لماذا يترك الناس وظائفهم؟

11 دقيقة
المراقبة التقنية ورصد شبكات التواصل الاجتماعي يشيران إلى وجود دوافع جديدة

تخيّل أنّك تنظر إلى هاتفك الذكي الذي قدمته لك شركتك، وتلاحظ ورود رسالة إلكترونية من شبكة "لينكد إن" تقول: "هذه الشركات تبحث عن موظفين مثلك!" ربما أنت لا تبحث بالضرورة عن وظيفة، لكنك دائم الانفتاح على الفرص التي قد تتاح لك، لذلك وبدافع الفضول تنقر على الرابط المرسل إليك. بعد بضع دقائق تفاجأ بقدوم مديرتك إلى مكتبك لتقول لك: "لقد لاحظنا بأنك تقضي وقتاً أطول في الآونة الأخيرة على موقع "لينكد إن"، لذلك أردت أن أتحدّث إليك بخصوص مسارك المهني، وما إذا كنت سعيداً هنا أم لا".

يا لهُ من سيناريو غريب يُظهرُ أن هناك "أخاً أكبر" يراقب حركاتك وسكناتك، وليس في الأمر أي مبالغة. فلطالما كانت حالة الاستنزاف في الموظفين مكلفة بالنسبة للشركات، و في العديد من القطاعات ثمّة تصاعد في تكلفة خسارة الموظفين الجيدين، نظراً للتوازن الشديد في أسواق العمل بين العرض والطلب، وتزايد الطابع التعاوني للوظائف (فعندما يصبح العمل أكثر تركيزاً على التعاون ضمن فريق واحد، تصبح عملية إضافة لاعبين جدد إلى الفريق بسلاسة أمراً ينطوي على تحديات أكبر). لذلك فإن الشركات تعمل على تكثيف جهودها لتتنبأ بالموظفين المعرضين لخطر مغادرتها بحيث يمكن للمدراء أن يحاولوا ثنيهم عن ذلك. وتتراوح التكتيكات المتّبعة ما بين عمليات المراقبة الإلكترونية المعتادة والتحليلات المعقدة لحياة الموظفين على شبكات التواصل الاجتماعي.

لقد أصبحت أعمال تحليل البيانات هذه تعطي آراء ومعلومات جديدة بخصوص الأسباب التي تدفع الناس إلى ترك وظائفهم. فالناس عموماً، يغادرون وظائفهم لأنهم لا يحبون مدراءهم، أو لأنهم لا يرون فرصاً للترقية أو النمو، أو لأنهم يحصلون على وظائف أفضل في أماكن أخرى (وغالباً برواتب أعلى)؛ وقد ظلّت هذه هي الأسباب السائدة لسنوات طويلة. غير أن بحثاً جديداً أجرته شركة "CEB"، وهي شركة للأبحاث والتكنولوجيا مقرها واشنطن تبحث في أفضل الممارسات، لا يبيّن فقط الأسباب التي تدفع الناس إلى ترك وظائفهم وإنما "توقيت" الخطوة تلك أيضاً. "لقد اكتشفنا بأن ما يؤثّر في الناس فعلياً هو نظرتهم إلى طبيعة أدائهم مقارنة مع الناس الآخرين الموجودين في مجموعة أقرانهم، أو بالمقارنة مع الموقع الذي كانوا يعتقدون بأنّهم سيصلون إليه في لحظة ما في حياتهم،" هذا ما قاله برايان كروب الذي يترأس قسم الموارد البشرية في الشركة. ويضيف برايان قائلاً: "لقد تعلّمنا بأن نركّز على اللحظات التي تسمح للناس بعقد هذه المقارنات."

لا يُعتبرُ بعض هذه الاكتشافات مفاجئاً. فالذكرى السنوية التي تمرّ على انضمام الموظف إلى وظيفة معيّنة أو على وصوله إلى منصبه الحالي هي من الأوقات الطبيعية التي يفكّر فيها بوضعه ويتأمّله، حيث تقفز عملية البحث عن وظيفة جديدة بـ 6% و9% على التوالي في هاتين المناسبتين. لكن بيانات أخرى تكشف عن وجود عوامل لا تمتّ بصلة مباشرة إلى العمل. فعلى سبيل المثال، عيد ميلاد الموظف، إضافة إلى المنعطفات التي تمر عليه في منتصف حياته مثل بلوغ سن الأربعين أو الخمسين يمكن أن تدفعه إلى تقويم مساره المهني واتخاذ قرارات عملية إذا كان غير سعيد بالنتائج (حيث تقفز عملية البحث عن وظائف بنسبة 12% قبل أعياد الميلاد مباشرة). كما يمكن للمناسبات الاجتماعية الكبيرة بين الأقران، مثل الاجتماعات السنوية لخريجي الدفعة ذاتها في المدرسة أو الجامعة، أن تكون من العوامل المحفّزة، فهي مناسبات من الطبيعي أن يقيس الناس فيها التقدّم الذي أحرزوه مقارنة بالآخرين" (حيث تقفز عملية البحث عن وظائف بنسبة 16% بعد الاجتماعات السنوية لخريجي الدفعة ذاتها في المدرسة أو الجامعة). يقول كروب: "لقد اكتشفنا شيئاً هاماً ألا وهو أنّ الأمر لا يقتصر على ما يحصل في العمل فقط – وإنما ما يحصل أيضاً في الحياة الشخصية للإنسان يحدّد متى يقرر شخص ما البحث عن وظيفة جديدة".

كما توفّر التكنولوجيا أدلة تساعد في تحديد الموظفين النجوم الذين قد يتطلعون إلى الخروج من شركاتهم. فقد أصبحت الشركات قادرة على تحديد ما إذا كان موظفوها الذين يستعملون كمبيوترات العمل أو هواتفه يقضون وقتاً على مواقع الوظائف (أو حتى مجرد الاطلاع على الرسائل الإلكترونية الواردة من مواقع الوظائف التي تراسلهم حتى لو يكونوا يبحثون عن وظيفة جديدة على هذه المواقع). وتُظهر الأبحاث بأن أعداداً متزايدة من الشركات تولي اهتماماً لهذه الأمور. كما أن الشركات الكبيرة بدأت تتعقّب استعمال الموظفين للبطاقات الإلكترونية المخصّصة للدخول إلى مبنى الشركة أو مرآب السيارات والخروج منهما لتحديد الأنماط التي قد تشير إلى أن الموظف ربما يجري مقابلة عمل في مكان آخر. وفي بعض الأحيان، تستعين الشركات بمؤسسات خارجية مثل "جوبيريت" (Joberate) بهدف مراقبة نشاط الموظفين على شبكات التواصل الاجتماعي بحثاً عن أي مؤشرات تدل على أن هؤلاء الموظفين يبحثون عن خيارات جديدة (ومن بين مجموعة من المعطيات الأخرى، عادة ما تحاول هذه الشركات أن تعرف من هم الناس الذين يتواصل الموظف معهم). ويشبّه الرئيس التنفيذي لشركة "جوبيريت" مايكل بيغيلمان هذا العلم الجديد الناشئ بالطريقة المتّبعة في دراسة الحالة الائتمانية للناس لتحديد الزبائن الذين قد يفشلون في سداد القروض. ورغم أن بعض الشركات تستعين بخدمات شركة "جوبيريت" لتساعدها في تحديد الموظفين الذين قد يفكرون في مغادرة عملهم، تستعمل شركات أخرى هذه الطرق الذكية للتركيز على الأقسام أو المواقع التي ترتفع فيها علامات "احتمال مغادرة الموظفين لوظائفهم" بحيث يمكنها أن تعمل على تعزيز الروح التعاونية والتفاعل الإجمالي مع الموظفين. كما تستعمل واحدة من كبريات شركات التكنولوجيا هذه التقنيات لاستقطاب الناس الذين قد تحاول إغراءهم بالانضمام إليها من شركات أخرى. وهناك بعض المستثمرين الذين يستعملونها لتحديد الشركات التي قد تواجه قريباً تغيّرات في موظفيها الذين يشغلون مناصب أساسية. يقول بيغيلمان "إذا كان مدير الاستثمار ورئيس قسم المبيعات كلاهما يبحثان عن وظائف جديدة، فعندها يجب أن تسأل نفسك ما الذي يجري داخل تلك الشركة".

