ملخص: تماماً كما حلت الأيقونات القابلة للنقر في نظام "ويندوز" محلّ أوامر "دوس" (DOS) الغامضة، تحلّ "منصات التطوير دون برمجة" (no-code" platforms") الجديدة محلّ لغات البرمجة ذات واجهات السحب والإفلات البسيطة. وهذا يعني أن التكنولوجيا التي كانت في السابق تحتاج إلى عمالة كثيفة ومكلفة للغاية بالنسبة للشركات الصغيرة، مثل الذكاء الاصطناعي، أصبحت الآن في متناول اليد بسهولة أكبر، ولا يحتاج الحصول عليها إلا إلى العثور على المشروع المناسب. يجب على الشركات البحث عن 3 سمات في منصات التطوير دون برمجة؛ واجهة بسيطة تساعد في إدخال البيانات في عملية تدريب النموذج بسهولة، وعملية مؤتمتة لاختيار النموذج وتدريبه (وهي مهام يقوم بها علماء البيانات عادة)، والبساطة وسهولة الاستخدام في العمليات الحالية. قد يتطلب العثور على المنصة المناسبة لشركة معينة بعض التجربة والخطأ، لكن النبأ السار هو أن أفضل المنصات تكون مفتوحة، أي أنه يمكن للمستخدمين أخذ المنصات لاختبارها في المهام المعنية وتقييم مستوى أدائها فيها.
غالباً ما يتم تطوير التكنولوجيا وفق مراحل متعاقبة بترتيب مألوف. أولاً، تقوم مجموعة صغيرة من العلماء باستخدامها ثم تتوسع قاعدة المستخدمين لتشمل المهندسين الذين يمكنهم التعامل مع الفروق التقنية الدقيقة والمصطلحات إلى أن تصبح أخيراً سهلة الاستخدام بما يكفي ليتمكن أي شخص تقريباً من استخدامها.
في الوقت الحالي، تقوم عملية بناء البرامج بالقفز إلى هذه المرحلة الأخيرة. وتماماً كما حلت الأيقونات القابلة للنقر في نظامي التشغيل "ويندوز" و"ماك" محلّ أوامر "دوس" الغامضة، تحلّ "منصات التطوير دون برمجة" الجديدة محلّ لغات البرمجة ذات واجهات السحب والإفلات البسيطة. وهذا يعني الكثير؛ في حين كان بناء برنامج يتطلب فريقاً من المهندسين أصبح المستخدم الذي يملك فكرة ما وبرنامجاً لتصفح الإنترنت قادراً على تحويل فكرته إلى واقع بنفسه، وهذا يعني أن التكنولوجيا القوية التي لم يكن بإمكان أحد تحمل تكاليف تطويرها سوى الشركات الكبيرة ذات الموارد الجيدة أصبحت فجأة في متناول الشركات الصغيرة.
ولعل الأهم من ذلك هو أنها تتيح استخدام الذكاء الاصطناعي، وهو التكنولوجيا التحويلية الأهم في هذا الجيل، من دون توظيف جيش من المطورين وعلماء البيانات المكلفين. وهذا يعني أن الشركات الصغيرة، التي تملك غالباً كميات هائلة من البيانات، ستتمكن من توظيف فوائد الذكاء الاصطناعي مثل دعم أنواع جديدة من تجارب العملاء (مثل سيارة تسلا ذاتية القيادة)، وزيادة إجمالي مبيعات الشركات (مثل الإنفاق الإعلاني القائم على الذكاء الاصطناعي في شركة "بي آند جي")، وتحسين العمليات لتحقيق الكفاءة القصوى (مثل سلسلة توريد شركة "وول مارت").
يمكن أن تصاب الشركات الصغيرة بالإرهاق وهي تحاول معرفة المكان الذي يمكنها استخدام هذه التكنولوجيا فيه والطرق التي يمكنها اتباعها، لكن كما هو الحال في الشركات الكبيرة، التي ربما خاضت بالفعل تلك العملية الطويلة للتوصل إلى طرق للاستفادة من علم البيانات، فمن المنطقي البدء باستخدام الذكاء الاصطناعي الذي تم تطويره دون برمجة في المهام صغيرة الحجم بدلاً من المشاريع الضخمة شديدة الصعوبة. من الناحية المثالية، أنت تريد:
- العمل مع البيانات التي تملكها بالفعل، فهي تنطوي على قيمة قابلة للتحقيق أكبر مما قد تظن في البداية.
- اختيار المهام ذات القيمة العالية التي يؤدي أداؤها بفعالية أكبر إلى تحفيز النمو.
- تحقيق انتصارات سريعة في المجالات التقليدية، مثل تحسين قمع المبيعات أو تقليل معدلات خسارة العملاء، كي يتمكن فريقك من معرفة طرق تطبيق الذكاء الاصطناعي على مجموعة واسعة من حالات الاستخدام.
- لا تخف من المضي قدماً بسرعة إذا لم تتمكن من تحقيق 10 أضعاف العائد على الاستثمار في أي مشروع من مشاريع الذكاء الاصطناعي، فثمة تطبيقات كثيرة تحقق عائداً مرتفعاً تساعدك على خلق القيمة.
تمنح أدوات التطوير دون برمجة الموظفين القدرة على التفكير في طرق مبتكرة لاستخدام البيانات في تحفيز عملهم أو تحسينه، وبالتالي تحسين أعمال الشركة.
خذ مثلاً أداة التقييم الذكي للعملاء المحتملين؛ تجمع فرق المبيعات العملاء المحتملين من جميع الأماكن، مثل استخراج البيانات من صفحات الإنترنت آلياً (web scraping) والاتصالات غير المرتب لها (الاتصالات الباردة) واستمارات الإنترنت وبطاقات العمل التي يتم جمعها في المعارض التجارية. لكن ما أن يجمع الفريق آلاف العملاء المحتملين يواجه مشكلة في تحديد الذين سيسعى لجذبهم منهم. عن طريق تحديد الأنماط في سلوك المستخدمين وخصائصهم الديموغرافية وديموغرافيا الشركات، سيتمكن نموذج تصنيف بسيط تم تطويره دون برمجة من تصنيف العملاء المحتملين مثلاً وفقاً لاحتمالات تحولهم إلى فرص بيعية، وهي مهمة تستعين شركات كبيرة كثيرة بالذكاء الاصطناعي لأدائها.
وعن طريق استخدام منصات تطوير الذكاء الاصطناعي دون برمجة يمكن للمستخدم إنشاء جدول بيانات بأسلوب السحب والإفلات يضم بيانات عن العملاء المرتقبين للمبيعات وضمه إلى واجهة استخدام التطبيق، واختيار بعض العناصر من قائمة منسدلة والنقر على بضعة أزرار وستبني المنصة نموذجاً وتعيد جدول البيانات وقد صنفت العملاء المحتملين من الأقوى إلى الأضعف لتمكّن مندوبي المبيعات من تعظيم الإيرادات عن طريق التركيز على العملاء المرتقبين أصحاب أعلى احتمالات الشراء.
إمكانات الذكاء الاصطناعي متاحة في كل مكان في المؤسسة، وميزة منصات التطوير دون برمجة هي أنها لا تقتصر على أي حالة استخدام معينة. يمكن استخدام هذه الأدوات للكشف عن أنماط صيانة الآلات والتنبؤ بالآلات التي يجب الانتباه لها قبل تعطلها، ويمكن أن تستخدمها فرق التسويق لاكتشاف حالات عدم الرضا وتقليل معدلات خسارة العملاء، أو تستخدمها فرق العمليات لتقليل معدلات إنهاك الموظفين. يمكن لهذه الأدوات تحديد الأنماط في النصوص أيضاً وليس في الأرقام فقط، ويمكنها استخدامها لتحليل ملاحظات المبيعات والنصوص إلى جانب سجل تاريخ المبيعات وبيانات التسويق، ما يسمح للشركات بأتمتة العمليات المعقدة.
بالنسبة للعديد من الشركات، يمكن أن يتلخص العمل مع منصات التطوير دون برمجة في العثور على المشروع المناسب والمنصة المناسبة.
من أين يبدأ العمل مع منصات التطوير دون برمجة؟
يجب أن تتوفر 3 خصائص أساسية في منصة التطوير دون برمجة التي تتمتع بالكفاءة؛
أولاً، يجب أن تضم واجهة بسيطة تسهّل إدخال البيانات في عملية تدريب النموذج، وهذا يعني التكامل مع الأنظمة الشائعة في الشركات اليوم، كأنظمة إدارة علاقات العملاء مثل "سيلز فورس" (Salesforce) وبرامج جداول البيانات مثل "إكسل"، وإذا كانت البيانات الملائمة متوفرة في عدة أماكن فمن المفترض أن تكون المنصة قادرة على دمجها.
بمجرد تحميل البيانات يجب أن تكون المنصة قادرة على تصنيف البيانات تلقائياً وترميزها بما يناسب عملية تدريب النموذج، وكل ذلك بأقل قدر من المعلومات التي يتعين على المستخدم إدخالها. على سبيل المثال، قد تحدد المنصة بعض الأعمدة في البيانات على أنها فئات أو تواريخ أو أرقام، ويتعين على المستخدم التحقق من وضع التسميات الصحيحة لهذه الأعمدة.
ثانياً، تحتاج المنصة إلى عملية مؤتمتة لاختيار النموذج وتدريبه (وهي مهام يقوم بها علماء البيانات عادة). تتوفر عدة أساليب لتعلم الآلة يعتبر كل منها الأفضل في التعامل مع نوع معين من المشكلات، ويجب أن تضم المنصة آلية بحث تساعد في العثور على أفضل نموذج بناءً على البيانات والقدرة المطلوبة على التنبؤ. يجب ألا يحتاج المستخدم إلى معرفة طرق التعامل مع "خوارزميات الانحدار" أو "خوارزميات الجار الأقرب" (k-nearest neighbor)، فمن المفترض أن تقدم المنصة الخيار الأفضل فحسب.
وأخيراً، يجب أن تتمتع بالبساطة وسهولة الاستخدام في العمليات الحالية. يجب أن تكون المنصة قادرة على مراقبة أداء النموذج بمرور الوقت وإعادة تدريبه مع تغير بيئة الأعمال وتوفر البيانات الجديدة.
طريقة اختيار المنصة المناسبة للتطوير دون برمجة
منصات تطوير الذكاء الاصطناعي دون برمجة ليست متشابهة، ويتم اختيار الأداة المناسبة بناء على احتياجات أعمال الشركة. تتراوح الحلول بين منصات تكلف بضعة دولارات شهرياً ومنصات مؤسسية تكلف مبالغ من 6 أرقام سنوياً.
قد يتطلب العثور على المنصة المناسبة لشركة معينة بعض التجربة والخطأ، والنبأ السار هو أن أفضل المنصات مفتوحة، أي أنه بإمكان أي شخص تجربتها للتعرف على طريقة عملها. بعبارة أخرى، يمكن للمستخدمين أخذ المنصات واختبارها في المهام ذات الصلة وتقييم مستوى أدائها فيها.
مثلاً، يمكن للمستخدمين مقارنة مستوى الدقة في عدة منصات بناء على أدائها النسبي على مجموعة بيانات عامة، كمجموعة بيانات الموافقة على منح الائتمان الأسترالية حيث يتمثل الهدف في تصنيف أهلية الحصول على بطاقة ائتمانية. يمكن للمستخدمين بذل أدنى جهد ممكن لمعرفة عدد المرات التي تكون فيها منصة التطوير دون البرمجة صحيحة عندما تتنبأ بنتيجة في مجموعة التحقق من الصحة، وهي مجموعة عشوائية تضم 20% من بيانات التدريب يتم الاحتفاظ بها وتشغيلها على النموذج لقياس الأداء.
لكن يمكن أن تكون الدقة مضللة في بعض الأحيان. كما أنه من الضروري مراعاة عدد النتائج الإيجابية الزائفة والنتائج السلبية الزائفة في نتائج التنبؤ. هذا مهم لا سيما بالنسبة لمجموعات البيانات "غير المتوازنة" حيث يكون من الضروري اكتشاف عدد قليل من الحالات ضمن كميات كبيرة من البيانات، كما هو الحال في حالات الاحتيال على بطاقات الائتمان أو الإصابة بالسرطان.
مثلاً، إذا قال نموذج للتنبؤ بالاحتيال على بطاقات الائتمان "لا احتيال" في كل مرة، فسيكون عالي الدقة ولكن عديم الفائدة، فالمنصة الجيدة تسجل نتائج إيجابية زائفة ونتائج سلبية زائفة.
كما يجب على المستخدمين التفكير في الوقت الذي يستغرقه استخدام هذه المنصات، وأحد المقاييس الرئيسية هو الوقت الذي تستغرقه المنصات لتدريب نماذجها. يمكن أن يختلف ذلك ما بين دقائق وساعات، وإذا استغرقت ساعات فلن تتناسب بسهولة مع جدول الأعمال المزدحم للمستخدم.
التدريب ليس العنصر الوحيد الذي يجب النظر فيه فيما يخص الوقت، وكي تكون هذه المنصات تحويلية حقاً في المؤسسة، يجب أن تكون سهلة الاستخدام لدرجة أن يتمكن الموظفون غير التقنيين من اعتمادها في عملهم. لذا يجب أن تتحقق من عمليات إعداد المستخدمين للتعامل مع المنصات المختلفة. إذا كانت عملية إعداد المستخدمين تتطلب مساعدة من قسم تكنولوجيا المعلومات أو بذل جهد كبير فمن غير المحتمل أن يهتم موظفو المبيعات أو المحاسبة بالمنصة.
وكي يتمكن عدد أكبر من الشركات من استثمار قوة الذكاء الاصطناعي في المزيد من التطبيقات على الأعمال، لا يمكن أن تكون الإجابة هي ضرورة توفير المزيد من علماء البيانات وتوظيفهم. من يجيدون البرمجة لا يتعدون ربع 1% من الناس حول العالم، ومع ذلك نرى أن البرمجيات تأكل العالم، تماماً كما كتب المستثمر التكنولوجي مارك أندرسن ببراعة قبل عقد من الزمن. لا شك في أن التطوير دون برمجة هو المستقبل.
في يوم من الأيام سيتم تحسين كل جزء من كل شركة بواسطة الذكاء الاصطناعي، ومع توفر البيانات اليوم سيكون معدل التقدم والنضج في المنصات التي تسمح لعدد أكبر من الأشخاص بتحويل هذه البيانات إلى آلات تنبؤ وتحسين مدفوعة بالذكاء الاصطناعي هو ما سيحدد سرعة تحقق ذلك.
ستساعد إزالة الاحتكاك من عملية تبني الذكاء الاصطناعي على إطلاق العنان لقوته في جميع القطاعات والسماح لغير المتخصصين بالتنبؤ بالمستقبل حرفياً. ومع مرور الوقت ستنتشر منصات تطوير الذكاء الاصطناعي دون برمجة في كل مكان كما تنتشر برامج مثل برامج معالجة النصوص أو برامج جداول البيانات اليوم.