كنت أجلس على طاولة قبالة رئيس تنفيذي لإحدى الشركات في منطقة وادي السيليكون، التي كانت رائدة لتكنولوجيا تؤثر في الكثير من جوانب حياتنا، وهي الذاكرة المحمولة التي تخزن البيانات على الهواتف الذكية والكاميرات الرقمية والكمبيوترات. كان هذا الرئيس التنفيذي يحل ضيفاً بشكل منتظم على قناة "سي إن بي سي"، وظل يقدم عروضاَ تقديمية في مجال الأعمال على مدار السنوات العشرين الأخيرة قبل أن ألتقيه. لكنه، مع ذلك، أراد صقل مهاراته في التحدث أمام الجمهور.
سألته قائلاً: "أنت ناجح للغاية، وتعتبر متحدثاً بارعاً. فلمَ تشعر كما لو أنه يلزمك التحسن؟". وأجابني بقوله:
"يمكنني دائماً التحسن. إذ إن كل درجة بالزيادة أو النقصان في سعر سهم شركتنا تعني مليارات الدولارات في تثمين شركتنا. ومدى براعتي في التواصل تُحدث فرقاً هائلاً في هذا الخصوص".
اقرأ أيضاً: 6 خطوات لإنجاز عرض تقديمي بثقة عالية
يعد هذا أحد الأمثلة على الكثير من الرؤساء التنفيذيين ورواد الأعمال الذين دربتهم على تحسين مهاراتهم في التواصل على مدار العقدين الأخيرين، لكنه يعتبر نموذجاً قيّماً في هذا الشأن. وفي الغالب، فإن الأشخاص الأكثر رغبة في مساعدتي قد وطّدوا أنفسهم بالفعل ونالوا الإعجاب لمهاراتهم في التحدث أمام الجمهور. ويقول علماء النفس إن ذلك يمكن تفسيره بظاهرة تسمى "تأثير داننغ-كروجر" (Dunning-Kruger effect). وبعبارة بسيطة، فإن الأشخاص الذين يعتبرون دون المستوى المطلوب في بعض الجوانب غالباً ما يعتقدون أنهم أفضل مما هم عليه في الواقع، ولذا، يخفقون في النمو والتحسن. وعلى الجانب الآخر، فإن القادة البارعين يستمدون براعتهم من سبب وجيه، إذ إنهم يدركون نقاط الضعف لديهم ويلتمسون تحسينها.
كيفية تحضير عرض تقديمي
ونُسدي النصائح التالية للمختصين في الأعمال الذين اعتادوا تقديم العروض التقديمية، بل ويمكن أن يكونوا موضع إعجاب الآخرين لمهاراتهم فيها، غير أنهم - مع ذلك - يرغبون في التميز.
1) مقدمو العروض التقديمية البارعون يستخدمون عدداً أقل من الشرائح التوضيحية والكلمات
تعتبر شركة "ماكنزي" إحدى أكثر الشركات انتقائية في العالم، وهي شركة عملت معها مرات عديدة في هذا المضمار. وقد أخبرني كبار الشركاء في الشركة بأن الموظفين الجدد الحاصلين على درجة الماجستير في إدارة الأعمال غالباً ما يحاولون إبهار العملاء بمعرفتهم، ويفعلون ذلك - في الأساس - بإنشاء عدد هائل من شرائح برنامج "باور بوينت" التوضيحية. لكن هؤلاء الاستشاريين الجدد سرعان ما يدركون أن عدداً أقل من هذه الشرائح من شأنه أن يعرض معلومات مفيدة بدرجة أكبر، حيث يوعز أحد الشركاء إلى الموظفين الجدد بتقليل عدد شرائح برنامج "باور بوينت" التوضيحية بدرجة كبيرة عن طريق استبدال كل 20 شريحة بشريحتين فحسب.
ويعود ذلك إلى أن الكتاب والمتحدثين البارعين يجيدون أيضاً تحرير محتواهم وتعديله. وليس من قبيل الصدفة أن بعض أكثر الخطابات والوثائق تميزاً في التاريخ من بين أقصرها. إذ إن "خطاب جيتيسبيرغ" (Gettysburg Address)، الذي ألقاه أبراهام لينكولن، كان يتكون من 272 كلمة فحسب. واستمر الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه جون كينيدي أقل من 15 دقيقة فقط. كما لم يضمن إعلان الاستقلال الأميركي سوى ثلاثة حقوق أساسية فحسب، وليس 22 حقاً أساسياً.
