تعتمد فرق الرعاية الصحية على السجلات الطبية الإلكترونية (EHRs) لجمع البيانات الطبية الهامة من التحاليل المخبرية المتشعّبة والأجهزة الطبية والمشاهدات والعلاجات والرموز التشخيصية. إننا نعتمد على تلك السجلات كثيراً لدرجة أننا نعتبرها كعضو من أعضاء فريقنا الطبي.
ولكن في وحدات العناية المركزة التي تتطلب استجابة سريعة، حيث تؤدي الأخطاء الصغيرة إلى عواقب كبيرة، يُمكن لعضو فريقنا الرقمي هذا أن يفرّط في تزويد الأطباء بالمعلومات. ومن شأن الحجم الهائل للبيانات في السجلات الطبية الإلكترونية أن يخلق تحدياً مهولاً في البيئة المعقدة مثل وحدات العناية المركزة وأقسام الطوارئ. ويتعيّن على أفراد الطاقم الطبي التدقيق بأكثر من 50,000 نقطة بيانية للعثور على المعلومات المفيدة لهم. هذا التزايد في حجم البيانات (سواء كان ذو أهمية أو لا) وحجم العمل الذي أوجدته أنظمة السجل الطبي الإلكتروني، كان العامل الرئيسي وراء شعور الأطباء السريريين بالإرهاق الشديد، ومن المفارقات أنه نتج عن ذلك أخطاراً جديدة قد تهدد سلامة المريض. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الاعتماد على تلك البيانات فقط يحد بشكل كبير من الرؤية المستمدة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي أو تحليلات البيانات الضخمة.
قررت شبكة الرعاية الصحية مايو كلينك (Mayo Clinic)، وهي ثاني أكبر مقدم خدمات رعاية حرجة في الولايات المتحدة، مع ما يقارب من 350 سريراً في 15 وحدة للعناية المركزة في جميع أنحاء مجمعاتها في ولايات مينيسوتا وأريزونا وفلوريدا في الولايات المتحدة الأميركية، أن تواجه طوفان البيانات بمساعدة الذكاء المحيط: وهو مجموعة من أدوات صنع القرار مدعومة ببيانات حول أهداف الأطباء السريريين وظروف العمل ونقاط القوة وقيود الأداء. إذ يُمكن لتطبيقات الذكاء المحيط عندما تتركز أعلى بنية المعلومات القائمة، أن تخترق فوضى البيانات وتختزل المعلومات الصحيحة في شكل سهل للفهم، حيث يُمكن للأطباء استخدامها بسرعة وفعالية على سرير المريض.
لقد أنشأنا فريقاً متعدد التخصصات من الأطباء السريريين والباحثين والخبراء في مجال المعلوماتية السريرية لتصميم واختبار أدوات تكنولوجيا المعلومات التي يُمكن أن تقدم المساعدة بدلاً من عرقلة سير عملية الرعاية السريرية. إنّ نهج الذكاء المحيط الذي اعتمدناه قد أعطى الأولوية لفهم عميق للأطباء ولطريقتهم في العمل والعوامل البيئية التي يواجهونها. باستخدام مؤشر تقييم المهام الخاص بناسا (NASA TLX)، حددنا الأطباء الذين يعانون من جهد ذهني أو إدراكي بمستويات مرتفعة، والذين عليهم تصفية المعلومات الهامة باستمرار خارج البيئة المزدحمة.
وتبعاً لذلك وعلى مدى عامين، أجرينا 1,500 مقابلة مع الأطباء السريريين في وحدات العناية المركزة في مايو كلينك على مستوى الولايات المتحدة. ومن خلال رؤيتهم، تبين لنا أنه من بين عشرات الآلاف من البيانات التي تتدفق عبر السجل الطبي الإلكتروني، فإنّ حوالي 60 جزءاً منها فقط من المعلومات الهامة والخاصة بالمرضى هي التي يحتاجها الأطباء لتقديم الرعاية المطلوبة بسرعة وسهولة. وشملت هذه المعلومات نقاط البيانات المتوقعة، مثل ضغط الدم وأدوية العلاج، فضلاً عن المعلومات الأقل وضوحاً ولكنها ذات أهمية كبيرة مثل درجة قوة السعال أو وجود صعوبات سابقة رافقت التنبيب الرغامي.
بعد ذلك كنا بحاجة إلى إيجاد طريقة أفضل لتقديم المعلومات الهامة للأطباء السريريين في مرحلة العلاج، حيث قمنا ببناء واجهة للسجل الطبي الإلكتروني للأطباء في وحدة العناية المركزة التي يطلق عليها اسم "تقييم التحذير والاستجابة المحيطة" (AWARE)، والتي اعتمدناها في وحدات العناية المركزة لدينا في مدينة روتشيستر ضمن ولاية مينيسوتا خلال العام 2012، وفي مجمعاتنا في فينيكس/سكوتسديل وجاكسونفيل في ولاية فلوريدا في العام 2014. وهو تطبيق قائم على القواعد والذكاء المحيط، حيث يقوم "تقييم التحذير والاستجابة المحيطة" بتصفية البيانات التي لا حاجة لها، ويقوم بتقديم معلومات سياقية محددة وذات قيمة عالية للأطباء في الوقت الفعلي. وهو يحتوي على أكثر من 1,000 قاعدة تعمل باستمرار من خلال البيانات والتي تُثريها رؤية الأطباء والمرضى. ويتم تنظيم البيانات حول المفاهيم الطبية المألوفة اللازمة لاتخاذ القرارات الدقيقة في الوقت المناسب.
على سبيل المثال، يعرض السجل الطبي الإلكتروني التقليدي بيانات مبعثرة وغير ذات صلة، ويجعل من السهل عدم ملاحظة التغييرات في الهيموغلوبين وصفائح الدم وعوامل التخثر - وكلها تعد مؤشرات حرجة للتعرف على النزيف الحاد ومعالجته. ومن خلال إعطاء الأولوية لعناصر البيانات هذه على الواجهة الإلكترونية مع تمييز الرموز التي تشير إلى الحالات الحرجة والملحّة والتي تسترعي تدخل تصحيحي محدد، تسمح شاشات "تقييم التحذير والاستجابة المحيطة" بالتعرف الفوري على مريض وحدة العناية المركزة المعرض لمخاطر حدوث مضاعفات نزيف حادة.
يتيح "تقييم التحذير والاستجابة المحيطة" استعراضاً عاماً وفورياً لكل وحدة عناية مركزة في نظام مايو كلينك، وذلك باستخدام شاشات العرض البصرية التي تجعل من السهل مسح وتحديد المرضى الذين يحتاجون إلى تدخلات عاجلة. ويتم تمثيل كل مريض بمساحة خاصة تحتوي على رموز تمثل حالة الاختبارات المطلوبة والفحوصات والإجراءات. ويوفر أيضاّ نظرة سريعة لدرجة حدة الحالة، ويُمكن للأطباء الانتقال إلى كل بيانات المريض - وصولاً إلى كل عضو في الجسم.
في الوقت الذي تخلق فيه الإنذارات التقليدية وتنبيهات السجل الطبي الإلكتروني في أغلب الأحيان تشويشاً لا فائدة منه، والتي تضيع في فوضى البيانات، يتم دمج التنبيهات الذكية في "تقييم التحذير والاستجابة المحيطة" مع سير عمل الطبيب، حيث تقوم بإخطار الطبيب عن حالات السهو المحتملة فقط، أي إذا كانت إجراءات الطبيب لا تتطابق مع حالة المريض، ما يقلل من فرص حدوث مقاطعات مؤذية.
على سبيل المثال، يقوم نظام "فيلي سنيفر" (إصابة الرئة الناجمة عن التنفس الاصطناعي) بتوفير مراقبة تلقائية للمرضى الموضوعين تحت أجهزة التنفس الاصطناعي، والذي يقوم بتنبيه مقدمي خدمات الرعاية فقط في حال كان ضبط الجهاز لا يتطابق مع حالة المريض وذلك على أساس الجنس والطول، أو في حال وجود متلازمة الضائقة التنفسية الحادة. وهناك تطبيق آخر وهو نظام "سبسيس دارت" (Sepsis Dart)، الذي يستعرض بشكل مستمر المرضى في أقسام الطوارئ ووحدات العناية المركزة من أجل التنفيذ الدقيق لأفضل اختبارات (مستنبتات الدم، مستوى اللاكتات، فاعلية المضادات الحيوية ونسبة الميوعة) في الوقت المناسب لتشخيص ومعالجة الإنتان. ومن الأمثلة الأخرى أيضاً: قوائم التحقق الذكية المحددة السياق مثل "سيرتن" (CERTAIN)، وهي (قائمة التحقق للكشف المبكر عن المرض الحاد) والتي تركز على إكمال عمليات الرعاية الشائعة التي يتم تجاهلها أو فقدانها في بعض الأحيان في البيئة المزدحمة.
وبالمقارنة مع واجهات السجل الطبي الإلكتروني النمطي، يُحسن "تقييم التحذير والاستجابة المحيطة" من الأداء المعرفي والكفاءة وموثوقية صانعي القرار البشري. كما يوفر من ثلاث إلى خمس دقائق من وقت استعراض الرسم البياني لحالة كل مريض في اليوم الواحد. ومع متوسط حجم العمل الذي يصل إلى 15 مريضاً يومياً لطبيب وحدة العناية المركزة، فإنّ توفير هذا الوقت يعني أنه يمكن تكريس أكثر من ساعة من الوقت الإضافي للمرضى، ما يحسّن من عملية المشاركة في صنع القرار والتي غالباً ما تكون غير كافية. في دراسة لاحقة، ارتبط تطبيق "تقييم التحذير والاستجابة المحيطة" بتحسين نتائج استجابة المرضى وانخفاض التكاليف في وحدة العناية المركزة. أي بعد تعديلها للكشف عن حدة المرض، انخفضت احتمالات الوفاة في المستشفيات للمرضى ذوي الحالات الصحية الحرجة والذين تم علاجهم بعد تطبيق "تقييم التحذير والاستجابة المحيطة" بمقدار النصف (نسبة الأرجحية 0.45، حد الثقة 95% 0.30 إلى 0.70). بالإضافة إلى ذلك، انخفض معدل المكوث في وحدة العناية المركزة بنسبة 50%، وطول مدة الإقامة في المستشفى بنسبة 37%، وإجمالي تكاليف الإقامة بنسبة 30% (أي 43,745 دولار لكل عملية دخول إلى المستشفى).
وكمثال على تطبيقات الذكاء المحيط المستخدمة في حالات الطوارئ ووحدة العناية المركزة، يقدم "تقييم التحذير والاستجابة المحيطة" نتائجاً تشير بوضوح إلى أهمية الرؤية البشرية والإبداع في مجال تطوير تكنولوجيا المعلومات للأطباء. إنّ تعزيز تطبيقات ذكاء المحيط وشراكات دمج الإنسان والحاسوب لها القدرة على المساعدة في حل بعض من أهم وأكثر المشاكل تحدياً في مجال الرعاية الصحية.