ما الفرق بين الأعمال التي تقوم بها لفائدتها وتلك التي تستمتع بها؟

3 دقائق

من المعروف علمياً أهمية التأخر أحياناً في تحقيق العائد المباشر، والتخلي عن الفوائد الفورية لتحقيق أهداف أكبر مستقبلاً. وخير مثال على ذلك، تجربة "اختبار المارشميللو": إذ إن قدرة الأطفال على تأجيل تناول قطعة مارشميللو واحدة حتى يتمكنوا من تناول قطعتين لاحقاً، هو أمر يرتبط بالعديد من نتائج الحياة الإيجابية بما في ذلك النجاح الأكاديمي والعلاقات الصحية.

ولكن ألا تساعدنا الفوائد الفورية أيضاً على متابعة أهدافنا طويلة المدى؟ للإجابة عن هذا السؤال أجرينا 5 دراسات تستطلع 449 شخصاً، منهم طلاب ورواد أندية رياضية وزوار متاحف. أخبرونا بقدرتهم على تحقيق أهدافهم طويلة المدى. وفيما إذا جربوا الحصول على فوائد فورية أو مؤجلة في أثناء عملهم على تحقيق تلك الأهداف. ونُشرت ورقتنا البحثية في نشرة "الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" (Personality and Social Psychology Bulletin).

وفي إحدى الدراسات، سألنا الأشخاص عبر الإنترنت عن الأهداف التي وضعوها في بداية العام. حدد معظم الأشخاص أهدافاً لتحقيق فوائد مؤجلة وطويلة المدى مثل التطور المهني، وسداد الديون، وتحسين الصحة. ثم سألنا هؤلاء الأفراد عن مدى المتعة التي يشعرون بها في متابعة أهدافهم وأهمية هذه الأهداف، وهل ما زالوا يعملون على تحقيقها بعد شهرين من تحديدها؟ وجدنا أن المتعة توافقت مع الاستمرارية في الهدف بعد شهرين من تحديده أكثر بكثير من تصنيف الأشخاص لأهمية تلك الأهداف.

ومع ذلك، فقد بالغ الناس في مدى تأثير الفوائد المؤجلة على استمرارية أهدافهم. هم يعتقدون أن الفوائد الفورية والمؤجلة لهما الأهمية نفسها للتمسك بأهدافهم خلال الشهور القادمة، أما في الواقع فكان للفوائد المؤجلة تأثير أقل على الاستمرارية.

وعليه، توصلنا إلى أن الفوائد الفورية أقوى تنبؤاً بالاستمرارية من الفوائد المؤجلة، وذلك عبر دراسة مجموعة من الأهداف في مجالات تتضمن اللياقة البدنية والتغذية والتعليم.

في دراسة أخرى، قِسنا خلالها عدد الدقائق التي يمضيها رواد النوادي الرياضية في التمرّن على أجهزة لتمارين قلبية. ومدى اهتمامهم بتحسين هذه التمارين لصحتهم باعتبارها فوائد مؤجلة ومدى متعتها باعتبارها فوائد فورية. كانت النتيجة أن المتدربين الذين كان اهتمامهم بالمتعة والسعادة المستمرة، تمرنوا أكثر من أولئك الذين لم يهتموا كثيراً بموضوع المتعة.

علاوة على ذلك، ظهر نمط مشابه في دراسة أخرى أجريناها لقياس الالتزام بالعادات الصحية مع مرور الوقت. اقتربنا من أشخاص في مدينة شيكاغو كانوا يزورون متحفاً، وطلبنا منهم تقييماً للمتعة التي شعروا بها في أثناء التمارين الرياضية بالإضافة إلى عدد ساعات ممارسة التمارين أسبوعياً في الأشهر الثلاثة الماضية. وكانت النتيجة أن الأشخاص الذين قيّموا تمارينهم على أنها أكثر متعة، تمّرنوا لساعات أكثر خلال تلك الفترة. في حين لم تحدد "أهمية التمارين" المدة التي مارس بها هؤلاء الأشخاص الرياضة اليومية. وعلى الرغم من أن هؤلاء الأشخاص أفادوا بأهمية ومتعة ممارسة الرياضة، فإن الأهمية لم تكن هي العامل الحاسم بسلوك ممارستهم للرياضة، ولكن المتعة لعبت الدور الأكبر بذلك.

ثم سألنا زوار المتحف أنفسهم عن استهلاكهم للغذاء الصحي. من حبث تقييم المذاق وأهمية تناول الخضروات، بعدها أفادونا عن استهلاكهم الأسبوعي لها. وعليه، كانت النتيجة أن الأشخاص الذين أحبّوا طعم الخضروات، تناولوا المزيد من الحصص على مدى أسبوع واحد. في المقابل، الأشخاص الذين صنّفوا الخضروات على أنها أكثر أهمية لصحتهم لم يزد استهلاكهم لهذه الخضروات.

وظهر هذا التأثير أيضاً عندما بحثنا في استمرارية طلاب "جامعة شيكاغو"، في الدراسة. حيث يتابع معظم الطلاب دروسهم للحصول على فوائد مؤجلة مثل الدرجات الجيدة، ولكن يمكن للدراسة أن تكون ممتعة إذا كان موضوعها مثيراً للاهتمام.

ومنه، توجهنا إلى سؤال الطلاب العاملين في مكتبة الجامعة عن مدى استمتاعهم بمواد دراستهم وأهمية هذه المواد لنجاحهم في فصولهم الدراسية. ما تبين لنا أن أولئك الذين استمتعوا أكثر بموادهم الدراسية، أمضوا وقتاً أطول في الدراسة، ولم تكن هناك أي علاقة بين أهمية هذه المواد ومدة الدراسة. كانت الخلاصة المهمة من هذا البحث: أن تسخير الفوائد الفورية تزيد من الاستمرارية في تحقيق الأهداف. ولكن كيف يمكننا استخدام هذه النتيجة لمساعدة الناس على متابعة أهدافهم المهمة؟

وتقدم بحوث أخرى أجريناها، عبر 4 تجارب وعيّنة من 800 طالب، 3 استراتيجيات:

أولاً: عندما تختار النشاط الذي ستقوم به لمتابعة تحقيق أهدافك. احسب عنصر المتعة. على سبيل المثال، أدى اختيار تمرين الأثقال على أساس المتعة برواد النادي إلى إكمال المزيد من جولات هذا التمرين. وفي المتوسط، أكمل المتدربون جولات أكثر بنسبة 52% من التمارين التي اختاروها بناءً على المتعة مقابل تمارين اختاروها بناءً على فعاليتها. لذلك، إذا أردت ممارسة المزيد من التمارين، فاختر حصة ممتعة من تمارين اللياقة البدنية. وإذا أردتَ النجاح في عملك، فجِد مهاماً أو بيئة تستمع بها. وإذا أردت تناول طعام أكثر صحية، فصمّم نظاماً غذائياً يحتوي أطعمة تفضل تناولها فعلاً.

ثانياً: حاول الحصول على المزيد من الفوائد الفورية خلال متابعتك لتحقيق أهدافك. إذ وجدنا طلاب المرحلة الثانوية عملوا لفترة أطول من أجل مهمة في مادة الرياضيات، عندما كانوا يستمعون إلى الموسيقى ويأكلون وجبات خفيفة ويستخدمون أقلاماً ملونة. تجعل الأهداف الفورية المهام الصعبة تبدو وكأنها نشاط ممتع وليس وظيفة.

ثالثاً: فكر في الفوائد الفورية التي ستحصل عليها في أثناء سعيك نحو هدفك. على سبيل المثال، وجدنا الناس يأكلون طعاماً صحياً أكثر بنسبة 50% عندما ركزوا على المذاق الإيجابي مقارنة بمجموعة أخرى ركّز أفرادها على الفوائد الصحية. ومنه، نتوصل إلى أنه حينما تسعى لتحقيق هدف ما، ربما يساعدك السعي وراء التجربة الإيجابية على الاستمرارية.

أخيراً: يُعتبر تحديد الهدف الخطوة الأولى نحو تحقيق النتائج المؤجلة التي تريدها. ومع ذلك، فإن التخلي عن النتائج الفورية أو الملذات اليومية يمكن أن يُضعف من فرصك لتحقيق هذه الأهداف. لذا اجعل تجربتك ممتعة ومجزية أكثر، وستكون فرصتك في النجاح أكبر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي