لمحة تاريخية عن اختبارات الشخصية

3 دقائق

كان أول استخدام لاختبارات الشخصية من قبل الجيش الأميركي خلال الحرب العالمية الأولى، في محاولة لمعرفة الجنود الذين قد يعانون من "صدمة القصف"، وقد أصبحت هذه الاختبارات اليوم صناعة برأس مال يقارب 500 مليون دولار، وبمعدل نمو سنوي يقدر بـ 10% إلى 15%. يخضع ملايين العمال لاختبارات التقييم كل عام باعتبارها جزءاً من اختيار الموظفين، وذلك لتحسين التعاون والعمل الجماعي، وتحديد المسارات الوظيفية المُرضِية.

ومع ذلك، يوحي النمو القوي لهذه الصناعة إلى تزايد اعتماد المدراء على اختبارات الشخصية باعتبارها أداة لتحسين مستوى العاملين لديهم. ذلك أن الاختبارات غير مكلفة مقارنة بأدوات التقييم الأخرى، ومن السهل إدارتها – إذ يمكن اجتياز الاختبارات الحديثة على الإنترنت دون الحاجة إلى وجود مراقبين. ويوجد على الساحة اليوم مئات من التقييمات الشخصية، ولكن على مدار القرن الماضي، كان لثلاثة منها تأثير واسع المجال.

مؤشر أنماط الشخصية مايرز بريجز. بدأت كاثرين برينجز بحثها عن الشخصية في عام 1917، باعتباره وسيلة لفهم ما رأت أنه انجذابٌ غير محتملٍ بين ابنتها إيزابيل وخطيبها كلارنس مايرز. لأكثر من 20 عاماً، عمل الفريق المكون من الأم وابنتها على تطوير مؤشر مايرز-بريجز لأنماط الشخصية، معتمدتين بشدة على عمل الطبيب النفسي السويسري كارل يونغ (Carl Jung). ومنذ ستينيات القرن العشرين، خضع ما يقرب من 50 مليون شخص للاختبار، مما جعله أكثر تصنيفات الشخصية شعبيةً على الإطلاق.

يرى مؤشر مايرز-بريجز لأنماط الشخصية أن الناس لديهم حالاتٌ مفضلة من الإدراك (الاستشعار أو الحدس) والحُكم (التفكير أو الشعور)، وكذلك مواقف خاصة بكيفية بنائهم للطاقة (الانفتاح أو الانطواء) وميولهم للعالم الخارجي (الحكم أو الإدراك). وتتجمع هذه التفضيلات لتشكل 16 نمطاً من أنماط الشخصية.

ويجادل الخبراء بأن التصنيف إلى فئات لا ينبئ بالفعالية الفردية أو الجماعية. حيث وجدت الدراسات أن أكثر من نصف الناس الذين خضعوا للاختبار مرة أخرى حصلوا على نتيجة مختلفة في المرة الثانية. إن مؤسِسة مايرز-بريجز تحذر من استخدام الاختبار لأجل "التوظيف أو تحديد المهام الوظيفية"، إلا أن شعبية الاختبار استمرت لدى كثير من الشركات الرائدة. ويرى أنصار الاختبار أنه مفيدٌ لمساعدة الناس على فهم أساليبهم وتفضيلاتهم وكذلك أساليب وتفضيلات زملائهم، وللحد من الخلافات في أماكن العمل.

نموذج العوامل الخمسة. الذي يسمى غالباً "الخمسة الكبار" (Big Five)، هو عبارة عن مجموعة من السمات الشخصية المستمدة من دراسة إحصائية للكلمات التي تستخدم عادة لوصف الخصائص النفسية عبر الثقافات واللغات. والفئات الخمس هي: الانفتاح على التجربة، والوعي، والانبساط النفسي، والانسجام، والتوتر العصبي.

لقد أفرز نموذج العوامل الخمسة، المقبول على نطاق واسع لدى الأكاديميين باعتباره المعيار الذهبي في مجال بحوث الشخصية المتطورة، مجموعة من التقييمات الشخصية الأخرى، بما في ذلك استبيان الشخصية الجديد (الذي وضعه اثنان ممن صاغوا نموذج العوامل الخمسة)، واستبيان هوغان (Hogan) للشخصية (الذي يفحص كيفية ارتباط الشخص بالآخرين). وتُظهر الدراسات أن التقييمات المرتكزة على نموذج الخمسة الكبار، على عكس مؤشر مايرز-بريجز لأنماط الشخصية، يمكنها التنبؤ بموثقية بالأداء الوظيفي (لكن الارتباط يكون أقوى للمعايير الشخصية الأخرى، مثل معدل الذكاء). وتشير الأبحاث أيضاً إلى أن التقييمات المبنية على نموذج العوامل الخمسة يمكن أن تساعد على التنبؤ بالشخصيات التي من المرجح أنها إما أن تتصادم أو أن تعمل بانسجام مع بعضها.

مستكشف نقاط القوة. في التسعينيات، ظهر فرع جديد في علم النفس يدرس كيف تظل العقول السليمة مرنة ومزدهرة. وقد أفرز الفرع الجديد، المسمى "علم النفس الإيجابي"، تقييمات متنوعة. إن اختبار تقييم المواهب، الذي وضعته مؤسسة "غالوب" (Gallup) بعنوان "مستكشف نقاط القوة 2.0" (StrengthsFinder 2.0)، وهو الأشهر في هذا المجال، يخضع له 1.6 مليون موظف كل عام في أكثر من 400 شركة من الشركات المدرجة في قائمة مجلة "فورتشن 500". وتهدف التقييمات المبنية على استكشاف نقاط القوة إلى زيادة المشاركة والرضا عن العمل والإنتاجية، من خلال مساعدة الشركات على تصميم وظائف تستفيد من أفضل صفات موظفيها. وتتضمن التقييمات الأخرى أفكاراً من علم النفس الإيجابي. ويستخدم مستكشف نقاط القوة في استبيان مؤسسة "فيا" (VIA) عن نقاط قوة الشخصية، ومنهج بيركمان (Birkman).

يرى البعض أن التركيز على السمات الإيجابية فحسب ليس الطريقة المثلى لتحفيز التحسين؛ فالنقد البناء وتقييم الذات الواقعي يسهمان أيضاً في تحسين الأداء.

ما الخطوة التالية؟ تتخلى الشركات على نحو متزايدٍ عن أداتي اسم العلامة التجارية والمصدر المفتوح لصالح اختبارات الشخصية التي تتوافر حسب الطلب. والهدف من ذلك هو تحسين ممارسات التوظيف من خلال حصر الموظفين أصحاب الأداء العالي في وظائف محددة، ثم استخدام الهندسة العكسية لإعادة صياغة الوصف الوظيفي بناء على سماتهم الشخصية.

يشكك بعض الأكاديميين في فاعلية هذه المنتجات، إلى حد ما بسبب طبيعة منهجيات الشركات التي تميل إلى التملك. ولكن يعتقد كثيرون أن القفزات التي أُحرزت في علم الأعصاب وفي أدوات التحليل الإحصائي ستتمخض عن وسيلة موثوقة لتحديد السمات الشخصية اللازمة لإتاحة أيدٍ عاملة عالية الأداء. ونظراً للأرباح التي يمكن جنيها من وراء ذلك، فستواصل الشركات الاستثمار في مجال اختبارات الشخصية، وتصارع من أجل الحصول على الميزة التنافسية في اقتصاد يرتكز على المعرفة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي