يُثبت أداء شركة "تيسلا" الناجح في السوق في الفترة الأخيرة أن بعض المشكّكين في قدرتها على النجاح كانوا على خطأ، فقد بلغت القيمة السوقية لشركة "تيسلا" 107 مليار دولار بحلول منتصف شهر يناير/ كانون الثاني، متجاوزة بذلك شركة صناعة السيارات الألمانية العملاقة "فولكس فاغن" لتصبح ثاني أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم بعد شركة "تويوتا". ويتجاوز تقييم شركة "تيسلا" اليوم تقييم شركتي "فورد" و"جنرال موتورز" مجتمعتين. ومن المحتمل أن يكون المشككون في صحيفة "وول ستريت" في حالة ذهول، إلا أنني غير مندهش على الإطلاق. ولأقدم لكم إفصاحاً كاملاً عن المعلومات، لا بدّ من أن أقرّ بامتلاكي سيارتين من نوع "تيسلا" وأسهماً في الشركة أيضاً. إلا أن تجاربي الثلاث بصفتي رئيساً تنفيذياً لشركة برمجيات أثبتت لي أن نموذج العمل المبتكر للشركة يُمثل تهديداً وجودياً لقطاع صناعة السيارات بأكمله. كيف ذلك؟ "البرمجيات تجتاح العالم"، جاء ذلك بحسب مارك أندرسن، المؤسس المشارك والشريك المتضامن لشركة رأس المال المغامر (أو ما تسمى بشركة رأس المال الجريء) "آندرسن هورويتز" (Andreessen Horowitz)، في مقالة بارزة نشرها عام 2011. وتُعد البرمجيات جزءاً كبيراً مما يميّز شركة "تيسلا".
وأعتقد من وجهة نظري أن شركات صناعة السيارات التقليدية غير مستعدة للمنافسة في عالم اليوم القائم على البرمجيات. وعلى عكس شركة "تيسلا" الذكية، تُعتبر الشركات التقليدية كبيرة وتتبع نهجاً بيروقراطياً وبطيئاً في الاستجابة إلى الزبائن، فضلاً عن أنها تعتمد على استراتيجية تمويل الزبائن لتنمية مبيعات الوحدات، وتختلف عن شركة البرمجيات من الناحية الثقافية.
وتُدرك هذه الشركات الفرق بينها وبين شركة "تيسلا" بالفعل، ففي الخريف الماضي، أعلن رئيس مجلس إدارة شركة "فولكس فاغن" الذي لا يزال يعاني من فضيحة الانبعاثات الناجمة عن السيارات أن شركة "تيسلا" تُعتبر "منافساً جاداً". وينطوي التحدي الأكبر الذي تواجهه شركة "فولكس فاغن" وغيرها من شركات صناعة السيارات الرائدة على افتقارها إلى الخبرة اللازمة للتنافس في عصر السيارات القائمة على البرمجيات، فقد قلبت شركة "تيسلا" ومؤسسها المُبدع إيلون ماسك قطاع صناعة السيارات رأساً على عقب خلال 16 عاماً فقط.
كيف حدثت الزعزعة بهذه السرعة؟ تبدأ الإجابة من خلال النظر في كيفية وصول قادة شركات السيارات التقليدية في العالم إلى مكانتهم الحالية. كان سوق صناعة السيارات مجزأً ويضم حوالي 200 شركة في أوائل العشرينيات من القرن العشرين، ثم اندمجت هذه الشركات بشكل تدريجي في عدد قليل من الشركات العملاقة التي أقامت حواجز قائمة على رأس المال لدخول السوق مفترضة أنه سيكون من الصعب على الشركات الصغيرة تجاوزها.
إن سرعة شركة "تيسلا" في الابتكار ضمن سوق السيارات المتطورة مماثلة لسرعة شركتي "جوجل" أو "أمازون"، ويعتبر تقييم السوق المرتفع إشارة واضحة إلى جميع صانعي السيارات يُبيّن حاجتهم إلى تطوير نماذج أعمال أكثر ابتكاراً مثل شركة "تيسلا" من أجل تحقيق النجاح.
وحسب اعتقادي يوجد أربعة أمور تبرع شركة "تيسلا" في أدائها مقارنة بجميع شركات صناعة السيارات:
1. التركيز على تطوير السيارات واعتبارها أحد منتجات البرمجيات.
تصنع شركة "تيسلا" السيارات من خلال تطوير برمجيات على أجهزة فريدة من نوعها، تماماً كما تُطور شركة "آبل" أجهزة "الآيفون"، أو كما تستخدم شركة "مايكروسوفت" رقائق شركة "إنتل" (Intel) الإلكترونية وأجهزة كمبيوتر شركة "ديل" (Dell)، وهو ما يتيح للشركة تحسين القدرة الوظيفية للبرمجيات القائمة في سياراتها كل بضعة أسابيع. وتتناقض هذه السمة مع نموذج صناعة السيارات التقليدية التي تحافظ على خصائصها دون تطوير.
وتُعتبر التكلفة الإجمالية لملكية سيارة "تيسلا" أقل بكثير من مركبات الاحتراق الداخلي نتيجة احتوائها على قطع أقل. والأهم من ذلك، لن يحتاج الزبائن إلى تغيير زيت السيارة الباهظ الثمن أو ضبط المحرك أو استبدال كاتمات الصوت وما إلى ذلك. وتدرك شركات صناعة السيارات التي تستمد معظم ربحيتها من هذه الخدمات ذلك.
2. تسهيل عملية الشراء ومنح المستهلك زمام التحكم في هذه العملية.
لا تضع شركة "تيسلا" إعلانات عن سياراتها في الصحف أو تبُثها عبر الراديو، وإنما تستخدم نموذج المبيعات "الداخلي" الكلاسيكي، حيث تُدرك الشركة ذكاء المستهلكين وقدرتهم على العثور عليها، كما أنها تعي رحلة المشتري تماماً.
إن عملية شراء سيارة "تيسلا" هي عملية بسيطة نسبياً، حيث يمكنك الدخول إلى الموقع الإلكتروني واختيار طراز السيارة وإضافة الميزات التي ترغب في الحصول عليها ووضع وديعة واختيار موعد استلام السيارة، وهذا كل ما في الأمر. في المرة الأخيرة التي اشتريت فيها سيارة من شركة صناعة سيارات يابانية معروفة، كانت عملية الشراء فاشلة من البداية حتى النهاية، حيث اضطررت إلى التحدث مع مندوب مبيعات رفض منحي سعراً مباشراً واستمر في العودة إلى المدير الذي واصل كتابة أسعار جديدة متتالية قبل أن نتوصل إلى اتفاق. وعندما استلمت السيارة، توسّل إليّ مندوب المبيعات أن أمنحه 10 نقاط في استطلاع صافي نقاط الترويج حتى يتمكن من الحصول على مكافأته. لذلك، أفضّل التحكم بتجربة الشراء هذه بنفسي اليوم.
3. استغلال خبرتها في تكنولوجيا البطاريات لتخفيض التكلفة الإجمالية لشراء السيارة على حساب عمرها.
تَتّسم سيارات "تيسلا" التي تعمل بالبطاريات ببساطتها مقارنة بسيارات منافساتها ذات الاحتراق الداخلي. وحسب بعض التقديرات، تضم كل مركبة حوالي 20 قطعة مقابل 2,000 قطعة في محركات الاحتراق الداخلي. وتقلل هذه البساطة في الإنتاج من التكلفة الإجمالية للملكية. وقد استحوذت شركة "تيسلا" مؤخراً على عدة شركات لتصنيع البطاريات وستقوم بدمج أنواع جديدة من التقنيات المتعلقة بالبطاريات في مركباتها، وهو ما قد يقلل من تكلفة الملكية. ومن المرجح أن تستمر جهود شركات صناعة السيارات الأخرى في اللحاق بالركب على الرغم من تنافسها على اكتساب الخبرة المناسبة في مجال البطاريات الكهربائية.
4. التزامها بالتوجهات السائدة في السوق، مثل تبنّي التكنولوجيا الخضراء للتقليل من الاحتباس الحراري.
تتمتع شركة "تيسلا" بالفعل بميزة كبيرة في بعض الفئات من وجهة نظر تسويقية. من يرفض امتلاك سيارة لا تتسبب في تلوث البيئة وتوفّر على الأفراد عناء التوجه إلى محطات الوقود وتتبنى التكنولوجيا الخضراء؟ في المقابل، قد تسعى شركات صناعة السيارات الأخرى جاهدة للحاق بركب هذا النهج.
وبالنظر إلى هذا الوضع، ما الذي ينوي قطاع السيارات فعله؟ ستقدّم شركات صناعة السيارات التقليدية مجموعة متزايدة من السيارات الكهربائية في عام 2020، لكنها لن تكون سيارات قائمة على البرمجيات بالضرورة، وإنما ستكون سيارات اعتدنا ركوبها ولكنها مزودة بمحركات كهربائية.
لا يوجد شك في أن قيادة السيارات القائمة على البرمجيات تنطوي على مخاطر أمنية، كما هو الحال مع أي نوع من أنواع التواصلية. ولكن يمكن لشركة "تيسلا" توسيع دورها الريادي من خلال نمذجة كيفية إدارة هذه المخاطر بشكل فاعل.
ويتعين على شركات صناعة السيارات التقليدية اليوم أن تدرس كيفية تحولها إلى شركات قائمة على البرمجيات، وبالنظر إلى مدى تأخرها عن الركب اليوم، قد يتعين عليها اتباع النهج الذي اتبعته شركات البرمجيات القديمة عندما زعزعت الشركات الناشئة أسواقها الأساسية، بمعنى شراء منافسين لتوحيد السوق. ومن الضروري ترصُّد هذا النشاط بحذر، ذلك أنه من المحتمل أن يبدأ بصورة جدّية.