ملخص: إذا أردت قيادة فريق من الموظفين المتفاعلين المنتجين المتحمسين الذين يتقنون عملهم ويلتزمون به، فلا بد من إظهار تقديرك لهم. فعندما نشعر بأهميتنا في علاقتنا بالشريك أو الأصدقاء أو أحد الوالدين، ينمو داخلنا شعور بالارتباط والثقة والاهتمام. وبصفتك مديراً، جديداً كنت أو خبيراً، ما الخطوات التي يمكنك اتخاذها لاحترام هذه الحاجة وتلبيتها؟
- عليك معرفة أفراد فريقك جيداً وتوطيد علاقتك بكل فرد منهم. فعندما تخصص الوقت الكافي لمعرفة الأفراد الذين تقودهم، يمكنك تصميم أسلوب الإدارة المناسب لك ولهم، وحينها تظهر لأعضاء فريقك أنك تقدّرهم مجموعة وأفراداً.
- اتخذ من المحادثات التنموية عادة في الفريق. يجب ألا تسأل الموظفين عن أهدافهم ودوافعهم وما يثير حماسهم مرة واحدة فحسب، فبإجراء هذه المحادثات على نحو منتظم، ستظهر لهم أنك مهتم في نمو قدراتهم.
- ترجم أقوالك إلى أفعال. فمن الضروري أن تثبت لأفراد فريقك تقديرك لهم عبر ترجمة أقوالك إلى أفعال والدفاع عنهم فعلاً. وذلك يعني أنك عندما تقطع لهم وعداً فستفي به، سواء كان ذلك عبر الدفاع عن حقوقهم في الاجتماعات العامة أو المغلقة.
- أعطِ بسخاء. عندما لا يكرّم المدير موظفيه سوى مرات قليلة في العام، فستنخفض فاعليتهم إلى الخُمس. عليك الإشادة بموظفيك مراراً سراً وعلناً. في اجتماعاتك الثنائية مع موظفيك، عليك الإشادة دائماً بإنجاز واحد على الأقل يفخر به الموظف في ذلك الأسبوع أو الشهر.
نحن البشر نحتاج بالفطرة إلى الشعور بالتقدير، وهي حاجة متأصلة بنا منذ آلاف السنين، إذ شكّل أسلافنا مجموعات اجتماعية لمواجهة تحديات بيئتهم، ومن كان جزءاً من مجموعة كانت فرصه للبقاء على قيد الحياة أعلى ممن كان يعيش بمفرده، وكان بقاء المجموعة يعتمد على إسهام كل عضو فيها؛ لكل عضو قيمته.
وحملنا معنا هذه الحاجة الأساسية والمستندة إلى البقاء عبر آلاف السنين. فعندما نشعر بالتقدير، سواء كان ذلك في علاقتنا بالشريك أو الصديق أو الوالدين، سنشعر بالارتباط والثقة والاهتمام، أي سنشعر بالأمان العاطفي. وفي سياق العمل، تكشف الأبحاث أن الموظفين الذين يشعرون بالتقدير يتمتعون بصحة بدنية وعقلية أفضل ومستويات أعلى من التفاعل والرضا والتحفيز مقارنة بنظرائهم الذين لا يشعرون بالتقدير.
وبصفتك مديراً، جديداً كنت أو خبيراً، ما الخطوات التي يمكنك اتخاذها لاحترام هذه الحاجة وتلبيتها؟
الإجابة التقليدية عن هذا السؤال مزيج من المشاركة الوجدانية والتعاطف والإشادة والتقدير. وعلى الرغم من أن هذه الإجابة ليست خاطئة، يختلف أسلوب تطبيقها باختلاف الأشخاص، لأن الشعور الحقيقي بالتقدير في غاية الخصوصية. ابتعدت المدعية العامة الفيدرالية السابقة والشريكة في شركات قانونية كبرى إيمي كونواي هاتشر عن عملها بوصفها شريكة لتتفرغ لتأليف كتاب "أكثر، بلا حدود" (Infinitely More)، وهو كتاب يروي سيرة حياتها المهنية وما تعلمته عن أسباب ترك النساء لمناصب مهمة وكيف يخسر القادة خدماتهن. يتمثل الموضوع الأساسي للكتاب في أهمية الشعور بالتقدير وإظهار التقدير للآخرين.
