تعتبر الاختلافات في الآراء والنقاشات التي تحدث في مكان العمل من الأمور الصحية والطبيعية، أما المشاجرات فهي الأمر غير الصحيح بكل تأكيد. والسبب في ذلك هو أن الخلاف بين الموظف ومديره أمر مربك وهدّام مثل الشجار مع أحد أفراد الأسرة الأقوياء. كما أن النزاع مع زميل في العمل يشبه تماماً الشجار مع صديق أو شقيق. أما الصِدام مع أشخاص يمتلكون قوة أكثر أو أقل من القوة التي نملكها فإنه يشبه التنمر.
بطبيعة الحال، يتعين علينا تعلم كيفية التعامل مع الأشخاص العدوانيين في مكان العمل. لكننا في البداية نحتاج إلى فهم المصادر الحقيقية للنزاعات في مكان العمل.
تتصدر قائمتي لمصادر النزاع في مكان العمل الأسباب التالية: الشعور الشخصي بعدم الأمان والرغبة في السيطرة والتحكّم واعتياد الشخص على حالة الشعور بأنه ضحية.
لنراجع كل مصدر من هذه المصادر بدوره:
عدم الأمان: كثيراً ما نشعر بعدم الأمان تجاه شيء ما. وعندما تتحفز حالة عدم الأمان هذه، نجد أنفسنا نتصرّف بطرق لا تجعلنا فخورين بأنفسنا.
الرغبة في السيطرة والتحكم: معظم الناس يرغبون في الشعور بأنهم يتمتعون بشيء من السيطرة على حياتهم وتصرفاتهم، سواء في العمل أو في المنزل. فنحن نريد أن نكون مؤثرين. ونريد أن نساعد الناس على تحقيق الأهداف، ونرغب في الحصول على التقدير الذي نستحقه. وهذا أمر طبيعي وصحي: فالسعي الحثيث لإيجاد طرق للتأثير في الناس وتحفيزهم لصالح المجموعة هو المثال النموذجي للقيادة الجيدة. ولكن لسوء الحظ، العديد من الناس واقعون تحت رحمة هذه الحاجة الإنسانية. وعوضاً عن العمل مع الآخرين، يصبح هدفهم هو وضع أنفسهم فوق الآخرين. وعندما يتخذ الوضع حالة مرضية، فإن الأهداف المشتركة لا تعد مهمة بعد ذلك، ولا يعتبر الثناء المشترك على العمل خياراً. فهذا الموقف، ومهما كان مخفياً، يجعل الجميع في حالة استنفار دائمة ويضعهم في حال دفاعية. والسبب في ذلك هو معرفتنا بأنه حتى الاختلافات الطبيعية على أشياء مثل الموارد هي عبارة عن صراعات غريزية حول من يمتلك السلطة على من لا يمتلكها.
اعتياد الشخص على حالة الشعور بأنه ضحية: يمكن لعدم الأمان أن يكون أمراً جيداً – إذ يعني أننا على تماس مباشر مع نواقصنا وأننا مستعدون للتعلم. والعديد من الناس يستعملون قواهم استعمالاً جيداً، لصالح المجموعة. إلا إن اعتياد الشخص على حالة الشعور بأنه ضحية لا تنطوي على أي شيء إيجابي مهما كان.
وبالتالي، كيف بوسعنا التعامل مع النزاعات في مكان العمل؟
أول أمر يجب فعله هو الإقرار بأن النزاع في مكان العمل حقيقي وقابل للتوسع، وهو ينطوي على قدر من الألم يساوي بالضبط الألم الذي يتحمله الشخص في النزاعات والصراعات في مجالات أخرى من الحياة. لذلك دعونا نتوقف عن التظاهر بأنه أكثر عقلانية، وأكثر صحية نوعاً ما، من النزاعات الأخرى التي تندلع في حياتنا.
ثانياً، نحن بحاجة إلى امتلاك شعور حقيقي بالتعاطف والمحبة تجاه الآخرين. ما هي العوامل التي تحرّكهم؟ ما هي الأشياء التي تسبب لهم حالة عدم الأمان؟ كيف سنشعر لو كنا في مكانهم؟ هذا النوع من التفكير ليس بسهلاً، ومن المغري أن تدع القوالب النمطية والتحيّزات التي لديك ترشدك إلى إصدار أحكامك.
أخيراً، مشاعرنا نحن مهمة ولها تأثير كبير علينا، وينبغي تلبيتها أولاً ودائماً، وليس تركها إلى وقت لاحق. لذلك، فإن التعامل مع النزاع في مكان العمل يبدأ بالوعي الذاتي. ما هي الأشياء التي تشعر بعدم الأمان تجاهها؟ لماذا؟ وما الذي يحصل عندما تُهدد حريتك، أو يحاول أحدهم أن يسيطر عليك؟ وهل تجعل من نفسك ضحية؟ لماذا؟ وكيف يكون ذلك في مصلحتك أو يخدمك؟ وما هي المجالات الأخرى في حياتك التي تقوم فيها بذلك؟ وهل هي مفيدة حقاً؟
هذا النوع من الوعي الذاتي ليس شيئاً سطحياً، بل هو عميق جداً. وسيساعدك كثيراً، وليس فقط أنت، ولكن سيكون مفيداً أيضاً لزملائك ومؤسستك.