من التحديات الصعبة التي يمكن أن تواجهها أن تقنع صناع القرارات بأن مقترحاتك وتوصياتك جديرة بوقتهم واهتمامهم، وهذا هو الحال حتى بالنسبة للخبراء الأكثر تمرساً ونجاحاً. إذاً، فماذا الذي عليك فعله إذا وجدت نفسك مضطراً لإقناع شخص يجهل خبراتك وتجاربك، أو حتى تراه متشككاً فيها؟
يرى الباحثون في مجال الإقناع أنّ صناع القرارات غالباً ما يضعون ثقةً أقل في ما يُقال لهم وثقةً أكبر فيمن يوصل القول لهم. ولأسباب وجيهة، يساعد اتباع جهات موثوقة غالباً في الحد من مشاعر الحيرة وعدم اليقين. وفي بيئات العمل اليوم التي أصبحت دائمة التقلب، ازدادت الثقة في ناقل الرسالة وأصبح هو صاحب التأثير لا الرسالة نفسها.
ولذلك، من الضروري أن تقنع من تتحدث إليه أنك تتمتع بالخبرة التي تؤهلك إلى تقديم توصية، مما يعني أنك قد تكون في ورطة إذا كنت مفتقداً للمصداقية.
عليك أن تظهر بمظهر صاحب الكفاءة والمعرفة، فعلى الرغم من أنّ سرد ما حققته من إنجازات ونجاحات وانتصارات قد يبدو مثيراً للإعجاب، إلا أنه لن يساعدك كثيراً في كسب قلوب الآخرين، فمن منا يحب المتفاخرين! لكن إذا استعنت بشخص آخر ليقوم بذلك بالنيابة عنك، فيمكن أن ينجح الأمر وتتجاوز مأزق المباهاة والتفاخر.
ولنأخذ على سبيل المثال مجموعة من الدراسات التي أجراها جيفري فيفر (جيف فيفر)، الأستاذ في جامعة ستانفورد الأميركية، الذي توصل إلى أنّ الاستعانة بوسيط يمتدحك في غيابك قد تكون وسيلة فعالة وناجحة. إذ طُلب من المشاركين في إحدى الدراسات لعب دور ناشر كتب يتعامل مع مؤلف يتمتع بالخبرة والنجاح وطُلب منهم قراءة مقتطفات من التعليقات على أحد الكتب المتقدمة للحصول على دعم مالي كبير. قرأ نصف المشاركين مقتطفات من تعليقات الوكيل يمتدح فيها إنجازات المؤلف. أما المجموعة الأخرى، فقرأت تعليقات مماثلة كتبها المؤلف نفسه. وكانت النتيجة واضحة، إذ ارتفع تقييم المشاركين الإيجابي للمؤلف في جميع الأبعاد تقريباً، خاصة في ما يتعلق بموثوقيته، عندما أشاد الوكيل عن المؤلف وأثنى عليه لا عندما أثنى المؤلف على نفسه. واللافت أنه على الرغم من إدراك المشاركين أنّ هناك فائدة مادية تعود على الوكلاء من نجاح المؤلفين الذين يعملون معهم وأنهم متحيزين في حكمهم عليهم إلا أنّ ذلك لم يؤثر على آرائهم ولم يأخذوه في الحسبان.
وفي دراسة أخرى أُجريت مع وكلاء العقارات، قمت أنا وفريقي بدراسة أثر حديث موظف الاستقبال عن وكيل العقارات والتعريف بمؤهلاته ومقوماته قبل تحويل مكالمة العميل المحتمل. وتم إبلاغ العملاء الذين يرغبون في بيع عقار ما بصراحة عن مؤهلات الوكيل والتدريبات التي حصل عليها قبل تحويل الاستفسار إليه. وكان لهذه المقدمة المجانية تأثيراً مذهلاً، إذ رصدت الوكالة على الفور ارتفاعاً بنسبة 19.6% في عدد المقابلات التي تم حجزها مقارنةً بنسبة المقابلات المحجوزة دون وجود هذه المقدمة التعريفية. لذلك، فإنّ الاستعانة بالآخرين للتحدث عن خبراتك قبل التقدم بمقترحاتك يزيد من احتمالية اهتمام الناس برأيك والأخذ بنصيحتك.
وتذكر أنّ الأمر نفسه ينطبق إذا تم تقديم مقترحك في صيغة مكتوبة، إذ عند تقديم مقترح أو توصية ما، عليك تجنب الوقوع في خطأ تأجيل التحدث عن مؤهلاتك ومؤهلات فريقك حتى نهاية الوثيقة التي تكون ممتلئة بما يكفي، وإنما عليك التأكد من ذكرها بشكل واضح في البداية.
ومن الوسائل التي يمكنها أن تساعدك على كسب استحسان الناس إذا لم تكن لديك الخبرة الكافية هي التركيز على قدراتك.
وفي بحث أجراه الأستاذ زكري تورمالا المتخصص في علم الإقناع، طُلب من المشاركين تقييم اثنين من المرشحين لوظيفة مدير أول في إحدى الشركات الكبرى، ولم تكن تختلف خلفياتهم ومؤهلاتهم سوى في جانب رئيسي واحد، وهو أنّ أحدهما اكتسب خبرة لمدة عامين في صناعة ذات صلة وحصل على درجة عالية في اختبار تقييم القيادة والآخر لم يكتسب سوى خبرة قليلة لكنه حصل على درجة عالية في اختبار القدرات القيادية. وعلى الرغم من وجود قصور في الخبرة، تم تقييم المرشح الحاصل على درجة عالية في اختبار القدرات القيادية على اعتباره الأقرب للحصول على الوظيفة مع قلة كفاءته من الناحية الموضوعية.
ولا تنطبق هذه الميزة الإقناعية للقدرات على السياقات التوظيفية فحسب، فمثلاً، تم عرض مجموعة من الاقتباسات حول ممثل كوميدي على مستخدمي فيسبوك، إذ حققت اهتماماً (بناء على عدد النقرات) وإعجاباً (بناء على عدد المعجبين) أكبر بكثير عند الإشارة إلى قدراته الواعدة: "سيصبح هذا الشاب أسطورة الكوميديا القادمة" بدلاً من الإشارة إلى إنجازاته الفعلية: "يرى النقاد أنه أصبح أسطورة الكوميديا القادمة".
إذا كانت لديك موهبة كبيرة ولكنك تفتقد الخبرة الوظيفية، ما زالت أمامك الفرصة. فالإضافة إلى عرض مدى درايتك ومعرفتك قبل التقدم بالمقترح، حاول كذلك إرفاق عبارة تشير إلى النجاحات التي تبشر بها قدراتك. قد يساعدك ذلك على إقناع الآخرين بالنظر إليك بإيجابية أكبر، مما قد يؤدي بدوره إلى ترجيح كفتك، حتى وإن لم تكن خبيراً من الناحية النظرية.