العِبرة الرئيسية: قلل الازدحام حيثما تستطيع.
2) مقدمو العروض البارعون لا يستخدمون النقاط النصية
تعتبر النقاط النصية أقل الوسائل فاعلية في التعبير عن مقصدك. ولنأخذ ستيف جوبز مثالاً، فهو يعد أحد أكثر مقدمي العروض التقديمية براعة في عصره. إذ إنه نادراً ما يستخدم النقاط النصية فحسب في شرائحه التوضيحية. وبدلاً من ذلك، يستخدم الصور والنصوص.
وقد توصلت التجارب التي أجريت على الذاكرة والتواصل إلى أن المعلومات التي تقدم في شكل صور ومشاهد يزداد احتمال تذكُّرها أكثر من المعلومات المقدمة بالكلمات وحدها. ويطلق العلماء على ذلك "الأفضلية الصورية" (Pictorial Superiority). ووفق عالم الأحياء الجزيئية جون ميدينا، فإن قدرتنا على تذكر الصور تعد إحدى أعظم نقاط القوة لدينا، حيث كتب عن ذلك: "نحن مدهشون في تذكر الصور. جرّب أن تستمع إلى معلومة، ولن تتذكر بعد ثلاثة أيام سوى 10% منها. أما إذا أضفت إليها صورة، فستتذكر 65% منها".
العِبرة الرئيسية: استكمل النص على الشرائح التوضيحية بالصور ومقاطع الفيديو والمشاهد.
3) مقدمو العروض البارعون يعززون تقديمهم الصوتي
يعتبر مقدمو العروض الذين تتفاوت وتيرة صوتهم ونبرته ومستواه أكثر فاعلية، وفق دراسة بحثية جديدة أجراها جونا بيرغر أستاذ التسويق بكلية وارتون للأعمال.
وخلاصة القول، يوضح البحث أن مقدمي العروض المقنعون يقومون بتعديل صوتهم، وبذلك، يظهرون أكثر ثقة في حجتهم التي يطرحونها. على سبيل المثال، يرفعون مستوى صوتهم عند التشديد على مضمون رئيسي، أو يتوقفون لبرهة بعد تقديم وجهة نظر مهمة.
وبعبارة بسيطة، إذا رفعت مستوى صوتك أو قللته، وتناوبت بين النبرة العالية والنبرة المنخفضة عند طرح مضامين رئيسية، فإن عرضك التقديمي سيكون أكثر تأثيراً وإقناعاً وسيطرة.
العِبرة الرئيسية: لا تقلل من شأن قدرة صوتك على خلق انطباع إيجابي لدى الجمهور.
4) مقدمو العروض البارعون يصنعون لحظات إبهار
لا يتذكر الأشخاص كل شريحة من شرائح العرض التقديمي وكل كلمة تقال فيه. لكنهم يتذكرون اللحظات، كما جسّد ذلك بيل غيتس في عام 2009 في مخاطبته الشهيرة على منصة "تيد".
إذ إن غيتس أثناء تقديمه عرضاً تقديمياً عن جهود مؤسسة "بيل ومليندا غيتس فونديشن" (Bill & Melinda Gates Foundation) للحد من انتشار مرض الملاريا، ذكر: "البعوض، بالطبع، هو الذي ينقل الملاريا. وقد أحضرت بعضاً منه معي لكي تشاهدوه". وبعد أن قال ذلك، سار إلى منتصف المسرح، وفتح غطاء وعاء صغير يحتوي على بعوض غير ناقل للمرض.
وقال: "سندع هذا البعوض يجول في القاعة لوقت قصير".
ونجحت هذه اللحظة في اجتذاب انتباه الجمهور لأنها كانت بمثابة مفاجأة. إذ إن جمهوره كان يتوقع عرضاً تقديمياً اعتيادياً باستخدام برنامج "باور بوينت"، تستكمله الرسوم البيانية والبيانات. لكن ما شاهدوه كان تعريفاً متعمقاً بالموضوع وتجربة غامرة تلاعبت بمشاعرهم.
وتجتذب اللحظات غير المتوقعة انتباه الجمهور لأن العقل البشري يصاب بالملل بسهولة. ووفق المتخصص في علم الأعصاب، أيه كيه براديب، الذي أجريت مقابلة معه، فإن "التعرف على الأمور المستحدثة يعتبر أداة متأصلة من أدوات الحياة التي يتشاطرها جميع البشر. إذ إن عقولنا مجبولة على البحث عن شيء ذكي وجديد وبارز ويبدو ممتعاً".
العِبرة الرئيسية: قدّم لجمهورك شيئاً إضافياً.
5) مقدمو العروض البارعون يتدربون
بالكاد يتدرب معظم المتحدثين بالقدر الذي ينبغي لهم. وبطبيعة الحال، فإنهم يراجعون شرائح العرض التي سيقدمونها قبل وقت العرض التقديمي، لكنهم يتجاهلون تكريس الوقت للتدريب المدروس الذي يتيح لهم التألق.
وقد جعل مالكولم غلادويل قاعدة الـ 10 آلاف ساعة مشهورة باعتبارها مقياساً معيارياً للتميز، قائلاً - ما معناه - إن التدرب لمدة 20 ساعة في الأسبوع طوال عشر سنوات يمكن أن يجعل أي شخص خبيراً في مجاله. وفي حين أنك لا تمتلك كل ذلك الوقت للتدرب على تقديم عرضك التقديمي المقبل، فليس ثمة شك أن أبرع المتحدثين في العالم قد كرسوا الوقت للتحول من متحدثين جيدين إلى بارعين.
ولنأخذ مارتن لوثر كينغ مثالاً. إذ إن أكثر خطاباته شهرة جاءت بعد سنوات من التدريب. وقد كان هذا المستوى من البراعة بالتحديد هو الذي أعطى مارتن الوعي والمرونة لاكتساب الوسيلة المتقدمة في الخطابة المتمثلة في الارتجال. حيث إن مارتن لوثر كينغ ارتجل الجزء الذي لا يُنسى ما يُعرف الآن بـ "خطاب الحلم" الذي ألقاه عند نصب لينكولن التذكاري. فعندما شرع في لازمة "لديّ حلم"، أصيب الصحفيون الحاضرون بالحيرة، إذ لم تكن هذه العبارات مدرجة في الصيغة الرسمية للخطاب التي سُلّمت لهم. وما حدث هو أن مارتن لوثر كينغ فهم المزاج العام لجمهوره ودمج، في تلك اللحظة، بين الكلمات والأفكار التي طرحها في الخطابات السابقة.
ويُعتقد أن مارتن ألقى 2,500 خطاب طوال حياته. وإذا افترضنا أن كل خطاب منها استغرق ساعتين لكتابته والتدرب عليه (وفي أغلب الحالات، فقد قضى وقتاً أطول بكثير من ذلك)، فإننا نصل إلى تقدير متحفظ يبلغ 5 آلاف ساعة من التدريب. لكن هذه تمثل الخطابات فقط، ولا تشتمل على مناظرات المدارس الثانوية التي خاضها ومئات المواعظ التي ألقاها. وقد بلغ مارتن لوثر كينغ 10 آلاف ساعة من التدريب بحلول أغسطس/ آب من عام 1963.
العِبرة الرئيسية: كرّس الوقت لتكتسب البراعة.
لا تستهن بالقدرات التي ينطوي عليها التواصل الفاعل المتعلق بكيفية تحضير عرض تقديمي. إذ يمكنه أن يساعدك في الظفر بوظيفة أحلامك أو اجتذاب المستثمرين لدعم فكرتك أو الارتقاء بمستواك الوظيفي في مؤسستك. لكن في حين أنه يوجد الكثير من المتحدثين الجيدين في العالم، إلا أن استخدام النصائح المذكورة آنفاً لصقل مهاراتك يشكل الخطوة الأولى في إبراز نفسك وتمييزها. وبوسعك أن تبرز بصفتك الشخص الذي يمكنه تقديم خطابات مميزة مراراً وتكراراً.
اقرأ أيضاً:
- كيف تلقي عرضاً تقديمياً مثيراً للإعجاب؟
- كيف تقدم عرضاً تقديمياً ممتازاً؟
- ما العمل إذا فقدت تركيز جمهورك أثناء عرضك التقديمي؟