ليس بوسعك التحكم بعواطفك إذا لم تكن تدرك طبيعتها الحقيقية

3 دقيقة

في هذه الأيام ندرك جميعاً أن الذكاء العاطفي مهم في مكان العمل. ومع ذلك، هناك جانبان للعواطف يجعلان من الصعب على الناس ممارسة ذكائهم العاطفي. الجانب الأول هو أن معظم الناس ما زالوا يفتقرون إلى فهم المعنى الحقيقي والواضح للعواطف. الجانب الثاني هو أنه حتى عندما نفهم عواطفنا من حيث المبدأ، فقد يكون من الصعب علينا التعامل مع الحالات العاطفية التي تنتابنا.

وبغية التعامل مع المشكلة الأولى، فإننا نقول إن العواطف هي ترجمة للمشاعر. ورغم أننا في أحاديثنا اليومية نستخدم كلمتي "عواطف" و"مشاعر" وكأنهما يعنيان شيئاً واحداً، إلا أن علماء النفس يميزون بين هذه المفهومين.

إن المشاعر التي تنتابك تنبثق من نظام التحفيز الموجود لديك، فأنت تشعر بشعور جيد عندما تنجح في تحقيق أهدافك، وعلى العكس من ذلك سيكون شعورك سيئاً عندما تخفق في تحقيق هذه الأهداف. كلما كان نظام التحفيز لديك أعمق تفاعلاً مع الوضع، كانت مشاعرك أقوى.

لكن نظام التحفيز لديك غير مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمناطق الدماغية التي تساعدك على سرد قصص عن العالم، لذلك من أجل فهم المشاعر التي تشعر بها، فإنك تستعمل المعلومات المتعلقة بما هو حاصل في العالم لتساعدك في ترجمة هذه المشاعر إلى عواطف، وتحديداً إلى عواطف تعينك على توجيه تصرفاتك من خلال تزويدك بمعلومات صريحة حول مدى تحقيقك حالياً لأهدافك التي يعمل نظام التحفيز لديك على التفاعل معها.

في غالب الأحيان، تكون عملية ترجمة هذه المشاعر إلى عواطف عملية سهلة. فإذا كنت تعبر الشارع، وفجأة اضطررت إلى القفز لتبتعد عن طريق السيارة القادمة إليك، فمن الواضح بأن الشعور السلبي القوي الذي ينتابك هو الخوف من أن سيارة كانت على وشك أن تصدمك. وإذا ما أثنى أحد زملائك على عمل أنجزته بدقة، فمن الواضح بأن الشعور الإيجابي الذي ينتابك في تلك الحالة هو الفخر.

لكن الأمور لا تكون واضحة دائماً. فقد تتشاجر مع أحد أفراد عائلتك في الصباح قبل ذهابك إلى العمل. ومع مرور ساعات النهار، قد تفسر المشاعر السلبية الموجودة لديك بوصفها إحباطاً من المشروع الذي تعمل عليه في مكتبك، عوضاً عن رؤيتها كمشاعر سلبية لا تزال تخيّم عليك جراء ما حصل لك في الصباح.

يحاول الكثير من الناس مواجهة المشاعر السلبية التي تنتابهم عوضاً عن محاولة فهمها. لكن ذلك يشكل فرصة ضائعة. فالعواطف التي نحسّ بها توفر لنا معلومات قيمة حول وضع نظامنا التحفيزي. وتجاهلها يجعلنا مثل السائق التائه في الطرقات، والذي لا يرفض فقط أن يسأل الناس عن الطريق الأنسب الذي يجب أن يسلكه، وإنما الذي يرفض أيضاً النظر إلى الخريطة أو استعمال النظام الإلكتروني لتحديد المواقع (GPS)، أو حتى النظر عبر الزجاج الأمامي للسيارة. فأنت ستظل سائراً إلى الأمام، لكن الله وحده يعلم أين سينتهي بك المطاف. وعلى العكس من ذلك، فإن إيلاء اهتمام زائد عن اللزوم لمشاعرك هو أمر سيئ أيضاً. فهو يشبه التحديق في أطلس لخرائط الطرقات دون تشغيل محرك السيارة مطلقاً، وأنت بهذه الطريقة لن تصل إلى أي مكان.

عندما تنتابك مشاعر سلبية، حاول أن تهدئ من روعك، وانتبه نوعاً ما إلى تلك المشاعر التي تحسّ بها، لأن ذلك سيساعدك في فهم الأسباب التي تجعلك تحس بذلك الشعور.

عندما تجد نفسك في حالة من التوتر أو القلق أو الغضب، خذ 5 دقائق أو 10 دقائق لتختلي خلالها بنفسك ضمن النهار. اجلس مع ذاتك وتنفس بعمق، لأن الأنفاس العميقة ستساعدك في تخليص المشاعر التي تنتابك من بعض طاقتها أو حالة الإثارة فيها. وهذا الأمر يمكن أن يساعدك في التفكير بوضوح أكبر.

بعد ذلك، حاول أن تبدأ بالتفكير في بعض الأحداث التي حصلت لك ذلك اليوم. وانتبه لكيفية تأثير تلك الأفكار على مشاعرك. هل هناك أحداث محددة تزيد أو تقلل من كثافة هذه المشاعر؟

قد لا تتمكن من فهم منبع مشاعرك تماماً من المرة الأولى التي تقوم بها بهذا الإجراء. ولكن مع مرور الوقت، ستصبح أقدر على الانتباه إلى اللحظات والأماكن التي تبدأ فيها بالشعور بإحساس سيئ.

بطبيعة الحال، عندما تكتشف السبب الكامن وراء حالة الإزعاج التي تنتابك، فهذا هو الوقت المناسب لتحدّد الإجراء الأنسب للتعامل مع هذا الوضع. إذا واصلت التفكير في الأشياء التي تزعجك، فقد تكون عرضة لخطر عدم حل أي مشكلة وحتى ومفاقمة حالة الإزعاج التي تنتابك. وإنما عوضاً عن ذلك، عليك بالاستفادة من معرفتك بمنبع المشاعر السلبية لديك لتحدّد كيفية التعامل معها.

أخيراً، إذا كنت منزعجاً فعلاً من شيء ما، أجّل تنفيذ خطتك عملياً حتى تمنح نفسك الفرصة للتهدئة من روعك، فالردود والاستجابات التي تبدو فكرة جيدة لحظة الغضب، قد تصبح فكرة سيئة عندما تكون أعصابك هادئة.

إن استعدادك لفهم مشاعرك سيمنحك فائدتين على المدى البعيد.

أولاً، هذا الأمر سوف يساعدك في اكتشاف بعض جوانب حياتك التي تسبب لك مشاعر سلبية. وذلك شيء مفيد لأنك لا تريد أن تخطئ في تفسير مشاعرك السلبية ولا تريد نسبتها إلى مسبب غير صحيح. على سبيل المثال، أنت بالتأكيد ترغب في أن تكون في وضع يسمح لك بمعرفة متى ينتقل تأثير الأحداث الحاصلة في حياتك الشخصية إلى عملك أو متى تسبب لك تلك الأحداث الشخصية مشاعر سلبية تجاه العمل الذي تقوم به.

ثانياً، عندما تفهم منابع عواطفك، ستصبح أخبر في فهم الناس المحيطين بك فهماً صحيحاً. فنحن نتجاهل مشاعرنا غالباً، ومن ثم نتجاهل أيضاً مشاعر زملائنا.

عندما تصبح أقدر على فهم طبيعة عواطفك التي تشعر بها، ومنبع عواطفك تلك، فإنك ستكون أقدر على ممارسة الذكاء العاطفي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي