على الرغم من تميز هذه المقالة بطابعها الخاص، إلا أنه يمكنها أن تسهم إلى حد كبير في إثراء النقاش الذي بدأ في عام 1977، حين نشر أبراهام زاليزنيك، وهو أستاذ في كلية هارفارد للأعمال، مقالاً في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" تحت عنوان "هل يختلف المدير عن القائد؟" (Managers and Leaders: Are They Different?). تسببت المقالة في إحداث ضجة كبيرة في أروقة كليات إدارة الأعمال، حيث أفاد مضمونها أن المنظّرين في الإدارة العلمية، بمخططاتهم التنظيمية ودراسات الوقت والحركة، كانوا يفتقدون لنصف الصورة الأهم – النصف المفعم بالإلهام والرؤية والطيف الكامل للدوافع والرغبات البشرية، ليتغير منذ ذلك الحين مفهوم دراسة القيادة.
نشرت مقالة "ما هو الدور الحقيقي للقادة"(What Leaders Really Do) لأول مرة في عام 1990 بهدف التعمق أكثر والتوسع في الأفكار التي طرحتها مقالة عام 1977. ومن خلال تسليط الضوء على هذه الأفكار التي تبدو واضحة بمجرد التعبير عنها، يرى جون كوتر، وهو أستاذ متقاعد في كلية هارفارد للأعمال، أن القيادة والإدارة مختلفتان، إلا أنهما تكملان بعضهما بعضا، حيث أنه في ظل هذا التغير الدائم الذي يشهده العالم، لا يمكن لأي منهما العمل بمعزل عن الآخر. ومن ثم يوضح كوتر المهام الرئيسة لكل من القائد والمدير ومدى التباين بينها. وتتمثل نقطة الاختلاف الرئيسة وفقاً لكوتر في أن المدراء يسعون لتحقيق الاستقرار، بينما يسعى القادة للتغيير، ويؤكد على أن المؤسسات التي تحتضن الطرفين قادرة على الازدهار في ظل الأوقات العصيبة التي قد يتعرض لها أي قطاع.
تختلف القيادة عن الإدارة، لكن ليس للأسباب التي يفكر بها معظم الأشخاص، فالقيادة ليست بذاك الغموض، ولا تتطلب تلك الشخصية الكاريزمية أو أيّاً من الصفات الاستثنائية، وهي ليست حكراً على فئة معينة. وليس بالضرورة أن تكون القيادة أفضل من الإدارة أو بديلاً عنها.
الأدق هو أن القيادة والإدارة أنظمة عمل مختلفة ومكملة لبعضها، ولكل منهما وظيفته الخاصة وأنشطته المميزة، وكلتاهما ضروريتان للنجاح في بيئة عالم الأعمال التي تزداد تعقيداً وتتغير باستمرار.
تصب معظم الشركات اليوم جل تركيزها على الإدارة، في حين أنها تفتقر إلى القيادة الصحيحة
وهي بحاجة الآن إلى تطوير قدراتها على ممارسة القيادة، فالشركات الناجحة لا تنتظر حتى يأتي إليها القادة من تلقاء أنفسهم، بل تبحث جاهدة عن الأشخاص الذين يتمتعون بالصفات القيادية، وتحرص على تزويدهم بالخبرات المهنية التي تعزز قدراتهم. وفي الواقع، يمكن لعشرات الأشخاص شغل مناصب قيادية مهمة في أي شركة، بعد أن يتم اختيارهم بالشكل الصحيح وتدريبهم حتى يتقنوا جميع المهارات القيادية.
وعلى الشركات أن تتذكر دوماً، ولاسيما أثناء تطوير المهارات القيادية لهؤلاء الأشخاص، أن وجود قيادة قوية مع إدارة ضعيفة ليس خياراً صحيحاً، وقد تكون نتيجته أسوأ من العكس؛ لذا، يكمن التحدي الحقيقي في كيفية الدمج بين القيادة والإدارة القويتين، واستخدام كل واحدة منها لتُكمل الأخرى.
وبالطبع لا يستطيع أي شخص أن يجيد القيادة والإدارة في آن معاً. فهناك بعض الأشخاص الذين يتمتعون بالقدرات التي تخولهم ليكونوا مدراء ممتازين، ولكنهم ليسوا قادة أقوياء، وهناك أيضاً أشخاص آخرين يتمتعون بالمهارات القيادية، لكنهم يجدون صعوبة في أن يكونوا مدراء جيدين. لذلك تولي الشركات الذكية أهمية لكلتا الفئتين، وتعمل جاهدة لضمهما إلى فريق عملها.
أما عندما يتعلق الأمر بإعداد الأشخاص لمناصب تنفيذية، فإن هذه الشركات تتجاهل الدراسات الحديثة التي تفيد أنه لا يمكن للأشخاص أن يديروا ويقودوا في الوقت ذاته، وتحاول في المقابل أن تدربهم ليصبحوا مدراء قادة. ولكن حالما تستطيع الشركات فهم الاختلاف الرئيس بين القيادة والإدارة، حينها تستطيع البدء في إعداد أفضل موظفيها ليتقنوا كلا الجانبين.
الفرق بين الإدارة والقيادة
تتمحور الإدارة حول كيفية التعامل مع التعقيدات، لتأتي ممارساتها وإجراءاتها استجابة لأحد أهم التطورات في القرن العشرين، وهو ظهور الشركات العملاقة. لذا فإن الشركات التي تنطوي على منظومات عمل معقدة وتفتقر إلى الإدارة الجيدة، تميل إلى الوقوع في حالة من الفوضى التي تهدد وجودها. في حين توفر الإدارة الجيدة درجة عالية من الانضباط والتماسك في جوانب العمل الرئيسة مثل جودة المنتجات وأرباحها.
تتمحور الإدارة حول التعامل مع التعقيدات، في حين تسعى القيادة للتماشي والتكيف مع التغيرات المحيطة.
وخلافاً لذلك، تتمحور القيادة حول كيفية التعامل مع التغييرات. ويعود جزء من الأسباب التي جعلتها مهمة للغاية في السنوات الأخيرة، إلى أن قطاع الأعمال أصبح أكثر تنافسية وتقلباً. وهناك عوامل عديدة اسهمت في هذا التحول الكبير، أبرزها التطور التكنولوجي المتسارع، وتنامي المنافسة الدولية بشكل مطرد، وتخفيف الضوابط التنظيمية للأسواق، والفائض الكبير في رؤوس أموال مختلف القطاعات، وعدم استقرار أسواق النفط، وتزايد سماسرة السندات عالية المخاطرة فيها، والتغيرات الديموغرافية للقوى العاملة. وتشير النتيجة النهائية إلى أن إنجاز ما تم إنجازه مسبقاً، ولو بجودة أفضل بنسبة 5%، لم يعد هو تلك المعادلة التي اعتدنا تطبيقها لضمان النجاح. لذلك تعد التغييرات الجذرية حاجة ضرورية وملحة لضمان استمرارية الشركات وتعزيز قدراتها التنافسية في بيئة الأعمال الجديدة هذه. ويتطلب التغيير دائماً المزيد من الشخصيات القيادية الخبيرة والمتمكنة.
لنأخذ مثالاً عسكرياً بسيطاً: ما يمكّن الجيش في أوقات السلم من أن يبقى متماسكاً عادة هو وجود إدارة جيدة تتبع التنظيم الهرمي في المؤسسات العسكرية، مدعومة من قيادة جيدة تترأس الهرم التنظيمي. أما في أوقات الحرب، فيحتاج الجيش إلى القيادة المؤهلة على المستويات كافة. إلا أنه حتى الآن لم يستطع أحد فهم أسلوب إدارة الجنود بفاعلية أكبر في ساحة المعركة، وذلك لأنهم بحاجة إلى من يقودهم.
إن هاتين الوظيفتين المختلفتين - التعامل مع التعقيدات والتكيف مع التغييرات - تشكلان الأنشطة المميزة للإدارة والقيادة، فكل نظام عمل يشمل تحديد الاحتياجات، وإنشاء شبكات تواصل بين مختلف الأشخاص وبناء العلاقات التي من شأنها أن تدعم خطة عمل ما، ومن ثم محاولة التأكد من قدرة الأشخاص المعنيين على إنجاز المهام الموكلة إليهم، شرط أن ينجز كل شخص منهم هذه المهام الثلاث بطرق مختلفة.
وتبدأ الشركات عادة بإدارة التعقيدات من خلال التخطيط ووضع الميزانية - مثل تحديد الأهداف المستقبلية (عادة للشهر أو للسنة المقبلة)، وتحديد الخطوات بالتفصيل لتحقيق هذه الأهداف، ومن ثم تخصيص الموارد لتنفيذ هذه الخطط. أما قيادة أي من الشركات نحو التغيير البناء فتبدأ أولاً بوضع رؤية تطويرية مستقبلية (غالباً ما تكون طويلة الأمد)، مدعومة باستراتيجيات لتحفيز التغييرات اللازمة لتحقيق هذه الرؤية.
تطور الإدارة إمكاناتها الكفيلة بتحقيق خططها وأهدافها من خلال تحسين الهيكلية التنظيمية والموارد البشرية بما يلبي متطلبات الخطة، وتوظيف أصحاب الكفاءات وتزويدهم بالإحاطة الشاملة حول الخطة، وتفويضهم بالمسؤوليات للبدء في تطبيقها، ووضع النظم المعنية بمراقبة آلية التطبيق. بينما يتمثل النشاط القيادي المتكافئ في مواءمة الطاقات البشرية، ما يعني توصيل التوجه الجديد إلى أولئك القادرين على تشكيل تحالفات تتفهم الرؤية وتلتزم بإنجازها.
أخيراً، تتأكد الإدارة من تنفيذ الخطة بشكل كامل من خلال التنظيم والإشراف على حل المشكلات عبر مقارنة النتائج المحققة مع الخطة على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي، وذلك بالاعتماد على التقارير والاجتماعات وغيرها من الأدوات. بالإضافة إلى تحديد أي انحرافات عن مسار عمل الخطة، ومن ثم تقديم الحلول الناجحة لمعالجة مثل هذه المشكلات. أما بالنسبة للقيادة، يتطلب تحقيق الرؤية وجود حافز يشجع الموظفين للمحافظة على المسار الصحيح على الرغم من وجود تحديات قد تعيق عملية التغيير، وذلك من خلال استثمار الاحتياجات والقيم والعواطف الإنسانية لديهم.
وستساعد الدراسة المعمقة لكل واحدة من هذه الأنشطة على توضيح المهارات التي يحتاجها القادة.
تحديد الاتجاه مقابل التخطيط وإعداد الموازنة
بما إن إحداث التغيير يندرج ضمن مسؤوليات القيادة، فإن تحديد اتجاه هذا التغيير يعد إحدى المسؤوليات الرئيسة للقيادة. وتحديد هذا الاتجاه يختلف كثيراً عن التخطيط سواء على المدى القصير أو الطويل، إلا أن بعض الأشخاص لا يزالون حتى الآن لا يفهمون الفرق. فالتخطيط عملية إدارية، وهو يتبع منهجاً استنتاجياً بطبيعته ومصمم لتحقيق نتائج منتظمة، وليس لإحداث التغيير. وبما أن عملية تحديد الاتجاه تعتمد على منهج استقرائي، يحرص القادة على جمع كم هائل من البيانات والبحث عن أي أنماط وعلاقات وروابط تساعد على تقديم التفسيرات. وعلاوة على ذلك، فإن الجانب القيادي المعني بتحديد اتجاه التغيير لا يقدم الخطط، بل يقدم الرؤى والاستراتيجيات التي تشمل طبيعة التطورات والأهداف التي يجب على الشركات أو التكنولوجيا أو الثقافة المؤسسية أن تحققها على المدى الطويل، مدعومة بالوسائل الناجحة الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف.
تميل معظم النقاشات التي تتناول موضوع الرؤية إلى الغموض. يرجع هذا إلى أن الرؤية بمفهومها الواسع يكتنفها الغموض بعض الشيء. ولكن العمل على تحديد توجه إيجابي للشركة ليس أمراً مستحيلاً، فقد تنطوي العملية على بعض الصعوبات أحياناً فيما يتعلق بجمع المعلومات وتحليلها. فالأشخاص الذين يقدمون مثل هذه الرؤى ليسوا بالأشخاص الخارقين للطبيعة، بل هم أصحاب فكر استراتيجي واسع الأفق، ومستعدون لأي مخاطرة.
وليس من الضروري كذلك أن تكون الرؤى والاستراتيجيات على درجة عالية من الابتكار الإبداعي، فهناك العديد من الرؤى الممتازة التي ليست بذاك المستوى العالي من الابتكار. وعادة ما تكون الرؤى الفعالة للشركات عادية من حيث الجودة، وتتكون من أفكار ليست بجديدة ومعروفة لدى الجميع. وقد تكون طريقة دمج أو ترتيب تلك الأفكار هي الجانب الجديد أو المبتكر، إلا أن ذلك مختلف في كثير من الأحيان.
فعلى سبيل المثال، عندما تكلم الرئيس التنفيذي جان كارلزون عن رؤيته الهادفة لجعل الخطوط الجوية الاسكندنافية أفضل شركة طيران في العالم لرجال الأعمال الذين يسافرون باستمرار، فهو لم يأتِ بشيء جديد لا يعرفه كل من يعمل في قطاع الطيران. فرجال الأعمال يسافرون جواً أكثر من الفئات الأخرى من المسافرين، وهم أكثر استعداداً من غيرهم لشراء تذاكر الطيران بأسعار أعلى. لذا فإن التركيز بشكل أكبر على هذه الفئة من العملاء يوفر لشركات الطيران هوامش ربح أعلى، وحركة عمل منتظمة، ونمواً أكبر. ولكن بالنسبة لقطاع يعتمد على أنظمة العمل البيروقراطية أكثر من اعتماده على الرؤى والاستراتيجيات، لم تولِ أي شركة طيران أهمية لتطبيق هذه الأفكار البسيطة، إلا أن الخطوط الجوية الاسكندنافية طبقتها وحصدت ثمار نجاحها.
