يتمتع هشام (ليس اسمه الحقيقي) بشخصية قيادة مميزة فضلاً عن خبرة تزيد عن 15 عاماً قضاها في شركة أوروبية رائدة للمواد الكيماوية، بدأها كمدير مساعد في قسم المنتجات ضمن وحدة المواد البلاستيكية لينتقل لاحقاً إلى هونغ كونغ للمساعدة في إنشاء مركز أعمال آسيوي جديد للوحدة. وسرعان ما نال ترقية مع ارتفاع المبيعات هناك ليصبح مديراً لقسم المبيعات. وبعد ثلاث سنوات، عاد إلى أوروبا كمدير للتسويق والمبيعات لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا ليشرف على مجموعة مؤلفة من 80 موظفاً. وتتالت سلسلة ترقياته ليصبح نائب رئيس قسم التسويق والمبيعات لقسم البولي إيثيلين وليكون مسؤولاً عن العديد من خطوط المنتجات والخدمات المتعلقة بتلك المادة، وفريق موظفين يبلغ عددهم 200 موظف تقريباً.
وتُوِّج عمل هشام الشاق في نهاية المطاف بتعيينه رئيساً لوحدة الراتنجات البلاستيكية في الشركة، والتي تضم أكثر من 3,000 موظف حول العالم، حيث كلَّفته الشركة، متعمّدةً، بإدارة وحدة صغيرة إنما مزدهرة كونها أرادت إعطائه الفرصة للانتقال إلى ما هو أبعد من تخصصه في إدارة المبيعات والتسويق لتولي زمام إدارة مشروع تجاري بأكمله. وكان على هشام معرفة ما يعنيه ترؤس وحدة بمساعدة فريق ذي خبرة، ونقل مهاراته القيادية إلى المستوى التالي في موضع خالٍ من المشاكل أو الأزمات. وكانت الفكرة على الورق مثالية، لكن سرعان ما بدأ هشام يعاني بشدة بعد أشهر قليلة من توليه منصبه الجديد.
يتعثر العديد من المساهمين المميزين، أمثال هشام، لدى انتقالهم من قيادة قسم أو وظيفة في شركة إلى قيادة الشركة بأكملها وبدئهم في تحمل مسؤولية الربح والخسارة للمرة الأولى فضلاً عن الإشراف على مدراء أقسام الشركة المختلفة. ويعتبر الوضع في القمة مختلف تماماً، الأمر الذي جعلني أحاول إلقاء نظرة متعمقة على نقطة التحول الحرجة هذه لمعرفة مدى الاختلاف. وقد قمت خلال ذلك بإجراء مقابلات عديدة مع أكثر من 40 مديراً تنفيذياً، منهم من طوّر موظفين ذوي إمكانات كبيرة، وخبراء كبار في الموارد البشرية، وأفراد انتقلوا مؤخراً إلى قيادة مؤسسة لأول مرة.
وما وجدته هو أنه لإنجاح الانتقال، يجب على المدراء التنفيذيين التنقّل في خضم مجموعة من التغييرات الصعبة خلال محاولتهم بناء قيادتهم ومهاراتهم والتي أدعوها "التحولات الزلزالية السبعة". ويجب على هؤلاء المدراء خلال تلك التحولات تعلم الانتقال من خبير متخصص إلى خبير عام، ومن خبير تحليل إلى خبير تكامل، ومن عامل بناء إلى مهندس معماري، ومن حلّال مشاكل إلى واضع جدول عمل، ومن محارب إلى دبلوماسي، ومن عضو مساعد داعم إلى قيادي. وواجه هشام، مثل الكثير من أقرانه، مشكلة في تبنّي معظم ما سبق. وسنحاول خلال الأسطر القادمة معرفة ما الذي يجعل هذا صعباً من خلال دراستنا ما حدث مع هشام ومواجهته لمفاجآت مرهقة للأعصاب، وقيامه بافتراضات لا مبرر لها، ولقاء مطالب جديدة تماماً لوقته وخياله، واتخاذه للقرارات من دون اطلاع كافٍ، والتعلم من أخطائه.
من خبير متخصص إلى خبير عام
كان أول تحدي واجهه هشام التحوّل من قيادة قسم ووظيفة في الشركة إلى الإشراف على كامل وظائف الشركة. وعانى هشام خلال أول شهرين من هذا التحول حيث شعر بصعوبة في المواكبة فضلاً عن أن قدرته على إطلاق أحكام جيدة باتت أقل. وتسبب هذا أن يقع هشام في الفخ التقليدي والمتمثل في ميله إلى الإفراط في إدارة الأمور التي يعرفها وتجنّب تلك التي لا يعرفها. لكن لحسن حظ هشام، أدرك المشكلة مبكراً عندما قدّم له نائب الرئيس للموارد البشرية بعض التعليقات الصريحة حيال علاقته بنائب الرئيس للمبيعات والتسويق، إذ قال له: "أنت تقود كارلا إلى الجنون. عليك منحها بعض المساحة".
ويشكّل ميل هشام إلى البقاء ضمن المنطقة المألوفة له وظيفياً رد فعل مفهوم تجاه ضغوط الانتقال إلى دور أوسع بكثير، إذ أنه سيكون من الرائع لو كان في إمكان قادة المؤسسات المعينون حديثاً امتلاك خبرة مهنية رائعة في جميع وظائف الأعمال، لكن لن يكونوا كذلك حتماً. أحياناً، يمكن لهم أن يكونوا قد اكتسبوا بعض الخبرة في مناطق مختلفة بسبب تنقلهم ضمن أقسام متنوعة، أو نتيجةً لعملهم على مشاريع ذات وظائف متنوعة. (راجع الفقرة الجانبية "كيفية تطوير قادة مؤسسات أقوياء؟".) ولكن يشير الواقع إلى أن انتقال المدراء التنفيذيين من إدارة وظيفة إلى قيادة شركة يتطلب منهم دائماً التحوّل إلى خبراء عامين يعرفون ما يكفي عن جميع الأقسام الخاصة بعملهم بعدما كانوا خبراء متخصصين.
لكن ما هو المقدار "الكافي" هنا؟ يجب أن يكون قادة المؤسسة قادرين على اتخاذ قرارات تفيد الشركة بالكامل، وتقييم الموظفين الموهوبين ضمن فرقهم. ولكي يتمكن القادة من القيام بالأمرين، يحتاجون إلى إدراك أن لكل قسم من أقسام الشركة ثقافة إدارية فرعية متميزة، ولكل منه نمط تفكير عقلي ولغة مختلفة خاصة به. ويفهم القادة الأكفّاء كيف يتعامل الموظفون ضمن أقسام التمويل والتسويق والعمليات والموارد البشرية والبحث والتطوير مع مشاكل العمل التي تواجههم بطرق مختلفة وكيف يستخدمون أدوات مختلفة لمعالجة ذلك على غرار تقديم خصم لجلب صفقة أو تقسيم العملاء إلى فئات أو التخطيط للتعاقب أو وضع نقاط علّام للمراحل أو غيرها. كما يجب أن يكون القادة قادرين على فهم لغة كل قسم من أقسامهم أو الحصول على ترجمة عند الضرورة، كما أن عليهم معرفة الأسئلة الصحيحة الواجب طرحها والمؤشرات الصحيحة الواجب استخدامها لتقييم واستقطاب الأشخاص القادرين على إدارة المناطق التي لا خبرة لهؤلاء القادة فيها.
ومن حسن حظ هشام أنه كُلف بوحدة عالية الأداء من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت لدى شركته أنظمة قوية لتقييم الموظفين الموهوبين وتطويرهم في الأقسام الأساسية. وتضمنت تلك الأنظمة جيدة الصياغة مراجعات الأداء وتقويم الأداء بطريقة 360 درجة فضلاً عن جمع المدخلات من أقسام الشركة المختلفة. فعلى سبيل المثال، كان قسمي الشؤون المالية والموارد البشرية التابعين له يقدمان تقاريرهما إليه وأيضاً إلى إدارتي الشؤون المالية والموارد البشرية المركزيتين في الشركة. وساعد هذا الأمر هشام على تقييمهم وتطويرهم، حيث كان لديه الكثير من الموارد القادرة على مساعدته على فهم معنى "التميز" لكل قسم من تلك الأقسام.
ويمكن للشركات ضمان نيل قادة المؤسسات الجدد على الاستقرار وفهم العمل بشكل أسرع من خلال الاستثمار مباشرة في إنشاء خطط تقييم موحدة لكل قسم. وفي حال لم يكن لدى الشركة مثل هذه الخطط، يمكن لقادة المؤسسات الطموحين التغلب على ذلك من خلال بناء علاقات مع زملائهم في الأقسام الأخرى ومحاولة التعلم منهم (ربما عبر مشاركتهم ميزات أقسامهم بدورهم). وسيساعد هذا الأمر القادة على تطوير فهمهم الخاص لكل قسم.
من خبير تحليل إلى خبير تكامل
تتمثل المسؤولية الأساسية لقادة الأقسام في استقطاب أشخاص ذوي قدرة تحليلية تركز على أنشطة تجارية محددة وتطويرهم وإدارتهم. أما قائد المؤسسة فتتمثل وظيفته في إدارة المعرفة الجماعية لتلك الأقسام المختلفة ودمجها بهدف حل المشكلات التنظيمية الهامة.
ووجد هشام نفسه يعاني مع هذا التحول في وقت مبكر خلال محاولته تلبية المطالب العديدة المتنافسة للشركة. فعلى سبيل المثال، أراد نائب الرئيس للمبيعات والتسويق لديه دخول السوق بقوة بمنتجه الجديد، في حين كان رئيس العمليات قلق من أن الإنتاج قد لا يكون قادراً على مواكبة الطلب الزائد المحتمل من موظفي المبيعات. وكان الموظفون يتوقعون من هشام القيام بالموازنة بين احتياجات جانب العرض من الأعمال (العمليات) واحتياجات جانب الطلب (المبيعات والتسويق)، ومعرفة متى يجب التركيز على نتائج الأعمال الفصلية (الجانب المالي)، ومتى يستثمر في المستقبل (جانب البحث والتطوير)، ومقدار الاهتمام الواجب تكريسه للتنفيذ وللابتكار، فضلاً عن قرارات عديدة أخرى.
ويحتاج المسؤولون التنفيذيون إلى امتلاك معرفة عامة بالوظائف المختلفة لحل هذه الطلبات المتنافسة، لكن هذا لا يكفي، إذ يجب أن يكون للمهارات المطلوبة علاقة أقل بالتحليل وعلاقة أكبر بفهم كيفية إجراء المقايضات وشرح أسباب تلك القرارات. وهنا أيضاً، سيضع تمتع القادة بخبرات عابرة للأقسام أو عملهم ضمن مشاريع مختلفة في وضع أفضل. وقد يفيد أيضاً التدرب عبر العمل كرئيس موظفين لمدير تنفيذي كبير. ولكن وجد هشام في نهاية المطاف أنه لا يوجد بديل عن اتخاذ القرارات فعلاً والتعلم من نتائجها.
لا يوجد بديل عن اتخاذ القرارات فعلاً والتعلم من نتائجها.
من تكتيكي إلى استراتيجي
أغرق هشام نفسه خلال أشهره الأولى في عدد لا يحصى من التفاصيل الخاصة فيما يتعلق بعمل أقسامه المختلفة، فقد كانت فكرة أن يكون تكتيكياً فكرة مغرية، حيث كانت الأنشطة ملموسة جداً والنتائج فورية جداً. وبالتالي، كان هشام ضائعاً في خضم الاجتماعات اليومية التي يحضرها، والقرارات التي كان يتخذها، والمشاريع التي يُشرف عليها.
وكانت المشكلة في هذا، بالطبع، هي أن الجزء الأساسي من دور هشام الجديد يتمثل في أنه المخطط الاستراتيجي الرئيس للوحدة التي يرأسها الآن. بالتالي، كان عليه الابتعاد عن التفاصيل وتفريغ ذهنه ووقته للتركيز على الأمور الأعلى مستوىً. وبشكل عام، كان يحتاج إلى تبني عقلية استراتيجية.
كيف يتعلم القادة الأقوياء تكتيكياً لتطوير هكذا العقلية؟ يمكنهم تطويرها عبر اكتسابهم ثلاث مهارات هي: الانتقال بين المستويات، والتعرّف على الأنماط، والمحاكاة الذهنية. والانتقال بين المستويات هو القدرة على التنقّل بسلاسة بين مستويات التحليل المختلفة، بمعنى آخر، معرفة متى يجب التركيز على التفاصيل، ومتى يجب التركيز على الصورة الكبيرة، وعلاقة الاثنان ببعضهما. أما التعرف على الأنماط فهو القدرة على تمييز سبب حدوث حدث وآخر وباقي الأنماط المهمة في مجال وبيئة الأعمال المعقدة، بمعنى آخر، فصل ما هو مهم عما هو غير مهم. أما المحاكاة الذهنية فهي القدرة على توقع كيفية استجابة الأطراف الخارجية لما تفعله، من منافسين ومنظمين ووسائل إعلام وأعضاء رئيسون في الجمهور، للتنبؤ بأفعالهم وردود أفعالهم لتحديد أفضل مسار يجب اتخاذه. ففي السنة الأولى لهشام مثلاً، قدّم منافس آسيوي بديلاً منخفض التكلفة لمنتج رائج رئيس كانت وحدته تُنتجه. وكان على هشام التفكير في التهديد المباشر من ناحية، ومن ناحية أخرى رؤية الصورة الأشمل من خلال التفكير بالنوايا المستقبلية للمنافس: هل ستستخدم تلك الشركة هذا المنتج لإنشاء علاقات قوية مع العملاء وتقديم مجموعة أوسع من المنتجات بشكل متدرّج؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الخيارات المتاحة لوحدة هشام؟ وكيف سيرد المنافس على الخيار الذي قد يختاره هشام؟ وكانت هذه كلها أسئلة لم يسبق لهشام وأن طرحها على نفسه عندما كان رئيساً للتسويق والمبيعات. وفي النهاية، وبعد تحليل مسارات العمل المختلفة مع فريقه المخضرم، اختار تخفيض الأسعار متخلياً عن بعض الأرباح الحالية لتلافي خسارة حصته في السوق، وهي خطوة تكللت بالنجاح.
هل يولد المرء كمفكر استراتيجي أم يُصنع؟ الإجابة هي: يُولد ويُصنع. لا شك أنه يمكن تحسين التفكير الاستراتيجي بالتدريب، حاله حال أي مهارة أخرى. لكن يجب أن تكون هناك نزعة داخلية أيضاً لامتلاك القدرة للانتقال بين المستويات، والتعرف على الأنماط، وبناء النماذج الذهنية. ومن إحدى المفارقات المتصلة بتطوير القادة هو أن الناس غالباً ما ينالون الترقيات إلى المستويات الوظيفية العليا لكونهم يجيدون الترتيب والمعالجة، في حين قد يعاني الموظفون ذوي القدرات الاستراتيجية في المستويات الوظيفية الدنيا لتركيزهم المحدود على التفاصيل مقابل الصورة الأشمل. ويمكن أن يتسبب ما سبق في خسارة الشركة لمفكرين استراتيجيين في وقت مبكر جداً ما لم تتبنَّ الشركة سياسات واضحة لتحديدهم وحمايتهم إلى حد ما خلال حياتهم المهنية المبكرة.
من عامل بناء إلى مهندس معماري
يقوم كبار المدراء التنفيذيين أحياناً بالمشاركة في عملية التصميم المؤسسي من دون أن يكون لديهم الخلفية المناسبة لذلك، الأمر الذي يجعلهم يرتكبون الأخطاء. ويتولى أولئك القادة أول منصب إداري لهم ويحاولون تقديم مساهماتهم عبر استهدافهم بالتغيير عناصر المنظمة التي يبدو من السهل نسبياً تغييرها، مثل الاستراتيجية أو الهيكل، من دون أن يكون لديهم فهم تام لتأثير ما يقومون به على المؤسسة ككل.
وبالعودة إلى هشام، فقد استنتج، بعد أربعة أشهر تقريباً من توليه منصبه الجديد، أنه بحاجة إلى إعادة هيكلة الوحدة لتركز بشكل أكبر على العملاء وبدرجة أقل على خطوط الإنتاج. وكان من الطبيعي بالنسبة له، كرئيس سابق للمبيعات والتسويق، التفكير بهذه الطريقة. ففي نظره، كان من الواضح أن تركيز الوحدة الشديد على تطوير المنتجات والعمليات يعود إلى هيكل قديم موروث يعود إلى بدايات تأسيس الوحدة ونموها. لذا تفاجأ عندما قوبل اقتراحه بإعادة الهيكلة بصمت مذهول من فريقه في بداية الأمر، تلاه معارضة صاخبة. وسرعان ما أصبح واضحاً أن الهيكل الحالي في الوحدة الناجحة هذه مترابط بطرق معقدة وغير واضحة مع عملياته وموظفيه الأساسيين. فلبيع المواد الكيميائية للشركة، على سبيل المثال، يحتاج مندوبو المبيعات إلى امتلاك معرفة عميقة بالمنتج للقيام بالتشاور مع العملاء حيال أفضل تطبيق له. وعنى التحول إلى نهج يركز على العملاء قيامهم ببيع مجموعة أوسع من المنتجات المعقدة، وهو أمر يتطلب منهم اكتساب معارف وخبرات جديدة هائلة. وبينما يعتبر الانتقال إلى هيكل يركز على العملاء ذي فوائد محتملة، لكن كانت هناك مقايضات عديدة بحاجة إلى تقييم، إذ كان التنفيذ سيتطلب مثلاً تعديلات كبيرة على العمليات واستثمارات هائلة في إعادة تدريب الموظفين، والتي كانت تتطلب بدورها قدراً كبيراً من التفكير والتحليل.
عندما ينتقل القادة للعمل على مستوى المؤسسة، يصبحون مسؤولين عن تصميم وتعديل بنية مؤسساتهم، بمعنى آخر، استراتيجيتها وهيكلها وعملياتها وموظفيها. ويجب عليهم هنا التفكير من ناحية النظم إن أرادوا أن يكونوا مهندسين تنظيميين فاعلين، فضلاً عن أن عليهم أن يفهموا كيف تتوافق العناصر الرئيسة للمنظمة مع بعضها. كما أن عليهم أيضاً ألا يكون لديهم ذاك الاعتقاد الساذج بأن في إمكانهم تغيير عنصر واحد مع بقاء جميع العناصر الأخرى على حالها بلا عواقب كما ظنّ هشام. وتعلم هشام هذا بالطريقة الصعبة لأنه لم يسبق له خلال مسيرته المهنية أن فكر في المؤسسة كمنظومة، فضلاً عن افتقاره للخبرة فيما يتعلق بالتغيير التنظيمي واسع النطاق لتطوير تلك الأفكار من خلال الملاحظة.
كان تصرف هشام مشابهاً لتصرف كل القادة الجدد. ويحتاج قادة المؤسسات إلى معرفة مبادئ التغيير المؤسساتي وإدارة التغيير، بما في ذلك آليات التصميم المؤسساتي، وتحسين عمليات الأعمال، وإدارة الانتقال. ومع ذلك، نادراً ما يحصل المدراء التنفيذيين الصغار على أي تدريب رسمي في هذه المجالات، مما يترك معظمهم بلا تأهيل كافٍ ليكونوا مهندسي مؤسساتهم - أو حتى أن يكونوا أشخاصاً ذوي اطلاع بعمل المحترفين في التطوير المؤسساتي. وكان هشام هنا محظوظاً ثانيةً لوجود موظفين ذوي خبرة ممن قدموا له مشورة مقنعة حول العديد من الاعتمادات المتبادلة التي لم يفكر فيها في الأصل، مما ساعد على قتل الفكرة في مهدها لدى هشام. وليس كل قادة الشركات الجدد محظوظين بوجود خبراء حولهم طبعاً، ولكن إذا استثمرت شركاتهم في إرسالهم إلى برامج التعليم التنفيذي التي تُدرِّس التغيير المؤسساتي، سيكونون أكثر جاهزية لهذا التحول.
من حلّال مشاكل إلى واضع جدول عمل
ينال العديد من المدراء الترقية إلى مستويات الإدارة العليا لقوتهم في حل المشاكل. وعندما يصبحون قادة مؤسسات، يكون عليهم التركيز بشكل أقل على حل المشكلات والتركيز بشكل أكبر على تحديد المشكلات الواجب على المنظمة معالجتها.
وللقيام بذلك، كان على هشام التعرّف على الطيف الواسع من الفرص والتهديدات التي تواجه عمله، وتركيز انتباه فريقه على أهمها فحسب. كما كان عليه أيضاً تحديد "المساحات البيضاء"، أي تلك القضايا التي لا تقع ضمن نطاق عمل أي قسم من أقسامه إنما لا تزال مهمة لأعمال الوحدة، على غرار التنوع في العمل.
وكان عدد المخاوف التي كان على هشام التفكير فيها كبيراً جداً. فعندما كان يدير قسم المبيعات والتسويق، كان يدرك إلى حد كبير مدى صعوبة قيام المدراء بإعطاء الأولوية لجميع المشكلات التي تُطرح عليهم في أي يوم أو أسبوع أو شهر معين. ومع ذلك، فقد فوجئ بنطاق وتعقيد بعض المشاكل التي كانت تُطرح عليه، ولم يكن متأكداً من كيفية تخصيص وقته لمعالجتها، مما جعله يشعر بثقل كبير عليه. وكان يعلم أنه بحاجة إلى تفويض المزيد من الأمور، لكنه لم يكن واضحاً بعد بشأن نوعية المهام والواجبات التي يمكنه أن يتركها بأمان بين يدي الآخرين.
قد تتفاجأ بكثافة الاهتمام في مركز الصدارة والحاجة المستمرة تقريباً إلى الحفاظ على حذرك.
وكانت المهارات التي اكتسبها من عمله القديم، من إتقان أدوات وأساليب البيع مروراً بالتسويق والدراية التنظيمية ووصولاً إلى القدرة على تعبئة المواهب وتعزيز العمل الجماعي غير كافية، إذ كان عليه أن يتعلم التنقّل في بيئة أكثر غموضاً مقارنةً بما اعتاد عليه وذلك بهدف معرفة ما المشكلات الواجب على فريقه التركيز عليها، بمعنى آخر، لوضع جدول عمل. وكان بحاجة أيضاً إلى تعلم كيفية توصيل الأولويات بطرق تجعل مؤسسة تستجيب لها. وهنا ساهمت خبرة هشام في مجال المبيعات والتسويق في جعل عملية إيصاله لجدول عمله أقل صعوبة، لكن كان التحدي الماثل أمامه متمثلاً في معرفة ما هو جدول العمل في المقام الأول. وكان عليه من جديد أن يتعلم من التجربة والخطأ، لكن كان لديه أعضاء فريقه والذين قدموا له يد العون حيال القضايا التي كانوا يدركون أنه بحاجة شديدة إلى التعلّم بشأنها. كما كان في إمكانه أيضاً الاعتماد على عملية التخطيط السنوية للشركة، والتي توفر هيكلاً لتحديد الأهداف الرئيسة لوحدته.
من محارب إلى دبلوماسي
كان تركيز هشام في مناصبه السابقة منصباً في المقام الأول على حشد القوات لهزيمة المنافسين، أما الآن، فعليه أن يكرّس وقتاً هائلاً للتأثير على مجموعة من الفئات المستهدفة داخلياً وخارجياً، بما في ذلك الهيئات التنظيمية ووسائل الإعلام والمستثمرين والمنظمات غير الحكومية. وكان موظفو الدعم يغمرونه بطلباتهم: هل هو قادر على المشاركة في المنتديات الصناعية أو الحكومية التي ترعاها إدارة الشؤون الحكومية؟ هل لديه استعداد للجلوس لمقابلة مع محرر من إحدى المنشورات التجارية الرائدة؟ هل يمكنه الاجتماع مع مجموعة رئيسة من المستثمرين؟ كان لديه بعض الدراية ببعضٍ من تلك المجموعات، لكن كان يجهل البقية. ولكن كان الأمر الجديد كلياً عليه هو أنه بات مسؤولاً عن التفاعل مع مختلف أصحاب المصلحة وأيضاً معالجة مخاوفهم بشكل استباقي بطرق تتوافق مع مصالح الشركة. وكان القليل مما واجهه هشام قادراً على إعداده لمواجهة تحديات كونه سفيراً لشركته.
ماذا يفعل سفراء الشركة الأكفاء؟ إنهم يستخدمون أدوات الدبلوماسية، مثل التفاوض والإقناع وإدارة الصراع وبناء التحالف، لتشكيل بيئة الأعمال الخارجية لدعم أهدافهم الاستراتيجية. وغالباً ما يجدون أنفسهم في هذه العملية يتعاونون مع أشخاص يتنافسون معهم بقوة في السوق كل يوم.
ويحتاج قادة المؤسسات، للقيام بذلك بشكل جيد، إلى تبني عقلية جديدة، بمعنى آخر، البحث عن طرق يمكنهم فيها تحقيق المصالح أو المواءمة معها، وفهم كيف يتم اتخاذ القرارات ضمن أنواع مختلفة من المؤسسات، ووضع استراتيجيات فعالة للتأثير عليها. كما عليهم أن يفهموا أيضاً كيف يتم تعيين وإدارة أنواع الموظفين الذي ربما لم يشرفوا عليهم من قبل: المختصين في وظائف دعم رئيسة على غرار العلاقات مع الحكومات أو التواصل مع الشركات. كما يجب أن يدركوا أن مبادرات هؤلاء الموظفين لها آفاق أطول من الأعمال الجارية، مع تركيزها على النتائج الفصلية أو حتى السنوية. وقد تستغرق المبادرات مثل حملة لتشكيل عملية تطوير لقانون حكومي سنوات. واستغرق الأمر من هشام بعض الوقت لفهمه، حيث عمل فريقه على تثقيفه حول كيفية إدارة القضايا على مدى فترات طويلة من الزمن وكانوا دائماً جاهزين للتدخل لإعادة تركيزه على الهدف كلما كان ينحرف عنه.
من عضو داعم إلى قيادي
وأخيراً، يعني أن يصبح المرء قائد مؤسسة الانتقال إلى المسرح الرئيس تحت الضوء. وأخذ مقدار الطلبات التي كان يُطالب بها والاهتمام المستمر بما يقوم به هشام على حين غرة. لقد شعر بالصدمة إلى حد ما لدى اكتشافه كم يهتم الناس بما يقوله ويفعله. فلم يمضِ وقت طويل على توليه المنصب لأول مرة مثلاً قبل أن يلتقي بنائب رئيس البحث والتطوير حيث تحدثا عن طريقة جديدة لتعبئة منتج حالي للوحدة. وبعد أسبوعين، قدّم نائب الرئيس تقرير جدوى أولي له على مكتبه.
ويتعلق هذا التحول في جزء منه بتلقي المدراء تأثير أكبر بكثير كنموذج يُحتذى به. ويعتبر المدراء على جميع المستويات قدوة إلى حد ما. ولكن على مستوى المؤسسة، يتعاظم تأثيرهم، حيث ينظر الجميع إليهم بحثاً عن الرؤية والإلهام والإشارات حول السلوكيات والمواقف "الصحيحة". وتكون الأنماط والتصرفات الشخصية لكبار القادة معدية وتنتقل للآخرين، سواءً أكانت سلبية أم إيجابية، وسواءً أتمت ملاحظتها من قبل الموظفين بشكل مباشر أو نُقلت إليهم بشكل غير مباشر من مرؤوس إلى مرؤوسه وصولاً إلى أدنى مرتبة إدارية في المؤسسة. ولا يمكن تجنب هذا التأثير حقاً، لكن يمكن لقادة المؤسسات التقليل من تأثيره عبر زيادة وعيهم بما يفعلونه وأخذ الوقت الكافي لمعرفة وجهات نظر المرؤوسين والتعاطف معها. ففي نهاية المطاف، كانوا هم مرؤوسين منذ فترة قصيرة قبل الترقية، بالتالي عليهم تذكر ما كانوا يبحثون عنه في سلوك رؤسائهم.
ثم هناك مسألة ما يعنيه، من الناحية العملية، قيادة مجموعات كبيرة من الناس، بمعنى آخر، كيفية تحديد رؤية مقنعة ومشاركتها بطريقة ملهمة. ولا يزال هشام، الذي كان بالفعل محاوراً قوياً معتاداً على بيع الأفكار وأيضاً المنتجات، بحاجة إلى تعديل تفكيره في هذا الصدد (على الرغم من أنها قد تكون أقل من بعض نظرائه). ففي وظيفته السابقة، حافظ على درجة معقولة من التواصل الشخصي، وإن كان متقطعاً في بعض الأحيان، مع معظم موظفيه. والآن بعد أن كان يشرف على أكثر من 3,000 شخص منتشرين في جميع أنحاء العالم، كان ذلك ببساطة مستحيلاً.
وباتت آثار ذلك أوضح بينما كان يعمل مع فريقه على صياغة الاستراتيجية السنوية. فعندما حان الوقت لتقديمها أمام المنظمة، أدرك هشام أنه غير قادر على الخروج ببساطة والترويج لها بنفسه، بل عليه العمل أكثر من خلال مرؤوسيه المباشرين والعثور على قنوات أخرى، مثل الفيديو، لنشرها. وبعد القيام بجولة لدى معظم منشآت الوحدة، شعر هشام أيضاً بالقلق من أنه لن يكون قادراً حقاً على معرفة ما كان يحدث في الخطوط الأمامية. بالتالي، بدلاً من الاجتماع مع القادة فقط لدى زيارته للمواقع، كان يقوم بغداء عمل مقتضب مع مجموعات صغيرة من الموظفين في الخطوط الأمامية ويشارك ضمن منتديات نقاش عبر الإنترنت يمكن للموظفين من خلالها تقديم الملاحظات. وتتضمن التحولات السبعة الزلزالية إلى حد كبير انتقال التفكير من فص الدماغ الأيسر، المسؤول عن التفكير التحليلي، إلى الفص الأيمن، المسؤول عن التفكير العقلي المفاهيمي. لكن هذا لا يعني أن قادة الشركات لا يقضون وقتاً في التكتيكات أو المخاوف العملية. إنهم يمضون وقتاً أقل بكثير في هذه المسؤوليات مما اعتادوا عليه في أدوارهم السابقة. وفي الواقع، من المفيد غالباً أن يشترك قادة الشركات مع شخص آخر - رئيس الموظفين، أو كبير موظفي العمليات، أو مدير المشروع - للتركيز على التنفيذ، كطريقة لتوفير الوقت لدورهم الجديد.
أما بالنسبة إلى هشام، فقد انتهت قصته بشكل جيد، فلحسن الحظ، كان يعمل لدى شركة تؤمن بتطوير القيادة ولديها فريق من ذوي الخبرة قادر ومستعد على تقديم المشورة الفاعلة له. بالتالي، وعلى الرغم من العديد من المطبات على الطريق، استمرت الأعمال في الازدهار، ووجد هشام نفسه كقائد شركة. وبعد ثلاث سنوات وامتلاك كل هذه الخبرات، طُلب منه أن يتولى وحدة أكبر كانت تكافح، حيث أطلق هشام فيها تحولاً ناجحاً. ويقول هشام: "قد لا تكون المهارات التي أوصلتك إلى هنا هي نفسها المهارات اللازمة لتوجيهك إلى حيث تحتاج إلى الذهاب. لا يقلل هذا من إنجازات ماضيك، لكنه لن يكون كل ما تحتاجه في المرحلة التالية من الرحلة".
التحولات الزلزالية السبع
وهي التحولات التي يجب أن تحصل لدى مدير القسم عند انتقاله لتولي إدارة مؤسسة. وتتضمن تعلم مهارات جديدة وتحويل أنماط تفكيره. وفيما يلي التحولات وما على كل مسؤول تنفيذي القيام به:
- من خبير متخصص إلى خبير عام
فهم الأنماط العقلية والأدوات والمصطلحات المستخدمة في أقسام الشركة الرئيسة وتطوير نماذج لتقييم قادة هذه الأقسام.
- من خبير تحليل إلى خبير تكامل
دمج المعرفة الجماعية للفرق العابرة للأقسام وإجراء المقايضات المناسبة لحل المشكلات التنظيمية المعقدة.
- من تكتيكي إلى إستراتيجي
الانتقال بسلاسة بين التفاصيل والصورة الأكبر، والنظر إلى الأنماط المهمة في البيئات المعقدة، وتوقع ردود فعل اللاعبين الخارجيين الرئيسين والتأثير عليها.
- من عامل بناء إلى مهندس معماري
فهم كيفية تحليل وتصميم النظم المؤسساتية بحيث تتوافق الاستراتيجية والبنية ونماذج التشغيل وقواعد المهارات معاً بفعالية وكفاءة، وتسخير هذا الفهم لإجراء التغييرات التنظيمية اللازمة.
- من حلّال مشاكل إلى واضع جدول عمل
تحديد المشكلات التي يجب على المنظمة التركيز عليها، واستكشاف المشكلات التي لا تندرج ضمن أي وظيفة واحدة ولكنها لا تزال مهمة.
- من محارب إلى دبلوماسي
التشكيل الاستباقي للبيئة التي تعمل بها الشركة عبر التأثير على الدوائر الخارجية الرئيسية، بما في ذلك الحكومة والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمستثمرين.
- من عضو داعم إلى قيادي
إظهار السلوكيات المناسبة كنموذج يحتذى به للمؤسسة وتعلم التواصل مع مجموعات كبيرة من الناس وإلهامها بشكل مباشر وغير مباشر على نحو متزايد.
كيفية تطوير قادة مؤسسات أقوياء؟
وذلك من خلال إعطاء القادة المحتملين في وقت مبكر من حياتهم المهنية:
- خبرة في المشاريع عابرة للأقسام ثم قيادتها.
- مهمة دولية (إذا كانت شركة عالمية).
- التعرض لمجموعة واسعة من مواقف العمل: بدء التشغيل، النمو المتسارع، الحفاظ على النجاح، إعادة التجميع، التحول، والإغلاق.
عندما يصبحون قيادين واعدين، أعطهم مناصب أعلى:
- منصب في فريق الإدارة العليا.
- تجربة التواصل مع أصحاب المصلحة الخارجيين (المستثمرين، وسائل الإعلام، العملاء الرئيسيين).
- مهمة كرئيس موظفين لقائد أعمال ذو خبرة.
- تعيين لقيادة تكامل الاستحواذ أو إعادة هيكلة كبيرة.
في وقت ما قبل أول عرض ترقية للمؤسسة، أرسل أصحاب الأداء المميز:
- إلى برنامج تنفيذي كبير يعالج إمكانيات مثل التصميم التنظيمي، وتحسين عملية الأعمال، وإدارة الانتقال، ويسمح لهم ببناء شبكات خارجية.
في وقت الترقية الأولى على مستوى المؤسسة، ضع قادة مؤسسات جدد في وحدات:
- صغيرة ومتميزة ومزدهرة.
- مع فريق ذي خبرة وحزم يمكنهم التعلم منه.
كيف يمكنني تقييم مسؤول المبيعات؟
يحتاج قادة المؤسسات إلى تقييم عمل جميع المدراء التنفيذيين الوظيفيين، وليس فقط أولئك الذين يعملون في نفس القسم الذي أتوا منه. إن النموذج البسيط الذي يسرد بشكل منهجي أهم المقاييس لتتبعها لوظيفة معينة، وكذلك القياسات التي تشير إلى وجود مشكلة تختمر، سيساعد القادة الجدد على المواكبة. وفيما يلي مثال على نموذج للمبيعات:
مقاييس الأداء الأساسية
- مبيعات المنتجات الرئيسة مقابل المنتجات الرئيسة للمنافسين.
- نمو حصة السوق في المنتجات الرئيسية.
- التنفيذ مقابل التزامات خطة العمل.
مقاييس إدارة الأفراد
- معدل الشغور حسب المنطقة أو الإقليم.
- معدل الترقيات الداخلية وقوة خط الخلافة الداخلية.
- عدد خسائر الموظفين المؤسفة وأسبابها.
- النجاح في التوظيف والاختيار.
مقاييس العملاء
- رضا العملاء ومعدلات الاحتفاظ بهم.
- دليل على فهم أنماط الشراء.
- متوسط مقدار تفاعل مندوب المبيعات مع العملاء.
إشارات تحذير
- الخسائر المؤسفة لموظفي المبيعات.
- بقاء المبيعات على حالها أو انخفاضها.
- عدم وجود تطوير داخلي لقادة المبيعات المستقبليين.
- الترقيات الداخلية مع نتائج سيئة.
- عدم القدرة على توصيل مزايا المنتج وعيوبه.
- التقييم الضعيف لنقاط القوة والضعف في المنظمة.
- ضيق الوقت في العمل الميداني أو التفاعلات مع العملاء.
- قلة مهارات الشراكة مع التسويق والوظائف الرئيسية الأخرى.