بدلاً من الاحتفال بالانطلاقة الجديدة لإحدى الموظفات، قال مدير التسويق عنها أنها كانت صعبة المراس ومتطلبة.
لقد عُينت تلك الموظفة مؤخراً في إحدى الشركات المالية الكبرى لتحديد استراتيجيات النمو، وأمضت أول 60 يوماً من عملها في دراسة الوضع من حولها. حضرت العديد من الاجتماعات، وطرحت الكثير من الأسئلة، وأجرت بحوثاً في السوق استجابة لحملات مختلفة. بعد ذلك، وباستخدام جميع هذه البيانات، أجرت تحليل الفجوة الكلاسيكي في حين قالت الشركة أنها تريده عند توظيفها، وهو مجموعة المستهلكين الذين يمثلون التركيبة السكانية الأوسع، ومدى وصولهم إلى هذا الجمهور. وتأكدت هي وزملائها أن تحليلها كان مناسباً، ووضعوا جميعاً خطة تتكون من ثلاثة أجزاء، كما طلب مديرها، لاستراتيجيات يمكن أن تسد تلك الفجوة.
مع ذلك، تعرضت تلك الموظفة إلى الكثير من ردود الفعل السلبية، وأخبرها مديرها بأنها كانت تطرح مسائل مزعجة وصعبة. لقد وظفوها لتساهم في تطور الشركة، لكن القادة هناك يريدون تصديق أنهم رائعون أصلاً.
تعد الآراء المتعارضة والمخالفة للوضع الراهن هي مفتاح النمو والابتكار، إلا إن بعض القادة يشوهون صورة أولئك الأشخاص، ويتهمونهم بأنهم يمثلون المشكلة بدلاً من حل المشكلة التي تطفو على السطح. والسبب بسيط، إذ ليس من المريح رؤية جوانب القصور لديك. هذا الشعور بالانزعاج هو الذي يجعل القادة ينحرفون عن المسار الصحيح ويتبعون نهج الدفاع عن النفس، ولا شك أن هذه الممارسة تحد من تقدم الشركة.
لقد رأيت هذا في مواقف لا حصر لها، ويحدث ذلك عندما يكون القائد قلقاً وخائفاً من مجرد تسمية المشكلة، إذ إنه لا يعلم كيف يجد الحل لها. والفجوة بين معرفة أن أمراً ما يسير بطريقة خاطئة وعدم معرفة كيفية إصلاحه هو شعور غير مريح، اوهو ما يدفع القادة إلى الهروب منه.
كلما كان الموقف مستعصياً على الحل، زاد احتمال أن يعاقب القائد الشخص الذي طرح تلك المشكلة أمامه. هذا هو السبب الكامن وراء طريقة تناول المواقف القائمة على القيم أو الأخلاق، مثل التحرش أو المساواة في الأجر، إذ يكون من خلال تشويه صورة الشخص الذي يطرح المشكلة، وفي بعض الحالات، طرد القادة الذين يدفعون بقوة نحو التغيير بدلاً من التعامل مع المشكلات بأنفسهم.
خذ على سبيل المثال، الطريقة التي تعاملت بها شركة "جوجل" مع أحد كبار الموظفين المعنيين بتوجيه أعمال الشركة في الصين. منذ ما يقرب من عقد من الزمن، أوكلت شركة "جوجل" روس لاجونيس بمهمة حماية حقوق الإنسان في الصين. وفي إطار هذا الدور، طور لاجونيس خطة الشركة لوقف فرض الرقابة على نتائج البحث على الموقع. وجرى الاحتفال بالشركة لدعمها لحرية التعبير وخصوصية البيانات. حاز لاجونيس، الذي شغل مجموعة متنوعة من المناصب التنفيذية في شركة "جوجل"، على ثقة الجميع في الشركة، وتلقى مراجعات أداء ممتازة، ليس لعمله مع الصين فحسب، بل أيضاً لعمله بصورة عامة.
لكن ذلك تغير في عام 2019 عندما شعر لاجونيس بأن الشركة تبتعد عن القيم التي دافع عنها بتأييدهم، وقد حاول التأثير على تفكير من حوله. وفي الآونة الأخيرة، انضم إلى 1,400 موظف الذين وقعوا خطاباً داخلياً ينتقد فشل شركة "جوجل" في أن تكون شفافة حول خططها في الصين.
كان لاجونيس على خلاف واضح مع قادة الشركة، وتلقى الكثير من ردود الفعل السلبية. في أحد الأيام، تلقى نسخة من رسالة إلكترونية عن طريق الخطأ، قال فيها مدير الموارد البشرية إن لاجونيس "يثير الكثير من المخاوف"، وأعطى تعليمات للموظفين "لإجراء البحث" حوله بدلاً من معالجة المشكلات.
كذلك فعل مدير التسويق، وقائد الشركة الذي شوه صورة لاجونيس بدلاً من التعامل مع هذه المشكلة. يمكن أن يحدث هذا في أي شركة، بما في ذلك شركتك، ومن شأن هذه المسألة أن تؤثر على كل جزء فيها، من التسويق إلى المبيعات، ومع انتقال المنتج والقطاع، وعلى جميع المستويات. ربما تفكر حالياً في الموقف الصعب الذي تواجهه شركتك، ويمكنك أخذ ما سبق بعين الاعتبار.
إذاً، كيف نجري التغيير؟ إليكم مجموعة من الإرشادات للقادة الذين يحتاجون إلى مواجهة التوتر مباشرة.
أولاً، لاحظ المشكلة. في المثالين السابقين، أي شركة "جوجل" والشركة المالية، أدرك القادة أن هناك مشكلة موجودة قبل انخراط الشخص فيها. ومع ذلك، عندما تصبح الأمور مزعجة، فإنهم يضعون المشكلة وذلك الشخص في بوتقة واحدة. كثيراً ما أسأل القادة الذين يواجهون مشكلات مزعجة، ما هي الكلمة التي تصف هذا النوع من العمل الذي تواجهون مشكلات فيه، أو ما الذي يحدث هنا؟ وغالباً ما تتمحور إجاباتهم حول الزعزعة أو التغيير أو النمو. إذاً، عندما يُطرح عليهم هذا السؤال، يمكنهم أن يذكروا بوضوح أنهم يواجهون مشكلات صعبة، ولا شك أن العمل على تخطيها هو ما يدفع الشركة للتقدم. أنا فقط أذكرهم، على الرغم من شعورهم بالانزعاج، أنه عندما لم تعد لديكم الإجابات، ينبغي البدء في بناء ما سيأتي لاحقاً. إنه أمر يعلم القادة أنهم بحاجة إليه من الناحية الفكرية، لكنهم غير مستعدين لمواجهته دائماً من الناحية العاطفية.
اطرح السؤال التالي كقاعدة تتبعها دائماً: هل تذكر تقارير حالة الإدارة أو التقارير الرئيسية صراحة المشكلات المطروحة التي قد تؤثر بصورة ملموسة على مستقبل الشركة؟
بعد ذلك، حدد الإجراءات التي تريد العمل عليها لسد الفجوات وحل المشكلات الصعبة طوال الوقت. وأشدد هنا على عبارة "طوال الوقت". خذ في الاعتبار عمل ريتا ماكغراث، التي بحثت في الأسباب الكامنة وراء تمكن الشركات من الاحتفاظ سابقاً بالمزايا السوقية على مدى 20 عاماً، وهي الآن غير قادرة على فعل هذا إلا لمدة تقل عن خمس سنوات. هذه الديناميكية السريعة في السوق المتقلب تعني أننا ينبغي أن نتعلم دائماً ونتكيف وننمو ونجرب أشياء جديدة. وقد كتبت في عام 2012 أن القواعد الجديدة لخلق القيمة سوف تقتضي أن ننتقل من فرصة إلى فرصة، بطريقة أشبه بسلوك الغزال، بدلاً من أن يكون سلوكنا في السوق أشبه بسلوك الغوريلا، التي تحافظ على موقعها بينما يختفي مسكنها.
اطرح الأسئلة التالية: هل هناك آلية مستمرة لمعالجة المشكلات بعيدة المدى؟ هل يمكن طرح المشكلات الشائكة؟ هل هي عملية منتظمة؟ بينما تطور القدرة على عرض المشكلات الصعبة، قد ترغب في النظر إلى النسبة المئوية من وقتك الذي تقضيه في العمل على المشكلات الحرجة والجسيمة التي تبدو غير قابلة للحل.
أخيراً، احتفل بطرح تلك المشكلات بدلاً من تشويه صورة الأشخاص الذين يطرحونها، إذ تتمحور القيادة حول حل المشكلات بعد كل شيء. وإذا كان الموظفون لا يطرحون المشكلات فكر في السبب الكامن وراء ذلك. ربما يعود ذلك إلى أنهم يعتقدون أنك غير مهتم، أو لا يؤمنون أنك تريد الوصول إلى أفضل الأفكار لديهم، وكل من الأمرين يعدان مشكلة. كما قال كولن باول: في اليوم الذي يتوقف فيه موظفوك عن طرح المشكلات أمامك، فأنت توقفت عن قيادتهم. لذلك، بدلاً من الاحتفال بأفضل خمسة أمور تتسم بالشعبية والإنتاجية حدثت في شركتك، احتفل بتلك التي تعلمتها أنت وفريقك حديثاً بعد بذل الكثير من الجهد. عندما تفعل ذلك، سوف يدرك الموظفون أنك تقدر ما هو أبعد من الظهور بأفضل حال، وأنك تريد أن تحسّن عمل الشركة.
اطرح السؤال التالي: هل أعترف بأولئك الذين يطرحون المشكلات التي بحاجة إلى معالجة وأكافئهم؟
الموظفون الذين يطرحون المشكلات ليسوا مشتكين، بل إنهم مناصرون لك. لا يستمتع الأشخاص الذين يطرحون المشكلات بحمل الأخبار السيئة إليك، لكنهم يفعلون ذلك لدفع الشركة قدماً، ولكي يقدمون إليك المساعدة، بصفتك قائداً. ربما يعود سبب سلوكهم هذا إلى امتلاكهم لوجهة نظر مختلفة، أو نظرة جديدة مستندة إلى ذلك المكان في العالم، حيث يقفون تماماً. أو ربما لأنهم يكونون بحال أفضل عندما يعبرون عن المشكلة، بينما يعاني الآخرون في مواجهتها. إذاً، توقف عن وضع العوائق أمامهم بينما يحاولون تقديم يد العون إليك، فلا تقل: "أنا أفهم أن لديك مشكلة معنا"، بل قل: "أنا أقدر أنك تساعدنا على المضي قدماً".
يتولد الشعور بالانزعاج بين إدراك أن هنالك مشكلة وعدم معرفة كيفية إيجاد حل لها. والشعور بالانزعاج لا يشبه الشعور بعدم الأمان، بل إنه مجرد شعور مؤقت نعيش فيه أثناء سير عملنا. يقول جلال الدين الرومي: "إذا تملكك الغضب من صغائر الأمور، فكيف سيشتد عودك؟". وهنا بيت القصيد، إذ إننا نريد أن نصبح أفضل، وأن ننمو، وأن نزعزع أنفسنا والعمل. مهما كان الأمر مزعجاً، فمن الضروري التعامل معه.
ربما هذا هو المكان الذي يمكننا جميعاً الانطلاق منه لمساعدة بعضنا الآخر، في المرة التالية التي ترى فيها زميلك يحول مجرى الحديث حول مشكلة إلى الشخص الذي يطرح المشكلة، يمكنك تنبيهه برفق وطرح هذا السؤال عليه: هل هذه مشكلته أم مشكلتنا التي ينبغي إيجاد حل لها؟ علينا التحلي بالشجاعة الكافية لامتصاص الشعور بالانزعاج عندما يُطرح أمر جديد، إذ إن القائد الذي يمكنه تصحيح المسار عندما يطرح الموظفون المشكلات هو قائد يساعد شركته على النجاح. وعلينا جميعاً فعل ذلك.