تواصلت مع إيمي لمعرفة المزيد حيث قالت إنه على المدراء التعامل مع التقدير كصيغة من الإجراءات وليس كقائمة تحقق مؤلفة من بضع كلمات.
وأضافت إيمي: "تخيليه نوعاً خاصاً من الصلصة المكونة من مكونات متنوعة، بعض المكونات عام نموذجي، مثل الملح، وبعضها الآخر يرجع إلى الخصوصية الفردية: مثل رشة من الفلفل، أو قليل من الخل، أو ملعقة صغيرة من الصلصة الحارة".
ليس ثمة حل سحري لإتقان هذه المهارة، ولكن ثمة خطوات يمكنك اتخاذها لمعرفة الاحتياجات الفردية الخاصة لأعضاء فريقك. وبناء على تجربتي بصفي مدربة ومستشارة، ومحادثاتي مع عدد قليل من الخبراء في هذا المجال، إليك طريقة تُشعر فيها موظفيك بالأهمية والاحترام في العمل.
تعرف إلى موظفيك جيداً
لا يمكنك تلبية احتياجات أحدهم ما لم تعرف ما هي، ولمعرفتها عليك توطيد علاقتك بكل عضو في الفريق. اسأل نفسك:
- إلى أي مدى أعرف أعضاء فريقي؟
- ما تطلعاتهم؟ ما الذي يحفزهم؟
- ما الذي يثير حماسهم في عملهم؟
- ما التحديات التي يواجهونها في العمل (مثل عدم التنوع، الشعور بالإهمال، الخوف من التحدث أمام الجمهور) أو في المنزل (مثل واجبات الأبوة والأمومة، ورعاية أشخاص آخرين، ومشكلات صحية).
فعندما تخصص الوقت الكافي لمعرفة الأفراد الذين تقودهم، يمكنك تصميم أسلوب الإدارة المناسب لك ولهم، وحينها تظهر لأعضاء فريقك أنك تقدّرهم مجموعة وأفراداً.
لنتأمل هذه الحالة على سبيل المثال: نور مديرة جديدة يتألف فريقها من موظفين هما زيد وليلى. عندما تولت نور منصبها الجديد، التقت معهما بشكل فردي وسألتهما عن أهدافهما ودوافعهما والتحديات التي يواجهانها. علمت أن ليلى تطمح إلى أن تصبح مديرة، بينما لا تثير المناصب الإدارية اهتمام زيد الذي أوضح أن منصبه الحالي بوصفه مسهماً فردياً في الفريق يمنحه المرونة التي يحتاج إليها للتدريب والمنافسة في سباقات الترياثلون (سباق في رياضات ثلاث) هوايته المفضلة.
تستطيع نور استناداً إلى هذه المعلومات تعديل أسلوب إدارتها لتلبية احتياجات عضوي فريقها، إذ يمكنها أن تعبر عن تقديرها لليلى عبر تحفيزها لتنمية قدراتها، ومنحها فرص التعلم والتطور، وتزويدها بالتدريب والملاحظات الضرورية للانتقال إلى منصب إداري. أما بالنسبة إلى زيد، فيمكن لنور الحرص على حماسه للعمل، والتنويه بإسهاماته، والحفاظ على مرونة جدول أعماله بحيث تمنحه مزيداً من الاستقلالية بشأن مكان عمله وزمانه.
واظب على المحادثات التنموية في الفريق
يجب ألا تسأل الموظفين عن أهدافهم ودوافعهم وما يثير حماسهم مرة واحدة فحسب، ووفق المدربة المهنية ريبيكا فريزر ثيل التي تساعد عملاءها على تحقيق أكبر قدر من الإنجاز والجدوى والتأثير في وظائفهم ومهنهم، يجب على المدراء تحويل المحادثات التنموية إلى ممارسة دائمة.
