لماذا تحولت جوجل إلى ألفابت

3 دقائق

لقد كان لدينا بالأمس شركة اسمها "جوجل" (Google). أما الآن، فقد أصبحت عبارة عن مجموعة من الشركات المنفصلة المملوكة لشركة قابضة جديدة اسمها "ألفابت" (Alphabet). تُعتبر "جوجل" العلامة التجارية الأكبر بين هذه الشركات، وتشمل خدمات محرك البحث، والإعلانات، والخرائط، ويوتيوب، وأندرويد. أما الأعمال الأخرى الأقل صلة بالنسبة للشركة، وتحديداً المشروع البحثي في مجال التقانة الحيوية "كاليكو" (Calico)، ومنظم الحرارة "الترموستات نيست" (Nest thermostat)، وخدمة إنترنت الألياف البصرية، ومختبر "إكس" (X)، و"جوجل فينتشرز" (Google Ventures)، و"جوجل كابيتال" (Google Capital)، أصبحت كلها الآن شركات منفصلة تحت مظلة "ألفابت".

لماذا حصل ذلك؟ وهل سيحالفها النجاح؟

لا يزال الناس ينظرون إلى لاري بيج (Larry Page) وسيرجي برين (Sergey Brin)، اللذين أسسا "جوجل"، وكأنهما في طور التدريب ليصبحا يوماً ما مثل وارن بافيت (Warren Buffet)، ولكن كما هو الحال دائماً، تستعصي "جوجل" على المقارنة السهلة مع الشركات الأخرى، فشركة "جوجل" لم تصبح بعد مثل "بيركشاير هاثاواي" (Berkshire Hathaway)، المملوكة لبافيت، أو على الأقل هي لن تشبهها أصلاً، إذ تحاول "جوجل" أن تكون شيئاً آخر مختلفاً تماماً، وتجتهد أيضاً وإلى حدّ كبير إلى استرضاء المستثمرين، في الوقت الذي تسعى فيه إلى الحفاظ على النظرية الفريدة التي يتبناها المؤسِّسان بخصوص طبيعة شركتهما.

من الواضح بأن عملية إعادة الهيكلة هذه تتجاوب بوضوح مع حالة الركود في سعر سهم "جوجل"، وحالة عدم الارتياح التي يشعر بها المستثمرون. ولطالما حاججت أنا شخصياً بأن النظرية الحالية لـ "جوجل" بخصوص "خلق القيمة" تتمثل أساساً في توظيف أرباحها الهائلة من قسم البحث والإعلانات لاستقطاب الأشخاص الموهوبين ومن ثم إعطاء الموظفين مساحة واسعة للاستكشاف والعمل على تنفيذ أي فكرة تروق لهم. لا يتجسد هذا الأمر فقط في نمط الاستثمارات غير المترابطة وعمليات الاستحواذ التي تقوم بها الشركة، وإنما نراه أيضاً بوضوح في سياسات التوظيف، والرواتب، وأوقات الفراغ الممنوحة إلى الموظفين وتبلغ 20%.

لم يكن المستثمرون مرتاحين لهذه الاستراتيجية، لكن لاري بيج وسيرجي برين وضعا أيضاً نظام حوكمة للشركة يحميها من الضغوط التي يمارسها المساهمون من أجل التغيير. لكن في نهاية المطاف، ومع تباطؤ النمو في إعلانات محرك البحث، فإن عدم رضا المستثمرين تسبب في ركود سعر سهم الشركة. وخلال الأشهر القليلة الماضية، اتخذت الشركة خطوات للجم بعض استثماراتها، وإبطاء وتيرة النمو في مصاريفها، وكذلك تشديد القيود على السياسة الخاصة بمنح أوقات فراغ إلى الموظفين تبلغ 20%. وقد كانت هذه الخطوات بدايات في مسار التحولات في "جوجل".

المحللون من جهتهم، كان لديهم أيضاً مشاكلهم مع هيكلية "جوجل"، إذ واجهوا صعوبة هائلة في تقييم حزمة الأعمال المتنوعة التي تضطلع بها الشركة. وكان التحدي الرئيسي بالنسبة لهؤلاء المحللين هو أن أعمال القسم الأساسي للشركة لم تكن شفافة –فالعوائد المالية لقسم محرك البحث والإعلانات لم تكن قابلة للفصل عن الاستثمارات في جميع الأقسام الجديدة الأخرى. أما الهيكلية الجديدة فتضمن، على الأقل، وجود أرقام محاسبية منفصلة لأنشطة "جوجل"، وربما الأنشطة الأخرى أيضاً.

لكن في النهاية، سيحاول المستثمرون دفع الشركة نحو إجراء المزيد من التغييرات. وقد كان رد فعل السوق إيجابياً حتى الآن، إذ ارتفع سعر السهم 6%. وأعتقد أيضاً أن هذه الخطوة الجديدة ستترك أثرها الأبعد مدىً على الأداء، بما أن تزايد الشفافية في التدفقات النقدية والاستثمارات سيقود إلى قدر أكبر من الانضباط والمساءلة. لكني أشك في أن يهدئ هذا التحرك بالكامل من روع المستثمرين غير المرتاحين. فرغم أن الهيكلية المؤسسية الجديدة تزيد من مقدار الشفافية، فإن تلك الشفافية ستسلط المزيد من الضوء على حالة عدم الارتباط الموجودة بين مختلف الأنشطة التابعة لشركة "ألفابت" الجديدة. كما أنها ببساطة تسلط الضوء على السؤال المطروح حول سبب تجميع كل هذه الأعمال والأنشطة في حزمة واحدة أصلاً. فالمستثمرون لا يزالون يشترون المجموعة الكاملة من المشاريع، والآن فقط سيتمكنون من رؤية حجم الدعم الذي تقدمه إعلانات محرك البحث إلى بقية الأنشطة والأعمال الأخرى بوضوح.

بالنسبة للمقارنة بين "جوجل" و"بيركشاير هاثاواي" المملوكة من بافيت، فإن هناك بعض أوجه التشابه والاختلاف، فـ"بيركشاير" هي شركة عامة مدرجة في البورصة لكنها تدار بعقلية الشركة الخاصة، وكما هو الحال في "ألفابت"، فإن "بيركشاير" أيضاً هي عبارة عن محفظة من الأعمال غير المترابطة مع بعضها. لكن الفرق المهم بين الاثنتين هو أن أنشطة "بيركشاير" عموماً تدرّ أموالاً نقدية عليها، ويتمثل دورها في تحسين عملية توليد الأموال النقدية هذه. أما "ألفابت" فإنها على الأغلب ستشبه البقرة الحلوب التي تدرّ أموالاً نقدية لكنها موضوعة في خدمة شركة رأسمال مغامر (أو شركات رأس المال الجريء) (venture capital)، ما زالت تستثمر في المراحل المبكرة، وفي بعض الحالات، تستثمر في أعمال جديدة تستدعي استثمارات رأسمالية كثيفة.

لقد استقطبت "بيركشاير" باقة من المستثمرين الواثقين بنظريتها بخصوص "خلق القيمة"، وهذا هو التحدي الذي ما زالت تواجهه "جوجل" بوصفها باتت الآن شركة "ألفابت"، فمن هو المستثمر الذي يريد في الوقت ذاته الاستثمار في محرك بحث، وفي أبحاث تستغرق سنوات طويلة، وفي منظمات الحرارة (الترموستات)، وفي طائرات دون طيار؟ لا شك في أن الهيكلية الجديدة ستجعل الجاذبية الاستثمارية هذه أكثر شفافية، لكن الشركة لا تزال بحاجة إلى إقناع المستثمرين، كما فعلت "بيركشاير" من قبل، بأن نظريتها في خلق القيمة تُعتبر منطقية ومعقولة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي