الأغلبية العظمى من الأشخاص الذين يبتعدون عن العمل لتنشئة أولادهم يعودون إليه في النهاية. لكن العودة ليست سهلة. إذ يُظهر بحث أجراه مركز "ابتكار المواهب"، أن 73% فقط من النساء ذوات المؤهلات العالية اللواتي أردن العودة إلى العمل تمكنّ من ذلك، و40% منهن فقط حصلن على عمل بدوام كامل. إذاً، ما المشكلة؟ وكيف يمكن تخطيها؟
من أكبر التحديات التي تواجه المحترفين في خضم تغيير وظيفي هي إدارة أنفسهم وإدارة نظرة الآخرين إليهم باعتبارهم علامة مميزة. ولأسباب قانونية، لا يستطيع مدراء التوظيف تحديد ما يدور في عقولهم، فربما تكون شخصاً أقل التزاماً وفعالية بعد أن أصبحت أباً أو أماً، وأصبحت هناك "ثغرة في سيرتك الذاتية".
لكن لسوء الحظ، عندما يكون التحيز غير معلن، يكون التعامل المباشر معه أصعب بكثير. لهذا السبب، يجب عليك المبادرة في علاج هواجسهم وإثبات عكس ذلك. إليك كيفية فعل ذلك.
أولاً، من المهم إظهار أن مهاراتك متجددة، اعتماداً على مدة ابتعادك عن العمل. حيث يقلق أصحاب العمل المحتملون من أن مهاراتك أصبحت قديمة. على سبيل المثال، ربما كانت لديك خبرة لا يشق لها غبار في التسويق، لكنك تركت عملك في 2006 وفاتك عصر وسائل التواصل الاجتماعي. وعليه، من المبرر تساؤل صاحب العمل إذا كنت على اطلاع بما يحدث. لذلك أثبت أنهم مخطئون. واحرص على إنشاء ملف شخصي قوي في موقع "لينكد إن" وجرب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، مثل "تويتر"، لمشاركة منشورات دورية عن صناعتك لإظهار أنك دائم الاطلاع على آخر الصيحات في مجال عملك. إضافة إلى ذلك، تأكد من الإشارة إلى أي خبرة تطوعية ذات صلة في رسالة التقدم للوظيفة وفي أثناء مقابلات التوظيف. وإذا ساعدت في تنظيم حملة لجمع التبرعات ضمن مدرسة ابنك أو كان المدير التنفيذي للمؤسسة الخيرية المفضلة لديك كلفك برئاسة لجنة البحوث، فإن هذه مهارات يمكنك نقلها إلى العمل الجديد.
هذه الاستراتيجية هي التي اتبعتها سماح في العودة إلى العمل. حيث كانت مصرفية سابقة ثم خرجت من العمل لمدة 20 عاماً، إلا أنها ظلّت نشطة ضمن مدرسة أولادها. وكانت "إدارة جمعية أولياء الطلاب أشبه بعمل بدوام كامل لكنه غير مدفوع"، كما تقول. إذ أكدت أنها استفادت من اجتماعات أولياء الأمور في تطوير بعض المهارات التربوية، الأمر الذي ساعدها في عملها الجديد، وهو مديرة مساعدة لأحد البرامج الجامعية.
ثانياً، حافظ على تحديث شبكة علاقاتك. إن الخبرة التطوعية أمر رائع، لكنها غير كافية. حيث تقول سماح: "إن كانت لي فرصة في الحصول على العمل، فسيكون ذلك على الأغلب من خلال شبكة معارفي. لا أعتقد أن خبرتي التطوعية ستقنع بالضرورة أي مسؤول توظيف بأنني أستحق الحصول على مقابلة عمل".
ومثال آخر، استطاعت نور العودة إلى شركتها القديمة بعد 5 سنوات من الانقطاع لرعاية أولادها. وتُعزي ذلك إلى شبكة المعارف غير المنقطعة التي كانت لديها. حيث ظلت على تواصل مع زملائها السابقين. إذ كانت تلتقي بهم كل بضعة أسابيع خلال الفترة التي قضتها خارج العمل، حتى سمعت منهم في النهاية أن هناك فرصة وظيفية جديدة في الشركة وحصلت عليها.
