ما المطلوب للتصدي لفيروس كورونا؟

5 دقائق

ينتشر فيروس كورونا الجديد الذي يُصيب الجهاز التنفسي، المعروف باسم "2019-nCoV"، بوتيرة متسارعة في مختلف أنحاء الصين، حيث فرضت السلطات حظراً غير مسبوق على السفر في 16 مدينة يتجاوز إجمالي عدد سكانها 50 مليون نسمة. وقد رُصدت حالات متعددة في دول أخرى، منها: أستراليا وفرنسا واليابان وتايلاند والولايات المتحدة. وبلغ عدد حالات الإصابة ما يقرب من 24,597 حالة وعدد الوفيات 494 حالة. ويرى الخبراء أنه من المحتمل أن يكون هناك آلاف المصابين ممن لم تُرصد حالاتهم بعد، ويمكن أن ينتقل الفيروس من خلال أشخاص لا تظهر عليهم أي أعراض. وقد سلطت نتائج إحدى الدراسات التي أُجريت على 41 مصاباً بفيروس "2019-nCoV" داخل المستشفيات على ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة، حيث احتاج ثلث الحالات إلى رعاية طبية داخل وحدات العناية المُركزة في حين بلغت نسبة الوفيات 15%.

هذا وتُبذل في الوقت الحالي جهود لاكتشاف لقاح لهذا الفيروس، إلا أن أفضل التوقعات الزمنية تُشير إلى مرور أشهر عديدة من تطوير الأبحاث العلمية قبل بدء التجارب السريرية على البشر. وفي ظل غياب لقاحات أو سُبل علاجية، فإن أكثر الطرق فاعلية لمنع انتشار فيروس "2019-nCoV" هي الحد من انتقاله من خلال تحديد المصابين في أسرع وقت ممكن وعزلهم وإخضاعهم لسُبل علاجية قبل نقل العدوى إلى الآخرين. وفي عام 2003، آتت هذه الاستراتيجية أكلها في مكافحة عدوى متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس). وتعكف الهيئات الصحية العالمية والوطنية في الوقت الحالي على تنفيذ خطوات الاستراتيجية المُتبعة خلال أزمة "سارس"، إلا أنه يلزم أيضاً اتخاذ تدابير أخرى نظراً لتفشي فيروس "2019-nCoV" في مناطق واسعة بالصين.

وعلى غرار أزمة فيروس "2019-nCoV"، كان "سارس" آنذاك فيروساً حديث الظهور وانتشر في 30 دولة، وهو ما أثار حالة من الذعر وأسفر عن أكثر من 8,000 حالة إصابة و900 حالة وفاة. ولما كان فيروس "2019-nCoV" يشبه "سارس" من حيث الأعراض المشتركة، مثل الحمى والسعال وعدم القدرة على تمييز أعراضه عن الأعراض الروتينية للأمراض الأخرى إلا من خلال الاختبارات المعملية، فيُمكن اتباع القواعد نفسها التي اتُبعت مع "سارس" للتعامل مع فيروس "2019-nCoV".

تتبع مُخالطي المرضى. يجب تحديد الأشخاص الذين يُخالطون المرضى المؤكد إصابتهم بالعدوى ومراقبتهم. وفي حال ظهور أي أعراض عليهم، يجب عزلهم وإخضاعهم للعلاج حتى إجراء الاختبارات المعملية للوقوف على مدى إصابتهم بفيروس "2019-nCoV".

الفحص وتحديد الحالة السريرية. نظراً لوجود العديد من الحالات غير المرصودة، نحتاج إلى استخدام وسيلة "تحديد الحالة السريرية"، وهي عبارة عن قائمة مرجعية بالأعراض وعوامل الخطر التي تُؤكد الإصابة بالعدوى، حيث تُستخدم في فحص الأشخاص ممن ليسوا على دراية باختلاطهم بالمصابين بالعدوى إلا أنهم يُعانون من أعراض مقلقة. ولما كان فيروس "2019-nCoV" يشبه "سارس" في انتشار أعراضه، فإن تحديد الحالة يشمل ما إذا كان المرضى ممن يُعانون من هذه الأعراض حاضرين في إحدى مناطق انتشار المرض أو بالقرب من الأشخاص المصابين بالمرض. وفي حال كانت نتيجة فحصهم إيجابية، فيجب عزلهم وإخضاعهم للعلاج حتى اختبارهم وفرض حجر صحي عليهم حتى التأكد من عدم نقلهم للعدوى، وذلك في حالة كانت نتيجة اختبارهم إيجابية.

يجري تنفيذ هذه الاستراتيجيات بالفعل، ومع ذلك في حال كان انتقال العدوى دون أعراض مُمكناً، أي انتقال المرض من خلال شخص لا تظهر عليه أي أعراض، فيجب اختبار وفحص جميع المخالطين له والأشخاص الذي حضروا في مناطق انتشار المرض بصرف النظر عن مدى ظهور أي أعراض عليهم للمرض. بيد أن هذه الاستراتيجية لم تُطبق بعد.

قد تكون هذه الخطوات كافية لاحتواء انتشار فيروس "2019-nCoV" في دول، منها الولايات المتحدة، حيث رُصد هناك عدد قليل فقط من الحالات (ترتبط جميعها برحلات السفر مؤخراً إلى المناطق الصينية المصابة بالعدوى) وفي أماكن لم تتأثر بالعدوى بعد. وعلى الرُغم من ذلك، ستواجه هذه الاستراتيجيات تحديات كبيرة لاحتواء انتشار الفيروس في المناطق الصينية المصابة التي انتشر فيها الفيروس بالفعل.

ونظراً لإمكانية انتقال العدوى إلى أي شخص يعيش في منطقة انتشار المرض، فيجب عزل أي عدد من الآلاف الذين يصابون بالحمى أو سعال يومياً وعلاجهم في انتظار الاختبارات المعملية. ويبدو أن هذا لا يُطبق في مناطق حظر السفر في الصين، حيث تكتظ المستشفيات بالحالات المرضية، حتى أن بعضها يعجز حتى عن إجراء فحوصات للتأكد من الإصابة بفيروس "2019-nCoV" من عدمه، ويتم صرف المرضى دون إجراء الفحوصات اللازمة.

تقيم السلطات الصينية حالياً نقاط تفتيش في جميع أنحاء البلاد. ويعكفون على بناء مستشفيين كبيرين بسرعة في مدينة ووهان، التي تعتبر مركز انتشار الوباء، بإجمالي 2,300 سرير لعزل المصابين بفيروس "2019-nCoV" وفحصهم وعلاجهم، ويأملون بدء تشغيل المستشفيات في غضون أسبوعين. لكن ثمة احتمالية قائمة لانتشار الفيروس على نطاق واسع لدرجة أن 2,300 سرير قد لا تكون كافية في مدينة يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة.

الأهم من ذلك أنه قد لا يكون بالإمكان إنشاء مثل هذه المستشفيات في كل مدينة متأثرة بالمرض أو نقل المرضى من المناطق البعيدة إلى هذه المنشآت المركزية، إضافة إلى أن تشخيص الإصابة بفيروس "2019-nCoV" يتطلب تجهيزات خاصة وكوادر متخصصة قد يكون من الصعب توفيرها بالقدر الكافي لفحص آلاف الأشخاص المشتبه في إصابتهم بالعدوى. وإذا ثبت إمكانية نقل الفيروس عن طريق الأشخاص الذين لا تظهر عليهم الأعراض، فسيكون من المستحيل فحص كل سكان المدينة.

يمكن التخفيف من خطر هذه التحديات الرهيبة باستخدام منهجيات إضافية لم تستخدم في أثناء أزمة "سارس":

العزل المنزلي. يمكن إقرار هذا النظام على الفور بأخذ عينات من المرضى الذين لا تظهر عليهم أعراض مقلقة ولا يعانون من حالات مرضية حادة، ثم صرفهم إلى منازلهم مع إعطائهم أقنعة التنفس الواقية، وتعليمات بالطرق السليمة لغسل اليدين للوقاية من انتشار المرض، وأوامر بالبقاء في المنزل حتى ظهور نتائج الفحوصات. وإذا استمر العجز في أسرة المستشفيات، فإن المرضى الذين تثبت إصابتهم بالفيروس ولا يعانون من حالات مرضية حادة يمكن أن يظلوا معزولين في المنزل ويتلقوا علاجهم هناك دون دخول المستشفى إلا إذا تفاقمت حالتهم. بمقدور هذا النهج أن يحافظ على الطاقة الاستيعابية للمستشفى وتوفيرها لمن هم في أمس الحاجة إليها والحيلولة دون انتقال العدوى في المستشفيات إلى الأشخاص الذين لا تبدو عليهم أعراض الإصابة بالمرض في أثناء انتظارهم نتائج الاختبارات المعملية.

التشخيص السريع. من بين التدابير الأخرى التي قد تثبت أهميتها تطوير فحوصات تشخيصية سريعة في "نقاط الرعاية" التي لا تتطلب تجهيزات خاصة أو فنيين متخصصين وتستطيع تقديم نتائج الفحص خلال دقائق معدودة (باستخدام أجهزة تشبه أجهزة قياس السكر التي يستخدمها مرضى السكر لمراقبة نسبة السكر في الدم). لا تتوافر مثل هذه الأجهزة حتى الآن لاكتشاف الإصابة بفيروس "2019-nCoV"، ولكن يمكن تطويرها وتصنيعها للاستخدام في غضون أشهر قبل نهاية العام، وقد تؤدي إلى تطوير واختبار اللقاحات من أجل السلامة.

على غرار الطريقة التي تستخدم بها المستشفيات الأميركية عينات الفحص السريع خلال موسم الإنفلونزا، يمكن استخدام هذه الفحوصات على نطاق واسع في المستشفيات ونقاط التفتيش، بل والأسر، لفحص أي شخص يشتبه في إصابته بالأعراض، وإذا ثبت إمكانية انتقال العدوى دون ظهور أعراض، فيمكن استخدام هذه الطريقة لفحص كل شخص كل بضعة أسابيع للتأكد من عدم انتشار الفيروس دون دراية منه. وفي حال كانت عينة الفحص إيجابية، فيجب إجراء اختبار معملي للتأكد من الإصابة. إذا استخدمت الاختبارات السريعة على نطاق واسع، فيمكن أن تكشف أيضاً عن مناطق موبوءة غير معروفة حتى الآن وتساعد في تحديد نطاق انتشار هذا الوباء.

كانت هناك حالة من التردد من قبل منظمة الصحة العالمية وغيرها لإقرار استخدام هذه الفحوصات عند ظهور أمراض وبائية في أوقات سابقة، بدعوى أنها ليست في دقة الاختبارات المعملية. وقد استُخدمت هذه الفحوصات، على سبيل المثال، خلال انتشار وباء إيبولا في غرب أفريقيا بين أعوام 2013 و2016، لكن لم يجر تعميمها ربما لأنها لم تكن دقيقة مقارنة بالاختبارات المعملية.

ولو أنها استخدمت لإجراء الفحوصات الأولية مع إجراء اختبارات معملية تأكيدية للعينات الإيجابية، لتمكنوا من اكتشاف عدد أكبر من الإصابات بسرعة وخفض عدد المرضى الذين يحتاجون إلى إجراء اختبارات معملية بنسبة كبيرة. فقد أثبتت إحدى الدراسات أنه كان بإمكانهم خفض حدة انتشار الوباء بمقدار الثلث، وكان لدراسة أخرى نتائج أكثر دراماتيكية. فبفضل التكنولوجيا المتقدمة، غدت هذه الاختبارات أكثر دقة، حتى أن دقة نتائجها في الكشف عن العدوى لا تقل تقريباً عن دقة الاختبارات المعملية في حالة بعض العوامل الحيوية المسببة للإصابة بالأمراض.

يتطور فيروس "2019-nCoV" الوبائي كل ساعة، ويتعين علينا التحرك بسرعة للتعامل مع هذا الخطر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي