لا تدع الغموض يشلّ حركتك

3 دقائق
shutterstock.com/StunningArt

عندما نواجه موقفاً يكتنفه القلق والغموض، مثل تفشي وباء أو حدوث ركود اقتصادي أو فقدان وظيفة أو تغيير أسري غير مرغوب فيه، يتصور معظمنا أنه لا يوجد جانب إيجابي لهذا الموقف، حيث نصبح وكأنما أصبنا بالشلل ونقبع في حالة أُطلِق عليها "الغموض غير المنتِج". وعلى الرغم من ذلك يتمكن البعض من إيجاد طريق للخروج من الأزمة بإيجابية. ولكن كيف يفعلون ذلك؟

على مدى السنوات الخمس الماضية درست الأشخاص الذين يتفوقون ويبرعون في ظل الأوقات التي يكتنفها الغموض. وقد كان من بين المشاركين في دراستي: مبتكرون ورواد أعمال ورؤساء تنفيذيون وفائزون بجائزة نوبل ومسعفون ومتزلجون. حددت الطرق التي يستخدمونها للنجاة في أوقات الأزمات واكتشاف القدرات الكامنة داخلهم. وفي هذا المقال أشارككم 3 عادات يمكن أن تساعدكم على تنمية "قدرتكم على التعامل في ظل الأوقات التي يكتنفها الغموض".

انفتح على جميع الخيارات الحالية والمستقبلية

عندما تهددنا حالة من الغموض غير المنتِج، قد نصبح أكثر تركيزاً على الوضع الراهن ولا نتمكن من رؤية الفرص الأرحب المتاحة أمامنا. وهذا لا يؤدي فقط إلى شعورنا بالقلق والانزعاج ولكنه أيضاً يجعلنا نتخذ قرارات متهورة أو نضيع فرصاً لأننا لا نتمكن من التعرف عليها وتمييزها. يطلق علماء النفس على هذا الميل إلى عدم رؤية الصورة الأكبر مصطلحات مثل: التحيز للوضع الراهن، وتأثير السمكة الكبيرة في البركة الصغيرة، والحرمان النسبي.

أحد الأمثلة المفضلة لدي التي توضح كيف يمكن أن يؤدي التفكير الضيق إلى اتخاذ قرارات خاطئة، هو ما وجده مالكولم غلادويل. فعندما بحث عن السبب وراء اختيار الطلاب الجامعيين استكمال الدراسة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، وجد أنه في إحدى الجامعات الأميركية النموذجية، الطلاب الذين تؤهلهم درجاتهم في امتحان السات (SAT) لأن يكونوا ضمن الثلث الأول من الطلاب كانت احتمالية اختيارهم استكمال دراستهم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تصل إلى 50%، في حين أن الطلاب في الثلث الأخير كان من المحتمل بنسبة 15% فقط أن يستكملوا الدراسة في تلك المجالات. ذهب غلادويل إلى أن الطلاب في الثلث الأخير نظروا حولهم ووجدوا أنهم ليسوا أذكياء مثل زملائهم ولذلك اختاروا دراسة التخصصات الأسهل. ولكن عندما حلل درجات اختبار "سات" (SAT) ونسبة الطلاب الذين يدرسون تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات "ستيم" (STEM) في جامعة هارفارد، وجد توزيع الدرجات نفسه. إذن ما السبب؟ يرجع السبب إلى أن الطبيعة البشرية تدفعنا إلى اتخاذ القرارات بناء على تجاربنا الحياتية وليس على أساس رؤيتنا للصورة الأكبر. فالطلاب الحاصلون على أدنى الدرجات في جامعة هارفارد هم بالتأكيد أذكياء بما يكفي للنجاح في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ولكنهم لم يستطيعوا رؤية الصورة الأكبر وبالتالي لم يُعطوا لأنفسهم فرصة. وعلى النقيض من ذلك، المبتكرون الذين أجريت دراسات عليهم تعلموا أن يبحثوا عن الفرص حيثما لا يتصور الآخرون وجودها.

إذا استطعنا أن نذكّر أنفسنا أننا في موقف أكبر مما كنا نعتقد في البداية وأنه عامر بفرص أكثر مما نتصور، حينها من المرجح بدرجة كبيرة أن نخرج بأفضل ما يمكن من نتائج. والأهم من ذلك أننا إذا فكرنا بهذه العقلية التي ترى الصورة الأكبر، سنتمكن من اجتياز شعورنا بعدم الارتياح تجاه حالة الغموض غير المنتِج بقدر أكبر من التفاؤل والهدوء. وينطبق هذا الأمر سواء كان الغموض يتعلق بمشكلات صغيرة نسبياً، مثلما يحدث عندما نفوت رحلة الطائرة ونتساءل عما يمكن فعله في الوقت الإضافي غير المتوقع، أو بمشكلات أكبر كما يحدث عندما نفقد وظيفتنا ونضطر إلى إعادة النظر في مسارنا وأولوياتنا. أي أن بإمكاننا أن نذكّر أنفسنا أنه حتى في أسوأ السيناريوهات هناك فرص رائعة متاحة أمامنا وستساعدنا على التعافي.

فكّر في الاحتمالات وليس النتائج الثنائية

في أوقات الغموض غير المنتِج، غالباً ما نحصر تفكيرنا في تخيُّل نتيجة من نتيجتين. إلا أن المبتكرين البارعين في إدارة حالة الغموض، يفكرون في الاحتمالات عوضاً عن ذلك.

وقد رأيت ما لهذا من قوة بشكل مباشر عندما كنت أدرّس دورة تنفيذية بالمعهد الأوربي لإدارة الأعمال "إنسياد" (INSEAD) في وقت تسارع أزمة وباء كورونا. إذ كان من المتوقع أن يلقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمة حول الأزمة، ما تسبب في قلق الطلاب الأجانب من أنه قد يغلق الحدود ويتركهم عالقين في فرنسا. عندما فكرنا من منطلق النتائج الثنائية، أي هل سنظل عالقين في فرنسا أم لا، شعرنا جميعاً بقدر كبير من القلق. ولكن عندما وضعنا في اعتبارنا جميع النتائج المحتملة والاحتمالات المتعلقة بها، رأينا الأمور من منظور مختلف. فقد أدركنا أن هناك احتمال كبير أن تُغلق الحدود في غضون أيام قليلة، واحتمال متوسط أن تُغلق عما قريب، واحتمال شبه منعدم أن تُغلق على الفور. وهذا جعلنا نشعر براحة كبيرة. يذكرني هذا الموقف بالمقولة المؤثرة للفيلسوف الفرنسي ميشيل دي مونتين: "كانت حياتي مليئة بالمصائب المخيفة التي لم يحدث معظمها قط".

تذكّر أن هناك دوماً فرصاً كامنة في الأزمة

هل حقاً هناك دوماً فرص كامنة حتى في خضم أكثر حالات الغموض غير المنتِج ألماً؟ أم أن القدرة على التعامل في ظل الأوقات التي يكتنفها الغموض يمتلكها المحظوظون فقط؟ هل تنطبق هذه النظرية في أوقات الأزمات والمآسي المروعة؟ أعدت مؤخراً قراءة أحد مؤلفات فيكتور فرانكل حول السنوات التي قضاها في معسكرات الاعتقال وأدهشني تركيزه على أمر محدد وهو كم كان من المهم للغاية أن يجد السجناء معنىً لحياتهم لكي يتمكنوا من النجاة حتى في ظل ما يلقونه من معاناة. وقد كانت خاتمته دليلاً قوياً على إمكانية النمو حتى في ظل الظروف التي لا يمكن تصورها، حيث قال: "يمكن أن يُسلب من [المرء] كل شيء إلا شيئاً واحداً وهو آخر ما تبقى له من حرياته الإنسانية وهو قدرته على تحديد موقفه واختيار طريقه في ظل ظروف معينة". وفرصة ممارسة هذه الحرية متاحة لنا جميعاً، وهي أمر أساسي لنتمكن من إيجاد طريق للمضي قدماً في الأوقات التي يكتنفها الغموض.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي