المشكلة
تبذل الشركات جهوداً كبيرة للبقاء على مسارها، حتى وإن كانت ملتزمة في سعيها للتطور المستمر. والسبب في ذلك بحسب الدراسات هو التحيزات المتجذرة في المؤسسات، ما يجعلنا نشدد التركيز على النجاح ونتصرف بسرعة أكثر من اللازم ونبذل جهوداً كبيرة للاندماج ونعتمد أكثر على الخبراء الخارجيين.
العقبات
تظهر هذه التحيزات في 10 حالات تعيق التعلّم. وتتضمن هذه الحالات الخوف من الفشل وعدم التفكير بصورة كافية والاعتقاد بوجوب الامتثال وعدم مشاركة الخطوط الأمامية في معالجة المشكلات بصورة كافية.
الحلول
يمكن أن يستخدم القادة مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات للتغلب على التحيز. من ضمنها التأكيد على أنّ الأخطاء هي فرص للتعلم، وزيادة عدد الاستراحات في جداول العمل ومساعدة الموظفين في التعرف على نقاط قوة الشخصية لديهم وتفعيلها، وتشجيع الموظفين على الاعتراف بالمشاكل التي تؤثر عليهم.
في الواقع، يؤمن جميع القادة أنه يجب على مؤسساتهم التعلم والتطور كل يوم من أجل استمرار قدرتها على المنافسة. لكن حتى الشركات التي لمعت أسماؤها لالتزامها بالتعلم المستمر تواجه صعوبة في تطبيق المبادئ التي تنادي بها بصورة دائمة.
خذ مثلاً شركة "تويوتا" التي جعلت من التطور المستمر واحداً من أعمدة فلسفتها الشهيرة. فبعد أن واجهت الشركة مشاكل كبيرة في أواخر عام 2009، ما اضطرها لسحب ما يزيد عن 9 ملايين مركبة من جميع أنحاء العالم، اعترف قادتها أنّ سعيهم لتُصبح شركتهم أكبر مصنّع سيارات في العالم حدّ من حرصهم على التعلم.
لماذا تعاني الشركات من صعوبة بقائها "مؤسسات تتعلم"؟ لقد وصلنا إلى نتيجة بعد إجراء بحوث على مدى العقد الماضي ضمن مجال واسع من الصناعات، مفادها: يؤدي التحيز إلى التركيز أكثر من اللازم على النجاح والتصرف بسرعة أكبر من اللازم وبذل مجهود أكبر مما ينبغي للاندماج والاعتماد أكثر على الخبراء. وفي هذا المقال سنناقش كيف تتضارب هذه الميول الراسخة لدى الإنسان مع التعلم، وكيف يمكننا مقاومتها.
التحيز للنجاح
ربما يقول قادة المؤسسات أنّ التعلم ينتج عن الفشل، ولكن ممارساتهم تعكس انشغالهم بالنجاح. وهذا أمر متوقع، ولكنه غالباً ما يكون مبالغاً فيه، ما يعيق التعلم بسبب أربع تحديات تنشأ عنه وتتمثل هذه التحديات بالتالي:
التحدي الأول: الخوف من الفشل
يمكن أن يطلق الفشل سيلاً من المشاعر المؤلمة، كالشعور بالجرح والغضب والعار أو حتى الاكتئاب. وبالنتيجة يحاول معظمنا تجنب الأخطاء، فعندما تقع الأخطاء نحاول إخفاءها وتجاهلها. تزداد هذه النزعة الطبيعية في المؤسسات التي أسس قادتها فيها الخوف من الفشل، وغالباً ما يكون ذلك لا شعورياً. إذ يخططون للمشاريع بصورة لا تتيح الوقت ولا المال للاختبار، ويمنحون المكافآت المالية والترقيات للموظفين الذين يحققون الأهداف وفق الخطة. ولكن المؤسسات لا تطور إمكانات جديدة ولا تقوم بالمجازفات اللازمة إلا إذا تقبل المدراء الفشل وأصرّوا على مناقشته بصراحة.
التحدي الثاني: عقلية ثابتة
حددت المختصة في علم النفس كارول دويك عقليتين أساسيتين يدير الناس بهما حياتهم، وهما "العقلية الثابتة" و"عقلية النمو". فالشخص الذي لديه عقلية ثابتة يعتقد أنّ الذكاء والموهبة هما مسألة وراثية بنسبة كبيرة، فإما أن يملكهما أو لا يملكهما. كما يسعى للظهور بمشهد الذكي مهما كلفه الأمر، ويعتبر الفشل أمراً يجب تجنبه، وخوفه منه يجعله يبدو مفتقداً للكفاءة. كما تقيد العقلية الثابتة قدرة صاحبها على التعلم لأنها تجعله يركز على الأداء الجيد أكثر مما ينبغي. أما الشخص الذي يتمتع بعقلية النمو يبحث عن التحديات وفرص التعلم. ويعتقد أنه مهما بلغت مهارة الإنسان يمكنه دائما أن يصبح أفضل ببذل الجهد والتدريب، ولا يعتبر الفشل دليلاً على قلة الكفاءة وتسعده المجازفات.
التحدي الثالث: المبالغة في الاعتماد على الأداء السابق
غالباً ما يبالغ القادة بالتركيز على الأداء عند اتخاذ القرارات بشأن توظيف شخص جديد أو منح ترقية لأحد الموظفين، دون إعطاء قدرة الشخص على التعلم ما تستحقه من الاهتمام.
