ربما سمعتم عن الحرب التي دارت على صفحات ويكيبيديا في محاولة للوصول إلى تعريف متفق عليه حول الركود؛ هل الركود هو النمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي على مدى ربعين متتاليين، بغض النظر عن المؤشرات الاقتصادية الأخرى مثل قوة سوق العمل، هل هذا هو التعريف؟ والذي تعتمده دول أوروبية وبريطانيا، أم أنه قرار يعلنه المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية في الولايات المتحدة الأميركية بناء على انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي يشمل كافة القطاعات ويستمر أكثر من بضعة أشهر؟.
على الرغم من الاختلاف حول التعريف، فإن الأمر الذي يتفق عليه كلا المتخاصمين، هو أن ما تحدده نتائج الربعين السلبيين المتتالين، أو قرار المكتب الوطني للأبحاث في أميركا يأتي غالباً بعد حدوث الركود بأشهر وليس قبله، لكنهم يكتشفون هذه الأرقام لاحقاً.
والسؤال الذي شغل رؤساء البنوك المركزية، ومنها البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على مر عقود طويلة هو: كيف يمكننا التقاط المؤشرات على أن ركوداً اقتصادياً يحصل على الأرض قبل أن ننتظر مؤشرات وول ستريت وتقارير البورصات الدورية؟ وكان الجواب الذي تم إثباته على مدار قرن من الزمن، هو أن مجموعة من الاقتصاديين انتبهوا إلى مؤشرات أخرى للتنبؤ بأن العالم يعيش أو يتجه نحو الركود، وبالنتيجة نحو أزمة اقتصادية؛ هذه المؤشرات التي جمعتها في مؤشر واحد أطلق عليه "مؤشر التركيز على المظاهر". لماذا وصلت إلى هذا الاسم؟ ولماذا يعتبر الاهتمام بالمظهر والتركيز عليه في اللباس والعمران مؤشراً على سوء الاقتصاد، وليس مؤشراً على صحته كما يبدو للظاهر؟
دعونا نمر على بعض أبرز هذه المؤشرات التي ركز عليها الخبراء والعلماء على مدى سنوات طويلة؟ ونبدأ مع أحد أبرز مؤشرات الركود الاقتصادي والتي كان يراقبها رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الشهير، آلان غرينسبان، وهو مؤشر مبيعات ألبسة الرجال الداخلية، هذا المؤشر اعتمده غرينسبان منذ عام 1970 عندما كان يمتلك شركة استشارية اقتصادية، وعندها اكتشف الرابط بين انخفاض مبيعات الألبسة الداخلية للرجال وبين سوء الوضع الاقتصادي، حيث يميل الرجال حسب هذا المؤشر إلى شراء ألبسة داخلية بشكل منتظم ومتصاعد، لكنهم يتوقفون عن ذلك ويستخدمون ملابسهم الداخلية التي اشتروها سابقاً عندما يشعرون بالحاجة إلى توفير بعض المصاريف، لأنهم يعتبرون أن المظاهر الخارجية هي الأهم ولن يلاحظ أحد فيما إذا لم يجددوا ملابسهم الداخلية. إذاً هذه واحدة من مؤشرات التركيز على المظهر الخارجي.
خذوا هذه أيضاً، فمن المؤشرات الشهيرة التي تُنسب إلى رئيس شركة التجميل الأميركية "إستي لاودر"، ليونارد لاودر، وهو مؤشر أحمر الشفاه؟ ماذا يعني هذا المؤشر؟ إنه يعني أنك إذا رأيت مبيعات أحمر الشفاه في ازدياد "ضب إيدك"، فإن الوضع الاقتصادي يتجه إلى الركود. لأن التفسير الذي وجدته شركات السلع الفاخرة ومستحضرات التجميل، هو أن ازدياد مبيعات أحمر الشفاه يتزامن مع انخفاض في مبيعات السلع الفاخرة غالية الثمن، حيث تبدأ النساء عندما يشعرن بالحاجة لتوفير النفقات إلى تخفيض الإنفاق على سلع فاخرة مرتفعة الثمن والتعويض عن ذلك بشراء أحمر شفاه من ذات العلامات التجارية الفاخرة، وهكذا تستبدل المرأة حقيبة شانيل على سبيل المثال، بأحمر شفاه من شانيل، وفي هذه الحالة تحافظ المرأة التي تعتمد هذا السلوك الاستهلاكي على شعورها بالرضا تجاه بقاء ارتباطها بالعلامة التجارية الفاخرة من خلال أحمر الشفاه، والذي هو أقل سعراً على كل حال من حقيبة اليد من ذات الماركة. وهذا مظهر آخر يتم التركيز عليه، وهو أحمر الشفاه، والذي يعتبر بارزاً ويحقق الشعور بالرضا.
ومن المؤشرات الاقتصادية الأخرى لدخول العالم حالة ركود هو أن التنورة النسائية تصبح أكثر طولاً، وهو ما يسمى مؤشر هملين، وهو المؤشر الذي كتب عنه الاقتصاديون منذ عام 1926، وينسب إلى الاقتصادي جورج تايلور من جامعة بنسلفانيا. ويرى أصحاب هذا المؤشر بأن التنورة النسائية مؤشر مهم على صحة الاقتصاد، فعندما تكون التنورة قصيرة فاعلم أن الوضع الاقتصادي في حالة ازدهار، وعندما يكون الوضع الاقتصادي في تردٍّ ويتجه نحو الركود، فإن التنورة تصبح أطول، ويفسر البعض أن طول التنورة هو للتركيز على مظهر جادّ يساعد المرأة في الحصول على وظيفة والنجاح في عملها وحياتها بشكل أكبر عندما تكون الأوضاع الاقتصادية سيئة.
بقي أن أذكر مؤشراً آخر يندرج ضمن المظاهر كمؤشر على الاتجاه نحو الركود، وهو مؤشر ناطحات السحاب. في هذا المؤشر الذي وضعه الاقتصادي آندرو لورانس عام 1999، تبين عبر دراسة تاريخية لمعظم الأزمات الاقتصادية العالمية عبر التاريخ، أن بناء ناطحات السحاب الكبرى كان مزدهراً قبيل البدء بالأزمة الاقتصادية والركود، وأنه مع كل إعلان عن أعلى ناطحة سحاب عالمية، كانت الأزمة الاقتصادية تبدأ.
حسناً، ماذا يشير مؤشر التركيز على المظهر هذه الأيام؟ فلنبدأ من الآخر، بالنسبة لناطحات السحاب، فقد أعلنت نيويورك العام الماضي الانتهاء من برج ستينواي (Steinway) وهو "أنحف ناطحة سحاب في العالم"، كما أعلنت ماليزيا عن الانتهاء من ثاني أطول بناء في العالم مارديك 118 (Merdeka 118) أواخر العام 2021. وماذا أيضاً؟ ماذا عن مبيعات الألبسة الداخلية للرجال والتي كانت المؤشر المفضل عند أسطورة الفيدرالي الأميركي غرينسبان؟ قامت إحدى الشركات بدراسة تطور حركة الزيارة لمحلات الألبسة الداخلية للرجال منذ عام 2019، وحتى عام 2022، وكانت النتيجة هي أن زيارات محلات الألبسة الداخلية انخفضت بشكل طفيف. لدينا الآن بعض مؤشرات الخطر، لكن علينا الاستمرار بمراقبة شعورنا بالحاجة لشراء ألبسة داخلية، واهتمام النساء بأحمر الشفاه من حولنا، والانتباه إلى طول التنانير وارتفاعها وانخفاضها عن الركبة، وارتفاع المباني وانخفاضها لنعرف حالة الاقتصاد ومستقبلنا.