تؤمن لوري هوك، الرئيسة التنفيذية لشركة "هدسون أميريكاز" (Hudson Americas)، وهي شركة معنيّة بإدارة عملية توظيف الموظفين نيابة عن الشركات الأخرى، وتستعين بخدمات شركة "جوبيريت" بأن هذا النوع من الذكاء التنبئي قيّم جداً، لأنه يساعدها على التقليل من حالة الاستنزاف في الموظفين لدى زبائنها، وعلى كشف الأشياء التي قد تكون كامنة وراء استمرار حالة الاستنزاف تلك. تقول لوري: "نحن نطرح على أنفسنا السؤال التالي: "هل السبب وجود مدير سيء؟ هل هناك مكوّن ما له علاقة بالتدريب؟ هل نحن نخطئ ولا نقدّر بعض المناصب الوظيفية حق قدرها؟ يمنحك ذلك فرصة جيدة للتفكير في الأشياء التي ربما تكون قد حفزت حصول الحالة – وطرح الأسئلة "قبل" أن تخسر الموظفين الموهوبين".

ثمّة شركات، مثل بنك "كريدي سويس" تتّبع هذا التكتيك مع الموظفين الذي يوصفون بأنّهم معرضون لخطر المغادرة: فالأشخاص المعنيّون بالتوظيف يمكن أن يتصلوا بالموظفين لإعلامهم بالوظائف الشاغرة في الشركة. في العام 2014، خفّض البرنامج نسبة الاستنزاف في الموظفين في البنك بمقدار 1% حيث أسهم في نقل 300 موظف من موقع إلى آخر ضمن الشركة، كان العديد منهم سيغادر الشركة. ويقدّر بنك "كريدي سويس" بأنّه قد وفّر 75 مليون دولار كان سينفقها على إعادة توظيف موظفين جدد وتدريبهم.

يتّفق الباحثون على أن التدخّلات الاستباقية، هي طريقة أفضل للتعامل مع الموظفين الذين يتطلعون إلى تغيير وظائفهم، عوضاً عن انتظار حصول الشخص على عرض عمل من جهة خارجية والاضطرار إلى تقديم عرض مضاد. وتظهر بيانات شركة (CEB) بأنّ 50% من الموظفين الذين يقبلون عرضاً مضاداً يغادرون خلال 12 شهراً. يقول كروب: "الأمر يشبه أن تكون في علاقة مع شريك وتقرّر الانفصال عنه، لكن شريكك يفعل شيئاً ما ليبقيك معه لفترة أطول قليلاً. فالموظفون الذين يقبلون عرضاً مضاداً سيتركون الشركة على الأرجح في وقت قريب جداً".

نبذة عن البحث: “الطريق الجديد إلى المستقبل: كيف تجعل المسار المهني للموظفين والمؤسسات جذاباً ومثيراً” (The New Path Forward: Creating Compelling Careers for Employees and Organizations). (ورقة عمل من شركة “CEB”).

تطبيقات الفكرة

"هذه الإشارة هي بمثابة إنذار مبكّر"

درست جينيفيف غريفز الفيزياء الفلكية قبل الانضمام إلى شركة آتش آي كيو لابز (hiQ Labs) وهي عبارة عن شركة ناشئة تستعمل التحليل التنبئي ليساعدها في إدارة الموظفين الموهوبين. تقول جينيفيف بأن هذين الفرعين ليسا مختلفين كثيراً كما يبدو ظاهرياً. "معظم التقنيات التي استعملتها كشخص يعمل في مجال الفلك – مثل التعلم الآلي والحوسبة العملية، وأدوات إدارة المعلومات الضخمة تترجم مباشرة، أما الآن فأنا أدرس الناس عوضاً عن دراسة المجرّات." وقد تحدثت غريفز إلى هارفارد بزنس ريفيو عن العلم الناشئ المعني بالتنبؤ بحالة الاستنزاف. وفيما يلي مقتطفات معدّة بتصرف من ذلك اللقاء.

ما الذي تفعله شركة آتش آي كيو لابز (hiQ Labs)؟

نحن نستعمل البيانات المتاحة لعامة الناس والمعلومات الداخلية في الشركة للتنبؤ بخطر تقلّب الموظفين. كما أننا نوفّر الأدوات التي تساعد في رسم خارطة بالمهارات الموجودة، وعملية الإحلال الوظيفي (succession planning)، وتنقّل الموظفين داخل الشركة، والتطوير المهني. كانت الشركة في الماضي معنيّة بكيفية الاحتفاظ بالموظفين، أما الآن فهي تعمل على مساعدة الشركات على الحصول من الموظفين على أفضل ما لديهم.

ما هي البيانات العامّة المتاحة لجميع الناس والتي تأخذونها بعين الاعتبار؟

نحن نقرأ السير الذاتية للناس واللمحات الشخصية الموجزة عنهم. كما ندرس الصفحات الشخصية للموظف على شبكات التواصل الاجتماعي وحضوره على هذه الصفحات، وهي تعبّر عن مدى بروز هذا الشخص في نظر المعنيين بالتوظيف. فعلى سبيل المثال، هل يشارك مهندس ما في مشاريع الكودات التي تعتمد على المصادر المفتوحة؟ نجري مراجعة للتاريخ المهني للشخص (لنرى وتيرة تغيير الموظف لوظائفه)، وحجم الفرص المتاحة، والطلب الموجود على المهارات التي يمتلكها هذا الموظف. فهذه الأشياء لا تعني بالضرورة بأنّ الشخص يبحث عن وظيفة جديدة، وإنّما هي تشير فقط إلى اهتمام المعنيين بالتوظيف. فالناس الذين يحاولون التنبؤ بالاستنزاف الحاصل في الموظفين في الشركات يفكّرون غالباً بـ "عوامل الدفع" التي تجعل الناس يرغبون في مغادرة وظائفهم، في حين أن البيانات العلنية يمكن أن تشير إلى "عوامل الجذب" التي تشير إلى أن المعنيين بالتوظيف قد يحاولون استمالة شخص ما غير ناشط في البحث عن وظيفة جديدة.

ما الذي يفعله المدراء بهذه المعلومات؟

عندما يعلم المدراء من هم الناس الذين يجب أن يشعروا بالقلق حيال وضعهم، يمكنهم أن يخوضوا الأحاديث معهم ليعرفوا المزيد من التفاصيل منهم. هل يجد الموظفون عملهم مثيراً للاهتمام ومحفزاً لهم لكي يقدّموا أفضل ما لديهم؟ هل يرون مساراً واضحاً؟ (بالنسبة للعاملين في حقل المعرفة قد لا يكون الدافع الأساسي لحالة الاستنزاف هو التعويضات والمنافع التي يحصل عليها هؤلاء العاملين). فالبيانات هي بمثابة إنذار مبكّر يسمح للمدراء بالتدخل.

ما القيمة التي يجدها المدراء في هذا الأمر؟

يمكن لحالة الاستنزاف التي تصيب موظفي الشركة أن تكون باهظة جداً، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعاملين في حقل المعرفة. نحن نركّز على بعض القطاعات مثل المالية، والتكنولوجيا، والأدوية، والتقانة الحيوية، التي تضم أناساً يقدمون إسهامات ذات قيمة كبيرة. فعندما يغادر موظف ما الشركة التي يعمل فيها فإن الكثير من معارف هذه الشركة تخرج معه من الباب. بالتأكيد ستكون قادراً على توظيف شخص يمتلك مجموعة المهارات ذاتها، لكن تأقلم هذا الموظف مع أجواء العمل في الشركة يستغرق أشهراً. وعندما يغادر المدراء، قد يأخذون فريقاً كاملاً معهم.

الشبكات الاجتماعية

كيف تصنع أفلاماً تستدرج المدراء التنفيذيين على الإنترنت

لقد باتت شركات عديدة هذه الأيام تصنع أفلاماً تستهدف صنّاع القرار على مستوى العالم. وبغية فهم العادات الاستهلاكية لدى المدراء التنفيذيين، أجرى الباحثون في (Alpha Grid) (وهي شركة إعلامية تتبع لمؤسسة «فايننشال تايمز») و(Unruly) (وهي شركة تكنولوجية متخصّصة بإعلانات الفيديو) مسحاً شمل 87 من كبار القادة في قطاع الأعمال والقطاع الحكومي بخصوص عاداتهم في مشاهدة أفلام الفيديو (متى يشاهدونها، ولماذا، وكيف). وفيما يلي بعض النصائح التي يقدمها الباحثون:

المؤسسات

نحن ننظر إلى الأشكال المختلفة للتنوّع بوصفها تندرج ضمن بوتقة واحدة

ثمّة أبعاد عديدة لقياس التنوّع، مثل العرق، والجنس، والمهارات، وغيرها الكثير. ويمكن لمجموعة معيّنة من الأفراد أن تكون متنوعة في بعد واحد أو أكثر من هذه الأبعاد، وأن يكون أفرادها متجانسون في أبعاد أخرى. لكن الناس لا يجيدون فعلياً تمييز هذا الاختلاف. فإذا كان لدينا مجموعة معيّنة متنوعة بطريقة ما من الطرق، فإن أي عيب في نظرتنا الذهنية إلى الأمور يمكن أن يقودنا إلى أن نتصور بأنها متنوعة "بكل" الطرق، وهو تشويه قد يساعد في تفسير السبب الذي يجعل إدماج الناس الذين ينتمون إلى خلفيات متنوّعة أمراً ينطوي على تحديات كبيرة بالنسبة للعديد من الشركات.

هذه هي الخلاصة التي توصّل إليها باحثون في جامعة ستانفورد أجروا عدداً من التجارب لدراسة تصوّرات الناس عن التنوع. ففي إحدى التجارب، طلب الباحثون من المشاركين النظر إلى عدة مجموعات من الوجوه؛ وقد كانت كل المجموعات مؤلفة بنسبة الثلثين من ذكور وبعضها كان متنوّعاً من الناحية العرقية. وعندما سئل المشاركون في التجربة عن مستوى التنوّع الجندري (أي التنوّع بين الذكور والإناث)، كانوا أميل إلى وصف المجموعات التي تنطوي على تنوّع عرقي، بأنها أكثر تنوّعاً من الناحية الجندرية. وفي تجربة أخرى، كانت المجموعات التي ارتدى أفرادها قمصاناً ملونة بألوان مختلفة خلال عملهم على مهمة معينة أميل إلى القول لاحقاً بأن فريقهم كان متنوّعاً من الناحية الجندرية من المجموعات التي ارتدى أفرادها قمصاناً من اللون ذاته – رغم أنّ كل المجموعات كانت تضم المزيج ذاته من الرجال والنساء. ولوحظ هذا التأثير أيضاً في حالة المؤشرات الأقل وضوحاً على التنوّع. فعلى سبيل المثال، أطلق المشاركون في تجربتين أخريين أحكاماً خاطئة على المجموعات معتبرين بأنها تنطوي على تنوّع عرقي كبير عندما كانت هذه المجموعات تشمل أشخاصاً يمتلكون مهارات متنوعة في مجال البرمجة.

