كيف يمكنك التغلّب على العزلة الناتجة عن الإدارة التنفيذية؟

4 دقائق

"قد تكون وحيداً في الأعلى، إلا أن المنظر خلاب جداً". مثل قديم يدل على الثمن البخس الذي تدفعه لأنك رئيس تنفيذي مقابل الامتيازات والتقدير والقوة التي يمنحك إيّاها هذا المنصب.

لكن انعزالك في القمة يحد من فعالية قراراتك وقيادتك، فأنت في كلا الأمرين تحتاج إلى أن تكون -قدر الإمكان- على تماس مباشر مع أي مسألة. غالباً ما يغيب المسؤولون التنفيذيون عما يحدث في مؤسساتهم من مشكلات ومعطيات، ولا يتم تزويدهم إلا بمعلومات محددة ومفلترة عن العمليات والموظفين والعملاء. وعلى الرغم من أن ضيق الوقت يجعل هذه الفلترة ضرورية، فإن وجود مجموعة أشخاص ممن يقرّرون ما يجب وما لا يجب على المدير الاطلاع عليه يؤدي إلى تفاقم هذه العزلة.

وعلى سبيل المثال، عندما أصبح جيمس وولفنسون، رئيساً لـ "البنك الدولي"، في عام 1995، ذهب في مهمات تقصٍّ عن الحقائق في الدول النامية لفهم طبيعة المشاريع التي كان البنك ينفذها. وبعد عدّة زيارات، أدرك جيمس أنه لا يتم إطلاعه إلا على المشاريع الناجحة والقرى السعيدة ومسؤولي الحكومات الممتنين. وأخبرني أنه تعلم في النهاية الابتعاد عن مرافقة مرشدي جولاته حتى يستطيع مقابلة الأشخاص غير المستعدين لقدومه ويرى ما يحدث فعلاً. وبالتالي، تغيّر تقديره لكمية الدعم الذي يتلقاه "البنك الدولي" عن طريق الحكومات المحلية من أجل الأشخاص الذين هم بحاجته فعلاً.

وكما كتبتُ سابقاً، فإن التحفظ ضد السلطة أمر متجذر في أغلب المجتمعات، لذلك من الطبيعي أن يتحفظ الموظفون على آرائهم ومشاعرهم لكي، لا تُناقض مدراءهم أو تزعجهم. فمثلاً، أخبرتني مديرة تنفيذية في مؤسسة غير ربحية أنه عندما تم تعيينها في هذا المنصب، بعد عدة سنوات من العمل، توقف زملاؤها في العمل عن دعوتها إلى حفلات أعياد الميلاد والمناسبات الاجتماعية الأخرى، لأنهم لا يشعرون بالراحة في مصادقتها خارج إطار العمل، ما أدى إلى عزلها عن الأحداث اليومية التي تجري في المؤسسة. وانتهى بها المطاف مع علاقات أقل، وغموض حيال ما يجري من حولها.

كما تجعل السلطة القادة أقل تقبلاً لنصائح الآخرين ما يُشعر المرؤوسون بالقلق والتملق أحياناً، إذا كان المدير متقلب المزاج وغير مستقر. لقد أصبح المدراء التنفيذيّون محاطين بفريق من "التابعين"، الذين لا يعارضون قراراتهم السيئة ولا يطرحون أي آراء مختلفة. وبالتالي سيخلق هؤلاء المدراء بيئة مشابهة لهم، تكرر فيها أفكارهم بدلاً من إثرائها.

وعلى سبيل المثال، منذ عدة سنوات عملت مع مسؤول تنفيذي كان يتنافس على المنصب الأعلى في شركته. ولتحقيق غايته، شكّل هيئة خبراء من موظفي الشركة، أصحاب الآراء المختلفة، لمساعدته على تحديد مواقف واضحة نحو التحديات التي تواجهها الشركة. ونال هذا الأمر إعجاب مجلس الإدارة، ما دفعهم إلى تعيينه بمنصب الرئيس التنفيذي القادم على الرغم من أنه في الحقيقة أقل خبرة من منافسيه الآخرين.

وبصفته الرئيس التنفيذي، قرر التوقف عن الاجتماع مع هيئة الخبراء التي شكلها، وتنحية المسؤولين التنفيذيين الذين نافسوه على هذا المنصب. فقد شعر بعدم الحاجة بعد الآن إلى الاستماع إلى الآراء المعاكسة. ثم عيّن فريقه التنفيذي من الأشخاص المؤيدين لوجهات نظره، وعزل أولئك الذين لم يوافقوا على أفكاره أو أصحاب الآراء السلبية تجاه ما كان يحدث في الشركة. وبعد سنتين، أقال مجلس الإدارة هذا الرئيس التنفيذي بسبب خطته الفاشلة.

إذاً، ما الذي يجب فعله للتخفيف من عزلة المسؤولين التنفيذيين؟

أولاً: كُن مدركاً جيداً لاحتمالية أنك تخوض تجربة العزلة حقاً. لأنه غالباً ما يصعب كشفها. إذ يتطلب الانتقال إلى منصب أعلى من صاحبه إنفاق الكثير من الوقت والجهد للتكيف معه. في غضون ذلك، يبدأ الآخرون بالاتفاق مع أفكارك بصدر رحب أو توقّع كل ما تحتاجه. وربما ستلاحظ أن الناس يريدون مساعدتك. وبعد فترة، ستصبح هذه الأمور النمطية هي العادات الجديدة. لذا، اسأل نفسك إذا أحسست بالعزلة أو الانقطاع، هل يعارض الموظفون أفكارك ويناقشونك بها أم يخبرونك ما تودّ سماعه؟ هل أنت على تواصل مباشر مع المستجدات وعلى اطلاع دائم على المعطيات الحقيقية؟ أم أن كل المعطيات التي تصلك مفلترة ومحددة بالأولويات حتى تصلك الصورة الشاملة عما يجري بسهولة؟

ثانياً: كُن أكثر انفتاحاً. يُحاط جميع المسؤولين التنفيذيين بالشكليات المادية والافتراضية من حيث تصميم المكتب، وحفلات عشاء مجلس الإدارة، والتقارير المالية، والمساعدين الذين يديرون مواعيد السفر ويخططون للاجتماعات، وجدول العمل الأسبوعي المكثّف الذي لا يترك لهم وقتاً للتفكير. وحتى تتخلص من العزلة، عليك التخلص من هذا الروتين. ويُعتبر البرنامج التلفزيوني الواقعي "المدير المتنكر" (Undercover Boss)، الذي يأخذ فيه المدير دور موظف جديد، أحد أفضل الأمثلة على كيفية معرفة ما يحدث حقاً على أرض الواقع. ولكن هنالك طرق أُخرى أقل درامية. على سبيل المثال، عندما كانت شركة "زيروكس" (Xerox) تخضع لتحول إيجابي تحت قيادة آن مولكاهي، في أوائل عام 2000، كان على جميع المدراء التنفيذيين تحمّل مسؤولية مجموعة من العملاء المهمين. الأمر الذي اضطرهم إلى الذهاب لمقابلة عملائهم وسماع آرائهم حول الشركة. كما اعتادت شركة "فيديليتي" إجبار كل المسؤولين التنفيذيين على تكريس بعض الوقت للإجابة عن الاتصالات الخاصة بخط خدمة الزبائن، وبهذا يصبحون على تواصل مباشر مع العملاء.

يمكن للمدراء التنفيذيين أيضاً عقد اجتماعات مع الفرق الأقل منهم في السلم الوظيفي دون حضور مدرائهم الحاليين حول ظروف العمل ووجهة نظر العملاء وكيفية تنفيذ الاستراتيجيات. إلى جانب قدرتهم على عقد اجتماعات مفتوحة تُعطي الفرصة لجميع الموظفين لطرح الأسئلة، وأن يكونوا جزءاً من الحوار. فمنح فرص الاستماع تمنح المسؤولين التنفيذيين معطيات غير منتقاة يمكنهم أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات.

ثالثاً: شجّع أعضاء فريقك التنفيذي على الثبات عندما يخالفونك الرأي، ومناقشة أفكارك دون تردد. وتأكد من أن فريقك يضم أعضاءً يتمتعون بالشجاعة الكافية للتعبير عن رأيهم حتى بصيغة النقد. في غضون ذلك، يرى البعض تطبيق هذا الأمر سهلاً وآخرون يرونه صعب التنفيذ، لذا ينبغي عليك دائماً توظيف وترقية شخصين أو ثلاثة على الأقل لتمثيل الرأي الآخر. وعليك امتلاك قوة غرور كافية ليتحدوك شخصياً أو في اجتماعات الفريق. ويجب عليك أيضاً الاستماع إلى أفكارهم حقاً.

تُعتبر عزلة الإدارة التنفيذية جزءاً لا مفرّ منه في عمل المناصب القيادية العليا، فإما أن تحد من قدرتك على اتخاذ القرارات وتطوير الشركة نحو الأفضل، أو تستطيع التخلص منها باتباع النصائح السابقة بما يضمن تقدم الشركة إلى الأمام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي