ما الذي يبرع قادة التحول في أدائه؟

12 دقيقة

بتنا نسمع كثيراً في الآونة الأخيرة عن شركات تقول أنها تمر بعملية "تحول"، ولكن حين ننظر عن كثب فيما تقوم به هذه الشركات وما إذا كانت حقاً تعيد تعريف نفسها وما تقوم به، فإن قصص النجاح التي ستجدها عن جهود التغيير الناجحة نادرة جداً.

ففي دراسة أُجريت على شركات ضمن مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" ومؤشر "فورتشن غلوبال 500"، وجد فريقنا أن الشركات التي تمر في عمليات تحوّل ناجحة وتقدم عروضاً ونماذج أعمال جديدة لتدخل في أسواق ناشئة، تشترك فيما بينها ببعض السمات والاستراتيجيات المشتركة. وقبل أن نخوض في هذه السمات، دعونا ننظر إلى الطريقة التي اتبعناها في تحديد الشركات المتميزة التي كانت في المراتب الأولى من تصنيفنا الذي أطلقنا عليه اسم "التحول 10".

ففي حين أن معظم قوائم مؤسسات الأعمال تحلل أداء الشركات وفق مقاييس تقليدية كالإيرادات أو وفق تقييمات ذات طابع شخصي مثل "الابتكار"، فإن تقييمنا ينظر إلى قدرة القادة على إعادة موضعة شركاتهم بنجاح. وليس من المستغرب بالتأكيد وجود بعض الأسماء على رأس قائمتنا، مثل شركة أمازون، وهي الشركة الأكبر للتجارة عبر الإنترنت والتي تجني معظم أرباحها من خدمات تعتمد على الأنظمة السحابية.

ولكن المفاجأة كانت في بعض الشركات الأخرى نظراً إلى الحالة التي كانت عليه قبل الانخراط في عمليات التحوّل. ومثال ذلك شركة مختصة بالرعاية الصحية كانت على حافة الإفلاس، وهي شركة دافيتا (DaVita)، وشركة برمجيات لم تشهد أسعار أسهمها أي ارتفاع طيلة عقد كامل، وهي شركة مايكروسوفت، بالإضافة إلى موقع للسياحة والسفر واجه منافسة ضخمة، وهو موقع برايس لاين (Priceline)، وشركة أغذية ضخمة كادت تفقد السيطرة على مسارها، وهي شركة دانون، وآخرها شركة صلب واجهت ضغوطات جديدة من منافسين يعملون بتكلفة أقل، وهي شركة تيسين كروب (ThyssenKrupp).

وقد بدأ فريق الباحثين العمل بعد تحديد 57 شركة كانت قد حققت تقدماً كبيراً في جهود التحول، اخترنا منها 18 شركة في القائمة النهائية، مستخدمين ثلاث مجموعات من المقاييس:

مرحلة جديدة من النمو. ما مقدار النجاح الذي حققته الشركة في طرح منتجات وخدمات جديدة ونماذج مبتكرة للأعمال؟ وقد جرى قياس ذلك عبر تقييم نسبة إيرادات الشركة من أنشطتها غير التقليدية التي يمكن أن نعزو النمو الجديد إليها.

إعادة موضعة الأنشطة الرئيسية. ما مقدار فعالية الشركة في تعديل أنشطتها التقليدية تماشياً مع التغير والزعزعة الحاصلين، بالشكل الذي يضفي حياةً جديدة عليها؟

الأداء المالي. كيف كان نمو الشركة وأرباحها وأداء أسهمها وفق معيار مرجعي ملائم (مثل مؤشر ناسداك للشركات التقنية، أو مؤشر داكس إن كانت الشركة ألمانية) خلال فترة التحول؟

وقد قمنا بتكوين لجنة تحكيم من الخبراء (يمكن الاطلاع على القائمة في الأسفل)، قاموا بتقييم الشركات بالاعتماد على ما يمتلكونه من خبرات ساعين لتحديد عمليات التحول التي تعد أكثر استدامة على المدى الطويل والتي حققت الأثر الأكبر في القطاعات التي تعمل بها.

