كيف نتفادى شيخوخة المؤسسة؟

4 دقائق
39851999 - automatic businessman

هل تشيخ المؤسسة؟ ما هي أعراض المؤسسة الهرمة؟ كيف نتجنب تعرض مؤسساتنا للشيخوخة؟ عادة ما نستخدم كلمة "الشيخوخة" لوصف ما يتعرض له البشر عند التقدم في العمر، ولكن في الآونة الأخيرة، أصبحت هذه الكلمة تُستخدم لوصف حالة تمر بها المؤسسات. لكن الفرق الأساسي في الحالتين، هو أن هرم المؤسسات غير مرتبط بالعمر على عكس الإنسان، فيمكن أن تعاني مؤسسة ما من حالة شيخوخة على الرغم من مرور سنوات قليلة على إنشائها، ويمكن لمؤسسات أن تستمر عشرات السنين مع بقائها فتية متجددة، وفي الأساس، فإن شيخوخة المؤسسات ترتبط بشيخوخة العقول التي تديرها.

هناك عدة أعراض يمكن من خلالها تشخيص إصابة مؤسستك بالشيخوخة نوجزها بما يلي:

  • البطء في الاستجابة للتغيرات والتطورات المتلاحقة: يُعتبر هذا عارضاً أساسياً من عوارض الهرم المؤسسي، حيث نلاحظ عدم قدرة المؤسسة على التعامل مع المستجدات، أو استغراق وقت طويل في تحضير خطط العمل الخاصة بها ووضعها موضع التنفيذ. ويمكن التعبير عن هذه الحالة بوصف المؤسسة أنها تهتم بالأقوال بدلاً من الأفعال، وعبّر عن ذلك ماريو موريرا في كتابه الصادر حديثاً "المؤسسة الرشيقة" (The Agile Enterprise)، بأنه على المؤسسة الناجحة توجيه معظم إمكانياتها لاكتشاف التغييرات المهمة فور حدوثها والتركيز عليها، وعدم استثمار الموارد المتاحة في أعمال لا تضيف قيمة إليها.
  • فقدان القدرة على إتمام المبادرات والمشاريع بنجاح: وذلك عندما تطلق المؤسسة عدداً من المبادرات والأعمال التطويرية بزخم كبير، وتغطية إعلامية واسعة. ومع مرور الوقت نلاحظ أن جذوة النشاط خبت، فيتم إهمال تلك الأعمال، الأمر الذي يؤدي إلى توقفها أو إكمالها دون تحقيق الأهداف التي أُعلن عنها عند الإطلاق.
  • عدم وضوح الرؤيا: ويستدل على ذلك عبر النظر إلى رؤية المؤسسة، فنجدها عامة غير محددة، أو لا تتناسب بشكل واضح مع واقع العمل. وفي بعض الأحيان، يمكن تمييز هذا العارض عن طريق التغيير المستمر في رؤية المؤسسة من دون دواعٍ أو مسببات منطقية. صحيح أن التغيّرات المتسارعة ولا سيما التغيرات في التكنولوجيا والاتصالات تتطلب من المؤسسات المواكبة والتحديث، كما استنتج "بيتر سوان" و"جاس غيل" في كتابهما "رؤية المؤسسة والتغيرات التكنولوجية المتسارعة" (Corporate Vision and Rapid Technological Change)، المبني على دراسة عملية، إلا أن المؤسسات الهرمة تأخذ منحىً آخر إما بالتغيير غير المسبب أو الصياغة الفضفاضة للرؤية المؤسسية.
  • إدمان الاعتماد على الشركات الاستشارية والاستشاريين الخارجيين: من الطبيعي أن تستفيد المؤسسات من بيوت الخبرة والاستشاريين في حالات معينة خصوصاً عند الحاجة إلى معارف لا تتوفر داخلياً، ولكن في حالة المؤسسات المصابة بالشيخوخة يزداد الاعتماد على المستشارين الخارجيين بشكل كبير، وتفقد المؤسسة القدرة على توثيق المعرفة التي يوفرها هؤلاء الاستشاريون أو التعلم منهم، كما أنها لا تفلح في إدارة الخدمات الاستشارية بما هو مطلوب من حيطة وحذر.
  • انخفاض رضا الموظفين عن بيئة العمل في المؤسسة: الذي يمكن أن يأخذ مظاهر عديدة، مثل زيادة عدد حالات التأخر عن العمل والغيابات غير المبررة أو ندرة المقترحات أو الأفكار التطويرية التي يتقدم بها الموظفون أو انحسار مشاركة الموظفين في الفعاليات والأنشطة الجماعية التي تنظمها المؤسسة.

انطلاقاً من الأعراض التي تم ذكرها، يمكن تلخيص النصائح الخاصة بتفادي وصول مؤسساتنا إلى مرحلة الشيخوخة، وبداية لا بد من بناء قدرات التخطيط الاستراتيجي وإدارة الأداء في المؤسسة على نحو سليم، حيث إن ذلك من شأنه منح المؤسسة القدرة على صياغة رؤية واضحة، الأمر الذي يتم ملاحظته في عدد من الشركات الناجحة التي وضعت رؤية بأن تُصبح الشركة العالمية الرائدة في مجال الكيماويات، وشركة اتصالات عربية التي شرحت الفكرة بكلمة "الحيوية" رؤيتها بريادة المستقبل الرقمي لتمكين المجتمعات من خلال إعادة تشكيل حياة العملاء، وتسريع نمو الأعمال، وتعزيز تنافسية الدولة. إلى جانب ذلك، يساعد التخطيط الاستراتيجي وإدارة الأداء السليمين المؤسسات على استشعار التغيرات في السوق أو البيئة التشريعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والاستجابة لها بشكل سليم. وسيمكّن ذلك المؤسسة من إدارة الأداء الفعّال ما يسمح برصد حالات التقصير عند حدوثها، ومعالجة إهمال تنفيذ المبادرات والمشاريع. كذلك من المهم وجود إدارة حكيمة للمعارف المؤسسية واكتسابها وتوثيقها ونقلها سواء كانت المعارف صريحة أو ضمنية، وهذا ما يميز المؤسسة المتعلمة عن باقي المؤسسات، ومن الممارسات المتميزة في توثيق المعلومات ما يعرف باسم (الذاكرة المؤسسية)، إذ تمكّن هذه الطريقة من توثيق المعلومات والاحتفاظ بها واسترجاعها عند الحاجة.

ويمكننا تعريف المعلومات المستهدفة في الذاكرة المؤسسية بأنها تلك المعلومات التي تدعم اتخاذ القرارات، ولا يتم الاحتفاظ بها في مكان واحد ضمن المؤسسة، وإنما في إدارات وأقسام متفرقة حسب طبيعة عمل واختصاص كل منها.

هذا، ويجب على المؤسسات الراغبة في البقاء فتية، محاولة التركيز على الموظفين، عن طريق إشراكهم واتخاذ ما هو ضروري لإبقائهم في مستوى جيد من الرضا الوظيفي، ومن الطرق الفعّالة في تحقيق ذلك: الحرص على أن تنمو المؤسسة والموظفين معاً لا أن يكون تطور ونضج المؤسسة على حساب الموظفين، أو أن يضطروا إلى البحث عن ذواتهم خارج المؤسسة التي يعملون بها.

الأمر الجيد أنه يمكن تشخيص بعض أعراض الشيخوخة المؤسسية والتعامل معها باستخدام أدوات إدارية متداولة، مثل التقييم الذاتي، وتحليل الفجوات، وتحليل البيئة الخارجية، وغيرها. ولكن إذا ما أردنا الحصول على نظرة متكاملة لما تتمتع به مؤسستنا من شباب، ينبغي علينا تقييم الأعراض المذكورة مجتمعة.

أخيراً، ليست شيخوخة المؤسسات حكراً على قطاع معين، وإنما يمكن أن تصيب أي مؤسسة في أي قطاع، سواء القطاع الخاص أو القطاع الحكومي أو القطاع شبه الحكومي. كذلك فإن الشيخوخة المؤسسية يمكن أن تصيب حكومات ودول بأكملها، وهو الأمر الذي ينتج عن الترهل الذي يصيب المؤسسات الحكومية، ما يؤدي إلى ضعف أدائها للدور المنوط بها، والذي بدوره يضعف وجود وتأثير الدولة على الصعيد العالمي. ويجب عدم الخلط بين مفهوم شيخوخة المؤسسة الذي تناولناه في هذا المقال وشيخوخة المنتج، الذي يصنف المرحلة الأخيرة في دورة حياة أحد السلع أو الخدمات التي تقدمها المؤسسة، والذي يحدث نتيجة التغيرات التي تطرأ على السوق ومعدلات العرض والطلب. بكل الأحوال، يُعتبر التنبه إلى أعراض الشيخوخة المؤسسية والتعامل معها بالشكل المناسب، أحد مفاتيح النجاح والقدرة على الاستمرار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي