كان جميل رئيساً تنفيذياً لإحدى شركات رأس المال التحوطي، وكان مستاء من عمليات تجارية رديئة قام بها تامر، وهو أحد مدراء المحفظة الاستثمارية لديه، فاستدعى تامر إلى مكتبه. (هذا مثال واقعي حدث مع أشخاص حقيقيين، لكنني غيرت أسماءهم).
"كانت هذه العمليات التجارية فكرة سيئة! بم كنت تفكر؟"، طرح جميل هذا السؤال على تامر.
وسرعان ما ساء مسار المحادثة، وكان من الصعب أن تسير على نحو أفضل بعد أن بدأها جميل بهذا السؤال.
ولكن، لماذا تعتبر البداية سيئة؟ يركز السؤال: "بم كنت تفكر؟" على الماضي، وعندما يحاول تامر شرح تفكيره لجميل سيعزز خطأه ويبدو موقفه دفاعياً، لأن تفكيره كان غير سليم وأدى إلى نتائج سيئة، وليس بالضرورة أنه لا يزال يفكر بنفس الطريقة الآن بالطبع.
دعونا نرى ما الذي سيحصل. سيشرح تامر سبب قيامه بتلك العملية، وسيغضب جميل بسبب سوء حكم تامر، ثم سيغادر كل منهما النقاش مستاء ومحبطاً (وهو ما حدث تماماً).
ما الذي كان يمكن أن يفعله جميل بطريقة مختلفة؟ كان من الأفضل لو أنه تفادى الحديث عن الماضي، واستعاض عنه بطرح سؤال عن المستقبل: "ما الذي ستفعله على نحو مختلف في المرة المقبلة؟".
فهذا النوع من الأسئلة التي تركز على المستقبل، يتيح لتامر الاعتراف بخطئه وتوضيح ما تعلمه، ويعزز ثقة الطرفين بقدرة تامر، ويمنح جميل فرصة للإشارة إلى أي نمط غير مناسب في تفكير تامر المستقبلي، على نحو يساعد تامر في اتخاذ قرارات أفضل مستقبلاً بدلاً من التسبب له بشعور سيئ في الحاضر.
ما هي الفائدة الأخرى من الأسئلة التي تركز على المستقبل؟ إنها أسرع ومضمونة أكثر، لأنها تجتاز خطوة من عملية التعلم. فبدلاً من الخوض مجدداً في خطئك ثم عقد الأمل على تطبيق ما تعلمته مستقبلاً، تنتقل إلى التطبيق مباشرة.
لماذا لا نفعل ذلك بصورة بديهية؟ لأننا في اللحظة الراهنة لا نشعر به. بل نشعر بالغضب وبشيء من الخوف ربما، وبالاستياء. ثم عندما نقول "بم كنت تفكر؟".
نقولها لنشعر نحن بتحسن، ونطرح هذا السؤال الغاضب الذي يركز على الماضي لأننا ببساطة لا نستطيع تحمل العبء العاطفي الذي نشعر به في هذا الموقف، فننفجر. ولكن ليست هذه بالقيادة العظيمة، ولا هي تواصل رائع. فعندما نقوم بالقيادة والتواصل، فإننا لا نفعل ذلك لأجل أنفسنا، بل لمساعدة الآخرين على التحسن.
وهذا يعني أن علينا تحمل مشاعرنا الصعبة حتى لا تربكنا، ولا تعيق الأثر الذي نريد تحقيقه على الآخرين.
تتمثل الشجاعة العاطفية بالاستعداد لتحمل جميع المشاعر، وهي قابلة للتطوير تماماً، ويزيد تطويرها من قدرتك على القيادة بفعالية، وتحقيق نتائج في شركتك، والتواصل مع الآخرين على نحو يلهمهم وتحقيق الأثر الذي تحاول تحقيقه. لكن كيف يمكنني معرفة ما يجب قوله؟ قامت شركتي "بريغمان بارتنرز" (Bregman Partners)، بقياس هذه التغييرات لدى الأشخاص الذين زادوا شجاعتهم العاطفية في برنامجنا المكثف لتطوير القيادة "ليدرشيب انتنسيف" (Leadership Intensive).
هناك فرق بين معرفة طريقة التواصل على نحو يلهم الآخرين ويخرج أفضل ما فيهم، وتطبيق هذه الطريقة فعلياً في خضم اللحظة عندما تكون مشاعرك متقدة.
وإليك بعض الطرق لتحقيق ذلك:
- عندما تشعر بأنك عاطفي، تنبه لأي رد فعل غريزي. توقف وتنفس قبل قول أو فعل أي شيء.
- اطرح سؤالاً في قرارة نفسك: ما هي النتائج التي تريد تحقيقها بخطوتك التالية؟ بعبارة أخرى، ما الذي تريده أن يحدث كنتيجة لما ستقوله؟ احرص على تحقيق نتيجة حقيقية. إذا كان جوابك هو رغبتك أن يشعر الشخص الآخر بالسوء، فاسأل نفسك عن السبب، ما النتيجة التي تأمل أن تحصل عليها من شعوره بالسوء؟ إذا كان جوابك هو أنك تريد أن يتمكن الشخص الآخر من اتخاذ قرارات أفضل في المرة القادمة، فتلك هي النتيجة التي تسعى لها. والشعور بالسوء هو الطريقة التي ترى أنه سيصل عبرها إلى النتيجة، ولكنك مخطئ.
- حدد الأمر الذي ستقوله أو تفعله والذي سيؤدي إلى النتيجة النهائية التي تريدها. وستجد غالباً أن المحادثة ذات الاحتمال الأكبر للوصول إلى نتيجتك النهائية تدور حول المستقبل، وليس الماضي.
إذا كنت قائداً، وكنت غير راض عن أداء شخص ما، خذ نفساً عميقاً، وحدد النتيجة التي تريدها، ثم اسأله عما يخطط للقيام به في المستقبل.
وإذا كنت في مكان تامر؟ إذا ارتكبت خطأ وسألك مديرك جميل سؤالاً غير مناسب: "بم كنت تفكر؟".
قد يكون صعباً أن تسير المحادثة على نحو جيد، كما ذكرت آنفاً. صعباً، وليس مستحيلاً.
على الرغم من سؤال مديرك عن الماضي، فقد أصبحت مهمتك الآن أن تأخذ نفساً عميقاً وتسأل نفسك عن النتيجة التي تريد التوصل إليها. ثم ستكون أفضل خطوة تقوم بها هي تجاهل السؤال المطروح والإجابة عن السؤال الذي لم يُطرح، الذي يركز على المستقبل: يمكنك أن تقول: "بم كنت أفكر؟ من الواضح أنني لم أفكر بصورة صحيحة، ولكن سأخبرك بما سأقوم به على نحو مختلف المرة القادمة...".