إن أكثر ما يهم في الرؤية ليس مدى ابتكارها وتميزها، بل كيف ستخدم مصالح الأطراف المعنية من عملاء وأصحاب مصلحة وموظفين، وما مدى سهولة تحويلها إلى استراتيجية تنافسية قابلة للتطبيق على أرض الواقع. في حين تميل الرؤى غير الجيدة إلى تجاهل الحقوق والاحتياجات المشروعة للأطراف المعنية الهامة، على سبيل المثال، قد تفضل مصلحة الموظفين على العملاء وأصحاب المصلحة، أو قد تكون هذه الرؤى غير صالحة من الناحية الاستراتيجية. فعندما تبدأ إحدى الشركات الأضعف من حيث المنافسة في القطاع بالحديث فجأة عن احتلالها مركز الصدارة فيه، فذلك مجرد حلم واهم وليس رؤية طموحة.
أحد أكثر الأخطاء المتكررة التي تقع فيها الشركات التي تعتمد على الإدارة أكثر من القيادة، هو اعتماد الخطط بعيدة المدى باعتبارها الحل الأمثل لمشكلة افتقارها إلى التوجيه الصحيح وعدم قدرتها على التكيف مع بيئات الأعمال شديدة التنافسية. يحد اتباع مثل هذا النهج من الفهم الصحيح لآلية تحديد توجه الشركة، فضلاً عن أنه غير قابل للنجاح بأي طريقة.
دائماً ما يستغرق التخطيط طويل الأمد الكثير من الوقت. فكلما حدث شيء غير متوقع، يجب إعادة صياغة الخطط. وفي ظل بيئة الأعمال شديدة التنافسية، عادة ما يتحول ما هو غير متوقع إلى المبدأ السائد، ويصبح التخطيط طويل الأمد نشاطاً مثقلاً بالأعباء. لهذا السبب تحد معظم الشركات الناجحة من الإطار الزمني لنشاطاتها التخطيطية، حتى أن بعض الشركات تعتبر مصطلح "التخطيط بعيد المدى" متناقضاً.
يمكن للتخطيط القصير المدى، في شركة تفتقر للتوجهات، أن يتحول إلى ثقب أسود قادر على استهلاك كمية لا نهائية من الوقت والطاقة. ومن دون رؤية واستراتيجية لتحديد الضوابط لعملية التخطيط وقيادتها، فإن كل حالة طارئة تستحق وضع خطة بناءً عليها. ويمكن لهذا التخطيط الطارئ أن يستمر للأبد، مستهلكاً الوقت الخاص بنشاطات أكثر أهمية ومحولاً الانتباه عنها، وكل ذلك من دون توفير حسّ التوجيه الذي تحتاجه الشركة بشدة. وبعد فترة، يطغو التشاؤم على المدراء بشكل لا مفر منه، وقد تتحول عملية التخطيط إلى لعبة مسيّسة لحد كبير.
يعمل التخطيط على أتم وجه ليس بديلاً للتنظيم التوجيهي بل مكملاً له. وتمثل عملية التخطيط المتكاملة أداة مفيدة للتحقق من نشاطات ضبط الاتجاه. وعلى نحو مشابه، توفر عملية ضبط الاتجاه المتكاملة نقطة تركيز يمكن فيها أن يتم التخطيط بشكل واقعي. كما إنها تساعد على توضيح أي نوع التخطيط الضروري وتلك التي لا فائدة مرجوة منها.
مواءمة الطاقات البشرية مقابل التنظيم والموارد البشرية
إحدى الخصائص الرئيسة للشركات الحديثة هي الترابط بين الموظفين، حيث لا يوجد أحد مستقل كلياً ومعظم الموظفين مرتبطين بغيرهم من الموظفين من خلال العمل والتكنولوجيا والأنظمة الإدارية والتسلسل الهرمي. تمثل هذه الروابط تحدياً مميزاً حين تحاول الشركات أن تتغير. وما لم يتجمع الأفراد ويصطفون للتقدم سوية في نفس الاتجاه، سيتزاحم الأشخاص ويتعثروا فوق بعضهم. بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين المثقفين لحد بعيد في الإدارة ولكن غير مثقفين لنفس الدرجة في القيادة، تبدو فكرة تحرك الناس في نفس الاتجاه مشكلة تنظيمية. ولكن ما يجب على المسؤولين التنفيذيين القيام به هو ليس تنظيم حراك الناس بل حشدهم ومواءمة طاقاتهم سوية.
تبدو فكرة تحرك الناس في نفس الاتجاه مشكلة تنظيمية. ولكن ما يجب على المسؤولين التنفيذيين القيام به ليس تنظيم حراك الناس بل حشدهم ومواءمة طاقاتهم.
يقوم المدراء "بتنظيم الأفراد" لإنشاء أنظمة بشرية بإمكانها أن تطبق الخطط بأكبر قدر ممكن من الدقة والكفاءة. يتطلب ذلك عادة اتخاذ عدد من القرارات التي قد تكون معقدة. ويتعين على الشركة أن تختار هيكل معين للوظائف وشكل العلاقات بين الإدارية بين الأفراد، وأن تملأ تلك الوظائف بأفراد مناسبين لها، وتوفر التدريب اللازم لمن يحتاج إليه، وتقدم الإحاطة الشاملة بالخطط للقوى العاملة، كما أن عليها أن تقرر درجة السلطة التي ستمنحها للموظفين المختارين. من الضروري أيضاً أن تمنح الحوافز الاقتصادية لإنجاز الخطة، إلى جانب وضع أنظمة لمراقبة عملية التطبيق. إن هذه الأحكام التنظيمية أشبه بالقرارات الهندسية، وهي تنطوي على اتخاذ القرار المناسب في السياق المناسب.
أما مواءمة الطاقات البشرية فهو أمر مختلف. إنها مشكلة تواصل أكثر من أن تكون مسألة تصميم. تشمل مواءمة الطاقات البشرية دائماً عدداً أكبر من الأشخاص بالمقارنة مع الناحية التنظيمية. ولا تضم المجموعة المستهدفة مساعدي المدراء فحسب بل أيضاً الرؤساء والأقران من الزملاء وطاقم العمل في أماكن أخرى بالمنظمة، إلى جانب مزودي الخدمات والمستلزمات والمسؤولين الحكوميين وحتى الزبائن. كل من هو قادر على المساعدة في تجسيد الرؤية والاستراتيجيات وكل من يستطيع إعاقة تطبيقها له صلة.
تعتبر محاولة جعل الناس يفهمون رؤية المستقبل الجديد البديل تحدياً من ناحية التواصل وهو تحد مختلف تماماً عن محاولة تنظيمهم لأجل تنفيذ خطة قصيرة الأمد. الأمر أشبه بالفرق بين محاولة لاعب محوري في كرة القدم أن يصف لفريقه كيفية اللعب على مدى اليومين أو الثلاثة القادمين ومحاولته أن يفسر لهم نهجاً جديداً كلياً للعب في النصف الثاني من الموسم.
سواء تم إيصال هذه الأفكار باستخدام عدد كبير من الكلمات أو بمجرد ذكر بضع كلمات منتقاة بحذر، قد لا يتم تقبلها بالضرورة حتى لو كانت مفهومة. أحد التحديات الكبيرة الأخرى في جهود القيادة هو المصداقية – أي دفع الناس لتصديق الفكرة. تسهم الكثير من الأمور في ترسيخ المصداقية: سجل أعمال الشخص الذي يقوم بإيصال الرسالة ومحتوى الرسالة وسمعة المتحدث بأنه نزيه وجدير بالثقة والاتساق بين الفعل والعمل.
أخيراً، نادراً ما يؤدي التنظيم إلى التمكين الذي يؤدي إليه مواءمة الطاقات البشرية. وتواجه بعض الشركات صعوبة في التأقلم مع التغيرات السريعة في السوق والتكنولوجيا وأحد الأسباب وراء ذلك هو شعور العديد من الأشخاص في تلك الشركات بالضعف نسبياً. لقد تعلموا من التجارب السابقة أنه حتى ولو فهموا التغيرات الخارجية بشكل صحيح وقاموا بعدها باتخاذ الإجراءات المناسبة، فإنهم لا يزالون عرضة لتوبيخ شخص ما أعلى رتبة منهم لم يعجبه ما قاموا به. قد يأخذ التوبيخ أشكالاً عديدة: "هذا ضد سياستنا" أو "لا يمكننا تحمل تكاليف هذا" أو "اسكت والتزم بتنفيذ الأوامر".
تساعد المواءمة على التغلب على هذه المشكلة عبر منح القوة للأفراد بطريقتين على الأقل. أولاً، حين يتم إيصال إحساس واضح بالاتجاه في الشركة، يمكن للموظفين من المستوى الأدنى الشروع في اتخاذ إجراءات دون أن يشعروا بدرجة من الضعف. ولن يتمكن رؤساؤهم من توبيخهم بتلك السهولة طالما يتوافق سلوكهم مع الرؤية. ثانياً، بما أن الجميع يعمل للهدف نفسه، فليس من المرجح أن توقف مبادرة أحد الموظفين حين تتعارض مع مبادرة غيره.
تحفيز الأشخاص مقابل التحكم والسيطرة وحل المشكلات
بما أن التغيير هو وظيفة القيادة، فإن القدرة على تحفيز سلوكيات عالية الحماس أمر ضروري من أجل التعامل مع العوائق التي لا مفر منها أمام التغيير. تماماً كما يحدد التوجيه مساراً مناسباً للحركة وتماماً كما تدفع المواءمة الفعالة الناس للتحرك على ذاك المسار، فإن التحفيز الناجح يضمن أنهم سيملكون ما يكفي من الطاقة للتغلب على العوائق.
وفقاً لمنطق الإدارة، تقارن آليات التحكم والسيطرة بين سلوك النظام والخطة وتتخذ إجراء حين يُكتشف انحراف ما. على سبيل المثال، في مصنع له إدارة جيدة، فهذا يعني أن تضع عملية التخطيط أهداف جودة معقولة، وتبني عملية التنظيم شركة قادرة على تحقيق تلك الأهداف، وتضمن عملية التحكم والسيطرة أن تُكتشف هفوات الجودة على الفور، وليس بعد 30 أو 60 يوماً، وتضمن أن تُصحّح.
للأسباب نفسها التي تجعل التحكم والسيطرة أمراً محورياً للإدارة، نجد أن السلوك عالي الحماس أو الإلهام لا علاقة له بذلك. يجب أن تكون العمليات الإدارية أبعد ما يمكن عن الفشل والمخاطرات، ويعني هذا أنها لا يمكن أن تعتمد على الأمور غير المعتادة أو الأمور التي من الصعب تحقيقها. الهدف الأساسي وراء وجود الأنظمة والهياكل الوظيفية هو مساعدة الناس العاديين الذين يتصرفون بطريقة عادية على إنجاز الأعمال الروتينية بنجاح، يوماً بعد يوم. الأمر ليس مثيراً أو مبهراً، ولكن هذه هي الإدارة.
لكن القيادة أمر مختلف. إذ يتطلب تحقيق الرؤى الكبرى دوماً تفجراً للطاقات. التحفيز والإلهام يبعثان الطاقة في الأفراد، ليس عن طريق دفعهم في الاتجاه الصحيح كما تفعل آليات التحكم والسيطرة، بل عبر إرضاء الحاجات البشرية الأساسية لديهم، مثل شعور الإنجاز والانتماء، والثقة بالنفس وشعور سيطرة المرء على حياته الخاصة، والقدرة على الارتقاء إلى المثل العليا. تمسّنا هذه المشاعر في الصميم وتثير استجابةً قوية فينا.
التحفيز والإلهام يبعثان الطاقة في الأفراد، ليس عن طريق دفعهم في الاتجاه الصحيح، بل عبر إرضاء الحاجات البشرية الأساسية لديهم.
يحفّز القادة الجيدون الناس بطرق متنوعة. أولاً، يعبرون دوماً عن رؤية المنظمة بطريقة تؤكد على قيم الجمهور الذي يخاطبونه. يجعل هذا العمل مهماً بالنسبة لهؤلاء الأفراد. ويشرك القادة عادةً كذلك الأشخاص في عملية اتخاذ القرار بشأن كيفية تحقيق رؤية المنظمة (أو الجزء الأكثر صلة منها بفرد معين). هذا يعطي الناس شعوراً بالتحكم والسيطرة. هناك تقنية تحفيزية مهمة أخرى تتمثل في دعم جهود الموظفين لتحقيق الرؤية من خلال توفير التدريب والتغذية الراجعة ونمذجة الأدوار، وبالتالي مساعدة الناس على النمو بطريقة احترافية وتعزيز احترامهم لذاتهم. أخيراً، يعترف القادة الجيدون بالنجاح ويكافئونه، ولا يمنح ذلك الأشخاص إحساساً بالإنجاز فحسب، بل يجعلهم أيضاً يشعرون أنهم ينتمون إلى منظمة تهتم بهم. عندما يتم كل هذا، يصبح العمل في حد ذاته محفزاً في جوهره.
كلما ازداد تأثير التغيير في بيئة العمل، أصبح من الضروري أن يحفز القادة الأفراد لتوفير القيادة الصحيحة أيضاً. حين يسري مفعول هذا، نرى تنامياً للقيادة في جميع أنحاء الشركة، ونجد الموظفين يشغلون عدة أدوار قيادية في التسلسل الهرمي. هذا الأمر قيم للغاية لأن التعامل مع التغيير في أي عمل معقد يتطلب وجود مبادرات من عدد كبير من الأشخاص. لن ينجح أي حل آخر.
بالطبع، قد لا تتلاقى بالضرورة جميع أشكال القيادة هذه من المصادر المتعددة، بل على العكس قد تتعارض بسهولة. يجب أن تُنسّق أعمال الموظفين بحذر عبر آليات تختلف عن تلك التي تنسق أدوار الإدارة التقليدية لكي تعمل أدوار القيادة المتعددة بصورة سوية.
تساعد الشبكات القوية للعلاقات غير الرسمية – تلك الموجودة في الشركات ذات الثقافات الصحية - تساعد على تنسيق أنشطة القيادة بالطريقة نفسها التي ينسق من خلالها الهيكل الرسمي الأنشطة الإدارية. الفرق الرئيس هو أن الشبكات غير الرسمية للعلاقات يمكنها التعامل مع المتطلبات الأكبر للتنسيق المرتبطة بالأنشطة غير الروتينية والتغيير. إن كثرة قنوات التواصل والثقة بين الأفراد المتصلين عبر تلك القنوات تسمح بعملية مستمرة للتوفيق والتكيف. عندما تنشأ النزاعات بين أصحاب الأدوار، تساعد هذه العلاقات نفسها في حل النزاعات. ربما الأهم من ذلك، أن عملية الحوار والتوافق هذه يمكن أن تنتج رؤى مرتبطة ومتوافقة بدلاً من الرؤى المتباعدة والتنافسية. يتطلب كل هذا الكثير من التواصل أكثر مما هو مطلوب لتنسيق الأدوار الإدارية، ولكن على عكس الهيكل الرسمي، يمكن للشبكات غير الرسمية القوية أن تتولى الأمر.
توجد علاقات غير رسمية من نوعٍ ما في كل المؤسسات. لكن في كثير من الأحيان، إما أن تكون هذه شبكات العلاقات هذه ضعيفة للغاية – يكون بعض الناس على تواصل جيد ولكن يفتقر معظمهم لذلك – أو تكون علاقات مجزأة أكثر من اللازم – توجد مثلاً شبكة علاقات قوية داخل مجموعة التسويق وداخل قسم البحث والتطوير ولكن لا توجد شبكة قوية بين الاثنين. لا يدعم هذا النوع من الشبكات مبادرات القيادة المتعددة بشكلٍ كافٍ. في الواقع، تعتبر شبكات العلاقات غير الرسمية المكثفة مهمة للغاية لدرجة أنها إن لم تكن موجودة، فيجب أن يكون تأسيسها محط تركيز الرئيس في بداية أي مبادرة قيادة كبرى.
تأسيس ثقافة قيادية
بغض النظر عن الأهمية المتزايدة للقيادة في نجاح الأعمال، يبدو في الواقع أن الخبرة العملية لمعظم الناس تقلل من أهمية تطوير الصفات اللازمة للقيادة. ولكن مع ذلك، أظهرت بعض الشركات لمرات عديدة قدرتها على تطوير الناس وتحويلهم إلى قادة – مدراء مميزين. إن توظيف الأشخاص الذين يملكون إمكانيات للقيادة هي الخطوة الأولى فحسب. ما يهم بالدرجة نفسها هو أن تُدار أنماطهم المهنية، فعادة ما يكون الأفراد الناجحون في أدوار قيادية كبرى مشتركين في عدد من الخبرات المهنية.
قد تكون الخبرة الأكثر شيوعاً والأهم هي وجود تحد كبير في بداية المسيرة المهنية. نجد أن معظم القادة قد حصلوا على فرص في العشرينيات أو الثلاثينيات من عمرهم ليحاولوا أن يقودوا وأن يجازفوا ويتعلموا من انتصاراتهم وفشلهم. يبدو أن هذه التجربة أساسية لتطوير عدد كبير من مهارات القيادة وجوانبها. تُعلم هذه الفرص الناس أيضاً القليل عن صعوبة القيادة وقدرتها على إحداث تغيير.
لاحقاً خلال مسيرات هؤلاء الأشخاص المهنية، يحصل أمر له أهمية مساوية، ويتعلق بتوسيع الأفق. يملك الأشخاص الذين يمثلون القيادة الناجحة في المناصب المهمة دوماً فرصة، قبل أن يصلوا لتلك المناصب، لكي ينموا ويتجاوزوا القاعدة الضيقة الموجودة في معظم الوظائف الإدارية. عادة ما يكون ذلك نتيجة الانتقالات المهنية الأفقية أو الترقيات المبكرة لوظائف واسعة النطاق بشكل غير معتاد. قد تساعد أحياناً السبل الأخرى، مثل مهمات فرق العمل الخاصة أو دورة إدارة عامة مطولة. مهما كانت الحالة، يبدو أن اتساع المعرفة التي تتطور بهذه الطريقة يساعد في جميع جوانب الإدارة. فضلاً عن شبكة العلاقات التي تُكتسب عادة داخل الشركة وخارجها. حين يحصل عدد كاف من الأشخاص على هذه الفرص، تساعد العلاقات التي بُنيت أيضاً على صنع شبكات العلاقات غير الرسمية القوية الضرورية لدعم مبادرات القيادة المتعددة.
تشدد الشركات التي تجيد تطوير القادة على أهمية تقديم فرص صعبة للموظفين في متوسط العمر. عادة ما يكون السر في العديد من الشركات هو إبطال المركزية. فبحكم تعريفها، يعني ذلك نشر المسؤولية في مستويات أدنى بالمؤسسة وبالتالي تشكيل المزيد من الوظائف الصعبة في تلك المستويات. استخدم العديد من الشركات مثل جونسون آند جونسون وثري إم وهوليت-باكارد وجنرال إلكتريك وغيرها هذا النهج بنجاح. تقوم بعض تلك الشركات أيضاً بإنشاء أكبر عدد ممكن من الوحدات الصغيرة بحيث يتوفر هنالك الكثير من وظائف الإدارة العامة للمستوى الأدنى.
تتولى هذه الشركات أحياناً تطوير فرص صعبة إضافية عبر تحفيز النمو من خلال منتجات أو خدمات جديدة. على مدى الأعوام، كانت شركة ثري إم تملك سياسة تنطوي على أن ما لا يقل عن 25% من أرباحها يجب أن يأتي من المنتجات التي قدمتها خلال السنوات الخمس الماضية. يؤدي ذلك إلى تشجيع المشاريع الصغيرة الجديدة، والتي توفر بدورها المئات من الفرص لاختبار الشباب الذين يملكون إمكانيات قيادية وتأهيلهم.
يمكن لمثل هذه الممارسات بحد ذاتها أن تحضّر الأفراد للوظائف القيادية الصغيرة والمتوسطة. ولكن تطوير الأفراد ليشغلوا مناصب قيادية كبرى يحتاج المزيد من العمل من قبل كبار التنفيذيين، ويتم ذلك عادة على مدى فترة طويلة من الزمن. يبدأ ذلك بتكريس الجهود لإيجاد الأفراد الذين يتمتعون بإمكانيات قيادية رائعة خلال وقت مبكر من مسيرتهم المهنية وبتحديد ما هو مطلوب لتوسيع آفاقهم وتأهيلهم.
مجدداً، لا يوجد شيء غير طبيعي في هذه العملية. إن الطرق التي تستخدمها الشركات الناجحة صريحة للغاية. إنهم يبذلون ما في وسعهم لإبراز طاقات الموظفين الشباب وموظفي المستويات الإدارية الأدنى في منظمتهم أمام كبار المدراء. يتولى كبار المدراء بعدها مهمة انتقاء أولئك الذين يملكون الموهبة وتحديد ما يحتاجون إليه من تطوير. يتناقش المسؤولون التنفيذيون فيما بينهم أيضاً حول اختياراتهم الأولية لتحقيق مزيد من الدقة في الاختيار.
بعد أن يكتسب التنفيذيون في تلك الشركات معرفة شاملة عن أولئك الأفراد ومن منهم يملك موهبة قيادية حقيقية، يمضون بعدها وقتهم في التخطيط لعملية التطوير. يُنفّذ ذلك أحياناً كجزء من تخطيط متتال رسمي أو عملية تطوير ذات إمكانيات عالية؛ وعادة ما يكون ذلك ذا طابع أقل رسمية. يبدو أنه في كلتا الحالتين يكون المكون الأهم هو تقييم ذكي لفرص التطوير الممكنة التي تناسب كلاً من المرشحين.
تميل الشركات ذات القيادة الجيدة، بهدف تشجيع المدراء على المشاركة في هذه النشاطات، إلى أن تعترف بفضل الأشخاص الذين ينجحون في تطوير القادة وتكافؤهم. نادراً ما يتم ذلك عن طريق تعويض رسمي أو مكافأة، لأنه من الصعب أن تُقاس مثل هذه الإنجازات بدقة. ولكنها تصبح أحد العوامل المؤثرة على القرارات التي تخص الترقية، ولاسيما بالنسبة لمعظم المستويات الأدنى في السلم الوظيفي. حين يُخبَر الموظفون أن الترقيات المستقبلية ستعتمد إلى درجة ما على قدرتهم في تأهيل القادة، سيجد حتى الأشخاص الذين يعتقدون أن القيادة أمر لا يمكن تطويره سبيلاً ما لتحقيق ذلك.
تميل الشركات ذات القيادة الجيدة إلى أن تعترف بفضل الأشخاص الذين ينجحون في تطوير القادة وتكافؤهم.
تساعد مثل هذه الاستراتيجيات على إنشاء ثقافة عمل يقدر فيها الموظفون القيادة القوية ويعملون جاهدين على تطويرها. مثلما نحتاج إلى المزيد من الأشخاص ليمثلوا القيادة في المؤسسات المعقدة التي تسيطر على عالمنا اليوم، نحتاج أيضاً إلى المزيد من الأشخاص الذين يعملون على تطوير الثقافات التي من شأنها تطوير تلك القيادة. إن إضفاء الطابع المؤسسي على ثقافة تتمحور حول القيادة هو أسمى إنجازات القيادة.