ثالثاً، اشرح سبب اختيارك هذا التوقيت للعودة إلى العمل. ربما يكون لدى مدير التوظيف بعض الهواجس غير المعلنة:
- هل فعلاً يريد العمل هنا؟
- هل حل مشكلة العناية بأولاده، أم سيُستدعى دوماً في كل مرة يمرض فيها أحد أولاده؟
عليك أن تبادر إلى التعامل مع هواجس المدير، وتشرح له لماذا تتقدم للوظيفة في ذلك التوقيت. ربما تكون الحاجة لكسب بعض المال عاملاً مهماً هنا في الواقع، لكن لا تذكر ذلك، لأن مسؤول التوظيف يبدأ يتساءل إن كنت ستترك عملك عند ظهور أول فرصة عمل براتب أعلى. بدلاً من ذلك، أكد أنك تتوق إلى العودة للعمل من أجل أن تكون شخصاً منتجاً، واشرح كيف تود فعل ذلك في شركتهم، وأكد له أنك الآن أصبحت في وضع يسمح لك بالعودة إلى العمل لأن مسؤوليات الرعاية بالأولاد انخفضت. حيث ستُظهرك هذه المعلومات على أنك شخص لديه الحافز ولن تشتته الالتزامات الشخصية.
رابعاً، قدّم "ضعفك" على أنه قوة. من السهل تخيل وقتك دون عمل على أنه نقطة ضعف تمتلكها، ففي نهاية المطاف، بينما كان الآخرون يجمّعون المهارات المهنية ويرتقون في المناصب، كنت أنت في طريق مختلف تماماً. هذه ستكون نظرة مدراء التوظيف غالباً. لكنك لا يمكنك قبول تلك الفكرة والاعتذار عن اختياراتك.
وكما تشير نور، فإن العودة إلى العمل بعد الابتعاد عنه لفترة يُعتبر تحدياً صعباً، لكن هذا هو حال جميع أشكال التغيير سواء تغيير الشركة التي تعمل فيها أو الانتقال إلى دور جديد. "لا تبالغ في تقدير تأثير الفترة التي قضيتها خارج العمل. وإن كنت شخصاً بأداء رفيع في السابق، ولديك المهارات المناسبة وتمتلك الدافع المتجدد للاجتهاد في العمل، فلا يزال بوسعك بكل تأكيد إضفاء فائدة للشركة". كما تؤكد نور.
بالإضافة إلى هذا، من شبه المؤكد أن تربية الأولاد علمتك الكثير من الدروس المهمة عن تعدد المهام والتفاوض والإقناع وإدارة الضغوط. وهو ما يجعلك في الواقع موظفاً أكثر إنتاجية. حيث يشير بحث من "البنك الاحتياطي الفيدرالي"، في سانت لويس، إلى أنه حين تختبر النساء العاملات فترة من الانحسار في الإنتاجية عندما يكون أطفالهنّ صغاراً، في الواقع يتفوقن على المدى الطويل في مسارهن المهني على إنتاجية النساء اللواتي لا أولاد لديهن، والسبب على الأرجح يعود إلى أنهن تعلمن كيف يرفعن كفاءتهن إلى حد كبير. وهنا عليك تبنّي هذه المهارات، والتعامل معها على أنها نقطة قوة.
خامساً، لا تدع الإحباط يتمكن منك. حتى لو كنت تتبع الخطوات الواردة آنفاً، فإن النجاح لا يأتي فوراً. تتذكر نور كيف استغرقها الأمر حوالي السنة ما بين اتخاذ قرار العودة إلى العمل وإيجاد العمل المناسب، لكن بالصبر ومع الوقت، حصلت على فرصة عمل مثيرة. وإلى أن يحدث ذلك لك، قد يكون من الجيد أخذ عمل براتب قليل أو غير مدفوع، وذلك إن كنت واثقاً أنه سيقودك لاكتساب مهارات جديدة وتحسين شبكة معارفك. وفي كتابي "إعادة ابتكار نفسك" (Reinventing you)، أوردت قصة "سوزان ليدز" التي دفعها اهتمامها بالقضايا البيئية إلى العمل سنتين في عضوية مؤسسة غير ربحية وبأجر مخفض جداً. لكن الخبرة والمعارف التي اكتسبتها نقلتها إلى مسار مهني جديد ومثمر في إدارة شراكة بيئية في القطاع المشترك بين العام والخاص.
من الشائع أن يُعاقب المهنيون الموهوبون لابتعادهم عن العمل فترة من الزمن من أجل رعاية عائلاتهم. فإذا أردت العودة إلى العمل، فيجب عليك إدارة وقهر الفرضيات غير المعلنة حول من أنت وما تستطيع فعله. من خلال توضيح أن مهاراتك متجددة، عليك أيضاً المواظبة على التواصل مع شبكة معارفك وإظهار أنك شخص لا ينقصه الحافز، ثم أثبت أن تجربة رعاية العائلة هي في الواقع نقطة قوة لديك، ويمكنك إلى حد كبير محاربة الصورة النمطية المزعجة والعودة من جديد إلى الحياة المهنية بشروطك الخاصة.