وتحذّرك فريزر ثيل من التسرع في المحادثة الأولى مع أعضاء فريقك في حال لم تكن هذه الاجتماعات من سمات أسلوب إدارتك، وتنصح بمنحهم بعض الوقت ليتحضروا لها. وعليك أن تخبر الموظف الذي تنوي إجراء محادثة تنموية معه مسبّقاً أنك ترغب في مناقشة أهدافه وتجربته في الشركة، وأن تقدم له بعض الأسئلة لكي يتأملها، وتخيره بين الرد عليها عبر البريد الإلكتروني أو الانتظار لتقديم إجاباته في أثناء الاجتماع.
ومن الأمثلة على تلك الأسئلة:
- ما أهدافك التنموية التي تنوي أن تحققها الشهر المقبل؟ وماذا عن العام القادم؟
- ما الذي يثير حماسك للعمل حالياً؟ ما الذي يدفعك للعمل؟
- ما الذي ترغب في تعلمه؟
- هل أستطيع تقديم أي مساعدة في إطار عملك الحالي؟
- ما الأهداف المستقبلية لمسيرتك المهنية؟ هل أستطيع مساعدتك في تعجيل تحقيقك لهذه الأهداف؟
وبصرف النظر عن طريقة الإجابة عن تلك الأسئلة (في الاجتماع أم عبر البريد الإلكتروني)، حاول أن تدفعهم للتوسع أكثر في الإجابة. اختر الأسئلة التي تتطلب شرحاً وافياً حتى تثبت اهتمامك الصادق بمعرفة الإجابة. وفي حال أخبرك الموظف بأنه مهتم بتعلم تحليلات البيانات مثلاً، فاجمع معلومات أكثر حول اهتمامه قبل أن تقدم له الحل. اسأله عن سبب اهتمامه بتحليلات البيانات، وهل تساعده تحليلات البيانات في أداء عمله الحالي أم أنه يفكر في تغيير مساره الوظيفي.
وعبر هذه المحادثة قد تكتشف أن هذه المهارة تساعده على أداء عمله الحالي، وقد تساعده على اكتشاف أن تنوع المهارات سيدفعه قُدماً في مسيرته المهنية. بتفاعلك النشيط مع موظفيك وبمشاركتك في حل مشكلاتهم، ستسهم في نموهم وتطورهم، وهي إحدى الطرق للتعبير لهم عن أهميتهم.
ومن الآن فصاعداً، واظب على محادثات التنمية على نحو منتظم، واستخدمها للحديث عن الأهداف التي وضعتها ولو لمرة واحدة في الشهر. ولا تحصر تركيزك على المهام المنجزة أو مناقشة المشاريع الحالية. توسع بأسئلتك: كيف تسير الأمور؟ كيف يمكنني أن أقدم لك المساعدة؟ إذ تحول هذه الأسئلة المحادثات إلى حوار متبادل وتشجع الأخذ والرد في النقاشات.
عندما تحول المحادثات التنموية إلى ممارسة دائمة، ستُظهر للموظفين أنك تولي اهتماماً كبيراً لتعزيز قدراتهم وتطوير مهاراتهم المهنية بالإضافة إلى آفاقهم المستقبلية.
ترجم أقوالك إلى أفعال
روى لي عملائي على مر السنين الكثير من القصص عن عدم تقدير مدرائهم لهم عبر التباين بين الأقوال والأفعال. وأخبرتني إحداهم كيف عبّر لها مديرها عن مدى حماسه لانضمامها إلى فريقه حين نالت ترقية في عملها، وكم كان بأمسِّ الحاجة إلى خبراتها المهنية، وأنه انهال عليها بعبارات الثناء والمديح طيلة ستة أشهر عبر اجتماعاتهما الثنائية، ولكن زملاءها الأقدم في الفريق كانوا يقطعون حديثها دائماً ويرفضون رأيها باستمرار وبذلك يخسر الفريق إسهاماتها.
وكان المدير يبدي تفهمه لإحباطها واستيائها من ذلك ويعدها بوضع حد لهذه الحالة، لكنه لم يحرك ساكناً، فاستقالت. أخبرتني أنه لو اتخذ المدير إجراءات فعلية عوضاً عن تجاهل سلوك الفريق المسيء، ولو لم يحصر تقديره لها على الاجتماعات الثنائية، كانت ستبقى في عملها.
فمن الضروري أن تثبت لأفراد فريقك تقديرك لهم عبر ترجمة أقوالك إلى أفعال والدفاع عنهم فعلاً. وهذا يعني أنه عندما تعد باتخاذ خطوات لمصلحة موظفيك للدفاع عنهم في الاجتماعات العامة أو المغلقة، أو لمساندتهم في الحصول على زيادة في الراتب، أو حتى للاعتراف بجهدهم فحسب، فعليك الوفاء بوعدك فعلاً. وفي حال كان الموظفون غير قادرين على رؤية الخطوات التي وعدتهم باتخاذها، أخبرهم بما فعلت لأجلهم وبنتائج ما فعلته وما الخطوات القادمة في سبيل تحقيق وعدك لهم.
كن سخياً
توصلت دراسة أجرتها شركة غالوب (Gallup) بالتعاون مع شركة ورك هيومان (workhuman) إلى أن 40% من الموظفين يشيد مدراؤهم بجهودهم بضع مرات في العام أو أقل. ورداً على سؤال كم مرة ترغب في أن يثني مديرك على جهودك، أجاب 21% منهم ببضع مرات في الأسبوع على الأقل، بينما قال 59% أنهم يرغبون في ذلك بضع مرات في الشهر على الأقل.
كما أظهرت الدراسة نفسها الأهمية البالغة للتقدير المتكرر. فعندما لا يكرّم المدير موظفيه سوى مرات قليلة في العام، ستنخفض فاعليتهم خمس مرات، وسيفكر ما نسبته 74% منهم بالانتقال للعمل في مؤسسة أخرى في غضون عام، وسيعاني ما نسبته 27% منهم صعوبة في أدائه لعمله. بالإضافة إلى ذلك، كشفت الدراسة أن الإشادة غير العلنية توصف غالباً على أنها شخصية ومهمة، لكن الإشادة العلنية ترفع من قيمة الموظف وتعظم من شأن الثناء عليه. فعندما يرى الموظفون أحدهم ينال تقديراً، فإنهم يتأثرون بذلك ويقدمون التقدير للآخرين في المؤسسة، وبالتالي يمتد ذلك التأثير إلى جميع أقسام المؤسسة.
ماذا يعني ذلك بالنسبة إليك بصفتك مديراً؟ عليك الإشادة بموظفيك مراراً سراً وعلناً. في اجتماعاتك الثنائية مع موظفيك، عليك الإشادة دائماً بإنجاز واحد على الأقل يفخر به الموظف في ذلك الأسبوع أو الشهر. وفي حال أثنى أحدهم على سلوك موظفيك أو أشاد بك بناء على جهودهم، أخبرهم بذلك. وفي اجتماعات الفريق، التزم بالتحدث عن شيء إيجابي واحد أنجزته المجموعة. ولا يهم إن كان صغيراً بحجم الدعم المتبادل فيما بينهم في أحد المآزق، أو التعاون على إنجاز مهمة في وقت ضيق. وفكر ملياً بالكلام الذي ستوجهه لهم، وستعلم بقليل من العزم والجهد أن اكتشاف طرق جديدة لتقدير موظفيك وتحفيزهم أسهل مما تتخيل.
إذا أردت قيادة فريق من الموظفين المتفاعلين المنتجين المتحمسين الذين يتقنون عملهم ويلتزمون به، فلا بد من إظهار تقديرك لهم. فالحرص على شعور موظفيك بأهميتهم سيساعدك قبل أن يساعدهم على تحقيق أهدافك. لا تفوت هذه الفرصة السانحة، بل يجب أن تكون أولى أولوياتك بصفتك مديراً.