لنوضح شيئاً مهماً: النزاعات في العمل جزء طبيعي ومحتوم من التفاعل مع الآخرين.
إذا دخلت في نزاع مع أحد زملائك، فهذا لا يدل على أنك أو زميلك تعانيان خطباً ما، وفي الواقع، لا يخلو أي مكان عمل من النزاعات؛ فمن الممكن أن نختلف حول وجوب تطبيق نظام جديد لتكنولوجيا المعلومات وكيفية تطبيقه، ومن الممكن أن نتشاجر حول المبادرة الاستراتيجية التي يجب أن ننفذها، ومن الممكن أن نتنازع حول أحقية قيادة مشروع مهم للذكاء الاصطناعي، وفي بعض الأحيان يمكن ببساطة أن يبدر منا سلوك عدواني سلبي مزعج في تفاعلاتنا مع الآخرين. مهما كانت هذه النزاعات مزعجة وتستنزف طاقتنا، فلا مفر من مواجهتها بالنسبة لنا جميعاً، ولكن ما يهم هو كيفية تعاملنا معها.
وسواء كنت في نزاع عميق مع أحد زملائك في هذه اللحظة بالذات، أو كنت تدير فريقاً غير متناغم على ما يبدو، أو كان حل النزاعات مهارة ترغب في إتقانها فقط، فسأساعدك على ذلك. في هذا المقال، سأشرح ما هو حل النزاعات، وما يجعله مهارة أساسية، إضافة إلى كيفية التعامل معه. أيضاً، سأشارك بضعة مبادئ قد يكون من المفيد أن تسترشد بها عند التعامل مع أي نزاع.
ما هو حل النزاعات؟
جوهرياً، يمكن أن نعرّف حل النزاعات بأنه عملية معالجة الخلافات من خلال التعاون مع الأطراف المتنازعة على التوصل إلى حلول مقبولة لدى الجميع، ومن المرجح أن تتضمن هذه العملية البنّاءة التركيز على الفوائد المشتركة للأطراف المتنازعة، والاستماع الفعال للأطراف جميعها والتواصل المفتوح بينها، إضافة إلى شيء من التفاوض.
أما المرحلة المتعلقة بـ "الحل" فليست بالضرورة اتفاقاً حاسماً وسريعاً على الخطوات اللاحقة (على الرغم من أن هذا مفيد بالتأكيد!). ثمة نواحٍ مفيدة لكنها أقل وضوحاً. على سبيل المثال، قد يؤدي الاشتراك في هذه العملية إلى تحسين الفهم المتبادل (الآن فهمت قصدك)، وتخفيف التوترات، وتعزيز التعاون، وبناء علاقات أسلم وأصلب. وبطبيعة الحال، ستختلف تفاصيل كل حل وفق نوع النزاع المعني.
ومع ذلك، فقد ذكرت في كتابي "دليل هارفارد بزنس ريفيو حول التعامل مع النزاعات" (HBR Guide to Dealing with Conflict) أن الحل بطبيعته يتضمن 3 مكونات:
- يجب أن يحقق الاتفاق أكبر قدر ممكن من مصالحك ومصالح الطرف الآخر. يؤيد برنامج التفاوض "Program on Negotiation" في كلية هارفارد للقانون، هذا التركيز على المصالح، وذلك في إطار ما يسمى بـ "التفاوض المبدئي" (principled negotiations).
- يجب أن يكون الحل أيضاً منصفاً ومعقولاً. هذا يعني أن يكون الحل معقولاً بالنسبة لك وللطرف الآخر، وأن يكون بإمكانك أن تدافع عن هذا الحل أمام أي شخص آخر مهتم بنتيجة هذا النزاع. ويجب أن تشعر أنت والطرف الآخر بأن عملية التوصل إلى الاتفاق كانت منصفة.
- يجب أن تبقى العلاقة سليمة. في نهاية المطاف، لا يمكن أن نعتبر الحل ناجحاً إذا أدى إلى زرع الكراهية بين الطرفين. ويجب أن يتمكن كل طرف من الحفاظ على هذه العلاقة، وتحسينها أيضاً.
ما الذي يجعل حل النزاعات مهارة أساسية؟
لا بد من نشوب النزاعات، بغض النظر عن طبيعة العمل أو مكانه أو زملاء العمل. في عام 2024، اختار الباحثون في شركة غارتنر (Gartner) حل نزاعات الموظفين بوصفه مهارة ضرورية للمدراء بناءً على نتائج استطلاع رأي يعود إلى عام 2023، الذي قال 57% من المدراء المشاركين فيه إنهم يتحملون كامل المسؤولية عن إدارة النزاعات في الفِرق وحلها. أي أن تعلم إدارة النزاعات لم يعد مجرد خيار في المؤسسات الحالية.
إن السعي إلى تفادي الخلافات، حتى إن كان أسلوبك المُعتَمَد عادة في التعامل مع النزاعات، ليس مفيداً لك على الدوام. وكما كتبت مؤلفة كتاب "الشخصية القيادية التي ترغب باكتسابها" (The Leader You Want to Be)، إيمي جين سو:
"إن الجهود الرامية إلى التمسك بشخصية اللطيف قد تكلفك الكثير، فمن الممكن أن تؤدي إلى بناء علاقات غير صادقة وغير بنّاءة. وقد تسبب الأذى لصحتك واحترامك لنفسك، وتوحي للآخرين بأنك ضحية. كما قد تتسبب بالخسائر لمؤسستك خلال اللقاءات عندما تقدم التنازلات للشخص الأكثر استعداداً للمواجهة بين الحاضرين، أو تخسر تنوع التفكير الذي يمثل عاملاً مهماً للغاية للابتكار، أو تتوقف عن تقديم أفضل الحلول".
من ناحية أخرى، ثمة الكثير من الإيجابيات للتعامل البنّاء والاحترافي مع النزاعات. وفيما يلي بعض هذه الإيجابيات التي تحدثت عنها في مقالي "لماذا يجب أن نزيد من نزاعاتنا في العمل" (Why We Should Be Disagreeing More at Work).
نتائج أفضل في العمل
عندما تحتك بزملائك باستمرار بحثاً عن طريقة أفضل، فمن المرجح أن يؤدي هذا الاحتكاك الخلاق إلى إيجاد حلول جديدة. لا يرتبط النزاع بقيمة ثابتة إلا فيما ندر. فإذا اختلفت مع زميلك حول أفضل طريقة لإطلاق مبادرة جديدة -يريد زميلك إطلاقها أولاً في سوق واحدة، في حين تريد دخول عدة أسواق في الوقت نفسه- فإنك ستضطر إلى دراسة السلبيات والإيجابيات لكل أسلوب، ما يتيح، في الحالة المثالية، إيجاد أفضل الحلول.
فرص التعلم والنمو
على الرغم من أن معارضة أفكارك قد تكون مدعاة للضيق، فهي فرصة للتعلم. ومن خلال الإصغاء إلى الآخرين والاستفادة من ملاحظاتهم ستكتسب الخبرة وتجرّب أشياء جديدة وتطور شخصيتك الإدارية. فعندما توبخك زميلة في العمل بعد عرض تقديمي مهم لأنك لم تعترف بمساهمة فريقها وعمله، فقد تكون كلماتها مؤلمة، لكنك على الأرجح ستصبح أكثر ميلاً للتفكير بوجهات نظر الجميع قبل أن تستعد لعرضك التقديمي المقبل.
تحسين العلاقات
عندما تتعاون مع الآخرين على حل النزاعات، ستشعر بأنك أصبحت أقرب إليهم، ويصبح لديك تصور أفضل حول الأشياء المهمة بالنسبة لهم، والأسلوب المفضل لديهم في العمل. كما أنك ستحقق سابقة مهمة، وهي أنه من الممكن أن ندخل في نزاعات "إيجابية" ونواصل العمل.
مستوى أعلى من الرضا في العمل
بيّنت دراسة حول الموظفين الأميركيين والصينيين في مؤسسات متعددة الجنسيات في الصين وجود ترابط بين استخدام أساليب معينة في التعامل مع النزاعات -إذ يسعى الموظفون إلى حلول ترضي الجميع، ويهتمون بالآخرين، ويركزون على المصالح المشتركة- وسعادة الموظفين في العمل.
الأمان النفسي
نرغب في أن نعمل ونقود فِرقاً يتقبّل أفرادها آراء الآخرين فيُطلع كل منهم الآخرين على وجهة نظره الفريدة، ويناقش معهم الأفكار والحلول، ويتواصل معهم بنبرة من الاحترام الذي يعزز الثقة. تبين الأبحاث أن الفرق التي يتشارك أفرادها آراءهم المتنوعة تستطيع اتخاذ قرارات أفضل. وفي الواقع، فإن الفرق التي يشعر أفرادها بأنهم في بيئة آمنة تسمح بالاختلاف تتفوق في أدائها على الفرق الأخرى. يعزز الأمان النفسي الالتزام والتفاعل والمسؤولية عن تقديم النتائج.
كيف يمكن التعامل مع عملية حل النزاعات؟
عندما يطرأ نزاع مع زميل في العمل -مثلما يحدث عند تلقّي رسالة فظة بالبريد الإلكتروني، أو عندما يرفع زميلك صوته في أثناء التحدث إليك خلال اجتماع- فقد يبدو الرد الفوري أمراً مغرياً.
لكن الاندفاع الفوري نحو حل النزاع، حتى مع أفضل النوايا، قد لا يسير على ما يرام على الدوام.
ومن الأفضل بكثير التفكير بأحسن طريقة للاستجابة لما حدث، بدلاً من الرد الفوري.
ملاحظة جانبية: إن تطبيق هذه النصيحة أسهل في أغلب الأحيان في بيئات العمل عن بُعد. فزميلك لن يتمكن من اللحاق بك في الردهة أو الذهاب إلى مكتبك حتى يرغمك على الحوار. ويمكنك في أغلب الأحيان أن تستعد بروية، ويمكنك حتى أن تدوّن بعض الملاحظات، قبل العودة إلى منصة زوم (Zoom) للاجتماع مع زميلك، أو التحدث إليه هاتفياً. لكن، حتى إن كنتما في المكان نفسه، خصص بعض الوقت للاستعداد قبل خوض الحوار.
وأنصح باتخاذ 4 خطوات لتحديد أفضل طريقة للتعامل مع خلاف ما.
1. حاول أن ترى الموقف من وجهة نظر الشخص الآخر.
عندما ندخل في خلاف عميق، يمكن أن تظهر لدينا نزعة نرجسية طبيعية فنركز على أنفسنا وما يمكن أن نكسبه أو نخسره. ولهذا، فكر بالشخص الآخر وحاول أن ترى الموقف من وجهة نظره. ما الذي يهمه؟ ما هو السبب الذي يدعوه إلى التصرف على هذا النحو؟ ماذا يريد؟
ليس من المستغرب أن تفترض الأسوأ أولاً. ومن الممكن حتى أن تفكر على النحو الآتي: "تتصرف أمل على هذا النحو لأنها حمقاء وعدوانية سلبية، وهي كذلك منذ التقيتها أول مرة".
تخلَّ عن هذه الفكرة الأولية، ثم اسأل نفسك: ما هو التفسير الأكثر إيجابية في هذه الحالة؟ من الممكن أن أمل تعاني ضغوطاً كبيرة بسبب مديرها.
من الممكن أنها لم تنم الليلة الماضية لأن طفلها مريض.
هذه طريقة تفكير إيجابية للغاية فيما يتعلق بأمل بالطبع. لكنها طريقة تفكير استراتيجية أيضاً، لأنك تؤطر ذهنك على أفضل نحو لخوض حوار بنّاء، والتفكير بمصالح أمل بحيث تأخذ هذه المصالح بالاعتبار في حوارك.
2. حدد السبب الحقيقي للخلاف.
عندما ندخل في نزاع في العمل، فإننا غالباً ما نفكر فيه باعتباره خلافاً شخصياً يتمحور حول علاقتنا، ولكن فعلياً غالباً ما تتمحور نزاعات العمل حول أشياء أخرى، أو على الأقل تندلع بسببها. لذا، راجع ما قلته وفعلته، وفكر في الأشخاص الآخرين ذوي الصلة، وأين بدأ النزاع، وبماذا يتعلق.
قد يكون من المفيد أيضاً أن تفكر في هذه الأنواع الأربعة من النزاعات، وهي أيضاً مأخوذة من كتابي "دليل هارفارد بزنس ريفيو حول التعامل مع النزاعات".
- المهمة: هذا أحد أكثر مصادر النزاعات شيوعاً، وهو الخلاف حول هدف العمل المشترك، أي ما نحاول تحقيقه. لنطلع على هذا المثال: اتفق القادة في شركة تكنولوجية على أن أحد أفضل منتجاتهم أداءً في السوق يحتاج إلى ميزة جديدة، لكنهم لا يستطيعون الاتفاق على كيفية قياس مستوى نجاحها؛ فقسم التسويق يريد توسيع حصة الشركة في السوق، والقسم المالي يركز على تحسين هوامش الربح للشركة، أما المهندسون فهم يرغبون في استخدام أحدث التكنولوجيات في هذا المنتج.
- العملية: يتمحور هذا النزاع حول الأسلوب، حيث ينبع الخلاف من عدم الاتفاق على طريقة تأدية العمل. وبالاستمرار مع المثال المذكور أعلاه، ثمة نزاع بين قسم التسويق والمهندسين، لأن قسم التسويق يعتقد أنه يجب إجراء دراسة للمنتج من خلال مجموعات التركيز من المستهلكين، في حين يريد المهندسون تأجيل هذه الدراسة حتى بناء نموذج أولي حائز الموافقات الداخلية في الشركة.
- المكانة: تتمحور هذه النزاعات حول الطرف الذي يحق له تحديد توجه معين، أو الطرف الذي يمتلك صلاحية اتخاذ قرار معين، أو الطرف الذي يستحق التقدير عن إنجاز معين. وفي مثال الشركة التكنولوجية، ثمة نزاع بين نائب الرئيس الأعلى للهندسة ونائب الرئيس الأعلى لتطوير المنتجات الجديدة حول مهمة قيادة المجموعة التي تعمل على تصميم الميزة الجديدة.
- العلاقة: بطبيعة الحال، ثمة نزاعات حول العلاقات، حيث يشعر أحد الطرفين أو كلاهما بقلة الاحترام أو الأذى، فيتبادلان التهجم والعبارات الحادة في الاجتماعات، وكذلك يتبادلان الرسائل الساخرة على منصة سلاك (Slack). غالباً ما تنشأ نزاعات العلاقات من خلافات من نوع آخر. على سبيل المثال، يمكن أن يتفاقم الخلاف حول توقيت إجراء تجربة مجموعات التركيز (وهو نزاع عملية) متحولاً إلى مشاحنات بين الفريقين، ويشوش اجتماعاً أكثر شمولية حول هذه المبادرة.
نادراً ما تنحصر النزاعات في فئة واحدة فقط من هذه الفئات، وفي أغلب الحالات تحدث عدة أشياء في الوقت نفسه، وينتهي المطاف بالكثير من الخلافات بأن تتحول إلى نزاعات علاقات، بغض النظر عن منشئها.
لكن إذا تمكنت من معرفة السبب الحقيقي للخلاف فسيصبح حله أسهل بكثير. ولهذا، اسأل نفسك: هل يتمحور النزاع حول هدف المشروع أو كيفية تحقيقه؟ هل يعتقد الطرف الآخر أنه أحق بقيادة المبادرة؟ هل تبادلتما الإهانات والعبارات الحادة؟ أم حدث كل ما سبق؟
3. حدد هدفك الرئيسي.
أعترف بأن هدفي الافتراضي هو أن أثبت أنني على حق وأن الطرف الآخر مخطئ. لكنه هدف سيئ جداً بدلاً من ذلك، فكر بما ترغب في تحقيقه فعلياً في هذا الموقف؛ هل تحتاج إلى تنفيذ المشروع ضمن الفترة الزمنية المحددة ودون تجاوز الميزانية؟ هل تريد فقط أن تنهي هذا الحوار وتتابع حياتك؟ هل تحتاج إلى أن تحافظ على علاقتك مع هذا الشخص لأنكما ستعملان معاً لاحقاً؟
قد ترغب في تحقيق كل هذه الأشياء، لكن فكر بهدفك الرئيسي. ما هو الهدف الأهم؟ من الأفضل أن يتقاطع هدفك مع هدف الشخص الآخر، لأن الهدف المشترك يمثّل نقطة انطلاق ممتازة نحو حل النزاع.
4. حدد الخطوات التالية.
الخطوة الأخيرة هي اتخاذ القرار حول ما يجب فعله، بناءً على عملك في الخطوات السابقة الثلاث. في الكثير من الأحيان، يمكن حل المشكلة ببساطة من خلال اتخاذ الخطوات الثلاث الأولى، فقد تدرك أن المسألة بأسرها ليست بهذه الأهمية حين تستوعب وجهة نظر الشخص الآخر، وقد تدرك أن هدفك الحقيقي هو الحفاظ على سلاسة العلاقة، وتقرر ألا تفعل شيئاً.
لكن ثمة خيارات أخرى أيضاً. قد تختار أن تتجاوز هذا الخلاف فلا تقول أي شيء لزميلك، أو لا ترد على تعليقه، أو تتجاهل الأمر وتتابع حياتك ببساطة. نحن نفعل هذا طوال الوقت، ودون قصد في أغلب الأحيان، وهو أسلوب ممتاز للتعامل مع أغلب الخلافات، وهو خيار جيد عندما لا يكون لديك من الطاقة أو الوقت ما يكفي للتعامل مع الخلاف، أو عندما تشك بأن الشخص الآخر غير راغب في إجراء حوار بنّاء. لكن لا تلجأ إلى هذا الخيار إن لم تكن متأكداً من أنك لن تبقى مستاءً في أعماقك بسبب الخلاف، لأنك لن تتجاوزه فعلاً.
ثمة خيار آخر، وهو التعامل مع الخلاف مباشرة، وهو ما أنصح به في أغلب الأحيان. وعند اتخاذ هذا الخيار، تخوض نقاشاً بنّاءً حول ما يحدث وكيف يمكن حل النزاع. هذا أسلوب ذكي إذا كنت تشعر بالقلق من استمرار استيائك إذا بقي الخلاف دون حل، أو إذا كنت تريد إعادة العلاقة مع الطرف الآخر إلى سابق عهدها. كما أنه أسلوب مفيد إذا حاولت أن تتجاوز الخلاف ولكن المشكلة لم تختفِ.
ليس ثمة نص محدد مسبقاً لهذا الحوار، لكنني سأشير إلى مدى أهمية اختيار الكلمات بعناية وتروٍّ خلال هذا الحوار. فإما أن تحسن التعبير عن رغبتك في التعاون مع الطرف الآخر فتجد نفسك على المسار الصحيح نحو الحل الناجح؛ وإما أن تثير استياء زميلك بكلماتك فتنهار العملية بأسرها. يتضمن مقال "اختيار الكلمات الصحيحة في الخلافات" (Choose the Right Words in an Argument) بعض القواعد التي يمكن اتباعها في هذه الحالة.
المبادئ التي يجب اتباعها خلال حل النزاع
ستتمكن من تطبيق استراتيجيات حل النزاعات بفعالية أكبر إذا اتبعت بعض المبادئ الأساسية المهمة.
وجهة نظرك لا تعبّر سوى عن زاوية واحدة فقط من المسألة.
من السهل أن تركز على نظرتك إلى الموقف، وتعتقد أنها "صحيحة" وحتى "منصفة" موضوعياً، هذا طبيعي لدى البشر جميعاً. لكن لدى الطرف الآخر وجهة نظر أيضاً، وقد يكون مقتنعاً بأنه محق مثلك تماماً.
ومن الأفضل بكثير أن تعترف بأن وجهة نظرك إزاء هذا النزاع مختلفة على الأرجح، وبأن هذا طبيعي ومتوقع. لن تتطابق وجهة نظرك مع وجهة نظر زميلك على الدوام، وبدلاً من أن يحاول كل منكما أن يقنع الآخر، حاولا العمل معاً للتوصل إلى الحل. وقد وصف مضيف المدونة الصوتية "10% هابيير" (10% Happier)، دان هاريس، هذا المبدأ بأسلوب جميل إذ قال: "لا تدعم نفسك".
لا تكتفِ بالاستماع، بل استمع على نحو نشط وفعال.
من المؤكد أنك ترغب في أن يسمع الطرف الآخر وجهة نظرك، لكن من المهم أيضاً أن تستمع إلى الطرف الآخر. إذا سمعت ما يقوله الطرف الآخر، فستصبح أكثر قدرة على التعامل مع المسائل التي تهمكما. وهذا يقتضي ألا تكتفي بإفساح المجال أمام الطرف الآخر حتى يتكلم فحسب، بل يجب أن تستمع إليه على نحو نشط وفعال، وتبيّن أنك سمعت ما قاله وأنك تفهم مقصده.
لا تضع نفسك في مواجهة مع الطرف الآخر.
ليس من مصلحتك أن تتعامل مع المشكلة على أنها قضية ربح أو خسارة، بل تخيل أن هذا الخلاف يتضمن 3 كيانات: أنت وزميلك والمشكلة التي تحاولان حلها، ويمكنك أن تحسن فرص التوصل إلى حل من خلال التعامل مع المشكلة بعقلية تعاونية، أي أن تعتبر أنك تتعاون مع زميلك على مواجهة المشكلة بدلاً من أن تواجهه على اعتبار أنه سبب المشكلة.
أجرِ التجارب لتحديد الحلول الناجعة.
كما قلت سابقاً، ليس ثمة أسلوب محدد مسبقاً لحل النزاع، بل يجب أن تبادر إلى العمل بذهنية منفتحة واستعداد لتعديل أسلوبك عند الحاجة. ويمكنك أن تتخيل أنك عالِم يحاول التوصل إلى أفضل وسيلة لحل خلاف، ثم تجدد أساليبك باستمرار بناءً على ما تكتشفه في أثناء محاولاتك، وكن مستعداً للتخلي عن الأساليب التي لا تعطيك النتائج المرغوبة. من المحتمل أن تجرب أسلوباً لم تجربه من قبل، أو حتى أسلوباً لا يتوقع الشخص الآخر أنه سيدفع الحوار نحو مسار إيجابي جديد.
نظّم مشاعرك.
من الصعب ألا تنفعل حين تدخل في خلاف شديد لأنه يبدو لك تهديداً؛ ربما تخاف أن تضطر إلى التخلي عن شيء ما -مثل وجهة نظرك، أو أسلوبك المعتاد في العمل، أو فكرة أنك على حق، أو حتى سلطتك- ولهذا، يستعد جسمك للقتال من خلال تحفيز نظامك العصبي العاطفي. لكنك لن تتمكن من حل المشاكل الكامنة التي تسببت بالنزاع إذا خضت الحوار وأنت في حالة "القتال أو الهرب أو الجمود"، لذلك خذ نفساً عميقاً، وركز على جسدك. من الممكن أن تردد لنفسك عبارة ما تساعدك على التركيز، مثل: "أنا لست موضوع هذا الخلاف" أو "هذه المشكلة ستمر بسلام" أو "هذا الخلاف يتعلق بالعمل". تذكّر أن تكون فضولياً، وتبنَّ عقلية النمو وثق بأن هذا الموقف سيتيح لك تعلم شيء جديد. ولا تنسَ أهمية أخذ قسط من الراحة.
إن إتقان هذه الخطوات لن يخلّصك من النزاعات في العمل، لكن اتباع النصائح المذكورة أعلاه سيقلل هذه الحوادث ويخفف ضررها، عليك وعلى زملائك.
اقرأ أيضاً: كيف تُتقن فنّ إدارة النزاعات قبل أن تتولى قيادة أي مشروع؟