كيف نتوقف عن استخدام كلمات الحشو في خطاباتنا؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

همم.

أه.

إذاً.

أترى.

يعني.

صحيح؟

حسنٌ.

عندما ترتبك أثناء إلقاء خطاب، سواء بسبب التوتر أو التشتيت أو عدم إيجاد ما سوف تقوله تالياً، يكون من السهل الاعتماد على كلمات الحشو التي نملأ بها الفراغات. قد تمنحك هذه الكلمات لحظة لاستجماع أفكارك قبل متابعة الحديث، وفي بعض الأحيان تكون مؤشرات مفيدة للمستمعين كي يولوا انتباهاً خاصاً لما ستقوله. ولكن عندما تبدأ باستخدامها بإفراط تصبح مجرد “عكازات”، يطلق عليها العلماء اسم “speech disfluency” أي “كلمات اللعثمة”، وهي تضعف مصداقيتك وتبعدك عن الرسالة التي تود إيصالها.

أجرت الشركة التي أديرها، “كوانتيفايد كوميونيكيشنز” (Quantified Communications)، بحثاً يدخل فيه كل من علم السلوك والذكاء الاصطناعي والبيانات، وأكدتْ عن طريقه أن الوتيرة الأفضل لاستخدام كلمات الحشو هي كلمة واحدة في الدقيقة، ولكن المتحدث العادي يستخدم خمس كلمات في الدقيقة، أي كلمة حشو كل 12 ثانية.

لذا، لنلق نظرة على ما تُخبرنا إياه البيانات بشأن هذه الكلمات “المعكّزة”: كيف تُعرض أثر المتحدث للخطر وكيف يمكننا تقليل عددها في مفرداتنا.

المشكلة في الكلمات المعكّزة

نحن نعلم أنه من الصعب تركيز الانتباه على متحدث عندما يضع كلمة حشو بعد كل كلمتين من خطابه، ولكن يمكن أن يصعب تحديد كيفية تأثير كلمات الحشو هذه على تجربتنا بالتحديد. حللنا ما يزيد عن 4000 عينة من خطابات محكية في قاعدة بياناتنا، لتحديد كيف تؤثر هذه الكلمات على طريقة فهم المستمعين لها. وعلى الرغم من أننا وجدنا أن الاستخدام المفرط لكلمات الحشو يؤثر سلباً على المستمعين بأشكال عدة، إلا أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية ترتبط سلبياً وبصورة كبيرة باستخدام الكثير من كلمات الحشو.

  1. لتتمكن من إيصال رسالتك بصورة فعالة يجب أن تحافظ على انسجام مستمعيك طوال الوقت. وعندما تستخدم كلمات حشو بصورة مفرطة لن يتمكن مستمعوك من التركيز على ما تقول؛ لأن كلمات الحشو تعترض طريق ما تحاول التحدث عنه من قصص عاطفية أو بحوث مذهلة.
  2. يحب المستمعون تصديق أنك تتصرف وتتكلم بصورة طبيعية، كما تتصرف وتتكلم في أي محادثة فردية. وعلى الرغم أن معظم الناس يستخدمون كلمات الحشو في الأحاديث المعتادة، إلا أنّ استخدامها في خطاب تلقيه أمام الجمهور سوف يبعدك عن شخصيتك الأصلية، ويجعلك تبدو متوتراً ومشتتاً أو غير منسجم وليس طبيعياً وصادقاً.
  3. إن أردت من جمهورك تصديق رسالتك، يجب عليك جعلها واضحة ومنطقية وسهلة المتابعة. وللأسف، يتطلب البحث عن أجزاء الحديث المهمة بين كلمات الحشو جهداً إدراكياً أكبر مما يرغب المستمعون في بذله. لذا، فاستخدام الكثير من كلمات الحشو يعني أن جمهورك سوف يفقد تركيزه على خطابك، ويفضل التركيز على مهمة إدراكية أقلّ صعوبة، مثل التفكير في قائمة الأعمال التي يجب القيام بها.

لماذا لا نستطيع إلقاء خطاب سلس بطلاقة؟ تشير الأبحاث إلى أننا نُعبّر عن ترددنا بصورة لفظية لأننا مضطرون لملء الفراغ حتى لو لم يكن لدينا ما نقوله. مثلاً، نستخدم “همم” أو “أه” للتمسك بأرضية المحادثة في الوقت الذي نخطط فيه لما سنقوله، إذ تشير “أه” إلى تأخير قصير و”همم” إلى تأخير أطول.

للحد من كلمات الحشو، اتبع طريقة الصمت

الأمر الجيد هو أنك تستطيع تحويل نقطة الضعف هذه إلى نقطة قوة عن طريق استبدال الحشو بالصمت.

تشير الأبحاث إلى أن معظم الخطابات الحوارية تضم فترات صمت تتراوح مددها بين القصيرة (0.20 ثانية) والمتوسطة (0.60 ثانية) والطويلة (أكثر من ثانية واحدة). غالباً ما يصمت المتحدثون العظماء لثانيتين أو ثلاث أو أكثر. وتبين بياناتنا الصوتية أن المتحدث العادي يستخدم 3.5 فترات صمت فقط في الدقيقة الواحدة، وهذا ليس كافياً.

هذا أمر مفهوم، فالسكوت ليس سهلاً أثناء الخطاب. وبالنسبة للعديد من المتحدثين، قد تبدو أقصر فترة صمت لا نهائية. هذا لأننا نفكر بسرعة أكبر من التكلم. ووفقاً لبحثنا، يتكلم المتحدث المحترف الوسطي بمعدل 150 كلمة في الدقيقة. ولكن وفقاً لبحث أجرته “جامعة ميزوري”، نحن نفكر بمعدل 400 كلمة في الدقيقة الواحدة (وقد يرتفع المعدل ليصل إلى 1500 كلمة في الدقيقة بناء على من تطرح عليه السؤال).

بسبب هذا التباين، عندما تُلقي خطاباً غالباً ما ينحرف إدراكك للوقت، وما يبدو لك أزلياً يكون مجرد ثوان قليلة بالنسبة للمستمعين.

على الرغم من ما نشعره بشأن الصمت في البداية، إلا أنه إذا وُضع في مكانه الصحيح سوف يجعلك تبدو هادئاً ومركزاً، ويساعدك بثلاث طرق:

  • استجمع أفكارك: إذا فقدتَ تسلسل أفكارك سوف يمنحك الصمت الوقت لاستعادة مسار أفكارك. وطالما أن الفترة ليست طويلة أكثر مما ينبغي (لا تزيد عن خمس ثوان) لن يشعر المستمعون بالانزعاج.
  • هدئ أعصابك: الصمت للحظة قبل البدء بالخطاب أمر هام جداً بالنسبة للأشخاص الذين يخافون من إلقاء الخطابات، لأنه يساعد على تهدئة الأعصاب. كما أنّ هذه الطريقة مفيدة في منتصف الخطاب أيضاً، إن وجدتَ أنك بدأت تشعر بالارتباك توقف واصمت لبرهة قصيرة وتنفس بعمق (دون أن يكون ذلك واضحاً ولا مسموعاً) ثم ابدأ من جديد.
  • التشويق: الصمت ليس خطة دفاعية دوماً، فعندما تحدد مواضعه بصورة استراتيجية ستتمكن من تشويق المستمعين أو تشديد تركيزهم على نقطة معينة أو منحهم بعض الوقت لاستيعاب فكرة رئيسية.

يمنحك الصمت وقتاً لمعرفة ما سوف تقول، تماماً مثل كلمات الحشو، ولكنه يجعلك تبدو واثقاً ومسيطراً، على عكس الإفراط باستخدام كلمات الحشو الذي يشتتك ويجعلك تبدو وكأنك لا تعلم ما ستقوله.

ثلاث خطوات للتوقف عن استخدام كلمات الحشو

الخطوة الأولى لتغيير أيّ عادة هي الوعي، سواء كانت هذه العادة هي قضم أظافرك أو إضافة كلمة “يعني” إلى كلّ جملة. ولتتعرف على كلمات الحشو التي تستخدمها، سجل آخر خطاب أو حديث ألقيته على شريط فيديو أو راجع نصه المكتوب، وحدد الكلمات التي تستخدمها غالباً. وما أن تدركها، ستبدأ بسماعها في أحاديثك اليومية. أرفق هذه الكلمات بحركة صغيرة، كأن تضرب بيدك على فخذك كلما قلت كلمة “يعني” مثلاً. أو اطلب من أحد أفراد عائلتك أو صديقك المقرب مراقبة كلمات الحشو التي تستخدمها وتنبيهك عليها عن طريق إصدار صوت تصفيق مثلاً أو نقرة بالإصبع.

ثم ما أن تصبح متنبهاً لكلمات الحشو التي تستخدمها قبل أن تتفوه بها، ابدأ بإجبار نفسك على الصمت. وللتدرب، سجل فيديو وتحدث فيه عما قمت به من بداية اليوم حتى نهايته. وتدرب على الاستعانة بالصمت بدلاً من كلمات الحشو عند محاولة تذكر أحداث يومك.

وأخيراً، أودّ التنبيه على أهمية التحضير الكبيرة. التوتر هو أحد أهمّ الأسباب التي تدفعنا لاستخدام كلمات الحشو، ويزداد توترك كلما قلّ تحضيرك للخطاب، وسيدفعك للكلام بسرعة أكبر والتلعثم ونسيان ما سوف تقوله تالياً. ولذا، عليك بالتدريب. في المتوسط، يكون المعدل المثالي للاستعداد لإلقاء الخطاب هو ساعة تدريب لكل دقيقة من الخطاب على الأقلّ. كما أنّ الدكتور تيري غوين، أحد خبراء التواصل لدينا، يوصي المتحدثين بإلقاء الخطاب كاملاً ثلاث مرات على الأقل قبل المثول أمام الجمهور.

يمكن لكلمات الحشو عند استخدامها باقتصاد وفعالية أن تجعلك أكثر ارتباطاً بمستمعيك، وتمنحك الوقت لالتقاط أنفاسك، وتشدد التركيز على النقاط الرئيسية في خطابك. ولهذا السبب وضعت شركة “جوجل” بعض كلمات الحشو في نظام المساعد الذكي “دوبلكس” (Duplex). ولكن استخدامها بسبب التوتر وعدم التحضير سيضر بمصداقيتك. لذلك، عندما تحضر لخطابك التالي، حدد أكثر الكلمات التي تستخدمها ودرب نفسك على تفاديها. ثم، عندما تقف أمام الجمهور المرة المقبلة، استعن بالصمت لتجميع أفكارك بدلاً من ملئ الهواء بالصوت.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .