستفيد الشركات جميعها من استثمارها في الابتكار.

في كثير من الأحيان، يعزو الباحثون والخبراء الفشل في الابتكار إلى الطرق التي تتبعها الشركات في تطوير الابتكارات وترويجها تجارياً. مع ذلك، يشير بحثنا إلى سبب آخر؛ إذ إن العديد من محاولات الابتكار يفشل لأن الشركات لا تدرك تماماً مكانتها في السوق.

سنتحدث في هذه المقالة عن خطوة تسبق الابتكار؛ إذ إننا نقترح على الشركات أن تطرح سؤالاً مهماً: "متى يجب أن نبتكر، وهل تقليد الشركات الأخرى هو خيار أكثر منطقية؟" على الرغم من أن تقليد المنافسين المناسبين في الوقت المناسب خيار أقل جاذبية بالنسبة لبعض الشركات، فإنه قد يكون مربحاً وفعالاً أكثر من محاولة الابتكار من الصفر إذا اتبعته الشركات في الوقت المناسب.

متى عليك أن تبتكر ومتى يجب أن تقلد؟

بناءً على الأبحاث التي أجريناها على مدى عقود من الزمن، طورنا إطار عمل يساعد الشركات على تحديد الحالات التي يجب أن تبتكر فيها وتلك التي يجب أن تقلد الشركات الأخرى فيها. يعتمد إطار العمل على عاملين مهمين: نضج القطاع ومكانة الشركة فيه.

نعني بمكانة الشركة في القطاع جودة أدائها (استناداً إلى معايير معينة للأداء) مقارنة بالجهات الفاعلة الأخرى. تختلف هذه المعايير باختلاف القطاع. على سبيل المثال، تتنافس شركات الطيران عموماً على الجودة والتكلفة، بينما تتنافس شركات تصنيع الهواتف الذكية على قدرة المعالجة والتصميم، وتتنافس شركات البرمجيات على موثوقية المنتج وإمكانية وصول المستخدم إليه. الخطوة الأولى في تمييز الحالات التي يجب الابتكار فيها عن تلك التي يجب التقليد فيها هي تحديد المعايير الأهم في القطاع أو السوق. على الرغم من أن هذه الخطوة قد تبدو مهمة شاقة ظاهرياً، فلا تيأس؛ إذ يمكنك استخدام البيانات التي جمعتها من خلال أبحاث السوق والعملاء لتحديد السمات أو الميزات التي يهتم بها العملاء في قطاعك. بعد ذلك، يمكنك تقييم أداء شركتك وفقاً لهذه المعايير وتحديد النواحي التي تميزها عن الشركات المنافسة. تساعد الأشكال البيانية أدناه على تصور هذه المقارنات من خلال ما نسميه "مخطط سحابة القطاع".

تقييم نضج القطاع

لنبدأ بالنظر في العامل الأول في إطار العمل السابق الذكر، وهو نضج القطاع، ثم مقارنة قطاع ناشئ أو جديد بقطاع ناضج. تضم القطاعات الناشئة عدداً قليلاً من الجهات الفاعلة، لكن مع نضج القطاع، يدخله المزيد من الجهات الفاعلة التي تحتل مواقع مختلفة في السوق. أحد أهم العوامل التي تؤثر في القرار بالابتكار أو التقليد هو مدى نضج القطاع.

على سبيل المثال، عندما كان قطاع السيارات ناشئاً في أوائل عشرينيات القرن الماضي، أنتجت شركة فورد أكثر من 50% من السيارات في العالم. بحلول التسعينيات، نضج القطاع وأصبح قطاعاً عالمياً يضم عدداً كبيراً من الشركات المصنعة، مثل الشركات الأميركية العملاقة (فورد وجنرال موتورز وكرايسلر) والعلامات التجارية الألمانية ذات الأداء العالي (فولكس فاغن وبي إم دبليو ودايملر بنز وبورش) وشركات صناعة السيارات الفرنسية (بيجو ورينو) والشركات الإيطالية (فيات) والشركات اليابانية (تويوتا ونيسان وهوندا وميتسوبيشي وسوبارو) والشركات الكورية الجنوبية الجديدة (هيونداي وكيا ودايو)، بالإضافة إلى الجهات الفاعلة الناشئة من الهند والصين وروسيا وأوروبا الشرقية.

يميل الابتكار للهيمنة في القطاعات الناشئة لأنها توفر العديد من الفرص القيمة وغير المستغلة. على سبيل المثال، بعد أن طرحت شركة فورد طراز تي عام 1908، دخلت جنرال موتورز السوق من خلال إصدار طراز يماثل ميزات الطراز تي مثل التكلفة المعقولة والجودة الموثوقة. لكن بعد محاولات التقليد غير الناجحة، قررت جنرال موتورز الابتكار والانتقال إلى مجال مختلف تماماً؛ إذ إنها جزأت السوق وأصدرت طرازات بألوان متنوعة تتمتع بهياكل مغلقة وأنيقة. كان القطاع أجدد بكثير من أن يكون الطراز تي هو الطراز المعياري فيه؛ إذ كان بالإمكان التوصل إلى تصميمات متفوقة جديدة، كما أن الشركات التي توصلت إلى هذه التصميمات حققت نجاحات كبيرة.

كان من الأنسب لجنرال موتورز أن تتجاوز شركة فورد بدلاً من تقليدها؛ أي أن تعثر على مكانة جديدة لها في مجال غير مكتشف. ظهر نمط مشابه في الفترة الأولى من نشوء قطاع السيارات الكهربائية الحديثة. عندما دخلت شركة تيسلا إلى السوق، كانت أغلبية الشركات المصنعة تركز على تصنيع سيارات كهربائية صغيرة وعملية تشبه سيارات البنزين إلى حد كبير؛ أي تقليد نموذج السيارات التقليدية. بدلاً من ذلك، اتبعت تيسلا استراتيجية الابتكار من خلال طرح سيارة مكشوفة عالية الأداء ولاحقاً طراز إس الفاخر، وأثبتت أن السيارات الكهربائية يمكن أن يكون مرغوباً فيها وسريعة وملهمة. من خلال استهداف مجال غير مستكشف، وهو السيارات الكهربائية الفاخرة والطويلة المدى، تجاوزت تيسلا شركات صناعة السيارات التقليدية وأثبتت أنها ريادية، بينما كانت الشركات الأخرى تجري التجارب وتحقق تقدماً تدريجياً.

على النقيض من ذلك، تضم القطاعات الناضجة شركات تتمتع بخبرة كبيرة استكشفت أغلبية المنتجات والمجالات الممكنة. تتمتع هذه القطاعات بمعالم معروفة، ما يعني أن تحسين أداء الشركة يعتمد على تقليدها للشركات الأخرى التي وصلت إلى وضع أفضل نسبياً.

تحديد نصف قطر التقليد

في القطاع الناضج، من المحبذ أن تقلد المنافسين القريبين والأفضل أداء الذين يتقدمون عليك مباشرة في المشهد التنافسي؛ أي المنافسين داخل ما نسميه "نصف قطر التقليد"، بدلاً من الشركات البعيدة والريادية في القطاع (إلا إذا كانت شركتك هي الريادية).

على سبيل المثال، قلدت شركات صناعة السيارات الكورية الجنوبية الشركات اليابانية في ثمانينيات القرن الماضي، ما أتاح لها تحسين أدائها والانتقال إلى موقع مكافئ لموقع الشركات اليابانية في سحابة القطاع. في الوقت نفسه، حاولت شركة صناعة السيارات الروسية لادا تقليد الشركات الأميركية والألمانية لتحسين الأداء وتحقيق النجاح نفسه الذي حققته هذه الشركات الريادية، لكنها كانت بعيدة جداً عنها وفشلت في تقليدها. يكون التقليد استراتيجية ناجحة عندما تستهدف الشركات المنافسين غير البعيدين جداً الذين ينتمون إلى نطاق التقليد الخاص بها. كان من الأفضل لشركة لادا أن تجري سلسلة من القفزات تقلد فيها المنافسين القريبين بالترتيب قبل أن تصل في النهاية إلى الشركات الريادية. ازدهر قطاع صناعة السيارات الكوري الجنوبي في التسعينيات، بينما لم يشهد القطاع الروسي أي ازدهار.

يمكننا أن نلاحظ نمطاً مشابهاً اليوم في قطاع ألعاب الفيديو. على سبيل المثال، استثمرت شركة تينسنت غيمز على نحو استراتيجي في الألعاب التي طورها المنافسون القريبون أو قلدتها لتعزيز قدراتها الخاصة. عندما طورت الشركة لعبة أرينا أوف فالور، وهي لعبة مخصصة للأجهزة المحمولة مصممة على غرار لعبة ليغ أوف ليجيندز، استهدفت منافساً ينتمي إلى نطاق التقليد الخاص بها. أتاح هذا النهج للشركة اكتساب الخبرة بسرعة في مجال ألعاب ساحات المعارك المتعددة اللاعبين عبر الإنترنت وتحقيق نجاح سريع في سوق ألعاب الأجهزة المحمولة.

أجب عن الأسئلة التالية لتوجيه الاستراتيجية

كيف تحدد الاستراتيجية التي يجب اتباعها؟ أنشأنا هذا الرسم البياني لمساعدتك على تصور عملية صناعة القرار. باختصار، إذا كانت الشركة تعمل في قطاع ناشئ، فالإجابة واضحة ومباشرة؛ إذ يجب عليها الابتكار. على العكس من ذلك، إذا كانت الشركة تعمل في قطاع ناضج، فيجب أن تحكم مكانتها التنافسية استراتيجيتها. يجب أن تركز الشركات على النماذج التي أثبتت جدواها ضمن نصف قطر التقليد الخاص بها، أو "منطقة المواكبة الممكنة".

قد يكون من المفيد أن تتخيل شركة فعلية بينما تطلع على هذا الرسم البياني. تقدم شركة زايس إس إم تي مثالاً واضحاً؛ إذ إنها تعمل في قطاع تصنيع أشباه الموصلات الناضج. لكن هذه الشركة ريادية في قطاعها، خاصة في مجال بصريات الأشعة فوق البنفسجية القصوى. بالنسبة لزايس إس إم تي، فإن تقليد المنافسين لن يساعدها في الحفاظ على مكانتها الريادية لأن القطاع لا يحتوي على نماذج أفضل يمكن تقليدها. بالتالي، القرار الأمثل هو الابتكار وتوسيع حدود ما هو ممكن التحقيق.

استراتيجيات مؤسسية للابتكار والتقليد

بمجرد أن تقرر المؤسسة إن كانت ستنافس من خلال الابتكار أو التقليد، كيف يمكنها أن تطبق هذه الاستراتيجية؟ على الرغم من توافر عدد هائل من الآليات، فإننا سنركز على تلك الأكثر شيوعاً وأهمية، وهي وضع الهيكل التنظيمي وتوظيف أصحاب المواهب أو صقل مهاراتهم وتحسينها وتوثيق الإجراءات الروتينية وترسيخها وتحديد التوقيت المناسب لاستثمار الموارد بما يتوافق مع النهج المختار. تلخص هذه الإرشادات الدروس التي تعلمناها من الأبحاث على مدى عقود من الزمن، ومنها أبحاثنا الخاصة، بالإضافة إلى الأنماط التي نلاحظها على نحو متكرر في الممارسة العملية. على الرغم من أن كل شركة تعمل في سياق فريد من نوعه، فإننا نقدم نقطة انطلاق عملية للقادة الذين يتطلعون إلى تحويل مخططاتهم الاستراتيجية إلى إجراءات واقعية.

تشجيع الابتكار

إذا كانت الشركات تتطلع إلى تجاوز المنافسين أو توسيع حدود قطاعها، فهناك العديد من التغييرات الاستراتيجية التي يمكن أن تجريها في كل مما يلي:

  • الهيكل التنظيمي: يجب أن تسطح الشركات التراتبية الهرمية فيها حتى تتمكن من تشكيل فرق العمل المتعددة التخصصات، مع تشجيع الاستقلالية والتواصل المفتوح والتجريب السريع.
  • الموظفون: التركيز على التوظيف لعزيز الإبداع وتوليد الأفكار.
  • الروتين والعمليات: النظر في تطوير عمليات روتينية جديدة تساعد على ترسيخ المرونة والتعاون.
  • الوقت: التركيز على التوجه الطويل الأمد، لأن الابتكار يستغرق وقتاً طويلاً.

التقليد بنجاح

إذا كانت الشركة تتطلع إلى اتباع استراتيجية التقليد، فعليها إجراء تغييرات مختلفة نوعاً ما في كل مما يلي:

  • الهيكل التنظيمي: اعتماد الأدوار الواضحة ومعايير العمل الموحدة التي تسرع عمليتي التقليد وتكييف الممارسات التي أثبتت جدواها.
  • الموظفون: وظف الموظفين السابقين في الشركات التي تريد تقليدها أو الشركات المنافسة للحصول على المعلومات الداخلية والاطلاع على الممارسات الداخلية.
  • الروتين والعمليات: النظر في تطوير عمليات روتينية جديدة تعزز البحث في السوق وأبحاث السوق.
  • الوقت: التركيز على التوجه القصير الأمد لمواكبة المنافسين بكفاءة.

ننظر إلى الابتكار غالباً على أنه سلوك مشرف وتحويلي يبين الجرأة والتمتع برؤية ثاقبة. لكن الواقع أعقد؛ فالعديد من الشركات يستثمر بكثافة في الابتكار ولا يحقق النتائج الكبيرة. يشير بحثنا وإطار العمل الذي طورناه إلى أن المدراء يجب أن يحددوا إن كان الابتكار هو الخطوة الاستراتيجية الأنسب قبل النظر في آليات الابتكار. يمكنك اتخاذ خيارات أكثر استنارة من خلال فهم مكانة شركتك في القطاع بالنسبة للشركات المنافسة.

إذا كنت تنتمي إلى قطاع ناشئ أو كنت تقود شركة ريادية في قطاعها، فقد يكون الابتكار ضرورياً لتحقيق التقدم غير المسبوق. لكن إذا كنت تنتمي إلى قطاع ناضج، فقد يكون التقليد هو الطريق الأسرع لتحسين الأداء. التقليد ليس علامة على الفشل، بل إنه تكيف استراتيجي. يساعدك تحديد الوقت المناسب للتقليد على توفير الموارد والحد من المخاطر وتسريع إحداث الأثر. التحدي الذي يواجه المدراء هو تحديد مكانة مؤسساتهم ثم تهيئة المؤسسة وفقاً لذلك. سواء اتبعت الابتكار أو التقليد، فإن النجاح يعتمد على التوفيق بين الهيكل التنظيمي وأصحاب المواهب والإجراءات الروتينية والتوقيت من جهة، والمهمة التي عليك إنجازها من جهة أخرى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي