في المتاجر التي لا يمكنها إيقاف نشاطها، كالبقاليات والصيدليات وغيرها من متاجر الخدمات، يعمل الموظفون ساعات إضافية ويخاطرون بصحتهم لنتمكن جميعنا من الحصول على طعامنا ودوائنا واحتياجاتنا اليومية الأخرى. لذلك يجب على تلك الشركات الاعتناء بهم في سبيل الحفاظ على سلامتهم وسلامتنا على حد سواء.
لكن، ليس من السهل موازنة الحرص على ملء رفوف المتاجر بالسلع مع الحفاظ على سلامة الموظفين والزبائن، وليس هناك وقت للتعلم. لذا، ستقع الأخطاء طوال الوقت. لكن، بناء على بحثنا وعملنا، نعتقد أن شركات التجزئة التي نطلق عليها اسم "شركات الوظائف الجيدة" تتبع ممارسات وقيماً تشغيلية خاصة يمكن اعتبارها إرشادات توجيهية للآخرين. وهذه ليست بمصادفة، فجميع الأمور التي تقوم بها هذه الشركات على نحو مختلف مصممة لتحقيق زيادة كبيرة في قيمة موظفي الخطوط الأمامية وإنتاجيتهم، وجعل مساهماتهم تتعدى تقديم ما يقابل الأجور العالية والمزايا الكثيرة وفرص التدريب الهامة التي يحصلون عليها مقارنة بما يحصل عليه الموظفون في شركات أخرى. والتفاني والقدرة على التكيف الناتجين هما تحديداً ما تحتاج إليه الشركات للتعامل مع وباء "كوفيد-19".
وفيما يلي، نعدد بعض الممارسات التي تتبعها بعض شركات الوظائف الجيدة، تحديداً "كوستكو" و"ميركادونا" (Mercadona) و"آتش إي بي" (H-E-B) و"مد باي" (Mud Bay)، والتي يمكن اتباعها حالياً للحفاظ على سلامة الزبائن والموظفين.
التركيز والتبسيط بهدف تخفيف عبء العمل.
تشهد بعض متاجر التجزئة ارتفاعاً كبيراً في الطلب على مدار الساعة، ما يصعب حفاظ الموظفين على التباعد الاجتماعي فيما بينهم ويحد من الوقت المتاح لاتخاذ إجراءات السلامة، كتعقيم الرفوف مثلاً. إذ لم يكن من المعتاد أن تتمتع الرفوف المغبرة بنفس أهمية اصطفاف مائة زبون أمام الصراف للدفع، ولكنها أصبحت كذلك اليوم. لذا، الوقت مناسب الآن لتخفيف عبء العمل عن طريق تبسيط خط الإنتاج وتحديد ساعات التسوق، وتفسير ذلك بوضوح للزبائن (كي لا يزعجوا الموظفين) وللموظفين (كي يتمكنوا من شرحه للزبائن).
تعتبر متاجر "ميركادونا" أكبر سلسلة متاجر بقالة في إسبانيا، وهي تقدم التوجيهات لموظفيها وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لإخبار زبائنها عن ضرورة القيام بعملية التسوق بسرعة وحضور شخص واحد فقط من العائلة إلى المتجر، وعدم شراء كميات كبيرة أيضاً. أما "كوستكو" فقد أوقفت نشاطات ساحة المطاعم ومراكز المساعدة البصرية والسمعية، وهي لا تقبل مرتجعات السلع التي تشهد طلباً كبيراً كالمناديل الورقية بأنواعها والمعقمات والأرز، وذلك بهدف تبسيط العمل والحث على عدم شراء كميات كبيرة.
تبني معايير واضحة للسلامة.
نظراً لحدة وباء فيروس "كوفيد-19" وصعوبة الاستمرار باتباع التدابير الوقائية للسلامة وتعزيزها، وخصوصاً في متاجر التجزئة التي يتردد إليها مئات المتسوقين القلقين، فمن المحال تخفيض الخطورة إلى الصفر. لذلك، يجب على أصحاب هذه المتاجر وضع معايير واضحة وتعميمها فيما يخص تعقيم المتاجر ومراكز التوزيع والشاحنات، والتباعد الاجتماعي وغسل الأيدي والحماية الذاتية ومراقبة ظهور أعراض الإصابة المحتملة بالمرض بين الموظفين والتوصل إلى طرق جديدة للعمل (كاتباع طرق للتواصل مع الموظفين من دون الحاجة لتجمعهم، وإنشاء مجموعات عمل أصغر حجماً في مراكز التوزيع).
لكن الشركات التي تشهد دوراناً وظيفياً كبيراً، ويدير وحداتها مدراء حديثو العهد ذوي أداء ضعيف (ينطبق هذا الوصف على معظم سلاسل متاجر التجزئة ومتاجر التجزئة على الإنترنت)، ستعاني من صعوبة في الالتزام بمعايير السلامة. في حين تجيد شركات الوظائف الجيدة فعلاً وضع معايير قوية والالتزام بها، عن طريق الاستفادة من المعلومات التي يقدمها موظفو الخطوط الأمامية وتزويدهم بالأدوات اللازمة والوقت الكافي. خذ "كوستكو" مثلاً، تجد أن لديها مدراء أقوياء في الإدارة الوسطى وموظفين متفانين في الخطوط الأمامية، وجميعهم يتبعون المعايير الصارمة بقدر كبير من الجدية. وهذا من شأنه أن يضع "كوستكو" في موقف قوي الآن لفرض معايير جديدة وصارمة، إذ أوقفت عمل واحدة من كل نقطتين لخروج الزبائن بهدف تعزيز التباعد الاجتماعي وتقليل عدد الموظفين داخلها. وفي متاجر "مد باي" (Mud Bay)، وهي سلسلة متاجر للحيوانات الأليفة في شمال غرب البلاد، يقف موظفو الاستقبال على أبواب المتاجر ويطلبون من الزبائن غسل أيديهم في الأماكن المخصصة خارج المتجر والابتعاد عن الآخرين مسافة مترين داخله. كما يتمتع الموظفون بصلاحية إخراج الزبون الذي يرفض الالتزام بالتباعد الاجتماعي.
التعزيز والاستمرار بالتحسين.
سيتطلب وباء "كوفيد-19" وضع إجراءات جديدة للعمل كل يوم، ولن ينتظر وضع خطة تنفيذ مدروسة بدقة. وتتمتع شركات الوظائف الجيدة بإمكانية الابتكار على نحو أسرع وأفضل نظراً لثقافة التحسين المستمر فيها. تقوم شركات كوستكو وميركادونا وإتش إي بي على سبيل المثال بإحاطة أماكن جلوس موظفي نقاط خروج الزبائن بالزجاج الشبكي للحفاظ على سلامتهم، حيث أعادت كوستكو استخدام زجاج زوايا عرض ثمار البحر. كما سارعت مد باي بتقديم خدمة تسليم المشتريات على الرصيف، والتي ارتفعت نسبة المبيعات فيها من 0% إلى أكثر من 6% في غضون خمسة أيام. قال الرئيس التنفيذي لارس وولف إن متاجره تمكنت من تنفيذ هذه الخطة بسرعة بفضل القوة العاملة المستقرة التي تتمتع بصلاحية اتخاذ القرارات. وهذا أمر حاسم لأن كل متجر يتمتع بظروف خاصة ومتطلبات محددة لزبائنه.
العمل مع الاستعداد لمواجهة الظروف الطارئة
في شركات الوظائف الجيدة، يخصص عدد ساعات للعمل أكبر مما يتطلبه حجم العمل المتوقع، ما يسمح لها بالاستجابة للتغيرات التي تطرأ على الطلب أو العرض. ونظراً لازدياد طلبات الزبائن والإجازات الإضافية بسبب المرض، أصبح العمل في ظل الاستعداد لمواجهة الظروف الطارئة أكثر أهمية الآن. و"أمازون" ليست الشركة الوحيدة التي بدأت فجأة بتعيين أعداد كبيرة من الموظفين الجدد.
قد تحتاج الشركات إلى تعديل الوظائف فيها من أجل توليد قدرة أكبر على العمل. خذ مثلاً سلسلة متاجر "إتش إي بي"، إذ عينت مديراً إضافياً مسؤولاً عن الاستجابة لوباء "كوفيد-19" ويحرص على تعقيم المتاجر مرتين يومياً وتنظيف الأطعمة بانتظام ويراقب الطوابير في أقسام بيع الأطعمة ونقاط خروج الزبائن لضمان الالتزام بالتباعد الاجتماعي.
كما تعمل شركات الوظائف الجيدة وهي مستعدة للظروف الطارئة المالية، أي أنها تحرص على توفر السيولة النقدية في متناول يدها من أجل التعامل مع الحالات غير المتوقعة. عندما كان الاقتصاد العالمي ينهار في عام 2008، كانت شركة "ميركادونا" تملك ما يكفي من الأموال النقدية لدفع علاوات لموظفيها. فقد كان قادتها يعرفون أنهم سيحتاجون لمطالبة هؤلاء الموظفين ببذل جهد أكبر في أثناء سعي الشركة للابتكار بهدف تخفيض الأسعار لأجل الزبائن الذين يواجهون صعوبات اقتصادية. ومتاجر التجزئة اليوم تطالب موظفي خطوطها الأمامية بأكثر من ذلك.
إظهار الاحترام.
لا يمكن اعتبار الاحترام أمراً كمالياً عندما تطالب الموظفين بالمخاطرة بأنفسهم. وقد حان الوقت كي تظهر جميع شركات التجزئة الاحترام عن طريق وضع سلامة الموظفين على رأس أولوياتها، من خلال منحهم الأدوات والموارد التي يحتاجون إليها للقيام بعمل جيد، وتقدير هذا العمل عندما يقومون به. تفعل شركات الوظائف الجيدة ذلك بالفعل، غير أن "ميركادونا" رفعت الأجور بنسبة 20%، كما أن كلاً من "مد باي" و"إتش إي بي" و"كوستكو" (وهي واحدة من الشركات التي يحصل موظفوها على أعلى الأجور في قطاع التجزئة) قد رفعت أجور موظفيها أثناء الأزمة بمقدار دولارين في الساعة. كما يقدم مدير متمكن لأحد مخازن "كوستكو" في ماساتشوستس وجبات طعام لفريقه، ويجري الرئيس التنفيذي لشركة "كويك تريب" (QuikTrip) زيارات لمتاجر الشركة للتعبير عن دعمه للموظفين وتقدير عملهم الجيد والتأكيد لهم أن وظائفهم آمنة، ويحرص في أثناء ذلك على الالتزام بممارسات التباعد الاجتماعي والتعقيم الموصى بها. ويتناوب قادة مقر شركة "سام كلوب" ( Sam’s Club) على الحضور إلى المتاجر من أجل دعم زملائهم، الأمر الذي يساعدهم على فهم ضغط العمل في هذه البيئة بصورة أوضح وتصميم سياسات أقوى للاستمرار.
تفضيل الزبائن والموظفين على المساهمين.
تكلف جميع هذه الإجراءات التي تهدف للحفاظ على سلامة الزبائن والموظفين أموالاً إضافية في المدى المنظور. إذ تقدم "ميركادونا" القفازات للزبائن وتوظف حراس أمن خاصين للمساعدة في السيطرة على الحشود وتخفيف العبء عن مدراء المتاجر. وتتمتع شركات الوظائف الجيدة بالقدرة على تطبيق هذه التغييرات بسرعة أكبر من غيرها، لأنها تملك بالفعل ثقافة القيام بالأمر الصحيح وتفضيل الموظفين على المساهمين.
قال لنا موظف في "كوستكو": "تتميز كوستكو عن الشركات الأخرى بتفاني موظفيها وحماسهم، فقد أظهرت هذه الأزمة أصالة معادننا". لم يكن الضغط هو ما ولّد تفاني الموظفين وحماسهم هذا، بل إنها ثمار مجموعة معينة من الممارسات التي غرست بعناية. وإذا استطاع وباء "كوفيد-19" جذب الانتباه إلى القيمة طويلة الأجل التي تتمتع بها ممارسات شركات الوظائف الجيدة، فسيكون قد حقق أثراً إيجابياً واحداً على الأقل.