ليس من السهل علينا معرفة الطريقة التي يرانا بها الآخرون، وفي الغالب لا يكون لدينا تصور واضح للأمر أو نكون متحيرين أو حتى غير مدركين تماماً له. ويمكن أن يؤدي انعدام الوعي في هذه الحالة إلى الحد من قدرتنا على تحقيق التطور الوظيفي الذي نسعى إليه.
أحد عملائي السابقين كان يسعى للوصول إلى أحد مناصب الإدارة التنفيذية ولكنه تلقى معلومات تقييمية توضح أن زملاءه يرونه سلبياً وصعب الإرضاء. كان مندهشاً جداً من ذلك، إذ كان يرى نفسه يتميز بشخصية تحليلية دقيقة وظن أن الجميع يفهم محاولاته لتحقيق أفضل النتائج في العمل. ولم يكن مدركاً كذلك أن تعبيرات وجهه يظهر عليها التجهم عند اندماجه في العمل، ما يجعله يبدو غاضباً لمن يراه.
كان هذا العميل يعاني مما يسمى في علم النفس "الشفافية الخادعة"، وهي أن يرى الشخص نفسه كتاباً مفتوحاً وأن نواياه واضحة يراها الجميع. لكن توجد فجوة كبيرة بين النية والتأثير. إذ لا يدرك الناس غالباً ما تبدو عليه تعابير وجوههم خاصة عند الاستغراق في التفكير، فكما يقول زميل لي: "لا تبدو الوجوه جميلة أثناء التفكير". وتوجد كذلك بعض المشاعر التي يمكن أن تبدو غير واضحة ويصعب تفسيرها، مثل مشاعر الإحباط ومشاعر الانزعاج التي يصعب التفريق بينها.
وعلى الرغم من معرفتنا أن معظم الناس لا يفهمون نوايانا بشكل واضح، فإننا نستمر في تكوين الانطباعات بناء على التأثير الذي نشعر به. وفي المؤسسات، غالباً ما تنتشر هذه الانطباعات بين عدد كبير من الأشخاص (كنوع من النقد غير المباشر للناس) وعندها تبدأ الأحاديث والقصص في الانتشار. وتنتشر هذه الأحاديث على هيئة نصائح (كأن يُقال: هل بدأت العمل مع ربى؟ سأخبرك بأفضل طريقة للتعامل معها) أو على هيئة أقاويل مسيئة (كأن يُقال: كالعادة، يحاول حاتم مرة أُخرى الوصول إلى السلطة).
وتُعتبر هذه الانطباعات الجماعية معلومات قيّمة تساعدنا على معرفة المميزات التي يمكننا استغلالها والجوانب التي ينبغي تعديلها في أسلوبنا. وإذا كنت تخضع للتقييم المستمر في العمل وتحصل على الكثير من الملاحظات، فعادة ما تكون هذه المعلومات متعلقة بأدائك الوظيفي، فقد ترشدك مثلاً إلى ضرورة تطوير مهارات المبيعات لديك، لكنها لن تخبرك أنّ الآخرين يرونك أنانياً. فأي منهما أشد تأثيراً على حياتك المهنية؟
أعرض في كتابي "قوة الحضور" (The Power of Presence) عملية تقييم بسيطة تساعدك في التعرف على انطباع الآخرين عنك. لا تتطلب هذه العملية منك سوى طرح سؤالين اثنين على بعض الأشخاص المهمين من حولك لتحصل منهم على المعلومات التي تحتاجها. (هل سبق وجرّبت تقييم 360 درجة؟ إذا فعلت، فلابد أنك لاحظت كيفية تكرار الانطباعات بشكل كبير).
وعلى الرغم من أنّ هذه العملية لا تستغرق الكثير من الوقت، إلا أنها مرهقة قليلاً من الناحية النفسية. لذلك ضع في اعتبارك أنك لن تجد وقتاً مريحاً للقيام بها، وافترض أنّ الآن هو أنسب وقت لها.
إليك النقاط التالية للاسترشاد بها:
اختر خمسة أشخاص. اختر بعض زملائك ممن تراهم باستمرار في مجال عملك: (رؤسائك أو المسؤولين التنفيذيين أو مدرائك المباشرين أو أقرانك أو حتى زملائك السابقين). يُعتبر زملاء العمل الذين يهتمون دوماً بمعرفة مجريات الأمور مصدراً رائعاً للمعلومات يمكنك الاستفادة منه، ولو كانوا يتعاملون معك في أكثر من جانب من جوانب عملك أو حياتك، فسيكون ذلك أفضل. وعلى الرغم من ضرورة وجود أشخاص موثوقين في مجموعتك، إلا أنه عليك التأكد من اختيار أشخاص يخبرونك بالحقيقة بكل صراحة.
اطلب مقابلتهم وجهاً لوجه. وضّح لكل منهم أنك ستحتفظ بسرية كل ما يُقال لك مهما كان لتشجعه على التحدث بصراحة. وأخبره أنك تعمل على جمع المعلومات من عدة أشخاص لتحدد بعض النقاط الأساسية، وبذلك تشعره بأنّ العبء لن يقع على شخص بمفرده. ووجّه له الطلب وأنت معه شخصياً إن استطعت، حيث تزداد احتمالية موافقته على المشاركة إذا كان يراك. ويمكن أن توجّه طلبك عبر الهاتف إذا لم تتمكن من إتمامه وجهاً لوجه. أمّا إذا كان عليك توجيه الطلب عبر البريد الإلكتروني، فاعرض الإجابة على أي أسئلة لديه قبل الاجتماع.
اطرح سؤالين. اطرح خلال الاجتماع هذين السؤالين البسيطين لتبدأ في جمع المعلومات:
- ما هو الانطباع العام عني؟
- ما الذي سيؤثر على نجاحي بشكل كبير إذا قمت به بشكل مختلف؟
سوف تسمع لإجابات مختلفة على حسب الشخص الذي تتحدث معه، فقد تحصل على معلومات جديدة ومفيدة أو معلومات غامضة ومربكة. وإذا كان لا يشعر بالراحة، فيمكن أن يقدم لك ملاحظات خاصة بعمل أو مشروع معين. وفي هذه الحالة، كن واضحاً وقل له: "أشكرك على هذه الملاحظات، ولكن هل يمكن أن نتحدث على مستوى آخر وأسألك عن الانطباع العام عني كقائد/زميل/فرد؟".
تحكم في ردة فعلك. قاوم رغبتك في شرح الموقف أو الدفاع عن نفسك أو إظهار شعورك بخيبة الأمل، سينتظر الشخص الذي تقابله رؤية أثر ملاحظاته عليك. ولن تحصل على الملاحظات الصادقة التي تريدها إلا بقدر بقائك مرتاحاً عند الاستماع إليه. اسأل عن التفاصيل أو اطلب بعض الأمثلة إذا احتجت ذلك. واختم المقابلة بالتعبير عن جزيل شكرك وتقديرك.
عند الانتهاء من المقابلات، ابحث عن محاور مشتركة أو نقاط متكررة (يمكنك استبعاد أي أمور خارج الموضوع إذا كنت متأكداً أنها لا تشمل أي معلومات هامة). وإذا كان انطباع الآخرين عنك لا يختلف عن نواياك، فهذا رائع. وإذا لم يكن كذلك، فقد حان الوقت لتعديل سلوكياتك والبدء في تغيير هذا الانطباع.
في كثير من الأحيان، يقابلني العملاء بعد إجراء هذا التقييم ويقولون: "لماذا لم يخبرني أحد بذلك من قبل؟ إنه أمر بسيط يمكنني تغييره بسهوله".
وهذا ما حدث تماماً مع العميل الذي كان يراه الآخرون سلبياً وصعب الإرضاء. فبعد أن اكتشف أنّ الآخرين يُسيئون فهمه، اعتزم التعبير عن نواياه دائماً بصراحة وشفافية مع من حوله. وقام بتعديل أسلوبه في الاجتماعات بطرح أسئلة مفتوحة تُظهر اهتمامه بتفهم مواقف الآخرين، وحاول جاهداً التحكم في ميله إلى التجهم أثناء العمل وإظهار تعابير حيادية تعبّر عن الانفتاح والوضوح. وبمرور الوقت، تمكّن من تغيير الانطباعات القديمة وسمح للناس بالتعرف على الجوانب الطيبة والعطوفة في شخصيته والتي كان يراها دائماً في نفسه.
تُعتبر الشفافية الخادعة فخاً شائعاً يقع فيه الكثير من المدراء على جميع المستويات. ولحسن الحظ، يمكن سد الفجوة بين ما يراه الناس والانطباع الذي تريدهم أن يأخذوه عنك. فاجمع معلومات موثوقة واقطع على نفسك عهداً بالتغيير.