طورت مؤسسة "إيجون زيندر" (Egon Zehnder) العالمية للبحث التنفيذي طريقة متطورة لتقييم المتقدمين عندما أخذت مهاراتهم بعين الاعتبار إضافة إلى إنجازاتهم السابقة. ولكنها وجدت في العديد من الحالات أنّ المتقدمين الذين يبدون متساوين على الورق تختلف مستويات أدائهم في العمل. لماذا؟
كانت كارينا ستريلا، وهي شريكة في المؤسسة، تؤمن رفقة فريقها بأنّ السر يكمن في إمكانية التطور لدى الأفراد. فبعد العمل لمدة عامين على مشروع تضمّن إجراء مقابلات وبحوث أكاديمية، استطاعت مع فريقها تحديد أربعة عناصر تصنع الإمكانيات، وهي الفضول والفطنة والالتزام والعزيمة. وقاموا بصياغة أسئلة تُطرح في المقابلات بالإضافة إلى تطبيق معايير القياس النفسي عبر الاستفتاءات بهدف مساعدتهم في الوصول إلى هذه العناصر. وأصبح لهذا النموذج الجديد دور رئيسي اليوم في تقييم المؤسسة للمتقدمين.
كما وجدت مؤسسة "إيجون زيندر" أنّ المتقدمين أصحاب الإمكانات العالية يتمتعون بأداء أفضل من نظرائهم الذين يملكون إمكانات أقل، ويعود ذلك لتقبلهم الشديد لاكتساب مهارات جديدة وتعطشهم للتعلم.
التحدي الرابع: تحيزنا تجاه أصحاب الفضل
من الشائع أن يعزو الإنسان نجاحه إلى عمله بجدّ وذكائه ومهارته وليس إلى الحظ، ولكنه غالباً ما يبرر فشله بسوء الحظ. وهذه الظاهرة المعروفة باسم "التحيز تجاه أصحاب الفضل" الذي يعيق التعلم (راجع مقال "لماذا لا يتعلم القادة من النجاح" من عدد أبريل / نيسان 2011 من هارفارد بزنس ريفيو).
في الحقيقة، إذا لم يدرك الإنسان أنّ الفشل هو نتيجة لأفعاله، لن يتعلم من أخطائه أبداً.
أجرينا دراسة مع كريس مايرز وطلبنا فيها من المشاركين العمل على مسألتين مختلفتين لصنع القرار وبفارق أسبوع بينهما. وكان هناك لكل مسألة جواب صحيح واحد، لكن القليل من المشاركين فقط كانوا قادرين على إيجاد الجواب الصحيح. وجدنا أنّ المشاركين الذين اعترفوا بأنهم لم يبذلوا جهداً كافياً في النشاط الأول كانت احتمالات نجاحهم في النشاط الثاني أكبر بثلاث مرات تقريباً. فقد تعلموا من فشلهم وبالتالي تمكنوا من اتخاذ قرارات أفضل.
يستطيع القادة استخدام الطرق التالية لتشجيع الآخرين على رؤية الجانب المشرق من الفشل وتبني عقلية النمو والتركيز على الإمكانات والتغلب على "التحيز تجاه أصحاب الفضل":
1- لا تعتبر الفشل عاراً
يجب أن يركّز القادة باستمرار على اعتبار الأخطاء فرص للتعلم لا سبب للخجل أو العقاب. كما يجب عليهم التصرف بطرق تعزز هذه الرسالة.
غالباً ما تبدأ آشلي غودال، مؤسسة شركة "فيل فوروارد" (Fail Forward) الاستشارية في تورنتو والتي تساعد الشركات على تعلم كيفية الاستفادة من العراقيل التي تواجهها، بطرح أسئلة على موظف الشركة التي تطلب خدماتها، مثل "هل تجازف في عملك؟"، أو "هل تدعم الشركة التعلم من الفشل بصورة رسمية؟"، إذ يستعين القادة بإجابات هذه الأسئلة من أجل فهم ما إذا كانت ثقافة شركاتهم تتضمن مناقشة الفشل بصراحة وتقبله، ومعرفة ما عليهم فعله إذا لم تكن كذلك.
2- احتضن عقلية النمو وعلّمها للآخرين
يحتاج القادة إلى تحدي تفكيرهم بشأن قدرة الناس على التطور. وجد بيتر هيسلاين وزملاؤه في بحوثهم أنّ المدراء الذين يتمتعون بعقلية النمو يستطيعون ملاحظة تطورات موظفيهم، بينما لا يتمكن المدراء أصحاب العقليات الثابتة من ذلك لأنهم محتجزون في انطباعاتهم الأولية.
عندما يتعلم الإنسان كيف يتبنى عقلية النمو يُصبح أكثر وعياً لفرص تطوير الذات وأكثر عزماً على تقبل التحديات ويميل أكثر للإصرار عند مواجهة العقبات. لذلك، أخبر الموظفين أنك تؤمن بأنهم سيتمكنون من توسيع مواهبهم إذا تبنوا عقلية النمو. عزّز تلك الرسالة بتثقيفهم حول دراسة عقليات النمو واسترجاع قصص الموظفين أصحاب الأداء المتميز المتفانين في أعمالهم والذين استطاعوا تطوير مهاراتهم مع مرور الوقت. أخيراً، أشد بجهودهم للتعلم في اجتماعات مراجعات الأداء الرسمية وغير الرسمية.
3- خذ الإمكانات بعين الاعتبار عند التوظيف والترقية
عندما تقوم بأخذ الإمكانات بعين الاعتبار عند التوظيف والترقية، وتوضحه للموظفين ستتمكن من التغلب على الانطباع الأولي الخاطئ عند المدراء، وتتمكن من التغلب أيضاً على ميلهم الطبيعي لتوظيف وترقية الأشخاص الذين يشبهونهم. كما أنه سيشجع هذا الأمر الموظفين على اختبار أشياء جديدة وطلب الدعم لتطوير إمكانياتهم. ومن شبه المؤكد في التوظيف والترقية أنّ البحث عن إمكانية التطور سيجعل المدراء يرون متقدمين للعمل ما كانوا ليلاحظوهم دون هذا الأمر. عندما بدأت مؤسسة "إيغون زيندر" بضمّ إمكانيات التعلم والتطور إلى معايير تقييم المتنافسين على المراكز الإدارية، أصبحت مجموعات المتقدمين أكثر تنوعاً من حيث العرق والجنس.
4- استخدم خطة مبنية على البيانات لمعرفة أسباب النجاح أو الفشل
يعرف معظم القادة أنّ البيانات ضرورية لمعرفة أسباب الأداء الناجح، ولكنهم لا يُصرّون دائماً على جمع المعلومات اللازمة وتحليلها. ولكن إد كاتمول، رئيس استوديوهات الرسوم المتحركة في "بيكسار وديزني" (Pixar and Disney Animation Studios) هو أحد الاستثناءات. إذ يؤمن بضرورة إجراء تحليلات بعد الانتهاء من تنفيذ المشاريع، حتى إذا كانت ناجحة، ويؤكد على أنه حتى الأعمال الإبداعية كصناعة الأفلام تتضمن نشاطات وملحقات يمكن قياسها. ويقول: "يمكن أن تبيّن لنا البيانات الأمور بصورة حيادية، وذلك يثير النقاشات ويتحدى الافتراضات التي تنشأ من الانطباعات الشخصية". (راجع مقال "كيف تحتضن بيكسار الإبداع الجماعي" (How Pixar Fosters Collective Creativity) من مجلة هارفارد بزنس ريفيو عدد سبتمبر/ أيلول 2008)
بطبيعة الحال، يُعتبر جمع البيانات أمراً مختلفاً تماماً عن قبول ما تخبرنا إياه. لقد عملنا مع العديد من المؤسسات التي يكون فيها شعار "صنع القرارات بناء على البيانات" رمزاً لتحريف الحقائق إلى أن تتمكن من كشف ما تتوقع الإدارة العليا رؤيته. ويكمن دور القادة هنا في ضمان حساسيتهم هم والمدراء الآخرين تجاه هذا الميول وعدم خضوعهم له.
التحيز للعمل
كيف تستجيب عادة عندما تواجهك مشاكل في مؤسستك؟ إذا كنت كمعظم المدراء، فستختار اتخاذ إجراء ما، وستبذل جهداً أكبر وتقضي ساعات أطول في العمل وستحمّل نفسك ضغطاً أكبر. وستشعر براحة أكثر وأنت تعمل حتى لو كان عملك غير منتج، وكان عدم فعل أي شيء هو أفضل ما يمكنك فعله.
خذ مثلاً حراس مرمى كرة القدم المحترفين واستراتيجياتهم لصد ركلات الجزاء. بحسب دراسة أجراها مايكل بار إيلي وزملاؤه، فإنّ أصحاب الأداء الأفضل هم الذين يبقون في منتصف المرمى لا الذين يقفزون نحو اليمين أو اليسار، إذ أنّ فرصتهم في صدّ الكرة تبلغ نسبة 33,3%. ومع ذلك، لا تبلغ نسبة بقاءهم في منتصف المرمى سوى 6,3%. لماذا؟، لأنهم يشعرون أنّ فشلهم في صدّ الكرة وهم يقفزون نحو جهة ما، حتى وإن تبيّن أنها خاطئة، سيكون أفضل من بقائهم ثابتين في مكانهم يراقبون الكرة وهي تمر بجوارهم.
ينطبق الكلام ذاته عن النفور من عدم التصرف على عالم الأعمال، حيث أنه عندما قمنا بمراقبة مشاركين في محاضرات تعليم التنفيذيين، وجدنا أنّ المدراء يشعرون بإنتاجيتهم عند تنفيذ المهمات أكبر من إنتاجيتهم عند التخطيط لها، وتحديداً عندما يعملون تحت ضغط الوقت المحدود. فهم يعتبرون التخطيط هدراً للجهد.
يضرّ التحيز للعمل بالتطور لسببين اثنين:
السبب الأول: الإرهاق
من المعروف أنّ الإرهاق يمنع الموظف من تعلم الأشياء الجديدة أو تطبيق ما يعلمه. مثلاً، أجرى أحدنا، وهو براد، بحثاً مع كل من هينتشين داي وكاثرين ميلكمان وديفيد هوفمان على العاملين في مشفى على مدار مناوبة تستمر 12 ساعة. وبينت نتائجه انخفاضاً بمعدل 9% بسبب امتثالهم لقوانين غسل الأيدي خلال المناوبة، إذ أنّ أهمية غسل الأيدي كبيرة لمنع العدوى المكتسبة من المشافي. وازدادت نسبة الانخفاض هذه عندما كانت فترة المناوبة حافلة جداً بالعمل. في المقابل، ارتفعت نسبة الامتثال عندما ازدادت فترات استراحة العاملين بين المناوبات.
السبب الثاني: عدم التفكير بصورة كافية
إذ لا يملك الموظف الذي يعمل باستمرار الوقت الكافي ليفكر فيما أحسنه من عمله وما أخطأ فيه. يتمثل ذلك بصورة واضحة في بحث أجريناه ضمن مركز اتصالات للدعم التقني لدى وايبرو (Wipro)، وهي شركة عالمية لتقنيات المعلوماتية والاستشارات والتمويل الخارجي في الهند، حيث قمنا بدراسة الموظفين خلال الأسابيع الأولى من تدريبهم، إذ قاموا جميعهم بالتدريب التقني ذاته، مع اختلاف أساسي. فحتى اليوم السادس من برنامج التدريب الذي دام مدة 16 يوماً، أمضى بعض الموظفين آخر 15 دقيقة من العمل للتفكير بالدروس التي تعلموها خلال اليوم والكتابة عنها. أما الموظفين الآخرين الذين هم فريق التحكم استمروا بالعمل في آخر 15 دقيقة. وضمن اختبار التدريب النهائي بعد نهاية شهر واحد كان أداء الموظفين الذين مُنحوا وقتاً للتفكير أفضل بمعدل 20% من أداء الآخرين في فريق التحكم. كما حصلنا على نتائج مماثلة لدراسات مخبرية أُخرى أجريناها على طلاب جامعيين وموظفين في مؤسسات مختلفة.
إلى جانب ذلك، هناك مجموعة طرق لعلاج التحيّز للعمل، وهي طرق واضحة لكنها لا تُطبّق كثيراً سنقوم بذكرها.
1- أضف فترات استراحة إلى جدول العمل
احرص على أن يأخذ الموظفون وقتاً كافياً لاستعادة نشاطهم والتفكير خلال أيام العمل وبين المناوبات. إذ أنه هناك العديد من المؤسسات التي تفرض على الموظفين أخذ استراحات دورية على مدار الساعة.
ومع ذلك يقول بحثنا أنه يجب على المؤسسة تقديم فترات استراحة لموظفيها أكثر مما تقدمه بالفعل. مثلاً، في شركة "مورنينغ ستار" وهي شركة تصنيع الطماطم بنظام التكامل العمودي (امتلاك الشركة لسلسلة التوريد والتصنيع)، يأخذ العمال في المزارع فترات استراحة إلزامية، بالإضافة إلى اضطرارهم التوقف عن العمل لمدة تقارب الساعة بسبب أخطاء في أقسام أُخرى من النظام، كأن يتغيب تاجر التجزئة عن الحضور. وكشفت بيانات الشركة التي قمنا بدراستها أنّ العمال أصبحوا أكثر إنتاجية في مناوبة العمل التي تستمر 12 ساعة عندما اضطروا لأخذ استراحات طارئة خلالها. المغزى من ذلك هو أنه يجب على القادة إجراء اختبارات لتحديد العدد الأفضل للاستراحات ومدتها.
ولكن بالطبع، ليس هناك ما يسمى استراحات إلزامية بالنسبة للعديد من المدراء والعاملين في مجال المعلومات، فهم من يقررون متى عليهم التوقف عن العمل وأخذ استراحة. في الواقع، كلّ من يشغل مناصب كهذه يُدرك أهمية المحادثات العابرة في الاستراحات من أجل التعلم وتبادل الأفكار. كما يتفق الجميع على أنه من الضروري أن يأخذ الإنسان كفايته من النوم ويحصل على الإجازات. ومع ذلك لا يطبق كثير منا ذلك. وهذا ما نتج عن دراسة حديثة أجراها ستابلز، إذ طرح على أكثر من 200 موظف يعملون في مكاتب ضمن أميركا وكندا أسئلة عن عادات العمل لديهم، فكانت إجابات أكثر من ربعهم أنهم لا يأخذون استراحات سوى استراحة الغداء، وعزا معظمهم ذلك إلى شعورهم بالذنب. بينما قال 90% من المدراء الذين شاركوا بالاستطلاع أنهم كانوا يشجعون على أخذ الاستراحات، و86% من الموظفين اتفقوا على أنّ الاستراحات القصيرة أثناء العمل تجعلهم أكثر إنتاجية.
لذلك، ينبغي أن تسعى لحث موظفيك على أخذ استراحات وإجازات، وأن تكون قدوة لهم. في السياق ذاته، تُظهر البحوث أنّ فوائد الاستراحة في استعادة النشاط والقوة في العمل تكون أعظمية عندما تقوم بمغادرة مكتبك أو تخرج في نزهة قصيرة. إذاً، لا تتناول الغداء في المكتب بل اخرج إلى الهواء الطلق وتمشى قليلاً، ويفضل أن يكون ذلك في حديقة أو منتزه. فذلك سيحسّن مزاجك ويجدد نشاطك وستتمكن عندئذ من إنجاز المزيد والتعلم أكثر.
2- خذ بعض الوقت للتفكير
بنفس الطريقة التي تحتجز فيها الوقت من أجل التخطيط لمبادرة ما أو لتقديم عرض ما، يجب أن تحتجز بعض الوقت يومياً، ولو كان من 20 إلى 30 دقيقة فقط، من أجل ترتيب أجندة عملك في الصباح الباكر مثلاً، أو التفكير خلال فترة بعد الظهر بكيفية سير يومك. وإذا كان وقتك ضيقاً جداً حاول أن تستثمر فترة تنقلك من وإلى العمل في التفكير العميق. فقد أشار بحث أجريناه مع جوليا لي وجون جاكيموفيتش على راكبي المواصلات من وإلى العمل في المملكة المتحدة أنّ الأشخاص الذين تلقوا رسالة نصية تشجعهم على التخطيط ليومهم التالي أثناء تنقلهم في المواصلات كانوا أقل شعوراً بالإرهاق وأكثر سعادة وإنتاجية من الأشخاص الذين في فريق التحكم.
يمكن للقادة تقديم المساعدة عن طريق هيكلة أسبوع العمل بحكمة، مثلاً، بالإصرار على ألّا تقام الاجتماعات في الأيام التي تسبق العطلة الأسبوعية مباشرة كما فعلت شركات كثيرة منها شركة "تومي هيلفيغر".
3- شجع على التفكير بعد الفعل
من خلال التفكير العميق يمكننا فهم الأفعال التي نفكر بها بصورة أفضل، ويمكننا فهم احتمال أن تتمكن هذه الأفعال من الإبقاء على إنتاجيتنا. قدم لنا مرشد حكيم نصيحة ذات مرة وقال: "لا تجعل انشغالك مبرراً لتجنب التفكير".
تقوم بعض الشركات بإيجاد طرق تمكنها من إدراج التفكير العميق ضمن نشاطاتها، وتُعتبر واحدة من أقوى هذه الطرق "التفكير كأداة تحليلية لاحقة تساعد في فهم محركات النجاح والفشل.
يُعرف جيش الولايات المتحدة في قيامة بمراجعات بعد العمل. ومن أجل ضمان اتباع الإجراءات الدقيقة، يقوم الميسّر بإدارة الأمور عوضاً عن قائد المشروع. وتتضمن المراجعة الفعالة بعد العمل مقارنة ما حدث فعلاً مع ما كان يمكن أن يحدث، ومن ثم يتم تشخيص الفجوة بينهما بدقة سواء كانت إيجابية أو سلبية.
وسواء كنت تقوم بالتفكير مع الفريق أو بمفردك، تذكر الأمور التالية. أولاً، تذكر أنّ الهدف هو التعلم، وذلك يعني أن تكون صريحاً مع نفسك، وهو أمر يستطيع الميسّر ضمانه في شروط الفريق. ثانياً، حاول أن تحصل على صورة كاملة ودقيقة عمّا يحدث. وذلك يتطلب جمع البيانات وأخذ عدة وجهات نظر بعين الاعتبار لأن نظراتنا غير مكتملة وغالباً ما تكون متحيزة. ثالثاً، حاول معرفة السبب الأساسي الذي حدد مسار الأمور. أما أخيراً، فكر كيف يمكن تطوير العمل. بالإضافة إلى إصلاح الأخطاء الواضحة في سير العمل الحالي، وخذ وقتك في تخيل كيفية قيامك بالأمور بصورة مختلفة تماماً إذا أمكنك ذلك.
التحيز تجاه الاندماج
من الطبيعي أن نرغب بالاندماج في الجو العام عندما ننضم إلى مؤسسة ما، ولكن هذا الميل يؤدي إلى تحديين للتعلم، وهما:
التحدي الأول: الاعتقاد بوجوب الامتثال
ندرك في مراحل مبكرة من أعمارنا أنّ هناك فوائد ملموسة من اتباع قواعد المجتمع والمؤسسات وقوانينهما. ونتيجة لذلك، نبذل جهوداً كبيرة لتعلم رموز سلوك العمل المكتوبة وغير المكتوبة والتقيد بها. ولكن المشكلة أنّ ذلك يقيد ما يمكن فعله للمؤسسة. وكقول ستيف جوبز المعروف: "من غير المنطقي توظيف أشخاص أذكياء وإخبارهم بما عليهم فعله. فنحن نوظف الأذكياء كي يخبرونا هم بما علينا فعله". وفي الحقيقة، عدم الشعور بالخوف من البروز يمكن أن يكسبنا الاحترام على الرغم من اعتقادنا بالعكس. وبيّن بحث قامت به إحدى المشاركات في المقال، وهي فرانشيسكا، مع سيلفيا بيليزا وأنات كينان أنّ السلوك المخالف للتقاليد، كعدم ارتداء لباس رسمي في لقاء عمل أو استخدام الشعار الشخصي على برنامج العرض التقديمي (باور بوينت) عوضاً عن شعار الشركة، يرفع من تقدير الآخرين لكفاءة الشخص ومكانته.
التحدي الثاني: عدم القدرة على استخدام القوة الشخصية
عندما يتفق الموظفون مع ما يعتقدون أنّ المؤسسة تريده، يتضاءل احتمال أن يكونوا على طبيعتهم وأن يطلقوا نقاط قوتهم.
يُظهر استطلاع رأي قامت به شركة "غاللانز" على آلاف من الأشخاص في جميع أنحاء العالم أن الإجابة الإيجابية عن سؤال: "هل لديك فرصة في وظيفتك للقيام بما تجيده كل يوم؟"، تكون مؤشراً قوياً على الارتباط بالعمل والأداء التشغيلي العالي. فعندما يشعر الإنسان بحرية التميز عن الآخرين يستطيع العمل بنقاط قوته التي يتميز بها، كالفضول وحب التعلم والمثابرة، والتعرف على فرص التطور واقتراح طرق لانتهازها. ولكن غالباً ما يخشى الإنسان إحداث تغيير على الأمور المعتادة. لذلك، يمكن للقادة الاستعانة بعدة طرق لمقاومة التحيز نحو الاندماج.
1- شجع الآخرين على صقل نقاط قوتهم
هناك شركات تسعى لتشجيع موظفيها ودعمهم عن طريق السماح لهم بقضاء بعض أوقاتهم في أعمال يقومون هم باختيارها. ومع أنّ هذا الأمر يستحق الجهد المبذول لأجله، لكن يجب على بعض الشركات بذل جهد كبير لمساعدة الموظفين على استخدام نقاط قوتهم كل يوم كجزء هام من وظائفهم.
ومن أجل بلوغ هذا الهدف، يجب على المدراء مساعدة الموظفين في التعرف على نقاط قوتهم وتطويرها، وذلك لن يكون بمجرد مناقشتها في اجتماعات مراجعات الأداء السنوية. فإحدى الطرق الفعالة هي منح الموظف تقديراً غير متوقع على شكل تقييم إيجابي. وهذا الأمر يكون شديد الفعالية خصوصاً عندما يقوم الأصدقاء وأفراد العائلة والمرشدون والزملاء بتبادل قصص عن تفوق الشخص وتميزه، حيث أنّ هذه القصص، بحسب ما تظهره بحوثنا، تطلق المشاعر الإيجابية لدى الشخص وتجعله يُدرك تأثيره على الآخرين، ويزيد من إمكانية استمراره في التركيز على نقاط القوة التي يتميز بها بدلاً من مجرد محاولة الاندماج.
لقد ساعدت هذه الطريقة شركة استشارية عالمية كبرى في معالجة المشكلة التي واجهتها عندما أصبح موظفيها يعتبرون وظائفهم مجرد عقود عمل مقابل المال، وغالباً ما كانوا يبذلون أدنى جهد ممكن لتحقيق الربح لأنفسهم وللشركة. ووجدنا أنّ التقدير غير المتوقع الذي تم تقديمه للموظفين الجدد خلال فترة الانضمام للشركة والبدء في العمل أنشأ علاقة بينهم وبين الشركة تميل أكثر إلى كونها شخصية أكثر من كونها علاقة مصالح، كما أنها قللت الإرهاق والانقلاب وحسّنت الأداء بعد مضي عام على تطبيق هذه الطريقة.
كما أنّ نتائج عملنا الذي قمنا به سابقاً مع شركة اتصالات هندية كانت مماثلة، فقد نتج عن التركيز على الأفراد ونقاط قوتهم خلال فترة انضمامهم للشركة إلى تقليص عدد الانقلابات وزيادة نسبة الرضا عند الزبائن بصورة كبيرة.
إلى جانب ذلك، يطرح المدراء الأسئلة التالية على أنفسهم من أجل معرفة ما إذا كانت مؤسساتهم تساعد موظفيها في التعرف على نقاط قوتهم والاستفادة منها أم لا:
- هل أعرف ما هي مواهب موظفيّ وهواياتهم؟
- هل أتحدث إليهم عما يجيدون فعله والمواضع التي يمكنهم تحسينها؟
- هل تتضمن أهدافنا الاستفادة من نقاط قوتهم لأقصى حد؟
2- زد الوعي وحاول إشراك الموظفين
إذا لم يكن الموظفون يرون المشكلة لا يمكنك أن تتوقع منهم التحدث عنها بصراحة. تفخر سلسة متاجر "لوز" (Lowe’s) لتجارة معدات تحسين المنازل بالتجزئة بالتزامها في أمان الموظفين، ويتحدث معظم الموظفين خلال استطلاعات رأي دون الكشف عن أسماءهم أنهم يشعرون بالأمان في عملهم. ومع ذلك يعتبر مدير الأمان والمواد الخطرة في الشركة هانك جونز أنه يجب عدم السماح بوجود ولو هفوة واحدة في نظام الأمان. ويتبع فريقه خطة متشعبة (متعددة الجوانب) لحث الموظفين على التحدث بصراحة عن الحوادث الخطرة المحتملة في المتاجر. إضافة إلى ذلك، وخلال الاجتماعات مع الموظفين في جميع أقسام المؤسسة يزيد أفراد الفريق الوعي بشأن مشكلات محددة عن طريق طرح أسئلة مثل: "هل تعلم كم إصابة كان لدينا العام الماضي؟ وهل تعلم أين وقعت هذه الإصابات؟"، كما أنّ الشركة بدأت بنشر نتائج بيانات السلامة والأمان في التقرير السنوي للمسؤوليات الاجتماعية.
بالإضافة إلى أنّ جونز قام بتغيير طريقة إدارة المدراء لاجتماعات السلامة والأمان، فبدلاً من قراءة أحدث سياسات أو قوانين الأمان، يقوم بطرح أسئلة أو مسائل وإعطاء المجموعة الوقت لإيجاد حلول لها. لذلك، تصبح الاجتماعات أكثر تعلقاً بإجراءات التطوير الفعال وليس بمواد التعلم السلبي.
3- كن نموذجاً للسلوك الحسن
يقوم مدراء "لوز" أثناء الجولات في المتاجر بالبحث عن فرص للتركيز على أهمية السلامة والتوصل إلى السبب الرئيسي للسلوك غير الآمن، بما فيه سلوكهم الشخصي. عندما صعد أحد كبار المسؤولين التنفيذيين على منصّة تحميل ضمن المتجر وهو أمر خطر، طلب منه أحد الموظفين المساعدين في المتجر النزول، فاستجاب المسؤول التنفيذي ونزل من على المنصة واحتضن الموظف وشكره أمام الآخرين، وكان ذلك ما جعل الجميع يُدرك أنّ المؤسسة تقدّر الموظفين الذين يتحدثون بصراحة.
التحيز للخبراء
قدمت حركة الإدارة العلمية عند نشأتها في أوائل القرن العشرين خطة شديدة الدقة لاختبار كيفية عمل المؤسسات. إلا أنها قامت من خلالها بترسيخ نظرية أنّ الخبراء هم أفضل مصدر لأفكار التطور. واليوم، تستمر الشركات باستدعاء الاستشاريين والمهندسين الصناعيين وفرق 6" سيغما" وما شابه ذلك عند حاجتها إلى التطوير. ويؤدي التحيز للخبراء إلى نشوء تحديين:
التحدي الأول: نظرة خبرة محدودة للغاية
تميل المؤسسات لتعريف الخبير بصورة محدودة جداً، بسبب اعتمادها على مؤشرات مثل المسمى الوظيفي والشهادات العلمية وسنوات الخبرة. لكن الخبرة هي بناء متعدد الأبعاد، حيث تساهم أنواع مختلفة من الخبرات في الفهم الدقيق للمشكلة وطريقة حلها، ويتضمن ذلك الوقت الذي أمضاه الشخص في العمل ضمن الخطوط الأمامية أو مع الزبائن أو العمل مع أشخاص محددين.
يمكن أن يؤدي التحيز للخبراء إلى سوء فهم الأشخاص للعيوب المحتملة التي ترافق ممارسة العمل لوقت طويل وبذل مجهود كبير. على الرغم من أنّ الخبرة تحسّن الكفاءة والفعالية إلا أنها ربما تجعل الشخص أكثر مقاومة للتغير وأكثر ميلاً لرفض المعلومات التي تتضارب مع رأيه.
التحدي الثاني: المشاركة غير الكافية في الخطوط الأمامية
يتمركز الموظفون في الخطوط الأمامية، أي الأشخاص الذين يشاركون بصورة مباشرة في إنشاء العروض وبيعها وإيصالها وتقديم خدماتها للزبائن والتعامل معهم، باستمرار في أفضل المراكز لتحديد المشاكل وحلها، ولكنهم غالباً ما يكونون غير مخولين لفعل ذلك. وحتى في المؤسسات التي تتبنى طريقة "التفكير الرشيقة"، وهي خطة لتحسين سير العمل تهدف إلى تحقيق مشاركة جميع الموظفين، حيث أنّ ممارسات العمل القياسية نادراً ما تتغير، وإرشادات الخبراء هي وحدها التي تُطبق.
ويمكن للتكتيكات التالية مساعدة المؤسسات في التغلب على نزعة اللجوء إلى الخبراء.
1- شجع الموظفين على احتواء المشاكل التي تؤثر عليهم
احرص على أن تتقيد مؤسستك بالمبدأ الذي يفرض معالجة المرء أي مشكلة يواجهها في زمان ومكان حدوثها، ما يمنع اعتماد الموظفين على الخبراء بصورة كبيرة ويساعدهم على تجنب تكرار نفس الأخطاء. كما تزداد فرصة النجاح الفوري في حل أي مشكلة عندما تكون المعلومات المتعلقة بها ما زالت حديثة.
على سبيل المثال، في منشآت تصنيع الطماطم "مورنينغ ستار"، ليس على الموظفين بلوغ أهداف محددة لأنفسهم وحسب، بل أيضاً البحث عن أساليب لتطوير أدائهم للعملية ذاتها. وعندما يسير أمر ما بصورة خاطئة تحت إشراف أحد الموظفين تقع عليه مسؤولية إصلاحه، ويتضمن ذلك طلب مساعدة الآخرين أو حتى الذهاب لشراء معدات جديدة (على الرغم من وجود حدود إنفاق دون تصريح متفق عليها للموظفين). وتشجع الشركة المبادرة في حل المشكلات ليس فقط عبر ثقافتها بل عبر منح المكافآت فيها، حيث يعتمد الأجر فيها على تحقيق الأهداف وعلى التطوير المستمر أيضاً.
2- اعطِ الموظفين أنواعاً مختلفة من الخبرات
لقد قمنا ببحث في بنك ياباني للاطلاع على موظفي إدخال البيانات عند قيامهم بتكرار العمل ذاته، (وهذا ما يسمى "خبرة متخصصة") وعند قيامهم بأداء مهام متنوعة (وهي "الخبرة المتنوعة"). وجدنا أنه وعلى مدى يوم واحد، كانت الخبرة المتخصصة هي الأسرع. لكن مع مرور الوقت، عزز تغيير النشاطات عبر الأيام التعلم وشدد ارتباط الموظفين بالعمل. لذا فكلتا الخبرتين، المتخصصة والمتنوعة كانتا ضروريتين للتعلم. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر منح الموظفين لأنواع جديدة من الخبرات والعمق الأبعد لكلّ منها أمراً ضرورياً جداً.
قام أحدنا، وهو براد، مع جوناثان كلارك وروبرت هاكمان بدراسة الأداء التشغيلي لمختصي الأشعة الذين يقومون بقراءة الصور الرقمية للمشافي عن بعد، مثل صور أشعة إكس وصور الأشعة المقطعية. وعلى الرغم من أهمية خبرة الطبيب الكلية كمؤشر للأداء، إلا أنّ تواتر عمل الموظف مع مشفى معينة كان أيضاً مؤشراً هاماً آخر. وعند اكتساب أخصائي الأشعة خبرة بالتعامل مع مشفى معين، يُصبح بإمكانه الاستجابة بسرعة أكبر لطلباتها ومساعدتها في تطوير إجراءات العمل فيها.
ولكن لا يزال هناك عامل آخر يؤثر في التطوير وهو الود بين أفراد الفريق. إذ أنه في دراسات الشروط التي أقمناها على عدد من الشركات، بما فيها شركات تطوير برمجيات وشركات استشارية ومؤسسات رعاية صحية ومخابر، وجدنا أنّ العمل المتكرر مع نفس الأشخاص يمكنه تعزيز التعاون ويقوي استخدام الخبرات القيمة ضمن الفريق، وتسرع الاستجابة للظروف الجديدة ويحسن كيفية دمج الأفراد لمعارفهم من أجل معالجة المشاكل بصورة فعالة.
بدأت شركة "وايبرو" (Wipro) بتشكيل فرق لأداء المشاريع على ضوء نتائج بحث تقول أنّ فرق البرمجيات التي عمل أفرادها مع بعضهم في وقت سابق كانت تميل إلى تسليم المشاريع وفق الميزانية وبجودة أعلى أكثر من الفرق التي تضم أفراداً يعملون معاً للمرة الأولى.
وبأخذ نتائج كهذه بعين الاعتبار، ينبغي على المدراء السعي لتعميق فهمهم لأنواع الصناعات والزبائن وخبرات الفريق التي تؤثر في البيئات التشغيلية لديهم. ومن ثم يجب عليهم استخدام هذه المعلومات من أجل تطوير الموظفين وتتبع ملفات خبراتهم وتوزيعهم بصورة استراتيجية. في غضون ذلك، يمكن أنّ تضطر الشركات لتغيير أنظمة المشاريع والقدرات التحليلية ونماذج التوظيف لديها. ولكن الاستثمار سيساعد الشركة في بناء فهم أعمق لكيفية تطوير التعلم والأداء مع مرور الوقت.
3- امنح الموظفين الصلاحية لاستخدام خبراتهم
يجب أن تسعى المؤسسات بجد كبير للتعرف على العقبات التي تمنع الموظفين من استخدام خبراتهم وإزالتها. ويجب أن يكون الأمر الذي يشكل تحدياً في عمل الموظف هو معالجة مشكلات الزبائن بطرق مبتكرة تُنشئ القيمة وليس اجتياز العوائق التنظيمية.
وجد إيثان بيرنستاين أنّ الموظفين في شركة تصنيع عالمية رائدة كانوا أقل إنتاجية عند عملهم تحت مراقبة المدراء (راجع مقال "فخ الشفافية" من عدد أكتوبر/ تشرين الأول 2014 من هارفارد بزنس ريفيو). ادّعت الشركة أنها تتبع طريقة "الفريق الذي يتبنى الإدارة الرشيق" (lean camp) ولكن ممارساتها تدل على غير ذلك. مثلاً، لم يكن الموظفون يشاركون أفكارهم مع الآخرين لتطوير العمليات. لذلك، كان حل بيرنشتاين المبتكر هو وضع ستائر حول أحد خطوط إنتاج المعمل لكي يتمكن الموظفين العمل في جو من الخصوصية. وكانت النتيجة: أنّ الإنتاجية ازدادت بشكل كبيرة. لذلك، يجب على القادة إيجاد طرق تمكنهم من تعزيز الموظفين، سواء بمنحهم خصوصية أكبر أو التقدير العلني لمساهماتهم أو تقديم المكافآت المالية.
لربما كان إيجاد حلول سريعة عن طريق تجاهل الأخطاء وتنظيم جداول العمل بحيث لا يكون هناك متسع من الوقت للتفكير والمطالبة بالامتثال لأنظمة المؤسسة واللجوء إلى الخبراء أقل تكلفة وأسهل على المدى القصير، ولكن هذه الطرق قصيرة المدى ستجعل قدرة المؤسسة على التعلم محدودة. بينما إذا أسّس القادة طرقاً للتغلب على التحيزات الأربعة التي تعرفنا عليها سيتمكنون من إطلاق قوة التعلم عبر عملياتهم. وعندها فقط ستتمكن شركاتهم من الاستمرار بالتطور فعلياً.