وقد وضع الباحثون فرضية تقول بأن هذه العيوب في إطلاق الأحكام على الأمور، تحصل لأنه عندما يحاول الناس تقويم التنوّع يستعملون أي إشارة إلى وجود تغاير (وعدم التجانس) كدليل يساعدهم على الاستكشاف، وهي عبارة عن آلية مختصرة تشمل إطلاق تعميمات بناء على معلومات محددة. ووفقاً لأحد هؤلاء الباحثين، وهي البروفيسورة المساعدة في جامعة ستانفورد ليندريد غرير، فإن هذا الأمر قد يفسّر لماذا لجأت الشركات في وادي السيليكون تاريخياً إلى توظيف أشخاص من مختلفات الأعراق ولكنها وظفت عدداً أقل نسبياً من النساء: فمدراء التوظيف يرون التنوّع العرقي، وهو يغطي على غياب التنوّع الجندري. ويتبين بأن تقديم إجابة صحيحة على عدة أبعاد في الوقت ذاته عن السؤال التالي "هل نحن لدينا تنوّع؟" هي عملية صعبة برأي غرير.

ويحذّر الباحثون من أن النظرة غير الدقيقة إلى التنوّع يمكن أن تقود إلى إدارة سيئة. فإذا بالغت إحدى المديرات في تقدير التنوّع في المهارات الموجودة لدى أعضاء فريق مكوّن من أشخاص ينتمون إلى أعراق مختلفة، فإنها قد توجّه الفريق نحو حل مشاكل جديدة، عوضاً عن تطبيق الحلول الحالية. ولعل الأهم في كل ذلك هو ما يقوله الباحثون من أن نتائجهم، يمكن أن تقود إلى التشكيك في الكثير مما كُتب حول إذا ما كان التنوّع يحسّن أداء الفرق والمؤسسات، لأن الكثير من الدراسات اعتمدت على مقاييس للتنوع قائمة على التقديرات الذاتية للأشخاص المعنيين. وقد كتب الباحثون بأن الدراسات الجديدة التي تأخذ بعين الاعتبار التشوّهات الموجودة في نظرة الناس إلى المجموعات "قد تسمح لنا بالتوصّل إلى استنتاجات ذات طابع أكثر علمية بخصوص تبعات التنوّع ونتائجه".

نبذة عن البحث: نبذة عن البحث: "التأثيرات التي تقود إلى التحيّز في الحكم على التنوّع" (Spillover Bias in Diversity Judgment)، تأليف ديفيد دانيالز، ومارغريت نيل، وليندريد غرير (ورقة عمل).

الحوكمة

تفكيك أسطورة المستثمر الخامل

خلال السنوات العشرين الماضية، تضاعف حجم أصول الصناديق المشتركة (Mutual Fund) التي تملكها صناديق المؤشرات (Index Funds) أو ما يُعرف بالمستثمرين الخاملين (Passive Investors) (أي المستثمرين على المدى الطويل) بمقدار ثلاث مرات تقريباً، وهو تطوّر ينظر إليه بوصفه أمراً مؤذياً لحوكمة الشركات.

فعندما يستخدم المستثمرون الناشطون سلطتهم الاستنسابية لشراء أسهم شركة ما و بيع هذه الأسهم، فإنهم بذلك يكونون كمن يصوّت على استراتيجية الشركة، وبالتالي يكافئ قادتها أو يعاقبهم على الأداء. وحتى عندما لا يشترون ويبيعون، فإنهم غالباً ما يكونون في حالة حوار مع المدراء التنفيذيين معتمدين على التهديد بالبيع لإقناع المدراء بتغيير الاستراتيجية أو زيادة توزيعات الأسهم أو برامج إعادة شراء هذه الأسهم.

لكنّ مدراء صناديق الاستثمارات الخاملة لا يستطيعون فعل ذلك – فهم مضطرون للاحتفاظ بسهم لشركة مدرجة على مؤشر (S&P 500) مثلاً، بغضّ النظر عن رأيهم باستراتيجية الشركة، لأن السهم ببساطة موجود على المؤشر الذي يتّبعون حركته (بعض النقّاد يشيرون إلى هؤلاء المستثمرين الخاملين بالمستثمرين "الكسالى"). ورغم وجود آراء متفاوتة وسط المعنيين بالقطاع المالي تجاه "المستثمرين الناشطين" وتكتيكاتهم، والتي ينظر إليها أحياناً بوصفها قاسية وشديدة الوقع، إلا أنّ المؤيدين يقولون بأن تأثير المساهمين هو أحد أسباب نجاح الرأسمالية. وكما يصف مدير صندوق التحوّط بيل آكمان الأمر فإن "الإشراف النشط .... هو أمر أساسي لضمان حسن أداء الشركات على المدى البعيد". أما المستثمرين الخاملين في المقابل، وعلى الرغم من كونهم لا يستطيعون التهديد ببيع الأسهم، إلا أنهم يستطيعون التأثير في سلوك الشركة من خلال الأصوات التي تتم بالوكالة وغير ذلك من الطرق. يقول فريدريك ويليام ماك ناب الثالث، الرئيس التنفيذي لصندوق فانغارد (Vanguard)، وهي الشركة الاستثمارية العملاقة التي تتّبع المؤشرات: "نحن سوف نحتفظ بسهمكم... في الوقت الذي يهرع فيه الجميع إلى بيعه. وهذا هو بالضبط السبب الذي يبيّن حجم اهتمامنا الكبير بالأداء الجيد".

ولكي يرى الباحثون في وارتون وكلية بوسطن كيف تؤثّر الملكية الخاملة على الممارسات في مجال الحوكمة، لجؤوا إلى دراسة الشركات القريبة من الحد الفاصل بين الشركات التي تتّبع مؤشر (Russell 1000) (وهو مؤشر للشركات الكبيرة) و(Russell 2000) (وهو مؤشر للشركات الأصغر حجماً). وبسبب الطريقة المتّبعة في تكوين هذين المؤشرين، فإنّ الشركات الأصغر حجماً في مؤشر (Russell 1000) (ولنقل أدنى 250 شركة) تمتلك نسب مئوية أدنى من المستثمرين الخاملين مقارنة بالشركات الأكبر حجماً في مؤشر (Russell 2000)، لكن الشركات تُعتبر متشابهة في كل الأمور الأخرى. وقد قام الباحثون بتحليل الممارسات في مجال الحوكمة في كلتا المجموعتين في محاولة منهم لتحديد تأثير الملكية الخاملة على السياسات، والسلوك، والأداء.

النتيجة المفاجئة التي توصّل إليها الباحثون، هي أن نسبة الملكية الخاملة الأعلى، تقترن بوجود عدد أكبر من أعضاء مجلس الإدارة المستقلين. فالشركات التي لديها ملكية خاملة عالية أميل إلى إزالة الدفاعات في وجه عمليات الاستحواذ والتخلّص من هيكليات الأسهم – وهي إجراءات تدل عادة على حوكمة جيدة تراعي مصالح المساهمين. كما وجد الباحثون بأن الملكية الخاملة الأعلى تقترن بربحية أعلى وقيمة أكبر للشركة. ويبدو عملياً بأن المستثمرين الخاملين، يعزّزون الأداء من خلال الدفع باتجاه إدخال إصلاحات أثبتت نجاحها على عملية الحوكمة دون الاضطرار إلى المراقبة المكثفة واللصيقة والمكلفة. فهل هذا يعني بأننا يجب أن ننظر إلى هذه المؤسسات الاستثمارية بوصفها "خاملة وناشطة" في الوقت ذاته عوضاً عن نظرتنا الحالية؟ بالنسبة لأحد الباحثين في كلية بوسطن، وهو إيان آبيل، الإجابة هي كلا. فكلمة "خامل" برأيه "تصف الطريقة المستعملة في انتقاء الأسهم" لكنها لا تعني بأن هذه المؤسسات خانعة أو كسولة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الإدارة. فالشركات التي لديها سهم تملكه صناديق المؤشرات الكبيرة "

يبدو بأنها تواجه قاعدة مساهمين تشكّل تحدياً أكبر لها".

نبذة عن البحث:  "مستثمرون خاملون، لا مالكون خاملون" (Passive Investors, Not Passive Owners)، تأليف إيان آبيل وتود غورملي، ودونالد كايم. (مجلة علم الاقتصاد المالي، عدد يوليو/ تموز 2016).

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي