ليس بالأمر الغريب أن تلتقي بمحامٍ يرغب بالعمل في مجال الطاقة المتجددة، أو بمطور تطبيقات يرغب في كتابة رواية، أو بمحرر أخبار يفكر في العمل مصمماً للمناظر الطبيعية. ربما أنت أيضاً تحلم في التحول إلى مهنة تختلف اختلافاً جذرياً عن عملك الحالي. لكن ومن خلال تجربتي الشخصية، من النادر أن يقوم هؤلاء الأشخاص بمثل هذا التحول، لأن تكاليفه مرتفعة جداً كما يبدو، فضلاً عن أن احتمالية النجاح صعبة المنال. لكن باعتقادي إن ممارسة العملين في آن معاً هو شيء إيجابي، لا بل أفضل بكثير من أن يكون لديك مهنة واحدة، لا سيما حين تلتزم بأداء المهنتين عندها ستكون المنفعة مضاعفة.
أنا شخصياً، أملك أربع مهَن: إنني خبير استراتيجي في شركة مصنفة ضمن قائمة "فورتشن 500"، وضابط احتياطي في البحرية الأميركية ومؤلف لعدد من الكتب ومنتج أسطوانات أيضاً. وأكثر التساؤلات التي تتوجه لي: كم تنام؟ وكيف تجد وقتاً لكل هذا؟ ودائماً تكون إجابتي عن هذين السؤالين"أنام كثيراً، وأنا أخلق الوقت لفعل كل هذا". ولكن هذه الأسئلة لا تصل إلى صميم ما يدفعني لفعل هذا. فالسؤال الأهم هو: لماذا تملك وظائف متعددة؟ والإجابة تكون ببساطة: أشعر بالسعادة والإنجاز بسبب عملي في أكثر من مكان، وهذا ما يساعدني على أن يكون أدائي أفضل. وإليك كيف يمكنك فعل ذلك:
ادعم عملية تنمية مهاراتك
يُعتبر عملي خبيراً استراتيجياً أمراً داعماً لمهنتي في إنتاج الأسطوانات. لو أنني لم أملك سجلاً حافلاً بعملي في الإنتاج، لن يدفع أحد لي المال مقابل أن أُنتج له موسيقاه، في حين لم يكن المال هو الدافع وراء عملي منتِجاً، بل شغفي تجاه موسيقى الجاز والموسيقى الكلاسيكية هو ما دفعني للعمل بالموسيقى. لذلك، تطوعتُ في البداية حتى أستطيع اكتساب خبرة ضمن هذا المجال. وبفضل عملي الأساسي خبيراً استراتيجياً استطعت توفير المال لإنتاج الألبومات. ليس هذا فحسب، بل بفضل عملي الأساسي أيضاً تعلمت مهارات الإنتاج الجيد. إذ يجب على المنتِج أن يملك القدرة على خلق رؤية جديدة والقدرة على تعيين الموظفين ووضع جدول زمني وتقديم الإنتاج بصورة جيدة. وبعد إنتاج أكثر من 12 ألبوماً والفوز بعدة جوائز "غرامي" (Grammys)، بدأ الموسيقيون وشركات النشر البحث عني في محاولة توظيفي منتِجاً لديهم. ولكنني ما زلت أرفض أن يُدفع لي مقابل هذا العمل لأن إمكانية صناعة الموسيقى، هي تعويض كافٍ عندي.
وفي كثير من الأحيان، كنت أدعو عملاء الشركة التي أعمل بها لحضور جلسات التسجيل. فمن المثير لشخص يعمل في مكتبه طوال اليوم رؤية ما يدور وراء الكواليس والتفاعل مع المغنيين والموسيقيين والمهنيين والمبدعين.
كوّن صداقات في دوائر مختلفة
عندما عملتُ في "وول ستريت جورنال"، اقتصرت دائرتي المهنية بداية على أشخاص يعملون في قطاع الخدمات المالية مثل المصرفيين والتجار والمحلّلين والاقتصاديين. وكنا كمجموعة، نكوّن إجماعاً في الآراء حول ما يحصل في السوق. ولكن معظم عملاء الشركة كانوا يبحثون عن شيء مختلف، إذ لم يريدوا أن يستمعوا إلى الرأي الجماعي، ما دفعني إلى البحث عن أشخاص آخرين باستطاعتهم تقديم منظور مختلف للعملاء.
على سبيل المثال، أراد أحد عملائي أن يفهم ما الذي يتداوله المواطنون الصينيون. ولأنني مؤلف تعرفتُ على مؤلفين آخرين، وتواصلت مع صديق لي يعمل صحفياً في دورية ترصد ما يقال في الصين. وكان صديقي قادراً على إعطاء منظور مهم لعميلي الذي كان مقدِّراً جداً لهذا الأمر. إذاً ومن خلال حضورك في دوائر مختلفة، يمكنك جمع أشخاص لن يصلوا إلى بعضهم بالحالة الطبيعية، وستفتح مجالاً ليستفيد الجميع.
اكتشف الابتكارات الحقيقية
يمكّنك العمل في أماكن مختلفة لتحديد مناطق تفاعل الأفكار، والأهم من ذلك، أين يجب أن تتفاعل. إذ يقول ستيف جوبز، الذي يعتبر تجسيداً للتفكير متعدد التخصصات: "إن التقنية المتزاوجة مع الفنون الحرة والعلوم الإنسانية هي ما تجعل قلوبنا تغني".
غادر العديد من الموسيقيين مدينة نيو أورلينز بسبب إعصار "كاترينا". كان يمكنني تأسيس جمعية تقليدية غير ربحية تجمع المال من الناس، لمساعدة الموسيقيين في المدينة المنكوبة. ولكن بدلاً من ذلك، ساعدت في إيجاد حل أكثر استدامة وذلك بإنشاء منظمة موسيقية (وسيط) لمساعدة الموسيقيين، بحيث يمكن للأشخاص الذين يبحثون عن الموسيقيين من أجل حفلات في مدينة نيويورك، إيجاد فرقة مناسبة على الموقع الإلكتروني الخاص بالمؤسسة. إذ يحتوي هذا الموقع على خيار يمكن من خلاله للشخص الذي يحجز إضافة مبلغ مالي صغير جداً يخصص لمؤسسة خيرية في نيو أورلينز. وهذه السهولة في إيجاد الفرق الموسيقية للحفلات في نيويورك أتاحت لموسيقيّ نيويورك إقامة حفلات، وحصلت المؤسسة الخيرية في نيو أورلينز على تبرع بسيط. ولكن بسبب عملي في بنك استطعت إنشاء مؤسسة من نوع آخر، التي اندمجت بعد ذلك مع مؤسسة خيرية أكبر.
عندما تتبع مجالات اهتمامك وفضولك، ستجلب الشغف لمهَنك الجديدة. وهذا سيجعلك تشعر بإنجاز أكبر، وقد يجعلك الأمر تؤدي أداء أفضل في كل مهنة على حدة.