لقد كشف تحليلنا عن سمات واستراتيجيات مشتركة بين قادة الشركات الأكثر تميزاً في هذا التقييم، وهي:

عادة ما يكون قادة التحول من الرؤساء التنفيذيين "أغراب الداخل"
كان على رأس قائمتنا شركات يرأسها قادة أصحاب طموحات عالية ولكنهم لا يمتلكون خبرات سابقة في القطاعات التي يعملون بها؛ من هؤلاء جيف بيزوز الذي جاء من عالم المال، وريد هاستنغز الذي كانت خبرته في مجال البرمجيات. وقد تبين لنا أن عدم امتلاك طريقة محددة مسبقاً للقيام بالأشياء قد يكون أمراً في غاية الفائدة حين تتعلق المسألة بإعادة ابتكار طرق البيع بالتجزئة أو في مجال خدمات التلفاز، وقد حافظ مثل هؤلاء القادة على هذه النظرة "من الخارج" حتى وهم في يمرون في مراحل مهمة من النمو.

وقد لاحظنا نمطاً مثيراً للاهتمام عبر الشركات التي تدار بطريقة مهنية، أي تلك الشركات التي تم تعيين الرؤساء التنفيذيين بها عبر مجالس إدارتها. وعادة ما نطلق على مثل هؤلاء الرؤساء وصف "أغراب الداخل". لكن إياك عزيزي القارئ أن تفترض أن هؤلاء الرؤساء لا يمتلكون الخبرات اللازمة. فمتوسط الخبرة التي يمتلكها أي منهم هي 14 عاماً من المناصب الرفيعة الثابتة قبل انتقالهم ليكونوا رؤساء تنفيذيين. وهذه المعرفة التي لديهم قد ساعدتهم على إدراك الطريقة الأمثل لتحقيق التغيير داخل الشركة. إلا أنهم في الوقت ذاته يمتلكون دور "الطرف الخارجي"، وذلك نظراً لعملهم على تطوير قطاع أعمال ناشئ أو قاموا بشكل مقصود باستكشاف فرص خارجية، بالشكل الذي يجعلهم غير منكفئين على الأنشطة الرئيسية للشركة وأقل تقيداً بها. فحين يصبح هذا الشخص رئيساً تنفيذياً، فإن هذه النظرة التي يمتلكها للأمور من الداخل والخارج تساعده على استكشاف مسارات جديدة للنمو بعيداً عن القيود التي تفرضها معادلات النجاح التي تحقق في الماضي.

ساتيا ناديلا على سبيل المثال انضم لشركة مايكروسوفت عام 1992، وتطور مهنياً في الشركة إلى أن صار مسؤولاً عن إدارة أنشطتها في مجال الحوسبة السحابية، حيث طور تلك الوحدة من الأعمال حتى أصبحت ميداناً هاماً لتحقيق المزيد من النمو، إلى أن أصبح رئيساً تنفيذياً في العام 2014. وقد نال ساتيا هذا المنصب بسبب نشاطه في تلك الوحدة، حيث تمكن كرئيس تنفيذي من تسريع العمل على تطوير البرمجيات السحابية لتكون الاستراتيجية الأساسية الجديدة للشركة.

وهذا ما حصل أيضاً مع شانتانو ناراين من شركة أدوبي. فقد انضم شانتانو إلى الشركة عام 1997 وجرى اختياره رئيساً تنفيذياً لها بعد عشر سنوات، وذلك يعود بشكل كبير إلى قدرته على تقديم رؤية لتطوير خدمات التسويق الرقمي لتكون مسار النمو الجديد للشركة.

أما في شركة برايسلاين، فقد انضم غلين فوجل للشركة عام 2000 وأصبح مدير الاستراتيجية. وقبل فترة طويلة من اختياره في منصب الرئيس التنفيذي عام 2016، كان غلين يبحث عن فرص جديدة للنمو في سوق حجوزات السفر الذي يتسم بقدر هائل ومتزايد من التنافسية، وتعرف أثناء ذلك على شركتين أوروبيتين ناشئتين لديهما نموذج أعمال يختلف عما لدى برايسلاين بجانبين أساسيين: فبدل طلب 25% مقدماً كعمولة على حجز الفندق كانت هاتان الشركتان تطلبان 15% فقط على أن يدفعها العميل بعد انتهاء إقامته في الفندق. والجانب الثاني هو عدم التركيز على أسماء الفنادق الفاخرة، وتوفير قائمة طويلة من الخيارات المختلفة الأخرى، حيث يتم التعامل مع أكثر من مليون نزل، وفنادق صغيرة تقدم الإقامة والفطور فقط والشقق الفندقية، في حوالي 200 دولة. وهكذا ظهر موقع بوكينغ.كوم (Booking.com). فذلك الاستثمار الذي بدأ بحوالي 200 مليون دولار قبل عقد من الزمن صار الآن الجزء الأساسي الجديد لنمو برايسلاين والذي ساعد على نمو القيمة السوقية للشركة إلى أكثر من 80 مليار دولار أمريكي.

وفي شركة دانون، حاز إيمانويل فابر، الذي عمل في الشركة لمدة 17 عاماً، على منصب الرئيس التنفيذي، وكان ذلك في العام 2014، وذلك لدوره كأحد مهندسي رؤية الشركة للعام 2020 كي تتحول من مجموعة مختصة بالأغذية والمشروبات إلى شركة مختصة بصحة الأسرة والتغذية الطبية مع اهتمام بالزراعة المستدامة. هذه الرؤية هي التي دفعت دانون لسحب استثماراتها في بعض خطوط الإنتاج مثل البسكويت والجعة والتوسع في منتجات الألبان. أما فيما يتعلق بالنمو الجديد، فقد ساعد فابر في العام 2007 في تشكيل وحدة أعمال جديدة تدعى نوتريشيا، وذلك بعد عملية استحواذ بقيمة 17 مليار دولار أمريكي، بهدف التركيز على أغذية الأطفال، وألواح البروتين، والخلطات الصحية. وتمثل هذه الوحدة اليوم 29% من أرباح الشركة.

الانطلاق في مسارين منفصلين في وقت واحد

تعرضت الكثير من الشركات للإخفاق في جهودها لتحقيق التحول، وأحد الأسباب الشائعة لذلك هو أن الكثير من القادة يتعاطون مع التغير وفق عملية منفردة واحدة، كي تصبح الشركة القديمة واحدة أخرى جديدة. ولكن هذا الأمر يندر أن ينجح لمجموعة من الأسباب العملية. فإن كانت هنالك مثلاً شركة قد نمت وتطورت في مجال إنتاج الصحف، فإنها تفتقر إلى الكفاءات اللازمة لبناء شركة محتوى رقمي، كما أنها قد تجد مقاومة فعلية لهذا التوجه الجديد من أجل حماية نشاط الأعمال الذي تعرفه وتحبه.

فالنجاح إذن يتطلب إعادة موضعة النشاط الأساسي لأعمال الشركة مع الاستثمار بشكل فاعل في قطاع جديد ناشئ في آن معاً.

وتعد شركة أبل مثالاً نموذجياً على اعتماد "التحول المزدوج". فمع طرح جهازي "آي ماك" و "آي بوك" قام ستيف جوبز بضخ حياة جديدة على منتجات ماكنتوش وذلك عبر تقديم مفهوم جديد للتصميم وإعادة التفكير في الاستخدامات الجديدة الممكنة للحاسوب في عصر الإنترنت. وفي مسار منفصل آخر، أطلق جوبز منظومة من المنتجات الجديدة التي ترتبط بالجهاز والمحتوى، مثل "آي بود" و"آي تيونز"، والتي أصبحت حينها محرك النمو الجديد في الشركة.

وقد كانت هذه الاستراتيجية حاضرة أيضاً لدى شركات أخرى في قائمتنا. ففي الوقت الذي قامت به شركة أمازون بتوسيع منصة تجارة التجزئة الأساسية لديها لتشتمل على فئات جديدة، كالطعام ومحتوى البث، فإنها قامت بالتوازي مع ذلك ببناء أكبر شركة للحوسبة السحابية في العالم. وقد كان أندي جاسي، الرئيس التنفيذي لخدمات الويب في أمازون، متابعاً لهذه الجهود من البداية، حيث كان الأمر يتعلق بتحدّ داخلي في الشركة لتحسين بنيتها التحية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات. ثم أصبحت خدمات الويب في أمازون (Amazon Web Services) إدارة منفصلة في الشركة عام 2006، وقد نجحت في معالجة مسألة استمرت لوقت طويل في أمازون، وهو أن أنشطتها الرئيسية بالكاد تحقق الأرباح. أما اليوم فخدمات الويب في أمازون تمثل 10% من إيرادات الشركة البالغة 150 مليار دولار أمريكي وحسب، ولكنها تولد حوالي مليار دولار من الأرباح التشغيلية الربعية.

وهذا ما حدث أيضاً مع شركة "تيسين كروب" الألمانية لإنتاج الصلب، بعد أن واجهت منافسة في الأسعار من الشركات الآسيوية، وتبنت استراتيجية تحول مزدوجة. ففي العام 2011 اختار المجلس أحد أعضائه ليصبح الرئيس التنفيذي الجديد، وهو هنريك هايسنغر، وقد كان مديراً تنفيذياً في شركة سيمنز ويمتلك خبرة واسعة في دمج التقنية في العديد من القطاعات. وقد بدأ هايسنغر منذ اليوم الأول بتنفيذ خطة لإعادة موضعة نشاط الشركة الأساسي في مجال صناعة الصلب، وذلك عبر تقليل الاستثمار في خطوط الإنتاج الأقل ربحية، والتركيز على التصنيع حسب الطلب الذي يرتفع فيه هامش الربح، بالإضافة إلى افتتاح مراكز للطباعة بتقنية الأبعاد الثلاثية لتقديم بعض المنتجات مثل القطع المستخدمة في عنفات الرياح. أما فيما يتعلق بجوانب النمو الجديدة، والتي تمثل الآن 47% من المبيعات، فقد انتقلت إلى مجال الحلول الصناعية والخدمات الرقمية، وإنشاء أنظمة جديدة كالمصاعد المرتبطة بالإنترنت.

الاعتماد على تغيير ثقافة الشركة من أجل تعزيز المشاركة

شركة مايكروسوفت هي مثال نموذجي هنا أيضاً. فقد نجح ساتيا ناديلا خلال أربع سنوات على توليه منصب الرئيس التنفيذي في إجراء تغيير على ثقافة مايكروسوفت التي كانت تتسم بالكثير من الحذر والانعزال. ففي العالم القديم، كانت فرق العمل الكبيرة تعمل طوال سنوات على نسخة كبرى جديدة من أحد برمجيات الشركة، كويندوز أو وورد، في بيئة تنفر من المخاطر. أما في العالم الجديد الذي صار عنوانه "البنية التحتية حسب الطلب" فإن عشرات السمات والتعديلات الجديدة يتم طرحها كل شهر، ولا أحد يعرف تماماً وبشكل مسبق ما ستكون عليه هذه التعديلات أو الإضافات. وقد كان ذلك يتطلب ثقافة الإقدام على المخاطر والاستكشاف.

بهذه الطريقة كان ناديلا مختلفاً عمن سبقوه، إذ بنى سمعته باعتباره مهندساً عملياً، وليس شخصاً ملهماً مثل بيل غيتس أو رجل مبيعات من الطراز الأول مثل ستيف بولمر. بل كان ناديلا معروفاً بأنه الرئيس الذي يستمع إلى الآخرين ويتعلم ويحلل. وكان أسلوبه في تحفيز الموظفين وضمان انخراطهم في العمل لا يعتمد على إلقاء الخطب الرنانة المؤثرة ولكن عبر قيادة هاكاثونات على مستوى الشركة وتمكين الموظفين من العمل على مشاريع يمتلكون شغفاً بها. هذا المستوى الجديد من انخراط الموظفين قد ساعد على دفع عجلة انتقال مايكروسوفت إلى مجال الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي، وهي مجالات تشكل حالياً 32% من إيرادات الشركة.

أما قصة كينت ثيري، الرئيس التنفيذي لشركة دافيتا للرعاية بالكلى، فهي أيضاً مثال يوضح لنا دور انخراط الموظفين في عمليات التحول الناجحة. ففي عام 1999 قدم ثيري، وهو صاحب سجل حافل في قطاع خدمات غسيل الكلى، من أجل إنقاذ شركة أشرفت على الإفلاس، وهي شركة توتال رينال كير (Total Renal Care) كانت قيمتها السوقية قد انخفضت تحت 200 مليون دولار أمريكي. وبالإضافة إلى إيجاد حل لوقف الخسائر، بذل ثيري جهداً كبيراً خلال ستة أشهر لبناء هوية جديدة للشركة وفق مجموعة جديدة من القيم، وذلك ليتمكن من تحفيز طاقم العمل في الشركة من جديد وضمان انخراطهم بشكل فعال في خططه الجديدة للنمو.

اختار ثيري اسم "دافيتا"، وهي عبارة إيطالية تعني "منح الحياة"، وتوصل إلى قائمة من القيم الأساسية للشركة، منها التميز في الخدمة، والعمل الجماعي، والمساءلة، والمرح. وكما يعلم أي مدير، فإن قائمة القيم الاعتيادية العامة لا تكفي لتجديد ثقافة الشركة إلا إن قامت القيادة بنفسها ببث الحياة فيها. من أجل ذلك قام ثيري وكبار المدراء في الشركة بأداء مقاطع تمثيلية أمام الموظفين في الشركة مرتدين أزياء مميزة- أشبه بأزياء الفرسان- ويهتفون أمام الموظفين، "الجميع في خدمة الفرد، والفرد في خدمة الجميع"، وبقية الموظفين يرددون الهتاف معهم. ومن أجل الاحتفاء بجهود الموظف وتضحياته، أصبح ثيري أشبه برئيس المراسم الذي ينظم حفلات العشاء لتوزيع الجوائز على الموظفين، في أمسيات مليئة بالموسيقى والمنصات المعدة بإتقان والخطابات المؤثرة الشبيهة بخطابات حفلات الأوسكار. كما كان ثيري يحتفل بالإنجازات في كل مرحلة مهمة، كالحصول على تقييم من خمس نجوك لجودة خدمات غسيل الكلى من وكالة مراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية (CMS).

وهذا النجاح في تحقيق التحول على أعمال شركة دافيتا الأساسية قد حظي باهتمام وارن بافت، وصارت شركة بيركشاير هاثواي صاحبة أكبر حصة من أسهم دافيتا. لكن الذي جعل دافيتا تتأهل لتكون في قائمتنا هو تحركها في مجالات النمو الجديدة. فبعد استحواذها على 50 عيادة طبية عمدت الشركة إلى بناء "شبكة الخدمات المتكاملة"، والتي تعنى بتقديم نطاق شامل للرعاية، عبر استخدام نموذج مرتكز على القيمة حيث يتم دفع المال للحفاظ على صحة المرضى، وليس على أساس الرسوم مقابل الخدمة. لقد كان هذا هو النمو الجديد للشركة والذي يمثل الآن 30% من إيراداتها.

تقديم سيناريوهات مؤثرة بشأن المستقبل

من أجل التمكن من تغيير الثقافة في الشركة والانتقال إلى قطاعات نمو جديدة فإن على الرئيس التنفيذي أن يصبح "الحكواتي" الرئيسي في الشركة أيضاً على حد تعبير مارك بيرتوليني، الرئيس التنفيذي لشركة أتنا. والمقصود من هذا أن يتحدث الرئيس التنفيذي عن الجوانب المختلفة لعملية التحول المقصودة وأبعادها لجميع أفراد الشركة والأطراف المعنية بها.

يقول بيرتوليني: "تقع على الرئيس التنفيذي مسؤولية تشكيل صورة واقعية عما يحمله المستقبل، ومن ثم يقوم بوضع الخطط للشركة للتعامل مع هذا الواقع الجديد".

وقد كان ذلك في حالة شركة أتنا بناء سردية تشتمل على توضيح الانتقال من نموذج الرسوم مقابل الخدمات إلى نموذج الأعمال الجديد للرعاية المرتكزة على القيمة، وكيف أن ذلك كفيل بتغيير طبيعة التأمين في مجال الرعاية الصحية، ويجعل منها في المستقبل فكرة قديمة بائدة. فعوضاً عن الاكتفاء بالتأكيد على فكرة شركة أتنا بخصوص تطوير أعمالها الحالية، فإن بيرتوليني قد قام بتطوير سردية عن بناء مهارات جديدة لمساعدة العملاء في اتخاذ قرارات صحية أفضل، وبناء شركة جديدة تستطيع تحقيق الأرباح عبر ذلك.

هذا النوع من القصص حول المستقبل ليس أمراً تفعله لمرة واحدة وحسب. يخبرنا بيرتوليني: "من السهل أن نستخف بالحجم المطلوب من التواصل. يجب عليك أن لا تكل ولا تمل بهذا الخصوص، وأن تحرص على أن تكون لديك نسخة واحدة لا تتبدل كثيراً من هذه القصة. فيلزمك التأكيد على الرسائل الأساسية على مدار أسابيع عديدة. كما يجب أن ينضم إليك في ذلك بقية المدراء، وعليهم امتلاك رسائل مناسبة لمستوى الولاء الموجود في كل قسم من الشركة. فالموظف الذي يعمل في مركز الاتصالات في الشركة قد يحتاج طرازاً مختلفاً من الرسائل التي يحتاجها مدير قسم فيها ليفهم دوره المطلوب منه إجمالاً".

تطوير خريطة طريق قبل أن تطرأ عملية التشويش

نظراً إلى أن عمليات التحول ذات المسار المزدوج تحتاج عادة إلى سنوات بطولها كي تكتمل، فإننا اعتمدنا على إطار زمني من 10 سنوات في تحليلنا. وفي واقع الأمر فإن هذه العمليات قد لا تنتهي عادة في متوسط الفترات التي يمضيها شخص واحد كرئيس تنفيذي في الشركة. وعليه فإن هذه الآفاق البعيدة تعني أنه لا يمكن التأخر في الشروع بعمليات التحول. إن معظم الشركات المعروفة التي تراجع أداؤها وفشلت في مواكبة التطور، كشركة بلوك باستر، أو بوردرز، أو بلاك بيري، أو كوداك، كانت قد شهدت أشد أزماتها بعد مضيّ عقد أو أكثر على أول نذر الخطر التي لاحت لها، ولم يقم أي شخص من قادة هذه الشركات بوضع خطط تحوّل فعالة في الوقت المناسب تحول دون تراجعها
من ناحية معاكسة أخرى لدينا ريد هاستنغز مؤسس نتفلكس. فبالرغم من أن مجال تجارة أقراص الفيديو الرقمية (الدي في دي) عبر البريد العادي قد نمت بشكل كبير حتى غدت هي المسيطرة، إلا أن هاستنغز قد استشرف موجة جديدة من التشويش قد تحصل في أي وقت في المستقبل. يقول هاستنغز: "كان تخوفي الأكبر في نتفلكس أننا قد لا نكون قادرين على تحقيق تلك القفزة من عالم "الدي في دي" إلى النجاح في مجال البث".

وهذا ما جعله يضع الأساسات لعملية التحول منذ العام 2007، حين بدأ بتباحث بعض الصفقات مع هوليوود لاختبار البث عبر الإنترنت لبعض الأفلام والمسلسلات التلفزيونية. وكما هو معروف، انتقل هاستنغز بشكل سريع جداً ليجعل نشاط الشركة الرئيسي مرتكزاً على البث فقط، وذلك حين أعلنت نتفلكس عام 2011 عن خطط لإنشاء شركة مستقلة لبيع أقراص الدي في دي وتوصيلها عبر البريد العادي، وهي شركة كويكستر (Qwikster). وقد كانت تلك الخطوة كفيلة بإثارة استياء عدد من العملاء الغاضبين، ودفعت هاستنغز أيضاً إلى تقديم اعتذاره لهم.

ولكن ذلك الخطأ كان أفضل من الانتظار لوقت طويل. فأعاد هاستنغز تشكيل صياغة خطته، ولكن هذه المرة من أجل الاستمرار في قطاع الأقراص الرقمية، وفي الوقت ذاته لإطلاق خدمة البث عبر الإنترنت على نطاق واسع بموازاة ذلك. وقد تبين أن تلك هي الاستراتيجية الناجعة والتي كانت كفيلة بالحصول على المزيد من التمويل لتقديم محتوى أصلي. أما الآن، وبعد تجاوز عدد الاشتراكات في نتفلكس 100 مليون منزل في 190 دولة، فإنها قد أصبحت الشركة الرائدة في عالم الأفلام والتلفزيون الجديد الذي ساعدت الشركة على تشكيله.

وكما تُظهر كافة هذه الحالات التي ناقشناها، يتبين لنا أن التحول ليس أمراً يتعلق بتغيير هيكلية التكلفة في المؤسسة وحسب أو الانتقال من عمليات المعالجة التماثلية إلى العمليات الرقمية. ولكن التحول يعني السعي لتنفيذ استراتيجية متعددة المراحل من أجل إعادة موضعة أعمال الشركة الجارية مع البحث عن طرق جديدة لتحقيق النمو. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نعتقد أن الشركات التي نجحت في الوصول لقائمة "التحول 10" تستحق أن تكون نموذجاً يمكن للقادة الآخرين الاستفادة منه إن كانوا راغبين في صناعة المستقبل.

ملاحظة من المحرر: كل تصنيف أو مؤشر هو طريقة من الطرق لتحليل مراتب الشركات والمقارنة بينها، ويكون ذلك وفق منهجية خاصة ومجموعة محددة من البيانات. ونحن نعتقد في هارفارد بزنس ريفيو أن المؤشر الذي يتم تصميمه بطريقة معتبرة وملائمة قد يزودنا بمعلومات وأفكار مفيدة، بالرغم من أنه يبقى بطبيعة الحال اقتطاعاً من صورة أكبر. ولذلك فإننا ندعوكم دوماً للاطلاع على منهجية كل مؤشر وفهما جيداً.

المنهجية
لقد بدأنا العملية عبر تحديد الشركات المرشحة لتكون ضمن قائمة "التحول 10" وذلك عبر النظر في الشركات في مؤشر ستاندرد أند بورز 500 ومؤشر غلوبال 500، عبر طرح الأسئلة الآتية:

1. هل تعد هذه الشركة مثالاً على التحول الاستراتيجي؟

2. هل كان لهذا التحول أثر على العملاء والقطاع الذي تعمل فيه الشركة خلال العقد الماضي؟

3. هل تمتلك الشركة إمكانيات تساعدها على الحفاظ على هذا التحول خلال العقد المقبل؟
في المرحلة الأولى من هذه المنهجية قام فريق صغير من المستشارين في شركة إنوسايت بدراسة وضع الشركات في كلتا القائمتين من ستاندرد أند بورز وغلوبال حتى توصلوا إلى قائمة أولية طويلة تشتمل على 57 شركة قدمت التزاماً واضحاً بالتحول الاستراتيجي خلال السنوات العشر الماضية. وقد قام الفريق بتقييم كل شركة باستخدام مجموعة من المعايير التي تقيس أداء الشركات المالي (ولاسيما نمو الإيرادات وأداء الأسهم)، ومستوى نجاح هذه الشركات في خلق أعمال مؤثرة تمثل النمو الجديد فيها، ومستوى النجاح في إعادة تموضع أنشطة عملها الرئيسية.

وخلال المرحلة الثانية استخدمنا هذه المقاييس للوصول إلى قائمة قصيرة من 18 شركة مرشحة للدخول في قائمة العشرة. وقمنا حينها بتطوير ملف تقييم لكل شركة من صفحة واحدة، وأرسلنا ملف كل شركة مع مجموعة محددة من التعليمات لأعضاء لجنة التحكيم، والذين قاموا بتقييم كل شركة من 1 إلى 5، بحيث يعبر الرقم 5 عن المثال الأفضل لعملية التحول الاستراتيجي الناجحة.

أعضاء لجنة التحكيم في قائمة "التحول 10"

  • كريس شادويك، الرئيس التنفيذي السابق لشركة بوينغ للدفاع
  • كلايتون كريستنسن، أستاذ في كلية هارفارد للأعمال، ومؤسس شريك في شركة إنوسايت
  • سكوت كوك، المؤسس ورئيس مجلس الإدارة في شركة إنتويت
  • ماثيو أيرنغ، الرئيس التنفيذي للاستراتيجية والابتكار في شركة فيفينت
  • آلان لافلي (أيه جي)، الرئيس التنفيذي السابق لشركة بروكتر آند غامبل
  • ريتا ماكغراث، أستاذة في كلية كولومبيا للأعمال
  • تي إي أو مينغ كيان، مدير شركة تيماسيك ورئيس مجلس الإدارة في شركة فيرتكس القابضة
  • ثيودور فيمر، رئيس مجلس الإدارة على مستوى الدولة في شركة يونيكريديت

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي