ليس هناك أصعب من أن تتعرض للخيانة من شخص قريب منك. يقول الشاعر طَرَفة بن العبد: وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً.. على المرء من وقع الحسام المهند. وحينما يكون هذا الشخص هو مديرنا، الذي يمتلك القدرة على التأثير في مسيرتنا المهنية، وسبل عيشنا، يمكن أن يصبح الألم مضاعفاً. ولهذا إليكم كيفية التعامل مع المدير الكاذب.
سواء تمثلت خيانة المدير تلك في أن ينسب لصالحه إنجاز عمل ما أمضيت أنت شهوراً لإتمامه، أو يمنح علاوة أو ترقية وعدك بها لشخص آخر، أو يحمّلك أمام الملأ مسؤولية خطأ لم ترتكبه، فإن نتائج كل هذه الأمور قد تحمل آثاراً بعيدة المدى.
اقرأ أيضاً: ماذا تفعل إذا كان مديرك لا يحبك؟
إذ قد تتسبب هذه الخيانة في عدم ثقتك بالآخرين من حولك، وفي إضعاف قدرتك على البقاء متفائلاً ومرناً في الفترات الصعبة، وكذلك قد تسلبك مهارة إصدار أحكام دقيقة في المواقف الحرجة. وذلك، لأن أدمغتنا تستقبل الغدر والخيانة كصدمة، فتتوقع تكرار حدوثها. وحينما نشعر بأنفسنا مجروحين ومتخوفين، قد نسلك سلوكاً نقصد به حماية أنفسنا، إلا أن نتيجته تكون غير مرغوبة في النهاية. ولكن عندما نتعرض لمثل هذه المواقف، لا يجب أن يشغل بالنا حينها سلوك مديرنا، وإنما ينبغي أن ننشغل بسلوكنا نحن.
كيفية التعامل مع المدير الكاذب
وفي حين أنك لا تستطيع تغيير مديرك في الغالب، إلا أنه يمكنك على الأقل إبقاء سلوكه السيئ بعيداً عنك، حتى لا يغيرك بشكل مؤذي. وإليك بعض الطرق التي تحميك من أن تتحول إلى شخص لا تحب أن تكونه.
تمسك بالقيم التي تؤمن بها:
وفقاً لما أورده دينيس رينا، مؤلف كتاب "الثقة والخيانة في مجال العمل"، فإن 85% من هذا النوع من الخيانة غير مقصود. ولكن اعتبار خيانة المدير غير مقصودة، لا يقلل بالطبع من وطأة مرارة التجربة. وأحياناً، قد يؤدي الإفصاح عن قلقك ومخاوفك لمدير لم يكن يعي نتائج تصرفه، إلى شعوره بالندم، ووعده بإصلاح ما أفسده، ويمكن أن يعيد الثقة بينكما، بل ويجعل علاقتكما أقوى.
اقرأ أيضاً: كيف تعمل مع مدير يطرح فكرة جديدة كل 5 دقائق؟
ولكن إن كان مديرك يغدر بك بشكل متكرر، فمن الضروري أن تسعى للتأكد من أنك لا تكتسب سلوكاً سيئاً كاستجابة لسلوكه. إذ تشير الدراسات إلى أنه إذا كان مديرك يعاملك بشكل سيئ، فمن المرجح جداً أن تحذو حذوه وترد بالمثل. وما دمت مضطراً للعمل تحت إشراف هذا المدير، فينبغي أن تكون مدركاً للقيم التي تحكم أفعالك، وحازماً بشأن ألا يمسها أي مساس غير سوي. فإذا كنتَ، على سبيل المثال، تعلي من قيمة المساواة بين الناس، ففكر في الأفعال التي تجعل الآخرين يشعرون بالإقصاء، وراقب سلوكك لتتأكد أنك لا تتبع هذه الأفعال. كما أن القيم على شاكلة كيف تبدي الاحترام للآخرين، وكيف تشاركهم الأفكار، وكيف تمنح التقدير لمن يستحقه، وكيف تتحدث عن مشاركتك في العمل، جميعها هي التي يجب أن تقود تلك الأمور. فلا تترك مخالفة المدير لقيمك تقودك إلى تبرير تصرفات لا علاقة لها بتلك القيم التي تؤمن بها.
كن متنبهاً لأنماط الخيانة المختلفة:
من الشائع أن يشعر بعض الأشخاص الذين يقابلون سلوكاً عدائياً من مدير ما أنهم استحقوا ذلك. وهذا مشابه لما يحدث مع ضحايا العنف المنزلي، وهو شكل من أشكال تعاطف الضحية مع المجرم، مما يدفع في النهاية بعض الموظفين لقبول الخيانة كأمر عادي. ولكن يمكنك أن تواجه ذلك، بالتحري عن نمط خيانة المدير، وإيقاف ذلك قدر الاستطاعة. فعلى سبيل المثال، إذا كان المدير لا يفي بالوعود، يمكن تسجيل وعوده على وثائق مكتوبة. وإذا كان المدير يسلبك التقدير والثناء على إنجاز قمت به، فاحرص على وضع أصحاب الأعمال اسمك على الأعمال التي تخصك. وبذلك تكون على الأقل قد صُنت راحتك النفسية وتقديرك لذاتك من سلوكيات هذا المدير.
تذكر ليس كل من حولك خونة:
عندما يغدر بك مديرك أكثر من مرة، قد تعتقد بشكل لا إرادي أن كل القريبين منك لا يستحقون ثقتك. احرص على عدم تعميم سلوك مديرك على علاقاتك الأخرى، خاصة أولئك الأشخاص في موقع السلطة. لذلك، تنبّه لتصرفاتك ولسلوكك، فهل أصبحت تشكك باستمرار في تصرفات الآخرين وغاياتهم، خاصة أولئك الذين من المفترض أن تثق بهم؟ أو هل أصبحت تدقق بشكل مفرط في قرارات الأشخاص المقربين؟ ففي مثال عاصرته بنفسي، كان أحد المسؤولين التنفيذيين الذين دربتهم في مجال الإدارة يرى أن رئيسه في العمل أبعده بشكل متعمد عن مجلس الإدارة، فصار يرتاب من تصرفات زملائه في العمل، ومن زوجته، بل وحتى من تصرفات ابنه. فالخيانة تمتلك قوة تأثير كبيرة، مما يجعلها تنتقل من جهة في حياتنا إلى الجهات الأخرى. لذلك، ذكّر ذاتك دائماً أنه ليس كل شخص منحناه الثقة سوف يغدر بنا كما فعل ذاك المدير.
اقرأ أيضاً: ماذا تفعل إذا كنت تعتقد أن مديرك يحاول استبعادك؟
تدرّب على ممارسة العفو وليس الثأر:
من الطبيعي أن ترغب في جعل مديرك الغادر يدفع ثمن ما فعله، وقد تفكر في تخريب نجاح حققه ثأراً لنفسك. ولكن، من المهم هنا ألا تنحدر أبداً إلى مستوى المدير، حتى وإن سنحت لك الفرصة. في إحدى المؤسسات التي عملت لديها، غضب أحد الموظفين من مديره، فصار ينشر إشاعات عنه، وعلى الرغم من أنها كانت فظيعة ولكنها كانت قابلة للتصديق، ووصل به الأمر إلى التلاعب ببيانات تقارير ذاك المدير. وبالطبع، انكشف كل ذلك، وانتهى به الأمر إلى طرده من العمل.
إذا سمحت للأعمال الانتقامية بالتسلل إلى سلوكك، فإن الآخرين سيرونك بغيضاً تماماً كما كنت ترى ذاك المدير. وإنما الدواء الأفضل لمرارة الانتقام هو الشفقة والعفو. ورغم أن الأمر يبدو صعباً بإبعاد النفس عن الانتقام، إلا أن الهدف الأساسي من العفو يصب في مصلحتنا نحن أولاً.
اقرأ أيضاً: كيف تعمل مع مدير يفتقر إلى الوعي الذاتي؟
ولكن هذا لا يعني أن نتنكر للشعور بالغضب، ويمكن أن يساعد التدوين في هذه المرحلة. دوّن ما تشعر به حيال تصرفات مديرك وما تشعر به أنت نتيجة لذلك. غدْر المدير بنا قد يعطينا الإحساس أننا ضعاف وصيد سهل للاستغلال، ولكن حينما نتعلم أن نفصِل بين ما فعله الآخرون بنا وما جعلونا نشعر به وبين حقيقة من نحن، فهذا بداية الطريق للمغفرة. التروي وإدراك أننا لسنا بذاك المستوى الضعيف الذي يمكن أن يُستغل، بداية لخلق مسافة بعيدة عن المشاعر السلبية. وسيجد ذاك المدير نفسه يوماً ما وجهاً لوجه مع سوء فعلته وما سبب من بؤس للآخرين.
لا تدفن مشاعرك السلبية:
لابد أن تدرك أن الصمت عند الشعور بالغدر والخيانة قد يؤذي الصحة. إذ أن كبح المشاعر الطاغية كالغضب والشعور بالتضرر والحصر النفسي يمكن أن يظهر في أعراض جسدية كالقلق وآلام الرأس واضطرابات هضمية وحِدة عامة في الطباع. وتذكر أن هذه المشاعر قد تخرج في ظروف غير متوقعة. عندما تستهلكنا تلك المشاعر السلبية، فإنها تضع غِشاوة على أعيينا، فتحد من قدرتنا على إصدار الأحكام، وتشوّه رؤيتنا لأنفسنا وللآخرين، وتخلق مشاعر طاغية من القهر، لذلك لا بد من البحث عن وسيلة للتنفيس عن هذه المشاعر. وبالإضافة إلى التدوين، يمكن أن يساعد التحدث مع معالج نفسي أو مدرب على الخروج من تلك الحالة. وكذلك يمكن أن يخرجنا صديق حميم موثوق من مشاعر العزلة ومخاطر المشاعر السلبية التي قد تصبح مدمرة. وهنا، من الضروري أيضاً الانتباه إلى أهمية تناول الأطعمة الغذائية المفيدة، كما أن اللجوء إلى الرياضة والتمارين الجسدية قد يخفف الأمر. وفي المقابل، فإن الاعتماد على الأمور غير الصحية لتخدير مشاعر الألم لفترة قد تكون مغرية لكنها ليست البديل السليم.
اجعل الامتنان والتطلع لهدف يحلان محل استحقاق الانتقام واللامبالاة:
النتيجة الطبيعية لتعرضك للخيانة هي إما الاعتقاد أنه من حقك استرداد الحقوق التي خسرتها، أو الشعور باللامبالاة تجاه العمل. الشعور بنيل الاستحقاق يبدأ بالتدريج، قد تأخذ فترات أطول لتناول وجبات الطعام في العمل، أو إضافة نفقات سفر مع وجبات فاخرة، أو تقوم بأعمال شرهة ونهمة كأن تزيد من استحقاقات التعويض الشخصي، كل ذلك قد يبدو تبريراً لما تسامحنا به. وإذا فشلت هذه المحاولات في تخفيف أذى خيانة مديرك، يمكن أن تتوقف عن الاهتمام بالعمل بشكل عام. وهنا تصبح اللامبالاة هي ردة فعل خطيرة للخيانة، وبذلك تنتشر مشاعر الاستهتار إلى نواح أخرى لا يمكن حصرها. فعندما نفقد الرؤية لمعايير حياتنا المهنية التي نحن ممتنون لها حقيقة، قد يتسلل ذلك السلوك السلبي من الاستهتار إلى حياتنا الشخصية.
اقرأ أيضاً: كيف تختلف في الرأي مع مديرك؟
وحينها، سيتعيّن عليك تذكير أنفسنا بالشغف الذي كان وراء ميدان العمل الذي اخترناه، وبالأمور التي نبرع بها، وبالأمور الكثيرة من حولنا التي تجلب لنا السعادة ونفرح بها وتشعرنا بالامتنان لوجودها. الشعور بالهدف هو الذي يجعلك تستيقظ صباحاً وتذهب إلى العمل، وليس المدير مهما كان. فلا يمكن أن تدع أي مدير مهما كان فظيعاً أن يكون سبباً في تغييرك إلى حالة لا تريدها.
فإذا كنت تعمل لذاك المدير الذي لا ينفك يخونك ويغدر بك، فالأجدر بك أن تتركه بأسرع ما يمكن. وحتى ذاك الوقت، ينبغي أن تبذل قصارى جهدك في حماية نفسك من التحول لشخص قاسٍ ومتصلب دون أن تعي ذلك. فإذا كان المدير سيؤذي أشخاصاً آخرين، متعمداً أم لا، فهذه مشكلته وليست مشكلتك. خيارك الذي تملكه هو ألا تسمح لخيانته بتغييرك سلبياً، وستعلم عندها كيفية التعامل مع المدير الكاذب.
اقرأ أيضاً: كيف تستعيد ثقة مديرك بك