تُدير النساء 6.4% فقط من أكبر الشركات الأميركية الخاصة والعامة وفق تصنيف مجلة "فورتشن 500"، وفي حين حققت النساء تقدماً بسيطاً، فإنّ وتيرة التغيير تجري ببطء لا يحتمل علماً أنّ 32 امرأة كنّ على رأس شركات في قائمة سنة 2017 وهي أعلى نسبة تُسجل على الإطلاق، مقارنة مع 21 امرأة فقط في قائمة سنة 2016.
ولكن ماذا لو كانت هناك طريقة لتحقيق تقدّم كبير من خلال استخدام وتطبيق أدوات واستراتيجيات مسندة بنتائج بحثية من أجل تحقيق زيادة سريعة في هذه الأرقام؟، فمن أجل تحقيق هذا الهدف، كجزء من مبادرة (100x25) الرامية إلى دفع النساء للوصول إلى منصب الرئيس التنفيذي في 100 شركة ضمن قائمة "فورتشن 500" بحلول سنة 2025، قدّمت مؤسسة "روكفلر فاونديشن" منحة إلى شركة "كورن فيري" (Korn Ferry) الأميركية المختصة بالبحث عن القادة وتوظيفهم، لتصميم وتطبيق مشروع بحثي يهدف إلى تطوير مبادرات عملية لشق قناة مهنية مستدامة ترفد المؤسسات برئيسات تنفيذيات.
وحصلنا على مشاركة 57 من المديرات التنفيذيات (41 من قائمة "شركات فورتشن 1000" و16 من شركات كبرى خاصة). ثم أجرينا مع كل منهن مقابلة فردية معمّقة للتعرف على التجارب المفصلية في تاريخهن الشخصي ومسيرتهن المهنية، واستخدمنا تقييم "كورن فيري" الإلكتروني للمدراء التنفيذيين لقياس السمات والمحركات الشخصية الرئيسية التي كان لها تأثير على مسيرتهن المهنية. وتمثل هدفنا في فهم سر نجاح هؤلاء النساء من أجل مساعدة الشركات والمؤسسات في التعرف على القيادات النسائية الواعدة لديها والاستفادة منها، فضلاً عن ضمان النجاح لعدد أكبر من النساء في المستقبل.
استخدمت شركة "كورن فيري" خلال البحث أفضل المعايير المتصلة برؤساء الشركات لدينا والتي تتضمن العلامات التي يسجلها عادة رؤساء الشركات (وهم كلهم رجال من الناحية الافتراضية) ممن سجلوا نسبة 99% لجهة الانخراط في العمل، بصفتها معياراً لتسليط الضوء على أوجه التشابه وإبراز الاختلافات بالنسبة للنساء المشاركات في البحث.
نورد في ما يلي ست أفكار انبثقت من الدراسة وبعض الاقتباسات لرئيسات الشركات التنفيذيات اللواتي قابلناهن (دون ذكر الأسماء لضمان الصراحة التامة) والمتصلة مباشرة ببناء قناة مهنية لرئيسات الشركات.
يمكن إعداد النساء خلال وقت أقصر لتولي منصب رئيس تنفيذي
قبل الحصول على أعلى منصب في الشركة، عملن رئيسات الشركات التنفيذيات المشاركات في الدراسة في عدد أكبر بقليل من المناصب والوظائف والشركات والقطاعات مقارنة مع رجال يقودون شركات بأحجام مماثلة. وفي جوهر الأمر، عملت النساء بكد أكبر ولفترة أطول للوصول إلى المكانة نفسها. وأظهرت البيانات المعيارية أنهن كن أكبر بأربع سنوات عندما أصبحن رئيسات تنفيذيات ضمن الشركات ولديهن تجربة أكثر تنوعاً في المناصب الوظيفية وقطاعات العمل. لقد أعرب القليل من النساء عن استيائهن جراء هذا التأخير. وقالت إحداهن: "لا يزال عدد أكبر مما ينبغي من النساء يتولين مناصب مساعدة. عليهن أن يثبتن جدارتهن عشر مرات أكثر قبل أن يُمنحن الفرصة عملياً، ولهذا يحتاج تطورهن الوظيفي لفترة أطول". ومع صرف النساء على ما يبدو المزيد من الطاقة والجهد لتحقيق النتيجة نفسها، تعطيهن مسيرتهن الأطول سنوات أقل لترك تأثير أثناء توليهن أعلى منصب في الشركة.
تعمل النساء بدافع تحقيق نتائج وترك تأثير إيجابي
يتجلى الاندفاع نحو تحقيق نتائج أعلى لدى النساء بصورة مختلفة عنه لدى مجموعة رؤساء الشركات المعيارية التي يهيمن عليها الرجال، على الرغم من أنّ قدراتهم تبدو متطابقة تقريباً على جبهات أُخرى. وفي حين تتمتع الرئيسات التنفيذيات بدافع مشابه يتمثل بالتعاون مع أشخاص آخرين، إضافة إلى تولي المزيد من المسؤوليات والنفوذ وتوسيع مجال العمل، توحي المقابلات بقوة بأنّ المكانة والنفوذ والمكافأة لم تكن كافية لجذب النساء لتولي المنصب. فالنساء الطموحات يترددن في الترويج لأنفسهن، إذ يحركهن أكثر الإحساس بوجود مغزى والرغبة في المساهمة بقيمة وإرساء الثقافة. إذ قالت أكثر من ثلثي رئيسات الشركات التنفيذيات المشاركات في البحث: "إنّ ما يدفعهن هو الإحساس بوجود مغزى وإنهن يؤمن بأنّ الشركة يمكن أن يكون لها أثر إيجابي على المجتمع والموظفين أو العالم المحيط بها". وقالت ربع المشاركات تقريباً: "إنّ تكوين ثقافة إيجابية كان من بين أهم إنجازاتهن". كما عبّرت امرأة عن الشعور الذي لمسناه خلال المقابلات بقولها: "بالطبع، حقق المساهمون أموالاً طائلة وحققنا كل أهدافنا. ولكن ما الذي فعلناه غير ذلك؟، ما الذي فعلناه لمجتمعاتنا وشعبنا؟"
هناك سمات محددة أساسية لنجاح النساء وهي نادرة
ارتسمت خلال دراسة تقييم رئيسات الشركات التنفيذيات مجموعة من أربع سمات وكفاءات أساسية لنجاحهن: الشجاعة، والمجازفة، والمرونة، وإدارة الأوضاع الغامضة أو غير الواضحة. قالت لنا إحدى النساء: "عندما أرسلتني الشركة إلى أتلانتا لإدارة ذلك السوق، قال رئيس القسم: ’سيتم طردنا جميعنا خلال سنة، لأن أحداً لم يتمكن من تحقيق نجاح في أتلانتا’. لكني مع ذلك ذهبت". تساعد السمات والمؤهلات الرئيسية التي مكَّنت هؤلاء النساء من النجاح في رسم وصف عام للقائد المعاصر، نظراً للطلب الأكبر على هذه المواصفات في إطار سعي مجالس الشركات إلى تطوير رؤساء شركات المستقبل. فمع القدرة على تسيير العمليات في ظروف غامضة ومعقدة، كانت هؤلاء الرئيسات التنفيذيات جاهزات للمجازفة والقيادة في عالم متقلب وسريع التغيير، وهو بالضبط ما نحتاج إليه من أجل تطوير قنوات التعاقب لمستقبلنا.
النساء يسخِّرن قوة الخبراء وفرق العمل
سجلت رئيسات الشركات التنفيذيات علامات أعلى بشكل ملحوظ، أي في مستوى 70% من معيار التواضع البالغ 55%. لقد لاحظنا هذه العلامات التي تعد مؤشراً على تجنب التباهي بالذات بصورة مستمرة وتعبيراً عن تقدير الآخرين، خلال كل المقابلات الـ57 التي أجريناها. في هذا السياق، يعكس التواضع العالي قناعة بأنه لا يمكن لفرد واحد أن يحدد النتيجة التي تحققها مؤسسة بأكملها. وبالمقارنة مع معيار رؤساء الشركات الذي يهمين عليه الذكور، سجلت النساء درجة أدنى في معيار الثقة الذي يقيس مدى اعتقادهن بأنهن يسيطرن بصورة تامة على الأحداث والنتائج التي تحدد المصير. ومثلما قالت لنا إحدى النساء: "إذن، تتولين عملاً، ثم عليك أن تتعلمي الكثير. عندما تُبدين هذا القدر من التواضع يرغب الناس في مساعدتك، وطلب المساعدة هو تعبير عن القوة وليس عن الضعف". إلى جانب ذلك، كشفت مقابلاتنا عن نساء مستعدات للاعتراف بفضل من ساهموا في نجاحهن. وتُبين العلامات التي سجلتها النساء إذا ما جُمعت نتائج المقابلات التي أجريناها، القدرة على تسخير قوة الآخرين لتحقيق النتائج المطلوبة، والاعتراف بأنه ما من أحد يمكنه بمفرده أن يحدد مستقبل الشركة.
على الرغم من قدراتهن، لا تنظر النساء إلى أنفسهن بوصفهن رئيسات تنفيذيات في المستقبل
من بين 57 امرأة من رئيسات الشركات التنفيذيات اللواتي قابلناهن، قالت خمس نساء فقط أنهن كانت لديهن على الدوام الرغبة في الوصول إلى المنصب، وقالت ثلاث منهن أنهن لم يرغبن بذلك بتاتاً لكن تولين المنصب انطلاقاً من حس المسؤولية. وقال الثلثان أنهن لم يدركن إمكانية أن يصبحن رئيسات شركات إلى أن قال لهن شخص آخر ذلك، ووصفن أنفسهن على أنهن يركزن تماماً على الدفع باتجاه تحقيق النتائج بدلاً من تقدمهن ونجاحهن الخاص. لقد كان اعتراف مدير أو مشرف بقدراتهن أساسياً في شحذ طموح الكثير من النساء على المدى البعيد. عن ذلك الأمر قالت امرأة وهي تتذكر ما حدث: "قبل تلك المحادثة، لم أتصور أنني يمكن أن أصبح أكثر من مديرة، ناهيك عن رئيسة شركة. كنت أبحث عن عمل جيد في شركة جيدة. كانت تلك المحادثة بمثابة جرس تنبيه".
التخصص في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وإدارة الأعمال والمالية أو الاقتصاد هي منصة انطلاق للنساء رئيسات الشركات التنفيذيات
بدأت 40% من رئيسات الشركات التنفيذيات مع بعض الخبرة التقنية في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضات، و20% تقريباً بدأن من إدارة الأعمال والمالية والاقتصاد. لقد كانت تخصصاتهن مماثلة لتلك التي لدى رؤساء الشركات الرجال، وتمكّن من بناء مصداقيتهن في تلك المجالات من خلال تحقيق نتائج واضحة وقابلة للقياس. وعلت أصوات نتائجهن على النوع الجندري ولم يكن مصادفة أنها كانت في مجالات أساسية تحقق من خلالها الشركات أرباحها. لقد مثّل ذلك ميزة مكّنت النساء من أن يُصبحن خبيرات ويبنين مصداقيتهن في مجال تجاري أساسي قبل أن ينتقلن ليصبحن قائدات في ذلك القطاع. ولم تبدأ أي من النساء في مجال الموارد البشرية، وهو قطاع تمثيل النساء فيه عال.
استناداً إلى بحثنا، نقترح عدة خطوات يمكن أن تتخذها الشركات لبناء قناة مستدامة لتهيئة النساء ليصبحن رئيسات تنفيذيات:
التعرف على السمات الواعدة في وقت مبكر
يتعين على الشركات أن تبادر إلى التعرف على المواهب الواعدة في وقت مبكر عبر المسار المهني وتقوم بتطويرها من خلال مساعدة النساء في توسيع مهاراتهن وتوفير المجال أمامهن لتولي الأدوار التشغيلية وفرص القيادة في حركة انتقال أفقية وعمودية للحصول على مناصب أساسية. إلى جانب ذلك، توفير التوجيه إلى كل موظفة على حدة أو عبر برنامج تطوير مهني للمواهب الواعدة. في سياق متصل، استفادت النساء اللواتي قابلناهن من وجود موجّهين في وقت مبكر من حياتهن المهنية لكنهن لاحظن تباينات. قالت إحداهن عن ذلك: "لقد وجّهوا النساء الأصغر سناً حول كيفية قيادة الناس والرجال الأصغر سناً حول كيفية إدارة شركة ناجحة".
تمهيد الطريق وصولاً إلى منصب الرئيس التنفيذي
إلى جانب التعرف مبكراً على المواهب، لاحظنا الأهمية القصوى لتأكيد تحلي النساء بإمكانيات واعدة تؤهلهن لأن يصبحن رئيسات تنفيذيات، إذ لم تفكر الغالبية العظمى من النساء حتى بإمكانية حصولهن على المنصب. وفي ثمان حالات، لم تدرك النساء أنهن يردن أن يصبحن رئيسات تنفيذيات إلى أن عُرض المنصب عليهن.
يمكن للشركات أن تقوم عن وعي بملء القناة المهنية للقيادات النسائية من خلال تصميم عملية تجمع الداعمين والموجهين والشخصيات التي يمكن اعتبارها قدوة والتي تتعرف على إمكانيات النساء وتساعدهن في تصور المسار الذي يقودهن لأن يصبحن رئيسات تنفيذيات في الشركات.
توفير الرعاة
عندما تصل النساء إلى منصب المدير التنفيذي، تتحول علاقات الدعم الأساسية من الموجّهين الذين يقدمون التشجيع والنصح إلى الرعاة الذين يؤدون دوراً عملياً في إدارة التنقلات الوظيفية وتشجيع المدراء التنفيذيين بصفتهم قادرين على أن يصبحوا رؤساء شركة محتملين. وسواء كان الراعي رئيس شركة سابقاً، أو مديراً تنفيذياً آخر، أو عضواً في مجلس إدارة، أو رئيس شركة أُخرى، ناقشت النساء الدعم الذي لا غنى عنه الذي حصلن عليه من الرعاة، بما في ذلك الآراء القاسية. وتحدثت أربع نساء عن غياب الرعاية بصفته عائقاً أمام ارتقائهن الوظيفي.
وصف الأدوار بطريقة تجذب النساء إليها
إذا ركّز الوصف الوظيفي فقط على المنصب والخبرات المطلوبة والمسؤوليات والإنجازات المتوقعة، فقد لا يتضمن حوافز محركة تلبّي توقعات كل المرشحين. لقد كان لدى رئيسات الشركات ميلاً للقيام بأدوار (أو أوجدن أدواراً) عززت مهاراتهن بطريقة أحدثت فرقاً من خلال إضافة قيمة للشركة وكذلك من خلال تقديم شيء يستفيد منه العالم والعملاء أو الموظفين.
تحتاج الشركات لأن تتحدث بصورة أوضح عن التأثير والنتائج والمساهمات المهمة التي يمكن تحقيقها من خلال تولي المنصب. ويمكن أن يخفف هذا كذلك من فرص ترك النساء الموهوبات. ومثلما قالت لنا امرأة تبحث عن مغزى يربط بين عملها وقيمها: "عندما ذهبت إلى مؤتمر التوظيف ذاك، لم تكن لدي فكرة أني أريد العمل في المبيعات، ولكن كلما عرفت أكثر عن تلك الشركة، بدا لي أنهم يناسبون إلى حد كبير مقاييسي الأكاديمية، وكذلك نظم القيم التي أؤمن بها. وتعلّمت أنها كانت طريقة مهمة جداً للحكم على الشركة".
حذار من "الجرف الزجاجي"
ترجح الدراسات اختيار النساء لأداء أدوار قيادية عليا في حالات الأزمة أو عندما تكون مخاطر الفشل أعلى. وتظهر التحولات نقاط القوة لدى العديد من النساء، خصوصاً إذا كن ميّالات للمجازفة ومواجهة التحديات، بما في ذلك رغبتهن في حل المشكلات وإحداث الفرق. ويمكن أن تصقل هذه الأوضاع الصعبة تجربة الطامحات لتولي منصب رئيس تنفيذي لشركة، وحتى الفشل يمكن أن يحسّن فرص نجاح القيادات النسائية على المدى البعيد. لكن، في كثير من الأحيان، ربما يترك الفشل وصمة أو حتى يقضي على المسيرة المهنية. ويتعين على الشركات أن توفّر الفرص للنساء لاستعادة مكانتهن في حال الفشل أمام وضع عالي الخطورة، وإلا فإنها تجازف بخسارة موهبة ثمينة.
أخيراً، يُعتبر هدفنا في شق قناة مهنية تصل من خلالها النساء إلى منصب رئيس تنفيذي لشركة ما هو هدف طموح، ويتطلب على الأرجح إعادة التفكير في كل شيء، من استهداف القيادات الواعدة إلى "بيع" أو عرض أدوار مهنية تتناسب مع ما يحرك ويحفز النساء اللواتي يمثّلن في نهاية الأمر نصف قاعدة المواهب في العالم. وفي جميع الأحوال، نحن واثقون بأنه عندما تحقق الشركات نتائج تجارية إيجابية من مشاركة القوة النسائية في رئاسة الشركات، فإنها ستوسّع انفتاحها على المواهب ذات الإمكانيات العالية وترتقي إلى مستوى التحدي الذي طرحته مؤسسة "روكفلر" (100x25).