لماذا يجب أن يكون تحسين الذات نشاطاً جماعياً؟

5 دقائق

يعتبر الاستمرار في تطوير الذات عاملاً رئيساً لتحقيق النمو الوظيفي والرضا المهني وامتلاك التأثير في العالم. وبينما حققت صناعة مساعدة الذات والمهن القيادية أرباحاً طائلة بسبب الشغف الذي نمتلكه لتطوير ذواتنا، تبقى معدلات الفشل مرتفعة لدرجة تدعو إلى القلق.

وفي استطلاع لآراء أكثر من 1,000 شخص كانوا قد وضعوا لأنفسهم أهدافاً على صعيد تطوير الذات، تبين أن 96% منهم فشلوا في تحقيق أهدافهم. ويشير مصدر آخر إلى أن 80% من القرارات التي يتخذها الناس مع حلول رأس السنة الميلادية يتم التخلي عنها بحلول شهر فبراير/شباط. لماذا كل هذا الفشل؟ يمكن أن يعزى ذلك إلى قلة الالتزام أو اختيار مجالات تطوير تصحيحية إلى حد كبير (كالتحلي بدقة أكبر أو تعلم السيطرة على انفعالاتك) بدلاً من التركيز على نقاط القوة (مثل الجري بسرعة لمسافة ميل واحد أو إيجاد طرق جديدة لتطبيق مهارتك التحليلية المميزة).

يوجد افتراض خاطئ يدعم هذه التوضيحات على نحو خطير، بالقول أنّ التطوير لدى الفرد يتم بصورة أحادية. وهذا الأمر بعيد كل البعد عن الحقيقة، حيث تركز الجهود الناجحة لتحسين الذات بشكل أساسي على الأشخاص الآخرين، بصرف النظر عن فكرتنا التقليدية العامة المتمثلة في تطوير "الذات".

ويتطرق بحث أعده أستاذا جامعة ستانفورد، جيوفري كوهين وديفيد شيرمان، إلى توضيح السبب وراء ذلك، حيث يشير الأستاذان في نظريتهما الخاصة بتوكيد الذات إلى أنّ حاجتنا إلى الحفاظ على نظرة ذاتية إيجابية تقودنا إلى التقليل من شأن تأثير نقاط ضعفنا إلى الحد الأدنى. ويرجع ذلك إلى أن دافع الأنا لدينا يصبح متحفظاً بشكل طبيعي عند محاولة تعلم أشياء جديدة. فنحن نختفي لا إرادياً حتى تصبح جهود تحسين الذات في مهب الريح. وبعبارة أخرى، يسيء البشر ملاحظة حقيقة ذواتهم على نحو سيئ. إذ إن قدرتنا على تحديد مجالات فعاليتنا أو عدمها، وأي المواهب تستحق الاستثمار فيها أو لا، تتطلب مساعدة من خلال ملاحظات ورؤى الأشخاص الموجودين في مكان أفضل لاتخاذ القرار، وهم الموجودون على جانب الاستقبال لسلوكياتنا. إضافة إلى ذلك، يكون من السهل الإبقاء على الالتزام بتغيير الشخصية، الأمر الصعب مع المشاركة الفاعلة من الآخرين.

وفيما يلي 5 طرق لبناء "فريق تحسين الذات" وضمان الالتزام بجهودك على صعيد تغيير الشخصية.

  • قم بإجراء مراجعة شهرية شاملة وغير رسمية. تعتبر جهود الشركة لجمع بيانات سنوية أو شبه سنوية، التي تمكنها من تقديم ملاحظات شاملة إلى القادة حول تقدمهم في العمل، جهوداً ممتازة وطيبة. إلا أن انتظار الحصول على الملاحظات لمدة عام أو عامين أمر خطير. ففي عملي مع مسؤولين تنفيذيين يحاولون التوسع في مجالات جديدة للقيادة، جعلتهم يجمعون فريقاً مكوناً من خمسة إلى سبعة أشخاص من زملائهم وأصدقائهم وأفراد أسرهم. ويتم اطلاع هؤلاء الأشخاص على جوانب معينة يعمل القائد على تطويرها، ثم يُطلب منهم متابعة تقدمه والنكسات التي يتعرض لها. ويقوم القائد شهرياً بالاستفسار عن كيفية أدائه، فيقدم كل شخص ثلاث إلى أربع ملاحظات تكون قد تكونت لديه خلال ذلك الشهر، إلى جانب بعض الاقتراحات التي تمكن القائد من التحسن وتجاوز النكسات. هذه العملية لا تسرع من قدرة القائد على اعتماد سلوك جديد فحسب، بل تضمن أيضاً وجود انسجام بين أهدافه والأعمال التي يقوم بها. كما أنها تعزز الالتزام لدى الآخرين تجاه نجاح القائد وتحفزهم للعمل على تحقيق نفس الهدف على صعيدهم الشخصي.
  • اخلق جواً من المسؤولية تجاه التغيير. يجب أن يكون لدى الأشخاص اعتقاد بوجود عواقب لعدم التغيير، وهو ما من شأنه أن يعزز من إصرارهم لإكمال مشوارهم نحو التغيير. فحتى عندما يُظهر الناس رغبة حقيقية في التحسن والحصول على الفوائد التي ستعود عليهم من ذلك، لا يزال ينقصهم الدافع الذي يجعلهم يبدؤون ببذل جهدهم على صعيد التطوير الشخصي. ولكن في حال علموا أنه سيكون عليهم تحمل المسؤولية عن التقدم، فإن ذلك سيغير قواعد اللعبة. على سبيل المثال، نحن نؤسس علاقات لتدريب الزملاء بين القادة في المؤسسة في خضم الجهود التي نبذلها مع عملائنا لتطوير القيادة على مستوى الشركات ككل. وتمثل هذه العلاقات مكاناً آمناً لمناقشة النكسات في جهود التطوير والاحتفال بالتقدم والحصول على نصائح حول المقاربات جديدة، والتحديات فيما بين الزملاء بمجرد انتهاء الالتزام. إن علمك بأن شخصاً ما سيسألك عن الالتزامات التي أبديتها يخلق لديك نوعاً من المسؤولية التي تدفعك لمواصلة الطريق. ومن الممكن أن يشعر الأشخاص الذين يركزون على فشلهم في الجهود السابقة للتغيير بحالة من فتور الهمة، حيث يستسلمون للصوت الذي يقول لهم في رؤوسهم "ها أنتم ترون أنكم لا تستطيعون القيام بذلك". لكن القدرة على التعبير عن الشعور بفتور الهمة أو الشك في الذات لأحد الزملاء المؤتمنين يكبح غرائزنا الطبيعية للعزل والتخريب. إن امتلاكك لزميل موثوق يساعد في تصحيح أفكارك الشخصية الخاطئة ويقوم بتوبيخك قليلاً أسفاً عليك أو إعادتك إلى الطريق الصحيح، قد يحدث فرقاً كبيراً.
  • انضم إلى الآخرين الذين يمضون في رحلات مشابهة. يمكن أن يكون التعزيز المشترك من الآخرين الذين يسعون لتحسين جوانب مشابهة من شخصيتهم مصدراً قوياً للتحفيز. ابحث عن رفيق أو مجموعة من الرفاق ممن يمكنك الاجتماع معهم بشكل دوري. يمكن أن توفر مجتمعات التعليم عبر الإنترنت أو مجموعات المناقشة أو الدورات التدريبية منصة تعليم مشتركة. فتبادل التعاطف وقصص النجاح والملاحظات حول أمور يجب الانتباه لها، ما يساعدك على بناء الثقة والالتزام لتجاوز النكسات، ويسعدك على اتباع سلوكيات جديدة. في عملي مع المسؤولين التنفيذيين في المؤسسات، أقوم بإنشاء مجموعات مكونة من أربعة إلى ستة قادة يمضون معاً في مسارات تعلم مشتركة. وتوجد قواعد أساسية حول الخصوصية والسلامة النفسية تجعل من التعرض للنقد أمراً يخلو من أي تهديد. هم قادرون على إخراج بعضهم البعض من قاع الحفرة. والأهم من ذلك أن الإحساس بعمق الانتماء تجاه نجاحات بعضنا يخلق زخماً للتغيير يمكن أن يستفيد منه باقي أفراد المؤسسة.
  • أنشئ مختبراً تتمرن فيه. يعتبر تحسين أي جانب من جوانب حياتنا عملية مستمرة ومرهقة، وتشمل هذه الجوانب تطوير مهارات جديدة وتغيير عادات سيئة واتباع مقاربات جديدة أو تقوية نقاط الضعف. فالتحسين يتطلب منا ارتكاب الأخطاء والتعلم منها. وتماماً كما يجب على عازف البيانو الموهوب أن يتمرن على الأوزان الموسيقية، لا بدّ من وجود مكان نصقل فيه أي سلوك جديد نعتمده. فمن دون التطبيق العملي يصبح التغيير تمريناً حسياً يتصور الشكل الذي سيبدو عليه التغيير ولكن لا يحاول أبداً أن يتغير. كان أحد المسؤولين التنفيذيين الانطوائيين الذين عملت معهم يجد صعوبة في الحديث أمام المجموعات مهما بلغ حجمها، ولكن منصبه كان يحتم عليه أن يقوم بذلك على نحو جيد. قمنا بالاستفادة من مجموعات المجتمع المحلي والاجتماعات داخل القسم كأماكن آمنة قليلة الخطر بالنسبة له كي يتمرن على عروض بسيطة وجلسات أسئلة وأجوبة. كما كانت إحدى عميلاتنا أيضاً بحاجة إلى امتلاك قوة أكبر أثناء تقديمها لملاحظات فردية، ولكن نفورها من الدخول في صراعات كان يجعل من الصعب عليها توجيه رسائل صارمة. قمنا بإعداد سيناريوهات لأشكال مختلفة من المحادثات، واستعانت هي بمجموعة من معارفها المهنيين من خارج المؤسسة للتمرن لمرتين أو ثلاث مرات أسبوعياً. فمهما كان نوع التحسين الذي يحاول القائد القيام به، فإنه يتطلب تجريباً ومراجعة قبل أن يصبح هذا التغيير بمثابة الواقع الجديد.
  • إذا قمت باستخدام مدرب، تأكد من أنه الشخص المناسب. قد يكون استخدام المدرب الخاص طريقة فعالة جداً للتطوير بالنسبة لبعض الأشخاص، على الرغم من أنه بكل تأكيد ليس متطلباً لتحسين الذات. ويتوفر الكثير من المدربين في مجالات القيادة والحياة والمهنة والأداء، لكن إيجاد المدرب المناسب أصعب مما يعتقد الكثيرون. ففي دراسة عالمية عن التدريب، أعزي الفشل في 65% من جهود التدريب إلى عدم الانسجام بين المدرب والعميل، و35% كانت بسبب خبرة المدرب المشكوك فيها. هناك عاملان عليك أخذهما في عين الاعتبار لاختيار المدرب المناسب لتحسين ذاتك. العامل الأول هو الانسجام. هل يمنحك المدرب شعوراً بالراحة؟ هل تعتقد أن بإمكانك أن تطلق لنفسك العنان معه؟ هل تبدو المحادثة حول الأمور المهمة محادثة عادية؟ يمكن الخلط بين مفهومي الانسجام والراحة بسهولة، لذا من الضروري التمييز بينهما. المدرب ليس شخصاً ستربطك به علاقة صداقة أو تذهب معه في رحلة سفاري. إنه شخص ستأتمنه بشكل كبير على أفكارك الشخصية وطموحاتك. والأهم من ذلك أنه شخص سيتحداك ويعطيك ملاحظات قاسية. والعامل الثاني يتمثل بالقدرات ذات الصلة. هل تمتلك خبرة تتناسب بشكل خاص مع المجال الذي ترغب في الارتقاء به؟ هل نجحت في مساعدة آخرين لاجتياز مسارات تطور مشابهة؟ ويوجد في الغالب خلط بين هذا العامل وامتلاك الشهادات. فلو كان شخص ما مستشاراً موثوقاً وفعالاً بالنسبة لأشخاص آخرين ويمتلك شهادات موقعة باسمه، فهذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون فعالاً في حالتك.

إذا فشلت في القيام بجهد ما على صعيد تحسين الذات، قم بالتحقق فيما إذا كانت توجد مشاركة كافية من الآخرين، حيث كشفت دراسة مهمة أن التحول الشخصي لا يحدث بمعزل عن التحول الاجتماعي. وإن إشراك الآخرين الذين يمتلكون اهتماماً خاصاً بتغيير شخصيتك يعني أنك تزيد من احتمالية نجاحك، وفي المقابل فإنك تساعدهم على زيادة احتمالية نجاحهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي