تكافح الشركات الناشئة من أجل نموها على المدى الطويل، حتى إن كان لديها منتجات رائعة واهتمام من العملاء. يظهر بحثنا الذي تناول فكرة تمحور الشركات الناشئة حول مؤسسيها أن العائق الأكبر في الغالب هو رواد الأعمال أنفسهم. سأستعير تشبيهاً من زميلنا في "كلية هارفارد للأعمال"، شيخار غوش حين قال إن شركاتهم لم تُدمَّر على أيدي السوق، بل هي التي انتحرت بسبب عدم قدرة مؤسسيها أو عدم رغبتهم بالتكيف مع الاحتياجات المتغيرة للمؤسسة.
المهارات التي يفتقر لها مؤسسو الشركات الناشئة
يميل المؤسسون لاستخدام جاذبيتهم الشخصية وذكائهم التقني من أجل حشد فرقهم، ويمكن لذلك أن ينجح إذا كان حجم الشركة لا يزال صغيراً. أما عندما يتوسع العمل التجاري ويصبح أكثر تعقيداً، فإنه يتطلب المزيد من الحنكة على المستوى التشغيلي والتجاري من أجل إدارته. قد يفتقر المؤسسون إلى المهارات والاهتمام اللازمين لقيادة مثل هذه الأنشطة بفاعلية، فما يأسرهم عادة هو الحلم بأفكار جديدة وتصميم المنتجات. ومع ذلك، يصر العديد منهم على الاحتفاظ بسيطرته على كافة جوانب العمل، حتى تلك التي لا يستمتعون بها حقاً، وهذا ما يوقعهم في المتاعب.
قد يحاولون تسويغ إدارتهم التفصيلية بحجة أن نجاح مشروعهم بكل جوانبه يعتمد على مراجعتهم الدقيقة لكل شاردة وواردة. لكن أولئك الذين يتمسكون بالسيطرة المحكمة يصبحون عقبة أمام عمل المؤسسة، إذ يتعين أن تمر القرارات كلها عبرهم. بل وأكثر من ذلك، حيث يشير نعوم واسيرمان إلى أنه ربما يتخلون عن ثرواتهم في خضم محاولتهم التمسك بمنصب "الملك". في دراسة نشرتها "مجلة الإدارة الاستراتيجية" (Strategic Management Journal) شملت عينة مؤلفة من 6,000 شركة، اكتشف واسيرمان أن المؤسسين الذين يحتفظون بدور مركزي قوي في شركاتهم الناشئة في أثناء نموها - بحيث يسيطرون على مجلس الإدارة أو منصب الرئيس التنفيذي أو كليهما - قد يلحقون الضرر بآفاق الشركة مستقبلاً، ويخفضوا من قيمة "الشركة قبل دخول الاستثمار" بنسبة تصل إلى 22%.
تاريخياً، تجاوزت شركات رأس المال المغامر (الجريء) قيودَ المؤسسين ورغبتهم بالسيطرة من خلال استبدالهم برؤساء تنفيذيين جدد يتمتعون بخبرة مهنية أكبر. تدعى هذه الممارسة مجازاً "إعادة تموضع المؤسس"، والتي تعني عادة "خروج المؤسس". (وهذا ما صوره المسلسل الكوميدي الشهير وادي السيليكون (Silicon Valley) الذي كان يعرض على "شبكة آتش بي أو" (HBO) في نهاية موسم 2015، عندما فكر مستثمرون خياليون فيما لو كان يجب استبدال ريتشارد هيندريكس، الرئيس التنفيذي العبقري غريب الأطوار لشركة "بايد بايبر" (Pied Piper). لكن المقابلات التي أجريناها مع أصحاب رأس المال المغامر (الجريء) تشير إلى أن هذه الممارسة أصبحت أقل شيوعاً مع وجود وفرة أكبر لرأس المال في أسواق جمع المال الحديثة. وكانت النتيجة أن احتفظ العديد من المؤسسين بدور الرئيس التنفيذي حتى إذا اعتقد المستثمرون أنه يجب استبدالهم.
الرئيس التنفيذي المحترف للشركات الناشئة
ومع ذلك، فإن جلب "رئيس تنفيذي محترف" لا يشكل دوماً الحل الناجع للمشكلة. ففي كثير من الحالات، لا يمكن ترجمة الخبرة التي تمتلكها شركة كبيرة بسهولة إلى قيادة مشروع ريادي. كما أن هناك فرقاً بين إدارة المشروع في طور توسعه وإدارته بعد توسعه بالفعل. وفي حين أن بعض هؤلاء القادة الجدد الذين يأتون من الخارج يتميزون بمهارات في مؤسساتهم السابقة، إلا أنهم قد يعانون من الاضطرابات الموجودة أصلاً في المؤسسات التي انتقلوا إليها.
يشير بحثنا إلى أنه كي تشق الشركة الناشئة طريقها نحو مرحلة النضج فإن ذلك لا يتحقق تماماً بمجرد مطالبة المؤسسين بالرحيل. واستناداً إلى عينة بحث شملت أكثر من 2,600 شركة تقنية في منطقة خليج سان فرانسيسكو مدعومة برأس مال مغامر (جريء)، وجدنا أن نسبة 45% من المؤسسين الذين يحتلون منصب الرئيس التنفيذي في الشركات التي تمكنت من الاستمرار قد استبدلوا مع اكتمال سلاسل الجولة الاستثمارية الأخيرة (C investment round). ما يعني أن 55% منهم قد بقوا على رأس عملهم إبان توسع الشركة. تقدم أسطورة وادي السيليكون نماذج عن رؤساء تنفيذيين مؤسسين استثنائيين، أمثال مارك بينيوف الرئيس التنفيذي لشركة "سيلز فورس" (Salesforce)، الذين تمكنوا من قيادة شركاتهم عبر الطرح العام الأولي. قد يشكل المؤسسون مورداً لا يقدر بثمن بالنسبة للشركة لأنهم يمثلون جسر الاستمرارية منذ الأيام الأولى للشركة وحتى يومنا هذا. وبالإضافة إلى اعتبارهم أبطالاً يمثلون ثقافة شركاتهم، فبإمكانهم المساعدة في تنبيه الشركة لضرورة عدم تغيير انتباهها بعيداً عن استراتيجية تصميم المنتجات وعن الابتكار.
وسواء بقي المؤسس أو رحل، فهناك أمر واضح يجب أن يؤخذ بالحسبان وهو: لكي تتمكن شركة ناشئة من النمو بنجاح، فعليها أن تكون مؤسسة تسمو فوق أي فرد فيها. المؤسسون الذين يدركون هذا المفهوم يجلبون شركاء يكملون مهاراتهم الخاصة. معاً، يمكن للفريق القيادي أن يبني سقالات ينتقل المشروع عبرها من حالة مؤسسة تتمحور حول مؤسسيها إلى أخرى تركز على العلامة التجارية المستقلة للشركة. وقد استخدمنا مصطلح "سقالات" لأن الهيكليات والعمليات التي تسهل من توسع المشروع يجب أن تكون قابلة للتفكيك وإعادة التنظيم بسهولة ويسر. خلاف ذلك، سيكون الفريق غير مناسب لتلبية احتياجات الشركة المتغيرة بسرعة.
في فترات النمو، على المؤسسات أن تفكر دوماً كيف تحتضن كل جديد مع الحفاظ على قديمها القيّم. يكون هذا التوتر تحديداً على أشده في الشركات الناشئة خلال مراحل نموها، ويمكن للمؤسسين تخفيف وطأته من خلال إعادة رسم أدوارهم والتراجع خطوة للوراء من أجل أن تحقق شركاتهم قفزات نحو الأمام بدلا ًمن تمحور الشركات الناشئة حول مؤسسيها.