ما هو “مبدأ بيتر” الذي يفسّر ضعف أداء الموظف بعد حصوله على ترقية؟

5 دقيقة
مكافأة أصحاب الأداء المتميز
هيروكازو جيك/ غيتي إميدجيز

ملخص: ينطوي مبدأ بيتر (Peter Principle) على فكرة أن المؤسسات تمنح موظفيها ترقيات إلى مستويات تتجاوز قدراتهم الحقيقية، ما يجعلهم عديمي الكفاءة. ولاختبار مدى دقة هذه النظرية فعلياً، أجرى فريق من الباحثين دراسة على مدراء المبيعات وموظفيهم في 214 شركة. يمثل مجال المبيعات بيئة مثالية لاختبار مبدأ بيتر لسهولة تحديد مندوبي المبيعات والمدراء المتميزي الأداء، على عكس البيئات المهنية الأخرى. وتبيّن بحسب البيانات أن مبدأ بيتر صحيح بالفعل، إذ لم يحصل على الترقية إلا أفضل مندوبي المبيعات، لكن كلما كان مندوب المبيعات أمهر، كان أداؤه في الإدارة أسوأ. ولحل هذه المشكلة، يجب على المؤسسات ابتكار طرق أخرى لمكافأة أصحاب الأداء المتميز لتشجيعهم على مواصلة التميّز في المجالات التي يبرعون فيها.

من المرجح أنك عملت مع مدراء تعجبك مهاراتهم الفنية أكثر من مهاراتهم القيادية الفعلية.

وقد تكون هذه التجربة المألوفة هي ما جعل مبدأ بيتر موضوع اهتمام عام. ابتكر الدكتور  لورانس بيتر مبدأ بيتر في كتابه الصادر عام 1969، واصفاً المفارقة التالية: إذا منحت المؤسسات أفضل الموظفين أداءً في وظائفهم الحالية ترقيات إلى مستويات أعلى، فستصل إلى مرحلة تضطر فيها إلى ترقية الموظفين بناءً على أدائهم الحالي دون أن يتمتعوا بالكفاءة اللازمة لتولي مسؤوليات المنصب الجديد. بمعنى آخر، تمنح المؤسسات موظفيها "ترقيات إلى مستويات تتجاوز قدراتهم الحقيقية، ما يجعلهم عديمي الكفاءة".

تظهر مشكلة مبدأ بيتر عندما لا تتوافق المهارات التي تجعل موظفاً ما ناجحاً في مستوى وظيفي معين مع متطلبات النجاح في المستوى الوظيفي التالي. ويجب على المؤسسات في مثل تلك الحالات إجراء مفاضلة بين مكافأة صاحب الأداء العالي بالترقية، أو ترقية الموظف الذي يمتلك المهارات اللازمة للنجاح في المنصب الإداري. عندما تكافئ المؤسسات الأداء المتميز في منصب معين بالترقية إلى منصب آخر، فستواجه انتقادات ومعارضة؛ فالمهندس الناجح لن يصبح أفضل مدير هندسي، والأستاذ الناجح لن يصبح أفضل عميد. وقد تنطبق المشكلة نفسها على العلماء والأطباء والمحامين، أو أي مهنة أخرى لا تتوافق فيها الكفاءة الفنية مع المهارات الإدارية المطلوبة في منصب آخر.

تحليل مبدأ بيتر

على الرغم من أن مبدأ بيتر يبدو مقنعاً بصورة بديهية، لم يخضع لاختبار تجريبي يعتمد على بيانات من العديد من الشركات. فأجرينا دراسة على بيانات حول أداء مندوبي المبيعات ومدرائهم في 214 شركة للتحقق إن كانت الشركات تمنح الترقيات إلى أصحاب الأداء المتميز في مناصبهم السابقة بالفعل وتتجاهل المرشحين الأفضل لتولي المناصب الإدارية. يمثل مجال المبيعات بيئة مثالية لاختبار مبدأ بيتر لسهولة تحديد مندوبي المبيعات والمدراء المتميزي الأداء، على عكس البيئات المهنية الأخرى؛ إذ يمكننا قياس أداء مندوبي المبيعات من خلال سجلات مبيعاتهم، ويمكننا قياس قدرات مدراء المبيعات الإدارية من خلال مدى إسهاماتهم في تحسين أداء موظفيهم. تتيح لنا البيانات التي نجمعها من شركة تدير برمجيات إدارة أداء المبيعات عبر السحابة تتبع أداء مبيعات عدد كبير من مندوبي المبيعات والمدراء في عدد كبير من الشركات. وطرحنا السؤال التالي بالاعتماد على هذه البيانات: هل تتجاهل المؤسسات فعلاً أفضل المرشحين المحتملين لتولي المناصب الإدارية من خلال ترقية أفضل المسهمين الأفراد؟ وإذا ثبت أنها تتجاهلهم بالفعل، فكيف تتعامل مع مبدأ بيتر؟

أولاً، أظهرت الدراسة علاقة وثيقة بين أداء المبيعات والترقية إلى المناصب الإدارية. بالنسبة لمندوب المبيعات، كلما ارتفع تصنيف مبيعاته، زادت احتمالات ترقيته إلى إدارة المبيعات بنسبة تبلغ 15%.

ثانياً، ثمة علاقة سلبية بين أداء المبيعات وأداء مدير المبيعات؛ بمعنى آخر، يترتب على كل زيادة في تصنيف مندوب المبيعات بعد ترقيته إلى منصب المدير انخفاض بنسبة 7.5% في أداء مرؤوسيه المباشرين. وتوصلنا إلى نتائج مماثلة عند إجراء مقارنة بين ترقية مندوبي المبيعات إلى مناصب أعلى في فرقهم وترقيتهم إلى فرق جديدة. بعبارة أخرى، تمنح الشركات أفضل مندوبي المبيعات ترقيات إلى مناصب إدارية على الرغم من أنهم يصبحون أسوأ المدراء بعد ترقيتهم.

توصلنا بعد دراسة البيانات بالفعل إلى أن مندوبي المبيعات المتميزين أصبحوا مدراء سيئين بعد الترقية. لكن السؤال: هل سنجد علاقة سلبية بين أداء المبيعات والأداء الإداري إذا راقبنا الإمكانات الإدارية لدى مندوبي المبيعات جميعهم وليس فقط أولئك الذين حصلوا على ترقية؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال لأن المدراء الذين حصلوا على ترقية في الدراسة لم تخترهم المؤسسات بصورة عشوائية. على سبيل المثال، إذا اختارت الشركات المرشحين للترقية عشوائياً، فقد يحصل مندوبو المبيعات الضعيفو الأداء على ترقية بالحظ، وليس لأن الشركة لاحظت تمتعهم بصفات تعوّض عن نقاط الضعف في أدائهم بصفتهم مندوبي مبيعات. وعلى الرغم من أن عمليات الترقية لا تجري عشوائياً، فقد تزيد الظروف الخارجية من فرص الترقية لبعض الأشخاص بالمقارنة مع الآخرين؛ وتوصلنا إلى النتيجة نفسها عند دراسة التباين في معدلات الترقيات في القطاعات مع مرور الوقت باعتبارها أداة الاختيار العشوائي، وهي أن مندوب المبيعات المتميز يصبح مديراً سيئاً.

وتوصلنا أيضاً إلى أن الشركات لا تهتم بالمؤشرات الأخرى التي تدل على أن مندوب المبيعات سيكون مديراً جيداً. وعلى وجه الخصوص، اكتشفنا أن مندوبي المبيعات الذين شاركوا الإنجازات التي حققوها مع عدد كبير من المتعاونين أصبحوا مدراء فعالين للغاية. في الواقع، إن مشاركة الفضل في مبيعات المؤسسات علامة على عقد مندوب المبيعات صفقات كبيرة ومعقدة تتطلب التعاون عادة؛ ويتنبأ هذا النوع من تجارب التعاون بقدرة الموظف على تولي مناصب في الإدارة وأدائها بفعالية.

كيف تتعامل الشركات مع مبدأ بيتر؟

تواجه الشركات تحدي مبدأ بيتر منذ فترة طويلة، وكشفت نتائج البيانات عن الجهود المبذولة من الشركات بالفعل للحد من التكاليف المرتبطة بترقية الموظفين المتميزين الذين يصبحون مدراء سيئين.

أولاً، يمكن للشركات مكافأة أصحاب الأداء المتميز عن طريق زيادة أجورهم بدلاً من ترقيتهم. وتوصلنا في بياناتنا إلى أن الشركات التي تتبنى أنظمة مكافأة قوية على أساس الأداء الفعال كانت اختياراتها في ترقية الموظفين إلى مناصب المدراء صحيحة. بعبارة أخرى، عندما تكافئ الشركات أداء المبيعات بمنح الموظفين حوافز مالية كبيرة، ستتمكن حينها من ترقية أفضل المرشحين المحتملين إلى مناصب إدارية بسهولة؛ إذ لن يشعر مندوبو المبيعات المتميزو الأداء حينها بأن الترقية إلى مناصب الإدارة هي الطريقة الوحيدة لزيادة دخلهم.

لكن الترقيات لا تقتصر على الحصول على أجر أعلى فقط، بل على كسب سمعة متميزة أيضاً. تجنبت مؤسسات أخرى (مثل مايكروسوفت) ربط الترقيات بالتغييرات في المسؤوليات من خلال استخدام سلالم وظيفية مزدوجة، على سبيل المثال، من خلال ترقية المبرمجين المتميزين عبر مسار فني وترقية القادة المتميزين عبر مسار إداري، وحرصت على معادلة الأجور والمكانة بالتساوي بين المسارين. تتيح هذه السلالم الوظيفية للموظفين التقدم في مساراتهم المهنية من خلال استغلال شغفهم ومواهبهم الحالية دون الحاجة إلى تقبّل التغييرات في مهام الوظيفة.

ويتمثّل الحل الثاني في إتاحة الفرصة للمدراء لأداء أدوارهم بالكامل؛ بمعنى ترقية أفضل المرشحين لتولي وظيفة الإدارة، والسماح لهم بإدارة فرق كبيرة، وفصل مسؤولياتهم الإدارية بصفتهم مدراء عن مسؤولياتهم بصفتهم مسهمين أفراد. ووجدنا أنه عندما تُسند الشركات إلى المدراء مسؤولية إدارة فرق كبيرة، يمكنها حينها ترقية الموظفين الذين يعانون ضعفاً في أداء المبيعات لكنهم يظهرون مهارات قيادية فعالة. وأسفر الفصل بين المسؤوليات الإدارية ومسؤوليات المبيعات أيضاً عن التقليل من حدوث تضارب في المصالح والمشكلات الأخرى التي تنشأ في الترتيبات التي تجمع بين دور المدير والموظف العادي.

في الواقع، يمكن تنفيذ كلا الحلّين بصفتهما جزءاً من عملية تقييم الأداء. يفرض أحد هذين النهجين المُدمج في أنظمة التقييم على المقيّمين تقييم إمكانات الموظفين للنجاح في المستقبل بصرف النظر عن أدائهم السابق، مثل مصفوفة الصناديق التسعة. يمكن مكافأة الأشخاص الذين يظهرون إمكانات مستقبلية مشرقة في مساراتهم المهنية من خلال ترقيتهم إلى مناصب في الإدارة وتقديم خيارات الأسهم لهم من أجل استبقائهم وتشجيعهم على تحقيق كامل إمكاناتهم. ويمكن مكافأة الموظفين الذين يظهرون أداءً متميزاً في وظائفهم السابقة بمنحهم مكافآت، أو ترقيات في مسار العمل الفردي، أو تقدير جهودهم والاعتراف بها. ويجب تصميم العملية بطريقة تضمن تقدير أصحاب الأداء المتميز في مناصبهم الحالية وتقديم المكافآت لهم دون الحاجة إلى تغيير مناصبهم.

باختصار، إن الحوافز المالية، والسلالم الوظيفية المزدوجة، وتقييمات الأداء المدروسة وسائل فعالة لتقدير إسهامات الموظفين في النجاح العام للمؤسسة، لكن يبدو أن الشركات، على الأقل في مجال المبيعات، تختار مكافأة مندوبيها أصحاب الأداء المتميز عن طريق ترقيتهم إلى مناصب في الإدارة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .